ب مم وبيسي

مم /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /التجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة /صفائي /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الهندسة بأفرعها /لغة انجليزية2ث.ت1. /مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق /عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ /فيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق /فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات / /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني ثانوي.ت1. /ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث  ///بيسو /مدونات أمي رضي الله عنكي /نهاية العالم /مدونة تحريز نصوص الشريعة الإسلامية ومنع اللعب باالتأويل والمجاز فيها /ابن حزم الأندلسي /تعليمية /أشراط الساعة /أولا/ الفقه الخالص /التعقيبات /المدونة الطبية /خلاصة الفقه /معايير الآخرة ويوم الحساب /بر الوالين /السوالب وتداعياتها

الأحد، 27 ديسمبر 2020


تصنيف:محلى ابن حزم:المجلد الثاني صفحات تصنيف «محلى ابن حزم:المجلد الثاني» الصفحات 90 التالية مصنّفة بهذا التصنيف، من إجمالي 90.



تصنيف:محلى ابن حزم:المجلد الثاني 
صفحات تصنيف «محلى ابن حزم:المجلد الثاني»
الصفحات 90 التالية مصنّفة بهذا التصنيف، من إجمالي 90.

*
محلى ابن حزم - المجلد الثاني
ا
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الأربعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (مسألة 753) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753)
كتاب الصيام
وأما الحقنة ، والتقطير في الإحليل ، والتقطير في الأذن ، والسعوط ، والكحل ، ومداواة الجائفة ، والمأمومة - : فإنهم قالوا : إن ما وصل إلى الجوف وإلى باطن الرأس - لأنه جوف - فإنه ينقض الصوم ، قياسا على الأكل ؟ ثم تناقضوا ، فلم ير الحنفيون ، والشافعيون في الكحل قضاء ، وإن وصل إلى حلقه ، ولم ير مالك بالفتائل تستدخل لدواء بأسا للصائم ، ولم ير الكحل يفطر ، إلا أن يكون فيه عقاقير ؟ وقال الحسن بن حي : لا تفطر الحقنة إن كانت لدواء ؟ وعن إبراهيم النخعي لا بأس بالسعوط للصائم ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي . أن أباه ، ومنصور بن المعتمر ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة كانوا يقولون : إن اكتحل الصائم فعليه أن يقضي يوما مكانه . قال أبو محمد : إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع ، وتعمد القيء ، والمعاصي ، وما علمنا أكلا ، ولا شربا ، يكون على دبر ، أو إحليل ، أو أذن ، أو عين ، أو أنف ، أو من جرح في البطن ، أو الرأس وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف - بغير الأكل ، والشرب - ما لم يحرم علينا إيصاله والعجب أن من رأى منهم الفطر بكل ذلك لا يرى على من احتقن بالخمر ، أو صبها في أذنه حدا فصح أنه ليس شربا ، ولا أكلا ؟ ثم تناقضهم في الكحل عجب جدا وهو أشد وصولا إلى الحلق ، ومجرى الطعام من القطور في الأذن ؟ واحتج بعضهم بأنه كغبار الطريق ، والطحين ؟ فقيل له : ليس مثله ؛ لأن غبار الطريق ، والطحين : لم يتعمد إيصاله إلى الحلق ، والكحل تعمد إيصاله ؟ وأيضا : فإن قياس السعوط على غبار الطريق ، والطحين أولى ؛ لأن كل ذلك مسلكه الأنف ؛ ولكنهم لا يحسنون قياسا ولا يلتزمون نصا ، ولا يطردون أصلا وأما المضمضة ، والاستنشاق فيغلبه الماء فيدخل حلقه عن غير تعمد . فإن أبا حنيفة قال : إن كان ذاكرا لصومه فقد أفطر وعليه القضاء ، وإن كان ناسيا فلا شيء عليه - وهو قول إبراهيم . وقال مالك : عليه القضاء في كل ذلك . وقال ابن أبي ليلى : لا قضاء عليه ، ذاكرا كان أوغير ذاكر . وروينا عن بعض التابعين - وهو الشعبي ، وحماد - وعن الحسن بن حي : إن كان ذلك في وضوء لصلاة فلا شيء عليه ، وإن كان لغير وضوء فعليه القضاء . قال أبو محمد : قال الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وقال رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . وروينا قولنا في هذه المسألة عن عطاء بن أبي رباح . واحتج من أفطر بذلك بالأثر الثابت عن رسول الله ﷺ { : وإذا استنشقت فبالغ ، إلا أن تكون صائما } . قال أبو محمد : ولا حجة لهم فيه ؛ لأنه ليس فيه أنه يفطر الصائم بالمبالغة في الاستنشاق ؛ وإنما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم ، وسقوط وجوب ذلك عن الصائم فقط ؛ لا نهيه عن المبالغة ؛ فالصائم مخير بين أن يبالغ في الاستنشاق وبين أن لا يبالغ فيه ، وأما غير الصائم فالمبالغة في الاستنشاق فرض عليه ، وإلا كان مخالفا لأمره عليه السلام : بالمبالغة ؛ ولو أن امرأ يقول : إن المبالغة في الاستنشاق تفطر الصائم لكان أدخل في التمويه منهم ؛ لأنه ليس في هذا الخبر من وصول الماء إلى الحلق أثر ولا عثير ولا إشارة ولا دليل ؛ ولكنهم لا يزالون يتكهنون في السنن ما يوافق آراءهم بالدعاوى الكاذبة وبالله تعالى التوفيق
وأما الذباب يدخل في الحلق غلبة ، ومن رفع رأسه إلى السماء فتثاءب فوقع في حلقه نقطة من المطر - : فإن مالكا قال : يفطر ؛ وقال أبو حنيفة : لا يفطر بالذباب . وقد روينا من طريق وكيع عن أبي مالك عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في الذباب يدخل حلق الصائم قال : لا يفطر ؟ وعن وكيع عن الربيع عن الحسن في الذباب يدخل حلق الصائم قال : لا يفطر . وعن الشعبي مثله : وما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم إلا تلك الرواية الضعيفة عنه . وعن ابن مسعود : الفطر مما دخل وليس مما خرج ؛ والوضوء مما خرج وليس مما دخل ؟ وكلهم قد خالف هذه الرواية ؛ لأنهم يرون الفطر بتعمد خروج المني ، وهو خارج لا داخل ، ويبطلون الوضوء بالإيلاج ، وهو داخل لا خارج ؟ قال أبو محمد : قد قلنا : إن ما ليس أكلا ، ولا شربا ، ولا جماعا ، ولا معصية ، فلا يفطر ؛ لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك ، ولا رسوله ﷺ
وأما السواك بالرطب ، واليابس ، ومضغ الطعام أو ذوقه ما لم يصل منه إلى الحلق أي شيء بتعمد - : فكلهم لا يرون الصيام بذلك منتقضا ، وإن كان الشافعي كره السواك في آخر النهار ، ولم يبطل بذلك الصوم . وكره بعضهم مضغ الطعام وذوقه ، وهذا لا شيء ؛ لأن كراهة ما لم يأت قرآن ولا سنة بكراهته خطأ ، وهم لا يكرهون المضمضة ، ولا فرق بينهما وبين مضغ الطعام ؛ بل الماء أخفى ولوجا وأشد امتزاجا بالريق من الطعام ؛ وهذا مما خالفوا فيه القياس ؟ واحتج الشافعي بالخبر الثابت : { إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك } . قال أبو محمد : الخلوف خارج من الحلق ، وليس في الأسنان ، والمضمضة تعمل في ذلك عمل السواك ، وهو لا يكرهها ، وقول الشافعي في هذا هو قول مجاهد ، ووكيع ، وغيرهما . وقد حص رسول الله ﷺ على السواك لكل صلاة ، ولم يخص صائما من غيره فالسواك سنة - للعصر ، والمغرب ، وسائر الصلوات ؟ وقد كره أبو ميسرة الرطب من السواك للصائم ، ولم يكرهه الحسن وغيره . وروينا من طريق الحسن ، وحماد ، وإبراهيم : أنهم كانوا لا يكرهون للصائم أن يمضغ الطعام للصبي ، وكان الحسن يفعله
وأما مضغ العلك ، والزفت ، والمصطكى : فروينا من طريق لا يصح عن أم حبيبة أم المؤمنين : أنها كرهت العلك للصائم ؟ وروينا عن الشعبي : أنه لم ير به بأسا ؟ وقد قلنا : إن ما لم يكن أكلا ، ولا شربا ، ولا جماعا ، ولا معصية : فهو مباح في الصوم ؛ ولم يأت به نص بنهي الصائم عن شيء مما ذكرنا ، وليس أكلا ، ولا شربا ، ولا ينقص منه شيء بطول المضغ لو وزن - وبالله تعالى التوفيق وأما غبار ما يغربل فقد ذكرنا عن أبي حنيفة : أنه لا يفطر ، ورويناه أيضا من طريق ابن وضاح عن سحنون وهو لا يسمى أكلا ، ولا شربا ، فلا يفطر الصائم
وأما طعام يخرج من بين الأسنان في أي وقت من النهار خرج فرمى به - : فهذا لم يأكل ، ولا شرب ؛ فلا حرج ، ولا يبطل الصوم - : وبالله تعالى التوفيق ؛ وهو قولهم كلهم .
وأما من أصبح جنبا عامدا أو ناسيا - ما لم يتعمد التمادي ضحى كذلك حتى يترك الصلاة عامدا ذاكرا لها : - فإن السلف اختلفوا في هذا ؟ فرأى بعضهم أنه يبطل صومه بترك الغسل قبل الفجر ؟ وقال الحنفيون ، والمالكيون ؛ والشافعيون : صومه تام وإن تعمد أن لا يغتسل من الجنابة شهر رمضان كله ؟ قال أبو محمد : أما هذا القول فظاهر الفساد ، لما ذكرنا قبل من أن تعمد المعصية يبطل الصوم ، ولا معصية أعظم من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ؟ وذهبت طائفة من السلف إلى ما ذكرنا قبل - : كما روينا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر : " أنه احتلم ليلة في رمضان ثم نام فلم ينتبه حتى أصبح ، قال : فلقيت أبا هريرة فاستفتيته ؟ فقال : أفطر ، فإن رسول الله ﷺ كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا قال : فجئت إلى أبي فأخبرته بما أفتاني به أبو هريرة ، فقال : أقسم بالله لئن أفطرت لأوجعن متنك ، صم ، فإن بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل . وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة سمعت عبد الله بن عمرو القارئ قال { : سمعت أبا هريرة يقول : لا ورب هذا البيت ، ما أنا قلت : من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصم ، محمد - ورب الكعبة - قاله } . قال أبو محمد : وقد عاب من لا دين له ولا علم له هذا الخبر بأن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام روى عن أبي هريرة أنه قال له في هذا الخبر : إن أسامة بن زيد حدثه به ، وإن الفضل بن عباس حدثه به ؟ قال أبو محمد : وهذه قوة زائدة للخبر ، أن يكون أسامة والفضل روياه عن النبي ﷺ وما ندري إلى ما أشار به هذا الجاهل ؟ وما يخرج من هذا الاعتراض إلا نسبة أبي هريرة للكذب ، والمعترض بذلك أحق بالكذب منه ؟ وكذلك عارض قوم - لا يحصلون ما يقولون - هذا الخبر بأن أمي المؤمنين روتا { أن النبي ﷺ كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك النهار } . قال أبو محمد : وليس يعارض هذا الخبر ما رواه أبو هريرة لأن رواية أبي هريرة هي الزائدة . والعجب ممن يرد روايتهما رضي الله عنهما في أن رسول الله ﷺ كان يقبل وهو صائم برأيه - : ثم يجعل روايتهما هاهنا حجة على السنة الثابتة لا سيما مع صحة الرواية { عن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت : ما أدرك الفجر قط رسول الله ﷺ إلا وهو نائم } فهلا حملوا هذا على غلبة النوم ، لا على تعمد ترك الغسل ؟ واحتج أيضا قوم بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : رجع أبو هريرة عن فتياه في الرجل يصبح جنبا . قال علي : ولا حجة في رجوعه ، لأنه رأي منه ؛ إنما الحجة في روايته عن النبي ﷺ وقد افترض علينا اتباع روايتهم ، ولم نؤمر باتباع الرأي ممن رآه منهم . والعجب ممن يحتج بهذا من المالكيين وهم قد ثبتوا على ما روي عن عمر رضي الله عنه من تحريم المتزوجة في العدة على الذي دخل بها في الأبد . وقد صح رجوع عمر عن ذلك إلى أنه مباح له ابتداء زواجها ؟ وممن قال بهذا من السلف كما روينا من طريق ابن جريج عن عطاء : أنه لما اختلف عليه أبو هريرة ، وعائشة في هذا قال عطاء : يبدل يوما ويتم يومه ذلك . ومن طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال : من أدركه الصبح جنبا وهو متعمد أبدل الصيام ؛ ومن أتاه غير متعمد فلا يبدله ؟ فهذا عروة ابن أخت عائشة رضي الله عنها قد ترك قولها لرواية أبي هريرة . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر قال : سألت إبراهيم النخعي عن الرجل يصبح جنبا ؟ فقال : أما رمضان فيتم صومه ويصوم يوما مكانه ؛ وأما التطوع فلا ؟ ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا ابن إسحاق هو عبد الله قال : سألت سالما عن رجل أصبح جنبا في رمضان ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما مكانه . ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : من أصبح جنبا في شهر رمضان فاستيقظ ولم يغتسل حتى يصبح فإنه يتم ذلك ويصوم يوما مكانه ؛ فإن لم يستيقظ فلا بدل عليه . ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن البصري فيمن أصبح جنبا في رمضان : يقضيه في الفرض . ومن طريق ابن أبي شيبة عن عائذ بن حبيب عن هشام بن عروة في الذي يصبح جنبا في رمضان قال : عليه القضاء . قال أبو محمد : لو لم يكن إلا ما ذكرنا لكان الواجب القول بخبر أبي هريرة ، لكن منع من ذلك صحة نسخه ؟ وبرهان ذلك قول الله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } . حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا عبد الواحد ثنا حماد بن سلمة ثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } كان أحدهم إذا نام لم تحل له النساء ، ولم يحل له أن يأكل شيئا إلى القابلة ، ورخص الله لكم . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني هلال بن العلاء بن هلال الرقي ثنا حسين بن عياش - ثقة من أهل باجدا - : ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب : أن أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس ، حتى نزلت { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . قال أبو محمد : فصح أن هذه الآية ناسخة لكل حال تقدمت الصوم ، وخبر أبي هريرة موافق لبعض الأحوال المنسوخة ، وإذ صح أن هذه الآية ناسخة لما تقدم فحكمها باق لا يجوز نسخه وفيها إباحة الوطء إلى تبين الفجر ؛ فإذ هو مباح بيقين ، فلا شك في أن الغسل لا يكون إلا بعد الفجر ، ولا شك في أن الفجر يدركه وهو جنب ، فبهذا وجب ترك حديث أبي هريرة ، لا بما سواه - وبالله تعالى التوفيق
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الأولى
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الأولى
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الجنائز ابن حزم - المحلى كتاب الجنائز (مسألة 558 - 572)
المؤلف: ابن حزم كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577)
كتاب الجنائز
558 - مسألة : غسل المسلم الذكر والأنثى وتكفينهما : فرض ، ولا يجوز أن يكون الكفن إلا حسنا على قدر الطاقة ، وكذلك الصلاة عليه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس - ثنا مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين { عن أم عطية الأنصارية قالت : دخل علينا رسول الله ﷺ حين توفيت ابنته ، فقال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك } وذكر الحديث . فأمر عليه السلام بغسلها ، وأمره فرض ، ما لم يخرجه عن الفرض نص آخر . ولا خلاف في أن حكم الرجل والمرأة في ذلك سواء ، وإيجاب الغسل : هو قول الشافعي ، وداود - : والعجب ممن لا يرى غسل الميت فرضا وهو عمل رسول الله ﷺ وأمره ، وعمل أهل الإسلام مذ أوله إلى الآن حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن عبد الله ثنا حجاج بن محمد الأعور قال : قال ابن جريج أنا أبو الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث : { أن النبي ﷺ خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ، فقال : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه } . وروينا عن ابن مسعود : أنه أوصى أن يكفن في حلة بمائتي درهم ، وعن ابن سيرين : كان يقال : من ولي أخاه فليحسن كفنه ، فإنهم يتزاورون في أكفانهم . وعن حذيفة : لا تغالوا في الكفن ، اشتروا لي ثوبين نقيين . قال أبو محمد : هذا تحسين للكفن : وإنما كره المغالاة فقط ، وعن أبي سعيد الخدري : أنه قال لأنس ، وابن عمر ولغيرهما من أصحاب النبي ﷺ احملوني على قطيفة قيصرانية ، وأجمروا علي أوقية مجمر وكفنوني في ثيابي التي أصلي فيها ، وفي قبطية في البيت معها ؟ والذي روي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في أن يغسل الثوب الذي عليه ويكفن فيه وفي ثوبين آخرين - : تحسين للكفن ، وحتى لو كان خلاف لوجب الرد إلى رسول الله ﷺ .
559 - مسألة : ومن لم يغسل ولا كفن حتى دفن : وجب إخراجه حتى يغسل ويكفن ولا بد - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان هو ابن عيينة - قال عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبد الله قال : { أتى رسول الله ﷺ عبد الله بن أبي بعدما أدخل في حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبته ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصا } . قال أبو محمد : أمر النبي ﷺ بالغسل والكفن ليس محدودا بوقت ، فهو فرض أبدا ، وإن تقطع الميت ، ولا فرق بين تقطعه بالبلى وبين تقطعه بالجراح ، والجدري ، لا يمنع شيء من ذلك من غسله وتكفينه ؟
560 - مسألة : ولا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة ولا عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، ولا حين استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال ، ولا حين ابتداء أخذها في الغروب ، ويتصل ذلك بالليل إلى طلوع الفجر الثاني ، والصلاة جائزة عليه في هذه الأوقات كلها - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد ثنا حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : { خطب رسول الله ﷺ فزجر أن يقبر إنسان ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك } ؟ . قال أبو محمد : كل من دفن ليلا منه عليه السلام ، ومن أزواجه ، ومن أصحابه رضي الله عنهم : فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك ، من خوف زحام ، أو خوف الحر على من حضر ، وحر المدينة شديد ، أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا ، لا يحل لأحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك ؟ - : روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه كره الدفن ليلا ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه سمعت عقبة بن عامر يقول : { ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهى أن نصلي فيها أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب } . قال أبو محمد : قد بينا قبل أن الصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات إنما هي التطوع المتعمد ابتداؤه قصدا إليه . وكذلك كل صلاة فرض مقضية تعمد تركها إلى ذلك الوقت وهو يذكرها فقط ، لا كل صلاة مأمور بها أو مندوب إليها - وبالله تعالى التوفيق .
561 - مسألة : والصلاة على موتى المسلمين : فرض - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان أنا أبو داود هو الطيالسي - ثنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب سمعت عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أن رسول الله ﷺ أتي برجل من الأنصار ليصلي عليه ، فقال ﷺ : صلوا على صاحبكم ، فإن عليه دينا } وذكر الحديث ؟ فهذا أمر بالصلاة عليه عموما . وروي مثل ذلك أيضا في الغال ؟
562 - مسألة : حاشا المقتول بأيدي المشركين خاصة في سبيل الله عز وجل في المعركة خاصة ، فإنه لا يغسل ولا يكفن ، لكن يدفن بدمه وثيابه ، إلا أنه ينزع عنه السلاح فقط ، وإن صلي عليه : فحسن ، وإن لم يصل عليه : فحسن ، فإن حمل عن المعركة وهو حي فمات : غسل وكفن وصلي عليه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث هو ابن سعد - حدثني ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله : أنه ذكر قتلى أحد وقال : { إن رسول الله ﷺ أمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم } . وبه أيضا إلى الليث بن سعد : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني { أن رسول الله ﷺ خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم أنصرف إلى المنبر } وذكر الحديث - : قال أبو محمد : فخرج هؤلاء عن أمر النبي ﷺ بالكفن ، والغسل ، والصلاة - وبقي سائر من قتله مسلم ، أو باغ ، أو محارب ، أو رفع عن المعركة حيا - على حكم سائر الموتى ، وذهب أبو حنيفة إلى أن يصلى عليهم - : قال أبو محمد : ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين المذكورين للآخر ، بل كلاهما حق مباح ، وليس هذا مكان نسخ ؛ لأن استعمالهما معا ممكن في أحوال مختلفة . وقد صح عن النبي ﷺ { أن المبطون ، والمطعون ، والغريق ، والحريق ، وصاحب ذات الجنب ، وصاحب الهدم ، والمرأة تموت بجمع - : شهداء كلهم } . ولا خلاف في أنه عليه السلام كفن في حياته ، وغسل من مات فيهم من هؤلاء - وبالله تعالى التوفيق . وقد كان عمر ، وعثمان ، وعلي - رضي الله عنهم : شهداء ، فغسلوا ، وكفنوا وصلي عليهم ؟ ولا يصح في ترك المجلود أثر ؛ لأن راويه علي بن عاصم ، وليس بشيء ؟
563 - مسألة : وإعماق حفير القبر : فرض ، ودفن المسلم : فرض وجائز دفن الاثنين ، والثلاثة في قبر واحد ، ويقدم أكثرهم قرآنا ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن معمر ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال : سمعت حميدا هو ابن هلال - عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه قال { لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين ، فأصاب الناس جراحات ، فقال رسول الله ﷺ احفروا وأوسعوا ، وادفنوا الاثنين ، والثلاثة في القبر ، وقدموا أكثرهم قرآنا } وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا محمد بن بشار ثنا إسحاق بن يوسف ثنا سفيان هو الثوري - عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال { شكونا إلى رسول الله ﷺ يوم أحد ، فقلنا : يا رسول الله ، الحفر علينا لكل إنسان : شديد ؟ فقال رسول الله ﷺ احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا } فلم يعذرهم عليه السلام في الإعماق في الحفر - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث هو ابن سعد - حدثني ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال : { كان النبي ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ، ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد }
564 - مسألة : ودفن الكافر الحربي وغيره : فرض - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك : { أن رسول الله ﷺ أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث } . وقد صح نهيه عليه السلام عن المثلة . وترك الإنسان لا يدفن : مثلة . وصح أن { رسول الله ﷺ أمر إذ قتل بني قريظة بأن تحفر خنادق ويلقوا فيها } - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن سعيد ثنا يحيى هو ابن القطان - عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب قال { قلت للنبي ﷺ : إن عمك الضال قد مات فمن يواريه ؟ قال : اذهب فوار أباك } وذكر باقي الحديث - ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي سنان عبد الله بن سنان عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : رجل فينا مات نصرانيا وترك ابنه ؟ قال : ينبغي أن يمشي معه ويدفنه قال سفيان : وسمعت حماد بن أبي سفيان يحدث عن الشعبي : أن أم الحارث بن أبي ربيعة ماتت وهي نصرانية ، فشيعها أصحاب النبي ﷺ .
565 - مسألة : وأفضل الكفن للمسلم : ثلاثة أثواب بيض للرجل ، يلف فيها ، لا يكون فيها قميص ، ولا عمامة ، ولا سراويل ، ولا قطن . والمرأة كذلك ، وثوبان زائدان . فإن لم يقدر له على أكثر من ثوب واحد أجزأه . فإن لم يوجد للاثنين إلا ثوب واحد : أدرجا فيه جميعا . وإن كفن الرجل ، والمرأة بأقل أو أكثر فلا حرج - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ، { كفن النبي ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة } - : قال أبو محمد : ما تخير الله تعالى لنبيه إلا أفضل الأحوال ؟ وبه إلى البخاري : ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر - حدثني نافع عن ابن عمر قال { إن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي ﷺ فقال : أعطني قميصك أكفنه فيه ؟ وصل عليه واستغفر له ، فأعطاه قميصه ، وقال له : آذني أصل عليه } وذكر الحديث . وبه إلى البخاري : ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي عن الأعمش ثنا شقيق ثنا خباب قال { هاجرنا مع رسول الله ﷺ نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي ﷺ أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر } . قال أبو محمد : هكذا يجب أن يكفن من لم يوجد له إلا ثوب واحد لا يعمه كله ؟ قال أبو محمد : وههنا حديث وهم فيه راويه - : رويناه من طريق أحمد بن حنبل عن الحسن بن موسى الأشيب عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن محمد بن علي بن أبي طالب هو ابن الحنفية - عن أبيه { أن النبي ﷺ كفن في سبعة أثواب } . والوهم فيه من الحسن بن موسى ، أو من عبد الله بن محمد بن عقيل - : فإن ذكر ذاكر الخبر الذي رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان قال : سمعت سعيد بن أبي عروبة يحدث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ قال : { البسوا من ثيابكم البياض ، فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيه موتاكم } . قلنا : هذا ليس فرضا ، لأنه قد صح أنه عليه السلام لبس حلة حمراء وشملة سوداء - : وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي عن عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي - عن زيد هو ابن أسلم - أن ابن عمر قيل له { لم تصبغ بالصفرة ؟ قال : إني رأيت رسول الله ﷺ يصبغ بها ، ولم يكن شيء أحب إليه منها ، وكان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عمرو بن عاصم ثنا همام بن يحيى عن قتادة قال { قلت لأنس بن مالك أي الثياب كان أحب إلى رسول الله ﷺ ؟ قال الحبرة } . قال أبو محمد : لا يحل أن يترك حديث لحديث ، بل كلها حق ، فصح أن الأمر بالبياض ندب ؟ وباختيارنا هذا يقول جمهور السلف : كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن أبا بكر الصديق قال لها في حديث " فيم كفنتموه ؟ - يعني النبي ﷺ - قالت في ثلاثة أثواب بيض سحول ليس فيها قميص ولا عمامة ، فقال أبو بكر : انظروا ثوبي هذا فاغسلوه ، وبه ردع من زعفران أو مشق واجعلوا معه ثوبين آخرين " . ومن طريق ابن عمر قال : كفن عمر بن الخطاب في ثلاثة أثواب : ثوبين سحوليين ، وثوب كان يلبسه { وعن أبي هريرة أنه قال لأهله عند موته لا تقمصوني ولا تعمموني فإن رسول الله ﷺ لم يقمص ولم يعمم } . وعن ابن جريج عن عطاء : لا يعمم الميت ولا يؤزر ولا يردى لكن يلف فيها لفا . قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه : أنه كان يكفن الرجل من أهله في ثلاثة أثواب ليس فيها عمامة . وهو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان ، وأحمد بن حنبل ، وأصحابهم . وهكذا كفن بقي بن مخلد ، وقاسم بن محمد : أفتى بذلك الخشني ، وغيره ممن حضر ؟ وأما كفن المرأة فإن عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا حامد بن عمر ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت : { توفيت إحدى بنات النبي ﷺ فخرج فقال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني ؟ قالت فلما فرغن آذناه فألقى إلينا حقوه وقال : أشعرنها إياه } . وروينا عن الحسن قال : تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، وثلاث لفائف وعن النخعي : تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، ولفافة ، ومنطقة ، ورداء وعن ابن سيرين : تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، ولفافتين وخرقة ؟ وعن الشعبي تكفن المرأة في خمسة أثواب ، والرجل في ثلاثة ؟
566 - مسألة : ومن مات وعليه دين يستغرق كل ما ترك : فكل ما ترك للغرماء ، ولا يلزمهم كفنه دون سائر من حضر من المسلمين ؟ لأن الله تعالى لم يجعل ميراثا ولا وصية إلا فيما يخلفه المرء بعد دينه ، فصح أن الدين مقدم ، وأنه لا حق له في مقدار دينه مما يتخلفه ، فإذ هو كذلك فحق تكفينه - إذا لم يترك شيئا - واجب على كل من حضر من غريم ، أو غير غريم . لقول الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } وقول رسول الله ﷺ { من ولي أخاه فليحسن كفنه } . وقد ذكرناه قبل بإسناده . فكل من وليه فهو مأمور بإحسان كفنه ، ولا يحل أن يخص بذلك الغرماء دون غيرهم . وهو قول أبي سليمان وأصحابه ؟ فإن فضل عن الدين شيء فالكفن مقدم فيه قبل الوصية والميراث - : لما ذكرنا قبل من { أن رسول الله ﷺ كفن مصعب بن عمير رضي الله عنه في بردة له لم يترك شيئا غيرها ، فلم يجعلها لوارثه }
567 - مسألة : وكل ما ذكرنا أنه فرض على الكفاية فمن قام به سقط عن سائر الناس ، كغسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه . وهذا لا خلاف فيه ، ولأن تكليف ما عدا هذا داخل في الحرج والممتنع ، قال تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج }
568 - مسألة : وصفة الغسل أن يغسل جميع جسد الميت ورأسه بماء قد رمي فيه شيء من سدر ولا بد ، إن وجد ، فإن لم يوجد فبالماء وحده - : ثلاث مرات ولا بد ، يبتدأ بالميامن ، ويوضأ - : فإن أحبوا الزيادة فعلى الوتر أبدا : إما ثلاث مرات ، وإما خمس مرات ، وإما سبع مرات ويجعل في آخر غسلاته - إن غسل أكثر من مرة - شيئا من كافور ولا بد فرضا ، فإن لم يوجد فلا حرج ، لأمر رسول الله ﷺ بذلك كله - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا يزيد بن زريع عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت { دخل علينا رسول الله ﷺ ونحن نغسل ابنته فقال : اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن موسى ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن { أم عطية قالت لما غسلنا بنت رسول الله ﷺ قال لنا : ابدأن بميامنها وبمواضع الوضوء } . وقال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } فصح أن من لم يؤته الله تعالى سدرا ولا كافورا فلم يكلفه إياهما - : روينا عن ابن جريج عن عطاء : يغسل الميت ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، كلهن بماء وسدر ، في كلهن يغسل رأسه وجسده قال ابن جريج : فقلت له : فإن لم يوجد سدر فخطمي ؟ قال : لا ، سيوجد السدر . ورأى الواحدة تجزئ ، وهذا رأي منه ؟ وعن سليمان بن موسى ، وإبراهيم : غسل الميت ثلاث مرات . وعن محمد بن سيرين ، وإبراهيم : يغسل الميت وترا . وعن ابن سيرين : يغسل مرتين بماء وسدر ، والثالثة بماء فيه كافور . والمرأة أيضا كذلك . وعن قتادة عن سعيد بن المسيب : الميت يغسل بماء ، ثم بماء وسدر ، ثم بماء وكافور . وعن ابن سيرين : الميت يوضأ كما يوضأ الحي يبدأ بميامنه . وعن قتادة يبدأ بميامن الميت ، يعني في الغسل ؟
569 - مسألة : فإن عدم الماء يمم الميت ولا بد ، لقول رسول الله ﷺ { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا إذا لم نجد الماء } .
570 - مسألة : ولا يحل تكفين الرجل فيما لا يحل لباسه ، من حرير ، أو مذهب ، أو معصفر . وجائز تكفين المرأة في كل ذلك ، لما قد ذكرناه في كتاب الصلاة من { قول رسول الله ﷺ في الحرير ، والذهب إنهما حرام على ذكور أمتي حل لإناثها } . وكذلك قال في المعصفر : إذ نهى عليه السلام الرجال عنه ؟
571 - مسألة : وكفن المرأة وحفر قبرها من رأس مالها ، ولا يلزم ذلك زوجها ، لأن أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة ، قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . وإنما أوجب تعالى على الزوج النفقة ، والكسوة ، والإسكان ، ولا يسمى في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها الكفن : كسوة ، ولا القبر : إسكانا
572 - مسألة : ويصلى على الميت بإمام يقف ويستقبل القبلة ، والناس وراءه صفوف ، ويقف من الرجل عند رأسه ، ومن المرأة عند وسطها . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال { صلى رسول الله ﷺ على النجاشي فكنت في الصف الثاني ، أو الثالث } . ولا خلاف في أنها صلاة قيام ، لا ركوع فيها ، ولا سجود ، ولا قعود ، ولا تشهد ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الوارث بن سعيد عن حسين بن ذكوان حدثني عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب قال { صليت خلف رسول الله ﷺ وصلى على أم كعب ، ماتت في نفاسها ، فقام رسول الله ﷺ في الصلاة عليها وسطها } . ورويناه أيضا من طريق البخاري عن مسدد ثنا يزيد بن زريع عن الحسين بن ذكوان بإسناده . ورواه أيضا يزيد بن هارون ، والفضل بن موسى ، وعبد الله بن المبارك كلهم عن الحسين بن ذكوان بإسناده . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا داود بن معاذ ثنا عبد الوارث بن سعيد { عن نافع أبي غالب أنه قال : صليت على جنازة عبد الله بن عمير ، وصلى عليه بنا أنس بن مالك وأنا خلفه ، فقام عند رأسه ، فكبر أربع تكبيرات ، لم يطل ولم يسرع ، ثم ذهب يقعد فقالوا : يا أبا حمزة ، المرأة الأنصارية ؟ فقربوها وعليها نعش أخضر ، فقام عند عجيزتها ، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ، ثم جلس ، فقال له العلاء بن زياد : يا أبا حمزة ، هكذا كان رسول الله ﷺ يصلي على الجنازة كصلاتك ، يكبر عليها أربعا ، ويقوم عند رأس الرجل ، وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن أبي غالب ، فذكر حديث أنس هذا ، وفي آخره - : أن العلاء بن زياد أقبل على الناس بوجهه فقال : احفظوا ؟ فدل هذا على موافقة كل من حضر له ، وهم تابعون كلهم . وبهذا يأخذ الشافعي ، وأحمد ، وداود ، وأصحابهم ، وأصحاب الحديث . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، بخلاف هذا ، وما نعلم لهم حجة إلا دعوى فاسدة ، وأن ذلك كان إذ لم تكن النعوش وهذا كذب ممن قاله ؛ لأن أنسا صلى كذلك والمرأة في نعش أخضر ؟ وقال بعضهم : كما يقوم الإمام مواز وسط الصف خلفه كذلك يقوم مواز وسط الجنازة ؟ فيقال له : هذا باطل ، وقياس فاسد ؛ لأنه إمام الصف ، وليس إماما للجنازة ، ولا مأموما لها ، والذي اقتدينا به في وقوفه إزاء وسط الصف هو الذي اقتدينا به إزاء وسط المرأة ، وإزاء رأس الرجل ، وهو النبي عليه السلام ، الذي لا يحل خلاف حكمه - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الجنائز
كتاب الجنائز (مسألة 558 - 572) | كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577) | كتاب الجنائز (مسألة 578 - 585) | كتاب الجنائز (مسألة 586 - 593) | كتاب الجنائز (مسألة 594 - 606) | كتاب الجنائز (مسألة 607 - 615) | كتاب الجنائز (مسألة 616 - 623)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الأعتكاف (مسألة 624 - 628) ابن حزم - المحلى كتاب الأعتكاف (مسألة 629 - 636)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة
كتاب الأعتكاف
629 - /218 مسألة /218 : ويعمل المعتكف في المسجد كل ما أبيح له من محادثة فيما لا يحرم ، ومن طلب العلم أي علم كان ، ومن خياطة ، وخصام في حق ، ونسخ ، وبيع وشراء ، وتزوج وغير ذلك لا يتحاش شيئا ، لأن الاعتكاف : هو الإقامة كما ذكرنا ، فهو إذا فعل ذلك في المسجد فلم يترك الاعتكاف وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ ولم ير ذلك مالك ، وما نعلم له حجة في ذلك ، لا من قرآن ولا من سنة لا صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا قول متقدم من التابعين ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه ؟ وأعجب من ذلك منعه طلب العلم في المسجد وقد ذكرنا قبل : { أن رسول الله ﷺ كانت عائشة رضي الله عنها ترجل شعره المقدس وهو في المسجد } ، وكل ما أباحه الله تعالى فليس معصية ، لكنه إما طاعة وإما سلامة ؟
630 - /218 مسألة /218 : ولا يبطل الاعتكاف شيء إلا خروجه عن المسجد لغير حاجة عامدا ذاكرا ، لأنه قد فارق العكوف وتركه ، ومباشرة المرأة في غير الترجيل ، لقول الله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . وتعمد معصية الله تعالى - أي معصية كانت ، لأن العكوف الذي ندب الله تعالى إليه هو الذي لا يكون على معصية ، ولا شك عند أحد من أهل الإسلام في أن الله تعالى حرم العكوف على المعصية فمن عكف في المسجد على معصية فقد ترك العكوف على الطاعة فبطل عكوفه وهذا كله قول أبي سليمان ، وأحد قولي الشافعي ؟ وقال مالك : القبلة تبطل الاعتكاف وقال أبو حنيفة : لا يبطل الاعتكاف مباشرة ولا قبلة إلا أن ينزل ، وهذا تحديد فاسد ، قياس للباطل على الباطل ، وقول بلا برهان ؟
631 - /218 مسألة /218 : ومن عصى ناسيا ، أو خرج ناسيا ، أو مكرها ، أو باشر ، أو جامع ناسيا ، أو مكرها - : فالاعتكاف تام لا يكدح كل ذلك فيه شيئا ، لأنه لم يعمد إبطال اعتكافه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } .
632 - /218 مسألة /218 : ويؤذن في المئذنة إن كان بابها في المسجد أو في صحنه ، ويصعد على ظهر المسجد ، لأن كل ذلك من المسجد ، فإن كان باب المئذنة خارج المسجد بطل اعتكافه إن تعمد ذلك ؟ وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : لا يبطل ؟ وهذا خطأ ؛ لأن الخروج عن المسجد - قل أو كثر - مفارقة للعكوف وترك له ، والتحديد في ذلك بغير نص باطل ، ولا فرق بين خطوة وخطوتين إلى مائة ألف خطوة - وبالله تعالى التوفيق .
633 - /218 مسألة /218 : والاعتكاف جائز في كل مسجد جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع ، سواء كان مسقفا أو مكشوفا ، فإن كان لا يصلى فيه جماعة ولا له إمام : لزمه فرضا الخروج لكل صلاة إلى المسجد تصلى فيه جماعة إلا أن يبعد منه بعدا يكون عليه فيه حرج فلا يلزمه . وأما المرأة التي لا يلزمها فرض الجماعة فتعتكف فيه ؟ ولا يجوز الاعتكاف في رحبة المسجد إلا أن تكون منه . ولا يجوز للمرأة ، ولا للرجل : أن يعتكفا - أو أحدهما - في مسجد داره ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } فعم الله تعالى ولم يخص - : فإن قيل : قد صح عن رسول الله ﷺ { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } ؟ قلنا : نعم ، بمعنى أنه تجوز الصلاة فيه ، وإلا فقد جاء النص والإجماع بأن البول والغائط جائز فيما عدا المسجد . فصح أنه ليس لما عدا المسجد حكم المسجد . فصح أن لا طاعة في إقامة في غير المسجد . فصح أن لا اعتكاف إلا في مسجد ، وهذا يوجب ما قلنا ؟ وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد النبي ﷺ . كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، أحسبه عن سعيد بن المسيب قال : لا اعتكاف إلا في مسجد النبي ﷺ . قال أبو محمد : إن لم يكن قول سعيد فهو قول قتادة ، لا شك في أحدهما . وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد مكة ومسجد المدينة فقط . كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : لا جوار إلا في مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، قلت له : فمسجد إيليا ؟ قال : لا تجاور إلا في مسجد مكة ، ومسجد المدينة ؟ وقد صح عن عطاء : أن الجوار هو الاعتكاف . وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد مكة ، أو مسجد المدينة ، أو مسجد بيت المقدس . كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن واصل الأحدب عن إبراهيم النخعي قال : جاء حذيفة إلى عبد الله بن مسعود فقال له : ألا أعجبك من ناس عكوف بين دارك ودار الأشعري ؟ فقال له عبد الله : فلعلهم أصابوا وأخطأت ، فقال له حذيفة : ما أبالي ، أفيه أعتكف ، أو في سوقكم هذه ، إنما الاعتكاف في هذه المساجد الثلاثة : مسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى ؟ قال إبراهيم : وكان الذين اعتكفوا فعاب عليهم حذيفة - : في مسجد الكوفة الأكبر ؟ ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد قال : سمعت أبا وائل يقول : قال حذيفة لعبد الله بن مسعود : قوم عكوف بين دارك ودار أبي موسى ، ألا تنهاهم ؟ فقال له عبد الله : فلعلهم أصابوا وأخطأت ، وحفظوا ونسيت ، فقال أبو حذيفة : لا اعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة : مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، ومسجد إيلياء ؟ وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد جامع ؟ روينا هذا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ، وهو أول قوليه ؟ وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مصر جامع ؟ كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : لا اعتكاف إلا في مصر جامع وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد نبي ؟ كما روينا من طريق ابن الجهم : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبيد الله بن عمر وهو القواريري - ثنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال : لا اعتكاف إلا في مسجد نبي وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ؟ كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، ومعمر ، قال سفيان : عن جابر الجعفي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ، وقال معمر : عن هشام بن عروة ويحيى بن أبي كثير ، ورجل ، قال هشام : عن أبيه ، وقال يحيى : عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقال الرجل : عن الحسن ، قالوا كلهم : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ؟ وصح عن إبراهيم وسعيد بن جبير وأبي قلابة : إباحة الاعتكاف في المساجد التي لا تصلى فيها الجمعة ، وهو قولنا ، لأن كل مسجد بني للصلاة فإقامة الصلاة فيه جائزة فهو مسجد جماعة ؟ وقالت طائفة : الاعتكاف جائز في كل مسجد ، ويعتكف الرجل في مسجد بيته روينا ذلك عن عبد الرزاق عن إسرائيل عن رجل عن الشعبي قال : لا بأس أن يعتكف الرجل في مسجد بيته وقال إبراهيم ، وأبو حنيفة : تعتكف المرأة في مسجد بيتها ؟ وقال أبو محمد : أما من حد مسجد المدينة وحده ، أو مسجد مكة ومسجد المدينة ، أو المساجد الثلاثة ، أو المسجد الجامع فأقوال لا دليل على صحتها فلا معنى لها هو تخصيص لقول الله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } . فإن قيل : فأين أنتم عما رويتموه من طريق سعيد بن منصور : نا سفيان هو ابن عيينة - عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة قال : قال حذيفة لعبد الله بن مسعود : قد علمت أن رسول الله ﷺ قال : { لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال مسجد جماعة } ؟ قلنا : هذا شك من حذيفة أو ممن دونه ، ولا يقطع على رسول الله ﷺ بشك ، ولو أنه عليه السلام قال : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة " لحفظه الله تعالى علينا ، ولم يدخل فيه شكا . فصح يقينا أنه عليه السلام لم يقله قط فإن قيل : فقد رويتم من طريق سعيد بن منصور : نا هشيم أنا جويبر عن الضحاك عن حذيفة قال : قال رسول الله ﷺ : { كل مسجد فيه إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح } . قلنا : هذه سوأة لا يشتغل بها ذو فهم ، جويبر هالك ، والضحاك ضعيف ولم يدرك حذيفة . وأما قول إبراهيم ، وأبي حنيفة ، فخطأ ، لأن مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد ، ولا خلاف في جواز بيعه ، وفي أن يجعل كنيفا ؟ وقد صح أن أزواج النبي ﷺ اعتكفن في المسجد ، وهم يعظمون خلاف الصاحب ، ولا مخالف لهن من الصحابة ؟ فقال بعضهم : إنما كان ذلك لأنهن كن معه عليه السلام ؟ فقلنا : كذب من قال هذا وافترى بغير علم ، وأثم ؟ واحتج أيضا بقول عائشة : لو أدرك رسول الله ﷺ ما صنع النساء لمنعهن المساجد . وقد ذكرنا في كتاب الصلاة بطلان التعلق بهذا الخبر ، وأقرب ذلك بأنه لا يحل ترك ما لم يتركه النبي ﷺ ولا المنع مما لم يمنع منه عليه السلام - : لظن أنه لو عاش لتركه ومنع منه ، وهذا إحداث شريعة في الدين ، وأم المؤمنين القائلة هذا لم تر قط منع النساء من المساجد فظهر فساد قولهم - وبالله تعالى التوفيق .
634 - /218 مسألة /218 : وإذا حاضت المعتكفة أقامت في المسجد كما هي تذكر الله تعالى ، وكذلك إذا ولدت ، فإنها إن اضطرت إلى الخروج خرجت ثم رجعت إذا قدرت ؟ لما قد بينا قبل من أن الحائض تدخل المسجد ، ولا يجوز منعها منه إذ لم يأت بالمنع لها منه نص ولا إجماع - وهو قول أبي سليمان ؟ روينا من طريق البخاري : نا قتيبة نا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن عكرمة عن عائشة أم المؤمنين قالت : { اعتكفت مع رسول الله ﷺ امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي } .
635 - /218 مسألة /218 : ومن مات وعليه نذر اعتكاف : قضاه عنه وليه ، أو استؤجر من رأس ماله من يقضيه عنه ، لا بد من ذلك ؟ لقول الله تعالى : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } . ولقول رسول الله ﷺ : { لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ فدين الله أحق أن يقضى } . ولما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس { أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله ﷺ فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه ؟ فقال رسول الله ﷺ : اقضه عنها } وهذا عموم لكل نذر طاعة ، فلا يحل لأحد خلافه . وقد ذكرنا في باب هل على المعتكف صيام أم لا ، قبل فتيا ابن عباس بقضاء نذر الاعتكاف . وروينا من طريق سعيد بن منصور : نا أبو الأحوص نا إبراهيم بن مهاجر عن عامر بن مصعب قال : " اعتكفت عائشة أم المؤمنين عن أخيها بعد ما مات " ؟ وقال الحسن بن حي : من مات وعليه اعتكاف : اعتكف عنه وليه وقال الأوزاعي : يعتكف عنه وليه إذا لم يجد ما يطعم قال : ومن نذر صلاة فمات : صلاها عنه وليه ؟ قال إسحاق بن راهويه : يعتكف عنه وليه ويصلي عنه وليه إذا نذر صلاة أو اعتكافا ثم مات قبل أن يقضي ذلك . وقال سفيان الثوري : الإطعام عنه أحب إلي من أن يعتكف عنه ؟ قال أبو حنيفة : ومالك ، والشافعي : يطعم عنه لكل يوم مسكين ؟ وقال أبو محمد : هذا قول ظاهر الفساد ، وما للإطعام مدخل في الاعتكاف وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ، وقد خالفوا ههنا عائشة ، وابن عباس ، ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقولهم في هذا قول لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ، بل هو مخالف لكل ذلك - وبالله تعالى التوفيق . ومن عجائب الدنيا قول أبي حنيفة : من نذر اعتكاف شهر وهو مريض فلم يصح فلا شيء عليه . فلو نذر اعتكاف شهر وهو صحيح فلم يعش إثر نذره إلا عشرة أيام ومات ؟ فإنه يطعم عنه ثلاثون مسكينا ، وقد لزمه اعتكاف شهر . قال : فإن نذر اعتكافا ؟ لزمه يوم بلا ليلة . فإن قال علي اعتكاف يومين لزمه يومان ومعهما ليلتان . وقال أبو يوسف : إن نذر اعتكاف ليلتين ؟ فليس عليه إلا يومان وليلة واحدة ، كما لو نذر اعتكاف يومين ولا فرق . فهل في التخليط أكثر من هذا ؟ ونسأل الله العافية ؟
636 - /218 مسألة /218 : ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة ، أو أراد ذلك تطوعا - : فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس ، سواء كان ذلك في رمضان أو غيره ؟ ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليال مسماة أو أراد ذلك تطوعا - : فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ، ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر ، لأن مبدأ الليل إثر غروب الشمس ، وتمامه بطلوع الفجر ، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر ، وتمامه بغروب الشمس كلها ، وليس على أحد إلا ما التزم أو ما نوى ؟ فإن نذر اعتكاف شهر أو أراده تطوعا - : فمبدأ الشهر من أول ليلة منه فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر ، سواء رمضان وغيره . لأن الليلة المستأنفة ليست من ذلك الشهر الذي نذر اعتكافه أو نوى اعتكافه . فإن نذر اعتكاف العشر الأواخر من رمضان : دخل قبل غروب الشمس من اليوم التاسع عشر . لأن الشهر قد يكون من تسع وعشرين ليلة ، فلا يصح له اعتكاف العشر الأواخر إلا كما قلنا ، وإلا فإنما اعتكف تسع ليال فقط ، فإن كان الشهر ثلاثين ؟ علم أنه اعتكف ليلة زائدة ، وعليه أن يتم اعتكاف الليلة الآخرة ليفي بنذره ، إلا من علم بانتقال القمر ، فيدخل بقدر ما يدري أنه يفي بنذره . والذي قلنا - من وقت الدخول والخروج - هو قول الشافعي ، وأبي سليمان . وروينا من طريق البخاري : نا عبد الله بن منير سمع هارون بن إسماعيل ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا سعيد الخدري قال له { اعتكفنا مع رسول الله ﷺ العشر الأوسط من رمضان ، فخرجنا صبيحة عشرين } . وهذا نص قولنا - : ومن طريق البخاري : نا إبراهيم بن حمزة هو الزبيدي - حدثني ابن أبي حازم ، والدراوردي ، كلاهما عن يزيد هو ابن عبد الله بن الهاد - عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري قال { كان رسول الله ﷺ يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر ، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ، ورجع من كان يجاور معه } . وهذا نص قولنا ، إلا أن فيه أنه عليه السلام كان يبقى يومه إلى أن يمسي وهذا يخرج على أحد وجهين - : إما أنه تنفل منه عليه السلام . وإما أنه عليه السلام نوى أن يعتكف العشر الليالي بعشرة أيامها ؟ وهذا حديث رواه مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم ، فوقع في لفظه تخليط وإشكال لم يقعا في رواية عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي إلا أنه موافق لهما في المعنى ؟ وهو أننا روينا هذا الخبر نفسه عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله ﷺ كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر ، فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فبصرت عيناي رسول الله ﷺ على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين } . قال أبو محمد : من المحال الممتنع أن يكون عليه السلام يقول هذا القول بعد انقضاء ليلة إحدى وعشرين ، وينذر بسجوده في ماء وطين فيما يستأنف ، ويكون ذلك ليلة إحدى وعشرين التي مضت ، فصح أن معنى قول الراوي ، " حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين " أراد استقبال ليلة إحدى وعشرين ، وبهذا تتفق رواية يحيى بن أبي كثير مع رواية محمد بن إبراهيم ، كلاهما عن أبي سلمة ، ورواية الدراوردي ، وابن أبي حازم ، ومالك ، كلهم عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي - : وروينا من طريق البخاري : نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل - نا حماد بن زيد نا يحيى هو ابن سعيد الأنصاري - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله } . قال أبو محمد : هذا تطوع منه عليه السلام ، وليس أمرا منه ومن زاد في البر زاد خيرا . ويستحب للمعتكف والمعتكفة أن يكون لكل أحد خباء في صحن المسجد ، ائتساء بالنبي ﷺ وليس ذلك واجبا - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الأعتكاف
كتاب الأعتكاف (مسألة 624 - 628) | كتاب الأعتكاف (مسألة 629 - 636)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 673)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 674)
كتاب الزكاة
673 - مسألة : الجواميس صنف من البقر يضم بعضها إلى بعض . ثم اختلف الناس : فقالت طائفة : لا زكاة في أقل من خمسين من البقر ذكورا أو إناثا ، أو ذكورا ، وإناثا ، فإذا تمت خمسون رأسا من البقر وأتمت في ملك صاحبها عاما قمريا متصلا كما قدمنا - : ففيها بقرة ، إلى أن تبلغ مائة من البقر ، فإذا بلغتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها بقرتان ، وهكذا أبدا ، في كل خمسين من البقر بقرة ، ولا شيء زائد في الزيادة حتى تبلغ خمسين ؛ ولا يعد فيها ما لم يتم حولا كما ذكرنا . وقالت طائفة : في خمس من البقر شاة ، وفي عشر شاتان ؛ وفي خمس عشرة ثلاث شياه : وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين من البقر بقرة . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها ما يؤخذ من الإبل ، يعني في الزكاة ، قال : وقد سئل عنها غيرهم ؟ فقالوا : فيها ما في الإبل . يزيد هذا هو يزيد بن هارون أو ابن زريع . حدثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : في كل خمس من البقر شاة ؛ وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه . قال الزهري : فرائض البقر مثل فرائض الإبل ، غير الأسنان فيها ، فإذا كانت البقر خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة . قال الزهري : وبلغنا أن قولهم : قال النبي ﷺ : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين بقرة } أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن داود عن عكرمة بن خالد قال : استعملت على صدقات عك ، فلقيت أشياخا ممن صدق على عهد رسول الله ﷺ فاختلفوا علي ، فمنهم من قال : اجعلها مثل صدقة الإبل ، ومنهم من قال : في ثلاثين تبيع ، ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، وأبي قلابة وآخر قالوا : صدقات البقر كنحو صدقات الإبل ، في كل خمس شاة ، وفي كل عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بقرة مسنة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت فبقرتان مسنتان إلى عشرين ومائة ، فإذ زادت ففي كل أربعين بقرة بقرة مسنة - : ورويناه أيضا من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب كما ذكرنا سواء سواء - : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي عن الزهري عن عمر بن عبد الرحمن بن خلدة الأنصاري أن صدقة البقر صدقة الإبل ، غير أنه لا أسنان فيها . فهؤلاء كتاب عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة أدوا الصدقات على عهد رسول الله ﷺ ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، والزهري ، وأبو قلابة ، وغيرهم ؟ واحتج هؤلاء بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : { إن في كتاب صدقة النبي ﷺ وفي كتاب عمر بن الخطاب : أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل } - : وبما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال { : أعطاني سماك بن الفضل كتابا من النبي ﷺ إلى مالك بن كفلانس المصعبيين فقرأته فإذا فيه فيما سقت السماء والأنهار العشر ، وفيما سقي بالسنا نصف العشر ، وفي البقر مثل الإبل } . وبما ذكرنا آنفا عن الزهري : أن هذا هو آخر الأمر من رسول الله ﷺ وأن الأمر بالتبيع : نسخ بهذا . واحتجوا بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة } قالوا : فهذا عموم لكل بقر إلا ما خصه نص أو إجماع . وقالوا : من عمل مثل قولنا كان على يقين بأنه قد أدى فرضه ؛ ومن خالفه لم يكن على يقين من ذلك . فإن ما وجب بيقين لم يسقط إلا بمثله ؟ وقالوا : قد وافقنا أكثر خصومنا على أن البقر تجزئ عن سبعة كالبدنة ؛ وأنها تعوض من البدنة ، وأنها لا يجزئ في الأضحية والهدي من هذه إلا ما يجزئ من تلك ، وأنها تشعر إذا كانت لها أسنمة كالبدن ؛ فوجب قياس صدقتها على صدقتها . وقالوا : لم نجد في الأصول في شيء من الماشية نصابا مبدؤه ثلاثون ؛ لكن إما خمسة كالإبل ، والأواقي ، والأوساق ، وإما أربعون كالغنم ، فكان حمل البقر على الأكثر - وهو الخمسة - أولى . وقالوا : إن احتجوا بالخبر الذي فيه { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة } فنعم ، نحن نقول : بهذا ، أو ليس في ذلك الخبر إسقاط الزكاة عما دون ثلاثين من البقر ، لا بنص ولا بدليل . قال : وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكمه ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة ، فيلزم المالكيين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة ، وإلا فقد تناقضوا وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة ، وهو الذي له سنتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ؛ لها أربع سنين ؛ ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها تبيعتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع ، ثم هكذا أبدا ، لا شيء فيها حتى تبلغ عشرا زائدة ، فإذا بلغتها ففي كل ثلاثين من ذلك العدد تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ؟ وهذا قول صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق ، أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي . ورويناه من طريق نافع عن معاذ بن جبل - : ومن طريق عكرمة بن خالد عن قوم صدقوا على عهد رسول الله ﷺ - : ومن طريق ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء - : وهو قول الشعبي ، وشهر بن حوشب ، وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة ، وسليمان بن موسى ، والحسن البصري ، وذكره الزهري عن أهل الشام ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ورواية غير مشهورة عن أبي حنيفة ؟ واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق إبراهيم ، وأبي وائل كلاهما عن مسروق عن معاذ { أن رسول الله ﷺ بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ، ومن كل أربعين بقرة مسنة } وقال بعضهم : ثنية ومن طريق طاوس عن معاذ مثله ، وأن رسول الله ﷺ لم يأمره فيما دون ذلك بشيء ؟ وعن ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن معاذ : { أنه سأل النبي ﷺ عن الأوقاص ، ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، وما بين الأربعين إلى الخمسين ؟ قال : ليس فيها شيء } ؟ ومن طريق الشعبي قال : { كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : في كل ثلاثين بقرة تبيع جذع قد استوى قرناه وفي كل أربعين بقرة بقرة مسنة } . ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن هذا كتاب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم { فرائض البقر ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ، إلى أن تبلغ سبعين ، فإذا بلغت سبعين فإن فيها بقرة وعجلا جذعا ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان ، ثم على هذا الحساب } - : وبما رويناه من طريق سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن ، وبعثه مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته وفيه في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة } . وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال : { لما بعث رسول الله ﷺ معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة ، قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني فيها رسول الله ﷺ بشيء ؛ فلما قدم على رسول الله ﷺ سأله ، فقال : ليس فيها شيء } . قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ، فقد تقصيناه لهم بأكثر مما - نعلم - تقصوه لأنفسهم .
وقالت طائفة : ليس فيما دون ثلاثين شيء ؛ فإذا بلغت البقر ثلاثين ففيها تبيع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ خمسين فإذا بلغتها ففيها بقرة وربع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين ؛ فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة - : وروينا هذا من طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة وعن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم فذكره كما أوردنا ؛ وهي رواية غير مشهورة أيضا عن أبي حنيفة ؟ ويمكن أن يموه هؤلاء بالخبر الذي أوردناه آنفا من طريق الحكم عن معاذ عن النبي ﷺ { فيما بين الأربعين والخمسين ليس فيها شيء يعني من البقر } وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ؛ فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ، فإن زادت واحدة ففيها بقرة وجزء من أربعين من بقرة ؛ وهكذا في كل واحدة تزيد ففيها جزء آخر زائد من أربعين جزءا من بقرة ؛ هكذا إلى الستين ، فإذا بلغتها ففيها تبيعان ؛ ثم لا شيء فيها إلا في كل عشرة زائدة كما ذكرنا قبل ؛ وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة . وقد روينا من طريق شعبة قال : سألت حمادا هو ابن أبي سليمان - فقلت إن كانت خمسين بقرة ؟ فقال : بحساب ذلك . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا ابن المبارك عن الحجاج هو ابن أرطاة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : يحاسب صاحب البقر بما فوق الفريضة . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا زيد بن الحباب العكلي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول أنه قال في صدقة البقر : ما زاد فبالحساب ؟ قال أبو محمد : هذا عموم إبراهيم ، وحماد ، ومكحول ، وظاهره أن كل ما زاد على الثلاثين إلى الأربعين وعلى الأربعين إلى الستين ففي كل واحدة زائدة جزء من بقرة . وقد ذكرناه عن عكرمة بن خالد أن بعض شيوخ كانوا قد صدقوا على عهد رسول الله ﷺ قالوا : في كل أربعين بقرة بقرة ، مخالفين لمن جعل في أقل من الأربعين شيئا . وذهبت طائفة إلى أنه ليس فيما دون الخمسين ولا ما فوقها شيء ؛ وأن صدقة البقر إنما هي في كل خمسين بقرة بقرة فقط هكذا أبدا كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار قال : كان عمال ابن الزبير ، وابن عوف وعماله ، يأخذون من كل خمسين بقرة بقرة ؛ ومن كل مائة بقرتين ، فإذا كثرت ففي كل خمسين بقرة بقرة . قال أبو محمد : هذا كل ما حضرنا ذكره مما رويناه من اختلاف الناس في زكاة البقر ، وكل أثر رويناه فيها ووجب النظر للمرء لنفسه فيما يدين به ربه تعالى في دينه - : فأول ذلك أن الزكاة فرض واجب في البقر - : كما حدثنا عن عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال " انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو في ظل الكعبة فذكر أن رسول الله ﷺ قال له { ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه ؛ تنطحه بقرونها ، وتطؤه بأظلافها ، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس ؟ } حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط ، وأقعد لها بقاع قرقر تسير عليه بقوائمها وأخفافها ؛ ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وأقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها } وذكر باقي الخبر . قال أبو محمد : فوجب فرضا طلب ذلك الحد الذي حده الله تعالى منها ، حتى لا يتعدى قال عز وجل : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . فنظرنا القول الأول فوجدنا الآثار الواردة فيه عن النبي ﷺ منقطعة والحجة لا تجب إلا بمتصل ، إلا أنه يلزم القائلين بالمرسل والمنقطع - من الحنفيين ، والمالكيين - أن يقولوا : بها ، وإلا فقد تناقضوا في أصولهم وتحكموا بالباطل ؛ لا سيما مع قول . الزهري : إن هذه الأخبار بها نسخ إيجاب التبيع ، والمسنة : في الثلاثين والأربعين ؛ فلو قبل مرسل أحد لكان الزهري أحق بذلك لعلمه بالحديث ؛ ولأنه قد أدرك طائفة من الصحابة رضي الله عنهم . ولم يحك القول في الثلاثين بالتبيع ، وفي الأربعين بالمسنة إلا عن أهل الشام ، لا عن أهل المدينة ، ووافق الزهري على ذلك سعيد بن المسيب وغيره من فقهاء المدينة ؛ فهذا كله يوجب على المالكيين القول بهذا أو إفساد أصولهم ، وأما نحن فلو صح - وأسند - ما خالفناه أصلا - وأما احتجاجهم بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي زكاتها ولا يفعل فيها حقها } وقولهم : إن هذا عموم لكل بقر - : فإن هذا لازم للحنفيين ، والمالكيين ، المحتجين بإيجاب الزكاة في العروض بعموم قول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } الآية والمحتجين بهذا في وجوب الزكاة في العسل وسائر ما احتجوا فيه بمثل هذا ، لا مخلص لهم منه أصلا ؟ وأما نحن فلا حجة علينا بهذا ؛ لأننا - وإن كنا لا يحل عندنا مفارقة العموم إلا لنص آخر - فإنه لا يحل شرع شريعة إلا بنص صحيح ، ونحن نقر ونشهد أن في البقر زكاة مفروضة يعذب الله تعالى من لم يؤدها العذاب الشديد ، ما لم يغفر له برجوح حسناته أو مساواتها لسيئاته ، إلا أنه ليس في هذا الخبر بيان المقدار الواجب في الزكاة منها ، ولا بيان العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا متى تؤدى ؛ وليس البيان للديانة موكولا إلى الآراء والأهواء ؛ بل إلى رسول الله ﷺ الذي قال له ربه وباعثه { لتبين للناس ما نزل إليهم } . ولم يصح عن النبي ﷺ ما أوجبوه في الخمس فصاعدا من البقر ، وقد صح الإجماع المتيقن بأنه ليس في كل عدد من البقر زكاة ؛ فوجب التوقف عن إيجاب فرض ذلك في عدد دون عدد بغير نص من رسول الله ﷺ ؛ فسقط تعلقهم بالعموم هاهنا ، ولو كان عموما يمكن استعماله لما خالفناه ؟ وأما قولهم : إن من زكى البقر - كما قالوا - فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه الواجب عليه ومن لم يزكها - كما قالوا - فليس على يقين من أنه أدى فرضه ؛ وأن ما صح بيقين وجوبه لم يسقط إلا بيقين آخر - : فهذا لازم لمن قال : إن من تدلك في الغسل فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه ؛ والغسل واجب بيقين ؛ فلا يسقط إلا بيقين مثله ؛ ولمن أوجب مسح جميع الرأس في الوضوء بهذه الحجة نفسها ؛ ومثل هذا لهم كثير جدا وأما نحن فإن هذا لا يلزم عندنا ؛ لأن الفرائض لا تجب إلا بنص أو إجماع . ومن سلك هذه الطريق في الاستدلال فإنه يريد إيجاب الفرائض وشرع الشرائع باختلاف ؛ لا نص فيه ، وهذا باطل ؛ ولم يتفق قط على وجوب إيعاب جميع الرأس في الوضوء ولا على التدلك في الغسل ؛ ولا على إيجاب الزكاة في خمس من البقر فصاعدا إلى الخمسين وإنما كان يكون استدلالهم هذا صحيحا لو وافقناهم على وجوب كل ذلك ثم أسقطنا وجوبه بلا برهان ؛ ونحن لن نوافقهم قط على وجوب غسل فيه تدلك ؛ ولا على إيجاب مسح جميع الرأس ، ولا على إيجاب زكاة في خمس من البقر فصاعدا ؛ وإنما وافقناهم على إيجاب الغسل دون تدلك ، وعلى إيجاب مسح بعض الرأس لا كله ؛ وعلى وجوب الزكاة في عدد ما من البقر لا في كل عدد منها ؛ فزادوا هم - بغير نص ولا إجماع - إيجاب التدلك ، ومسح جميع الرأس ، والزكاة في خمس من البقر فصاعدا ؛ وهذا شرع بلا نص ولا إجماع ، وهذا لا يجوز ؛ فهذا يلزم ضبطه ؛ لئلا يموه فيه أهل التمويه بالباطل ، فيدعوا إجماعا حيث لا إجماع ، ويشرعوا الشرائع بغير برهان ، ويخالفوا الإجماع المتيقن - وبالله تعالى التوفيق . وأما احتجاجهم بقياس البقر على الإبل في الزكاة فلازم لأصحاب القياس لزوما لا انفكاك له ؛ فلو صح شيء من القياس لكان هذا منه صحيحا وما نعلم في الحكم بين الإبل ، والبقر فرقا مجمعا عليه . ولقد كان يلزم من يقيس ما يستحل به فرج المرأة المسلمة في النكاح من الصداق على ما تقطع فيه يد السارق ، ومن يقيس حد الشارب على حد القاذف ، ومن يقيس السقمونيا على القمح والتمر ، ويقيس الحديد ، والرصاص والصفر : على الذهب ، والفضة ؛ ويقيس الجص على البر والتمر ، في الربا ، ويقيس الجوز على القمح في الربا ؛ وسائر تلك المقاييس السخيفة وتلك العلل المفتراة الغثة - : أن يقيس البقر على الإبل في الزكاة ؛ وإلا فقد تحكموا بالباطل ؛ وأما نحن فالقياس كله عندنا باطل وأما قولهم : لم نجد في الأصول ما يكون وقصه ثلاثين ، فإنه عندنا تخليط وهوس لكنه لازم أصح لزوم لمن قال - محتجا لباطل قوله في إيجاب الزكاة ما بين الأربعين والستين من البقر - : إننا لم نجد في الأصول ما يكون وقصه تسعة عشر ، ولكن القوم متحكمون ؟ فسقط كل ما احتجوا به عنا ، وظهر لزومه للحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، لا سيما لمن قال : بالقول المشهور عن أبي حنيفة في زكاة البقر ، الذي لم يتعلق فيه بشيء أصلا ثم نظرنا في قول من أوجب في الثلاثين تبيعا ، وفي الأربعين مسنة ، ولم يوجب بين ذلك ولا بعد الأربعين إلى الستين شيئا - : فوجدنا الآثار التي احتجوا بها عن معاذ وغيره مرسلة كلها ، إلا حديث بقية ؛ لأن مسروقا لم يلق معاذا ؛ وبقية ضعيف لا يحتج بنقله ، أسقطه وكيع وغيره ، والحجة لا تجب إلا بالمسند من نقل الثقات . فإن قيل : إن مسروقا وإن كان لم يلق معاذا فقد كان باليمن رجلا أيام كون معاذ هنالك ؛ وشاهد أحكامه ، فهذا عنده عن معاذ بنقل الكافة . قلنا : لو أن مسروقا ذكر أن الكافة أخبرته بذلك عن معاذ لقامت الحجة بذلك ؛ فمسروق هو الثقة الإمام غير المتهم : لكنه لم يقل قط هذا ؛ ولا يحل أن يقول مسروق رحمه الله ما لم يقل فيكذب عليه ؛ ولكن لما أمكن في ظاهر الأمر أن يكون عند مسروق هذا الخبر عن تواتر ، أو عن ثقة ؛ أو عمن لا تجوز الرواية عنه - : لم يجز القطع في دين الله تعالى ولا على رسوله ﷺ بالظن الذي هو أكذب الحديث ، ونحن نقطع أن هذا الخبر لو كان عند مسروق عن ثقة لما كتمه ، ولو كان صحيحا عن رسول الله ﷺ ما طمسه الله تعالى المتكفل بحفظ الذكر المنزل على نبيه عليه السلام المتم لدينه - : لنا هذا الطمس حتى لا يأتي إلا من طريق واهية والحمد لله رب العالمين وأيضا : فإن زموا أيديهم وقالوا : هو حجة ، والمرسل هاهنا والمسند سواء . قلنا لهم : فلا عليكم ؛ خذوا من هذه الطريق بعينها ما حدثناه حمام بن أحمد قال : ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا عبيد بن محمد الكشور ثنا محمد بن يوسف الحذافي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الأعمش عن شقيق بن سلمة هو أبو وائل - عن مسروق بن الأجدع قال { بعث رسول الله ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة دينارا أو قيمته من المعافري } .
حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم بن عتيبة قال { كتب رسول الله ﷺ إلى معاذ وهو باليمن : أن فيما سقت السماء أو سقي غيلا العشر ، وفيما سقي بالغرب نصف العشر ، وفي الحالم والحالمة دينار أو عدله من المعافر } . وبه إلى أبي عبيد : ثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال { كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : أنه من كان على يهودية أو نصرانية فإنه لا يفتن عنها ؛ وعليه الجزية ، على كل حالم ذكر أو أنثى - عبد أو أمة - دينار واف أو عدله من المعافر ، فمن أدى ذلك إلى رسلي فإن له ذمة الله وذمة رسوله ؛ ومن منعه منكم فإنه عدو لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين } . فهذه رواية مسروق عن معاذ ، وهو حديث زكاة البقر بعينه ، ومرسل من طريق الحكم ، وآخر من طريق ابن لهيعة ؛ فإن كانت مرسلاتهم في زكاة البقر صحيحة واجبا أخذها فمرسلاتهم هذه صحيحة واجب أخذها ، وإن كانت مرسلاتهم هذه لا تقوم بها حجة فمرسلاتهم تلك لا تقوم بها حجة ؟ فإن قيل : فإنكم تقولون بما في هذه المرسلات ولا تقولون : بتلك ، فكيف هذا ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : ما قلنا بهذه ولا بتلك ، ومعاذ الله من أن نقول بمرسل لكنا أوجبنا الجزية على كل كتابي بنص القرآن ، ولم نخص منه امرأة ولا عبدا ، وأما بهذه الآثار فلا ؟ قال أبو محمد : لا سيما الحنفيين فإنهم خالفوا مرسلات معاذ تلك في إسقاط الزكاة عن الأوقاص والعسل - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس { أن معاذ بن جبل أتي بوقص البقر والعسل فلم يأخذه ؛ فقال : كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله ﷺ بشيء } فمن الباطل أن يكون حديث معاذ حجة إذا وافق هوى الحنفيين ورأي أبي حنيفة ؟ ولا يكون حجة إذا لم يوافقهما ، ما ندري أي دين يبقى مع هذا العمل ؟ ونعوذ بالله من الخذلان والضلال ومن أن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا فإن احتجوا بصحيفة عمرو بن حزم قلنا : هي منقطعة أيضا لا تقوم بها حجة ، وسليمان بن داود الجزري - الذي رواها - متفق على تركه وأنه لا يحتج به . فإن أبيتم ولججتم وظننتم أنكم شددتم أيديكم منها على شيء فدونكموها - : كما حدثنها حمام بن أحمد قال ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري ثنا الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته فذكر الكتاب . وفيه وفي كل ثلاثين باقورة تبيع ، جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة ، وفيه أيضا وفي كل خمس أواقي من الورق خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم وفي كل أربعين دينارا دينار } . حدثنا حمام قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله الكابلي ببغداد ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن عبد الله ، ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما { عن رسول الله ﷺ : أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن وفيه الزكاة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة ، فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ؛ فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار } . قال أبو أويس : وهذا عن ابني حزم أيضا { فرائض صدقة البقر ليس فيما دون ثلاثين صدقة فإذا بلغت الثلاثين ففيها فحل جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى أن تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان } . قال أبو محمد : أبو أويس ضعيف وهي منقطعة مع ذلك - ووالله لو صح شيء من هذا ما ترددنا في الأخذ به . قال علي : ما نرى المالكيين والشافعيين ، والحنفيين إلا قد انحلت عزائمهم في الأخذ بحديث معاذ المذكور وبصحيفة ابن حزم ، ولا بد لهم من ذلك ؛ أو الأخذ بأن لا صدقة في ذهب لم يبلغ أربعين دينارا إلا بالقيمة بالفضة وهو قول عطاء ، والزهري ، وسليمان بن حرب وغيرهم ، وأن يأخذ المالكيون ، والشافعيون بوجوب الأوقاص في الدراهم وبإيجاب الجزية على النساء والعبيد من أهل الكتاب ، أو التحكم في الدين بالباطل فيأخذوا ما اشتهوا ويتركوا ما اشتهوا ؛ وهذه والله أخزى في العاجلة والآجلة وألزم وأندم ، ، والحنفيون يقولون : إن الراوي إذا ترك ما روى دل ذلك على سقوط روايته ، والزهري هو روى صحيفة ابن حزم في زكاة البقر وتركها ؟ فهلا تركوها وقالوا : لم يتركها لا لفضل علم كان عنده ثم لو صح لهم حديث معاذ لكان ما ذكرنا قبل من الأخبار بأن في زكاة البقر كزكاة الإبل مثلها في الإسناد وواردة بحكم زائد لا يجوز تركه ، وكان الآخذ بتلك آخذا بهذه ، وكان الآخذ بهذه ، دون تلك عاصيا لتلك ؟ فبطل كل ما موهوا به من طريق الآثار جملة ؟ فإن تعلقوا بعلي ، ومعاذ ، وأبي سعيد رضي الله عنهم قلنا لهم : الخبر عن معاذ منقطع ، وعن أبي سعيد لم يروه إلا ابن أبي ليلى محمد - وهو ضعيف - و أما عن علي فهو صحيح ولا يصح هذا القول من أحد من الصحابة رضي الله عنهم سواه ؟ وقد روينا قبل عن عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله خلاف ذلك - ولا حجة في قول صاحب إذا خالفه صاحب آخر ثم إن لججتم في التعلق بعلي هاهنا فاسمعوا قول علي من هذه الطريق نفسها - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان - وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، حتى تبلغ خمسا وثلاثين ؛ فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون ، حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل - أو قال : الجمل - حتى تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة ، حتى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ، حتى تبلغ تسعين ؛ فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، وفي البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وفي كل أربعين مسنة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين . قال أبو محمد : ما نرى الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين إلا قد برد نشاطهم في الاحتجاج بقول علي رضي الله عنه في زكاة البقر ، ولا بد لهم من الأخذ بكل ما روي عن علي في هذا الخبر نفسه ، مما خالفوه وأخذ به غيرهم من السلف ، أو ترك الاحتجاج بما لم يصح عن النبي ﷺ أو التلاعب بالسنن والهزل في الدين أن يأخذوا ما أحبوا ويتركوا ما أحبوا ؟ لا سيما وبعضهم هول في حديث علي هذا بأنه مسند فليهنهم خلافه إن كان مسندا ، ولو كان مسندا ما استحللنا خلافه - وبالله تعالى التوفيق . فلم يبق لمن قال بالتبيع والمسنة فقط في البقر حجة أصلا ، ولا قياس معهم في ذلك فبطل قولهم جملة بلا شك - والحمد لله رب العالمين . أما القول المأثور عن أبي حنيفة ففي غاية الفساد لا قرآن يعضده ولا سنة صحيحة تنصره ، ولا رواية فاسدة تؤيده ، ولا قول صاحب يشده ، ولا قياس يموهه ، ولا رأي له وجه يسدده . إلا أن بعضهم قال : لم نجد في شيء من الماشية وقصا من تسعة عشر . فقيل لهم : ولا وجدتم في شيء من زكاة المواشي جزءا من رأس واحد . فإن قالوا : أوجبه الدليل . قيل لهم : كذبتم ما أوجبه دليل قط ، وما جعل الله تعالى رأي النخعي وحده دليلا في دينه : وقد وجدنا الأوقاص تختلف ، فمرة هو في الإبل أربع ، ومرة عشرة ، ومرة تسعة ، ومرة أربعة عشر ، ومرة أحد عشر ، ومرة تسعة وعشرين ، ومرة هو في الغنم ثمانون ، ومرة تسعة وسبعون ، ومرة مائة وثمانية وتسعون ، ومرة تسعة وتسعون فأي نكرة في أن تكون تسعة عشر إذا صح بذلك دليل ؟ لولا الهوى والجهل فلم يبق إلا ما رويناه من عمل عمال ابن الزبير ، وعمل طلحة بن عبد الله بن عوف وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ، ومن كبار التابعين جدا - بالمدينة بحضرة الصحابة فلم ينكروه ؟ فنظرنا في ذلك - : فوجدنا لا يصح عن رسول الله ﷺ في هذا من طريق إسناد الآحاد ولا من طريق التواتر شيء كما قدمنا ، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم لا يعارضه غيره ، ولا يحل أن تؤخذ شريعة إلا عن الله تعالى إما من القرآن ، وإما من نقل ثابت عن رسول الله ﷺ من طريق الآحاد والتواتر بيان زكاة البقر ، ووجدنا الإجماع - المتيقن المقطوع به ، الذي لا خلاف في أن كل مسلم قديما وحديثا قال به ، وحكم به من الصحابة فمن دونهم - قد صح على أن في كل خمسين بقرة : بقرة ؛ فكان هذا حقا مقطوعا به على أنه من حكم الله تعالى وحكم رسوله ﷺ ؛ فوجب القول به ، وكان ما دون ذلك مختلفا فيه ، ولا نص في إيجابه ؛ فلم يجز القول به . وقد قال الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } . وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلم يحل ، أخذ مال مسلم ، ولا إيجاب شريعة بزكاة مفروضة بغير يقين ، من نص صحيح عن الله تعالى أو رسوله ﷺ . ولا يغترن مغتر بدعواهم : أن العمل بقولهم كان مشهورا ؛ فهذا باطل ، وما كان هذا القول إلا خاملا في عصر الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يؤخذ إلا عن أقل من عشرة من التابعين ، باختلاف منهم أيضا - وبالله التوفيق . قال علي : ثم استدركنا فوجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر ؛ وهو بلا شك قد أدرك معاذا وشهد حكمه وعمله المشهور المنتشر ، فصار نقله لذلك ، ولأنه عن عهد رسول الله ﷺ - نقلا عن الكافة عن معاذ بلا شك ؛ فوجب القول به .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والخمسون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 826 - 832) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 833)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (تتمة مسألة 833)
كتاب الحج
833 - مسألة : وأما من أراد الحج فإنه إذا جاء إلى الميقات كما ذكرنا فلا يخلو من أن يكون معه هدي ، أو ليس معه هدي ، والهدي إما من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، فإن كان لا هدي معه - وهذا هو الأفضل - ففرض عليه أن يحرم بعمرة مفردة ولا بد لا يجوز له غير ذلك ؛ فإن أحرم بحج ؛ أو بقران حج وعمرة ففرض عليه أن يفسخ إهلاله ذلك بعمرة يحل إذا أتمها ، لا يجزئه غير ذلك ؛ ثم إذا أحل منها ابتدأ الإهلال بالحج مفردا من مكة وهذا يسمى : متمتعا . وإن كان معه هدي ساقه مع نفسه فنستحب له أن يشعر هديه إن كان من الإبل ، وهو أن يضربه بحديدة في الجانب الأيمن من جسده حتى يدميه ثم يقلده ، وهو أن يربط نعلا في حبل ويعلقها في عنق الهدي وإن جلله بجل فحسن ، فإن كان الهدي من الغنم فلا إشعار فيه لكن يقلده رقعة جلد في عنقه ؛ فإن كان من البقر فلا إشعار فيه ولا تقليد كانت له أسنمة أو لم تكن . ثم يقول : لبيك بعمرة وحج معا ، لا يجزئه إلا ذلك ولا بد ؛ وإن قال : لبيك بحج وعمرة ؛ أو لبيك عمرة وحجا ، أو حجة وعمرة ؛ أو نوى كل ذلك في نفسه ، ولم ينطق به فكل ذلك جائز ؛ وهذا يسمى : القران . ومن ساق من المعتمرين الهدي فعل فيه من الإشعار ، والتقليد ما ذكرنا ؛ ونحب له في كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند إهلاله : اللهم إن محلي حيث تحبسني ، فإن قال ذلك فأصابه أمر ما يعوقه عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل ولا شيء عليه ؛ لا هدي ولا قضاء إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الإسلام وعمرته . برهان ما ذكرنا - : ما رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت { خرجنا مع رسول الله ﷺ فقال : من أراد منكم أن يهل بحج ، أو عمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ، قالت عائشة : فأهل رسول الله ﷺ بحج ، وأهل به ناس معه وأهل ناس بالحج والعمرة ؛ وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بالعمرة } . قال أبو محمد : فهذا أول أمره عليه السلام بذي الحليفة عند ابتداء إحرامهم وإرادتهم الإهلال بلا شك ، إذ هو نص الحديث - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - نا موسى بن نافع قال : ( قدمت مكة متمتعا بعمرة قبل التروية بأربعة أيام فقال الناس : تصير حجتك الآن مكية ) فدخلت على عطاء بن أبي رباح فقال : حدثني جابر بن عبد الله أنه حج مع رسول الله ﷺ عام ساق الهدي معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله ﷺ : { أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة } . وبه إلى مسلم نا إسحاق هو ابن راهويه - عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه أخبره عن حجة النبي ﷺ فقال { : حتى إذا كان آخر طواف على المروة ، قال عليه السلام : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله ﷺ أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا بل لأبد أبد } . نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا موسى بن إسماعيل نا وهيب هو ابن خالد - نا أيوب هو السختياني - عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال { صلى رسول الله ﷺ - ونحن معه بالمدينة - الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى الصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج } . نا حمام بن أحمد نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا مالك ، ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : { خرجنا مع النبي ﷺ عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال النبي ﷺ : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ولا يحل حتى يحل منهما جميعا } . قال أبو محمد : ففي هذه الأحاديث الثابتة برهان كل ما قلنا ولله تعالى الحمد وهي أربعة أحاديث - : ففي الأول الذي من طريق جابر أمر النبي ﷺ من أهل بحج مفرد ولا هدي معه بأن يحل بعمرة ولا بد ، ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير متمتعا . وفي الحديث الثالث الذي من طريق أنس أمره ﷺ من أهل بحج وعمرة قارنا ولا هدي معه أن يهل بعمرة ولا بد ؛ ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير أيضا متمتعا . وفي الحديث الثاني الذي من طريق جابر أمره ﷺ كل من لا هدي معه عموما بأن يحل بعمرة ، وأن هذا هو آخر أمره على الصفا بمكة ؛ وأنه عليه السلام أخبر بأن التمتع أفضل من سوق الهدي معه ، وتأسف إذ لم يفعل ذلك هو ، وأن هذا الحكم ( هو ) باق إلى يوم القيامة ، وما كان هكذا فقد أمنا أن ينسخ أبدا ؛ ومن أجاز نسخ ما هذه صفته فقد أجاز الكذب على خبر رسول الله ﷺ وهذا تعمده كفر مجرد ؛ وفيه أن العمرة قد دخلت في الحج - وهذا هو قولنا لأن الحج لا يجوز إلا بعمرة متقدمة له يكون بها متمتعا أو بعمرة مقرونة معه ولا مزيد . وفي الحديث الرابع الذي من طريق عائشة أم المؤمنين أمره ﷺ من معه هدي أن يقرن بين الحج ، والعمرة - : وبه يقول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وإسحاق بن راهويه ، وغيره - : نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل نا أحمد بن صالح نا عنبسة حدثني يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن كريب أنه حدثه عن ابن عباس أنه كان يقول : ما طاف رجل بالبيت إن كان حاجا إلا حل بعمرة إذا لم يكن معه هدي ، ولا طاف ومعه هدي إلا اجتمعت له : حجة ، وعمرة . ومن طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق هو ابن راهويه - أنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال : كان ابن عباس يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل . فقلت لعطاء : من أين تقول ذلك ؟ قال : من قول الله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . قلت : فإن ذلك بعد المعرف ؟ قال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله . وكان يأخذ ذلك من أمر رسول الله ﷺ حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع - ومن طريق عطاء ، ومجاهد : أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي - ومن طريق طاوس عن ابن عباس : والله ما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة إلا رجل اعتمر في وسط السنة - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان هو الثوري - عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال { : قدمت على رسول الله ﷺ وهو بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ قلت : أهللت بإهلال النبي ﷺ قال : هل سقت من هدي ؟ قلت : لا ، قال : طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي } فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر ، وإمارة عمر ؛ فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ؟ قلت : يا أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا به ، فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ما ( هذا ) الذي أحدثت في شأن النسك ؟ قال : إن نأخذ بكتاب الله تعالى فإن الله تعالى قال : { وأتموا الحج والعمرة لله } وإن نأخذ بسنة نبينا ﷺ فإنه لم يحل حتى نحر الهدي . قال أبو محمد : هذا أبو موسى قد أفتى بما قلنا مدة إمارة أبي بكر وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنهما ، وليس توقفه لما شاء الله تعالى أن يتوقف له حجة على ما روي عن النبي ﷺ وحسبنا قوله لعمر ما الذي أحدثت في شأن النسك ؟ فلم ينكر ذلك عمر . وأما قول عمر رضي الله عنه فيقول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فلا إتمام لهما إلا علمه رسول الله ﷺ الناس وهو الذي أنزلت عليه هذه الآية ، وأمر ببيان ما أنزل عليه من ذلك . وأما كونه عليه السلام لم يحل حتى نحر الهدي فإن أم المؤمنين ابنته حفصة رضي الله عنها روت عن النبي ﷺ بيان فعله كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن { حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله ﷺ ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر } . ورواه أيضا علي كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح الأشعري نا يحيى بن معين نا حجاج يعني ابن محمد الأعور - نا يونس يعني أبا إسحاق السبيعي - عن أبيه عن البراء هو ابن عازب - عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله ﷺ قال له : إني سقت الهدي وقرنت ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ، ولكني سقت الهدي وقرنت } . فهذا أولى أن يتبع من رأي رآه عمر قد صح عنه رجوعه عنه ؛ وقد خالفوه فيه أيضا كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في كتاب علي بن أبي طالب : من شاء أن يجمع بين الحج والعمرة فليسق هديه معه - : نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور هو ابن المعتمر - قال : حج الحسن البصري وحججت معه في ذلك العام فلما قدمنا مكة جاء رجل إلى الحسن فقال : يا أبا سعيد إني رجل بعيد الشقة من أهل خراسان وإني قدمت مهلا بالحج ؟ فقال له الحسن : اجعلها عمرة وأحل فأنكر ذلك الناس على الحسن وشاع قوله بمكة فأتى عطاء بن أبي رباح فذكر ذلك له فقال : صدق الشيخ ، ولكنا نفرق أن نتكلم بذلك قال أبو محمد : ليس إنكار أهل الجهل حجة على سنن الله تعالى ورسوله ﷺ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : من أهل من خلق الله تعالى ممن له متعة بالحج خالصا أو بحجة وعمرة فهي متعة سنة الله تعالى ورسوله ﷺ وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه سأل عن قول رسول الله ﷺ { دخلت العمرة في الحج ؟ } فقال : هو الرجل يفرد الحج ويذبح فقد دخلت له عمرة في الحج فوجبتا له جميعا . ومن طريق عبد الرزاق نا عمر بن ذر : أنه سمع مجاهدا يقول : من جاء حاجا فأهدى هديا فله عمرة مع حجة . ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير نا خصيف عن عطاء ومجاهد أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي قال خصيف : وكنت مع مجاهد فأتاه الضحاك بن سليم وقد خرج حاجا فسأل مجاهدا ؟ فقال له مجاهد : اجعلها عمرة ، فقال : هذا أول ما حججت فلا تشايعني نفسي فأي ذلك ترى أتم ؟ أن أمكث كما أنا أو أجعلها عمرة ؟ قال خصيف : فقلت له : أظن هذا أتم لحجك أن تمكث كما أنت ؟ فرفع مجاهد تبنة من الأرض وقال : ما هو بأتم من هذا ، وهو قول إسحاق بن راهويه . وقال عبيد الله بن الحسن القاضي ، وأحمد بن حنبل بإباحة فسخ الحج لا بإيجابه - ومنع منه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . قال علي : روى أمر رسول الله ﷺ من لا هدي له أن يفسخ حجه بعمرة ويحل بأوكد أمر جابر بن عبد الله ، وعائشة أم المؤمنين ، وحفصة أم المؤمنين ( كذلك ) ، وفاطمة بنت رسول الله ﷺ ، وعلي ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس وابن عباس ، وابن عمر ، وسبرة بن معبد ، والبراء بن عازب ، وسراقة بن مالك ، ومعقل بن يسار خمسة عشر من الصحابة رضي الله عنهم ؛ ورواه عن هؤلاء نيف وعشرون من التابعين ؛ ورواه عن هؤلاء من لا يحصيه إلا الله عز وجل ، فلم يسع أحدا الخروج عن هذا . واحتج من خالف كل هذا باعتراضات لا حجة لهم في شيء منها ؛ منها أنهم ذكروا خبرا رويناه من طريق مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة { خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ؛ ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله ﷺ بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل ، وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر } . وبخبر رويناه من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة ، وقد ذكر له عن رجل ذكر { عن النبي ﷺ أنه طاف بالبيت وحل } فقال عروة عن عائشة في حديث : قالت عن رسول الله ﷺ " أنه أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف ( بالبيت ) ، ثم لم يكن غيره ، ثم معاوية ، وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع الزبير أبي فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ، ثم لم يكن غيره ولا أحد ممن مضى ( ما ) كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي ، وخالتي تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا ، وقد كذب فيما ذكر من ذلك " . وبخبر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بشير العبدي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة قالت : " خرجنا مع رسول الله ﷺ للحج ثم ذكرت أن من كان منهم أهل بحج مفرد ، أو بعمرة وحج فلم يحلل حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة مفردة طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل حتى يستقبل حجا " . قال أبو محمد : حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة ، وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها منكران ، وخطأ عند أهل العلم بالحديث . نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا عبيد الله بن محمد السقطي نا أحمد بن جعفر نا محمد بن مسلم الختلي نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السداني نا أحمد بن محمد الأثرم نا أحمد بن حنبل فذكر حديث مالك عن أبي الأسود الذي ذكرنا آنفا فقال أحمد : إيش في هذا الحديث من العجب ؟ هذا خطأ ، قال الأثرم : فقلت له : الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه ؟ قال أحمد : نعم ، وهشام بن عروة . قال أبو محمد : ولأبي الأسود المذكور حديث آخر في هذا الباب لا خفاء بفساده ، وهو خبر رويناه من طريق البخاري نا أحمد بن صالح نا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر قال : حدثه أنه كان يسمع أسماء بنت أبي بكر تقول كلما مرت بالحجون : صلى الله على رسوله لقد نزلنا معه هاهنا ، ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة ، والزبير ، وفلان ، وفلان ؛ فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج . قال علي : وهذا باطل بلا خلاف من أحد ؛ لأن عائشة رضي الله عنها لم تعتمر في عام حجة الوداع قبل الحج أصلا ؛ لأنها دخلت - وهي حائض - حاضت بسرف ولم تطف بالبيت إلا بعد أن طهرت يوم النحر هذا أمر في شهرة الشمس ؛ ولذلك رغبت من النبي ﷺ أن يعمرها بعد الحج فأعمرها من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق كلها رواه جابر بن عبد الله ، ورواه عن عائشة : عروة ، والقاسم بن محمد ، وطاوس ، ومجاهد ، والأسود بن زيد وابن أبي مليكة . وبلية أخرى في هذا الخبر وهي قوله فيه : ثم أهللنا من العشي بالحج ، وهذا باطل بلا خلاف ، لأن عائشة أم المؤمنين ؛ وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، وابن عباس ، كلهم رووا : أن الإحلال كان يوم دخولهم مكة مع النبي ﷺ وأن إهلالهم بالحج كان يوم التروية - وهو يوم منى - وبين يوم إحلالهم يوم إهلالهم ثلاثة أيام بلا شك ؛ لأن رسول الله ﷺ دخل مكة في حجة الوداع صبح رابعة من ذي الحجة ، والأحاديث في ذلك مشهورة قد ذكرناها في كتبنا وذكرها الناس وكل من جمع في المسند ؛ فظهر عوار رواية أبي الأسود .
وقد روى الزهري عن عروة عن عائشة { أمر النبي ﷺ من لا هدي له بفسخ الحج } وأنهم فسخوه ، ولا يعدل أبو الأسود بالزهري - : روينا من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : قال عبد الله بن عمر في صفة حجة النبي ﷺ فلما قدم النبي ﷺ مكة قال للناس { : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة - ويقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } ؛ قال الزهري عن عروة : إن عائشة أخبرته ( عن النبي ﷺ ) في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل ما أخبر به سالم عن أبيه . ورواه أيضا عن عائشة من لا يذكر معه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وهم : القاسم بن محمد بن أبي بكر ؛ والأسود بن يزيد ، وذكوان مولاها وكان يؤمها ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وكل واحد من هؤلاء أخص بعائشة وأعلم وأضبط وأوثق من يحيى بن عبد الرحمن - : روينا من طريق مسلم حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني نا أبو عامر عبد الملك بن عمر العقدي نا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه { عن عائشة أم المؤمنين قالت : خرجنا مع رسول الله ﷺ فذكر الحديث : وفيه فلما قدمنا مكة قال رسول الله ﷺ لأصحابه : اجعلوها عمرة فأحل الناس إلا من كان معه الهدي ، فكان الهدي مع رسول الله ﷺ وأبي بكر ، وعمر ، وذوي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا } . ويكفي من كل هذا أن هذه الأخبار الثلاثة من طريق أبي الأسود ، ويحيى بن عبد الرحمن إنما هي موقوفة لا مسندة ، ولا حجة في موقوف فكيف إذا روى بضعة وعشرون من التابعين عن خمسة عشر من الصحابة خلاف ذلك ؟ وأسلم الوجوه لحديثي أبي الأسود ، وحديث يحيى بن عبد الرحمن أن يخرج على أن المراد بقولها : إن الذين أهلوا بحج ، أو حج وعمرة لم يحلوا إلى يوم النحر إنما كانوا من كان معه هدي فأهل بهما جميعا أو أضاف العمرة إلى الحج كما روى مالك عن الزهري عن عائشة عن النبي ﷺ فتخرج حينئذ هذه الأخبار سالمة لأن ما روته الجماعة عنها فيه زيادة لم يذكرها أبو الأسود ، ولا يحيى بن عبد الرحمن لو كان ما رويا مسندا فكيف وليس مسندا ؟ ونحمل حديث أبي الأسود عن عروة في حج أبي بكر ، وعمر ، وسائر من ذكرنا على أنهم كانوا يسوقون الهدي فتتفق الأخبار . واحتجوا أيضا بنهي عمر ، وعثمان عن ذلك . قال أبو محمد : هذا عليهم لا لهم لأنه إن كان نهيهما رضي الله عنهما حجة فقد صح عنهما النهي عن متعة الحج ، وهم يخالفونهما في ذلك - : نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم ، وحماد بن زيد قال هشيم : أنا خالد هو الحذاء - وقال حماد : عن أيوب السختياني ثم اتفق أيوب ، وخالد كلاهما عن أبي قلابة قال : قال عمر بن الخطاب : متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ وأنا أنهي عنهما وأضرب عليهما ؛ هذا لفظ أيوب ؛ وفي رواية خالد : أنا أنهي عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج . وبه إلى سعيد بن منصور نا هشيم أنا عبد الله بن عون عن القاسم بن محمد : أن عثمان نهى عن المتعة - يعني متعة الحج - وبه إلى سعيد بن منصور نا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد العزيز بن نبيه عن أبيه أن عثمان بن عفان سمع رجلا يهل بعمرة وحج فقال : علي بالمهل ؛ فضربه وحلقه . قال أبو محمد : وهم يخالفونهما ويجيزون المتعة حتى أنها عند أبي حنيفة ، والشافعي أفضل من الإفراد ، فسبحان من جعل نهي عمر ، وعثمان رضي الله عنهما عن فسخ الحج حجة ولم يجعل نهيهما عن متعة الحج وضربهما عليها حجة إن هذا لعجب فإن قالوا : قد أباحها سعد بن أبي وقاص وغيره ؟ قلنا : وقد أوجب فسخ الحج ابن عباس وغيره ولا فرق - : واحتجوا بما رويناه أيضا من طريق البزار نا عمر بن الخطاب السجستاني نا الفريابي نا أبان بن أبي حازم حدثني أبو بكر بن حفص عن ابن عمر عن عمر قال : يا أيها الناس ، إن رسول الله ﷺ أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا . ومن طريق أبي ذر كانت المتعة في الحج رخصة لنا أصحاب محمد ﷺ وعن عثمان : كانت متعة الحج لنا ليست لكم . قال أبو محمد : هذا كله خالفه الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون ، لأنهم متفقون على إباحة متعة الحج - وأما حديث عمر فإنما هو في متعة النساء بلا شك ، لأنه قد صح عنه الرجوع إلى القول بها في الحج ؛ وهؤلاء مخالفون لهذا الخبر إن كان محمولا عندهم على متعة الحج . روينا من طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب : لو اعتمرت في سنة مرتين ثم حججت لجعلت مع حجتي عمرة . ورويناه أيضا من طريق سفيان عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بمثله - ورويناه أيضا من طرق . واحتجوا بما رويناه أيضا من طريق المرقع عن أبي ذر أنه قال : كان فسخ الحج من رسول الله ﷺ لنا خاصة . ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان أو سليم بن الأسود أن أبا ذر قال فيمن حج ثم فسخها عمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله ﷺ ؛ ومن طريق موسى بن عبيدة عن يعقوب بن زيد عن أبي ذر قال : لم يكن لأحد بعدنا أن يجعل حجته عمرة إنما كانت لنا رخصة أصحاب محمد ﷺ . قال أبو محمد : إن لم يكن قول أبي ذر إن متعة الحج خاصة لهم حجة فليس قوله : إن فسخ الحج خاصة لهم حجة ؛ لا سيما وذلك الإسناد عنه صحيح ؛ لأنه من رواية إبراهيم التيمي عن أبيه ؛ وهذه الأسانيد عنه واهية ؛ لأنها عن المرقع ، وسليمان أو سليم ، وهما مجهولان . وعن موسى بن عبيدة الربذي - وهو ضعيف - فكيف وقد خالفه ابن عباس ، وأبو موسى ؟ فلم يريا ذلك خاصة . ولا يجوز أن يقال في سنة ثابتة أنها خاصة لقوم دون قوم إلا بنص قرآن أو سنة صحيحة ؛ لأن أوامر النبي ﷺ على لزوم الإنس ، والجن ، الطاعة لها والعمل بها . فإن قيل : هذا لا يقال بالرأي ؟ قلنا : فيجب على هذا متى وجد أحد من الصحابة يقول في آية أنها مخصوصة أو منسوخة أن يقال بقوله ؛ وأقر بذلك قولهم في المتعة : إنها خاصة ، وقد خالفوا ذلك . واحتجوا بما رويناه من طريق ربيعة الرأي { عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قلت : يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا ؟ قال : لكم خاصة } . قال أبو محمد الحارث بن بلال مجهول ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث ؛ وقد صح خلافه بيقين ؛ كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله { أن سراقة بن مالك قال لرسول الله ﷺ إذ أمرهم بفسخ الحج في عمرة : يا رسول الله ، لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال رسول الله ﷺ بل لأبد الأبد } .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والسبعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 890) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 891 - 894)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 895 - 901)
كتاب الحج
891 - مسألة : وجائز للمحرم دخول الحمام ، والتدلك ، وغسل رأسه بالطين ، والخطمي ، والاكتحال ، والتسويك ، والنظر في المرآة ، وشم الريحان ، وغسل ثيابه ، وقص أظفاره وشاربه ، ونتف إبطه ، والتنور ، ولا حرج في شيء من ذلك ، ولا شيء عليه فيه ؛ لأنه لم يأت في منعه من كل ما ذكرنا قرآن ، ولا سنة ، ومدعي الإجماع في شيء من ذلك : كاذب على جميع الأمة ، قائل ما لا علم به - ومن أوجب في ذلك غرامة فقد أوجب شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى ؟ وقد اختلف السلف في هذا - : روينا من طريق أيوب السختياني عن عكرمة أن ابن عباس دخل حمام الجحفة وهو محرم وقال : إن الله تعالى لا يصنع بوسخ المحرم شيئا . وأنه قال : المحرم يدخل الحمام ، وينزع ضرسه ، إن انكسر ظفره طرحه ، أميطوا عنكم الأذى إن الله لا يصنع بأذاكم شيئا . وأنه كان لا يرى بشم الريحان للمحرم بأسا ، وأن يقطع ظفره إذا انكسر ، ويقلع ضرسه إذا آذاه . ومن طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : رأى عمر بن الخطاب بعض بنيه - أحسبه قال عاصم بن عمر - وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو جالس على ضفة البحر ، وهما يتماقلان وهم محرمون : يغيب هذا رأس هذا ويغيب هذا رأس هذا : فلم يعب عليهما . وعن عكرمة عن ابن عباس قال : كنت أطاول عمر بن الخطاب النفس ونحن محرمان في الحياض . ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب هو السختياني - عن عكرمة عن ابن عباس قال : لقد رأيتني أماقل عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمان - المماقلة : التغطيس في الماء . ومن طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس : أنه كان هو وابن عمر بإخاذ بالجحفة يترامسان وهما محرمان - : قال أبو محمد : الإخاذ الغدير - والترامس التغاطس . ورأى مالك على من غيب رأسه في الماء : الفدية ، وخالف كل من ذكرنا ؛ واختلف عن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة في غسل المحرم رأسه فاحتكما إلى أبي أيوب الأنصاري ، ووجها إليه عبد الله بن حنين فوجده يغسل رأسه وهو محرم ، وأخبره : أنه { رأى رسول الله ﷺ يغسل رأسه وهو محرم } وقد ذكرنا { أمر رسول الله ﷺ عائشة أم المؤمنين بأن تنقض رأسها وتمتشط وهي محرمة } . ومن طريق وكيع نا العمري عن نافع عن ابن عمر قال : لا بأس أن يغسل المحرم ثيابه . ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور عن سالم عن أبي الجعد قال : سئل ابن عمر عن ذلك ؟ - يعني عن غسل المحرم ثيابه - فقال : لا بأس به إن الله لا يصنع بدرنك شيئا ؟ ومن طريق عمرو بن دينار عن عكرمة قال : لا بأس أن تمشط المرأة الحرام المرأة الحرام وتقتل قمل غيرها . وعن عطاء ، وإبراهيم النخعي قالا : لا بأس بدخول المحرم الحمام - وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي سليمان . فإن ذكروا قول الله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم } ؟ قلنا : روينا عن ابن عمر قال : التفث ما عليهم من الحج ، وقد أخبر رسول الله ﷺ { من الفطرة : قص الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة وقص الشارب } ، والفطرة سنة لا يجوز تعديها ، ولم يخص عليه السلام محرما من غيره : { وما كان ربك نسيا } . والعجب كله ممن يجعل فيمن فعل ما أمر به من ذلك ، أو أبيح له ولم ينه عنه : كفارة أو غرامة ، ثم لا يجعل على المحرم في فسوقه ومعاصيه ، وارتكابه الكبائر شيئا ، لا فدية ، ولا غرامة ، بل يرى حجه ذلك تاما مبرورا ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه كان ينظر في المرآة وهو محرم . ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة - ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم . وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وطاوس ، وعكرمة . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان - وقال مالك : يكره ذلك - وقد رويت كراهة ذلك عن ابن عباس ؛ والإباحة عنه أصح . وقال أبو حنيفة : إن قلم المحرم أظفار أربع أصابع ، أربع أصابع من كل يد من يديه ، ومن كل رجل من رجليه : فعليه إطعام ما شاء ، فإن قلم أظفار كف واحدة فقط ، أو رجل واحدة فقط : فعليه دم . وقال محمد بن الحسن : إن قلم خمسة أظفار من يد واحدة ، أو من رجل واحدة ، أو من يدين ، أو من رجلين ، أو من يديه ، ورجليه معا : فعليه دم ، فإن قلم أربعة أظفار كذلك : فعليه إطعام . وقال أبو يوسف : كقول أبي حنيفة ، إلا أنه قال : يطعم عن كل ظفر نصف صاع . وقال زفر ، والحسن بن زياد : إن قلم ثلاثة أظفار من يد واحدة ، أو من رجل واحدة ؛ أو من يدين ورجل ، أو من رجلين ويد : فعليه دم - فإن قلم أقل فعليه أن يطعم عن كل أصبع نصف صاع . وقال الطحاوي : لا شيء عليه حتى يقلم جميع أظفار يديه ورجليه : فتجب عليه الفدية . وقال مالك : من قلم من أظفاره ما يميط به عن نفسه أذى فالفدية المذكورة في حلق الرأس عليه . وقال الشافعي : من قلم ظفرا واحدا فليطعم مدا ، فإن قلم ظفرين فمدين ، فإن قلم ثلاثة أظفار فعليه دم ؟ فاعجبوا لهذه الأقوال الشنيعة التي لا حظ لها في شيء من وجوه الصواب ولا نعلم أحدا قالها قبلهم - وقد ذكرنا عن ابن عباس آنفا : لا بأس على المحرم إذا انكسر ظفره أن يطرحه عنه وأن يميط عن نفسه الأذى . وهو قول عكرمة ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وحماد بن أبي سليمان ، ليس منهم أحد جعل في ذلك شيئا . وعن عطاء : إن قص أظفاره لأذى به فلا شيء عليه ، فإن قصها لغير أذى فعليه دم - وعنه ، وعن الحسن : إن قلم ظفره المنكسر فلا شيء عليه ، فإن قلمه من غير أن ينكسر : فعليه دم . وعن الشعبي : إن نزع المحرم ضرسه : فعليه دم . قال أبو محمد : ولا مخالف لابن عباس في هذا يعرف من الصحابة رضي الله عنهم ، ويلزم من رأى في إماطة الأذى الدم أن يقول بقول الشعبي في إيجاب إماطة الأذى بقلع الضرس ، ونعم ، وفي البول ، وفي الغائط لأن كل ذلك إماطة أذى . وعن ابن عباس : يغسل المحرم ثيابه . ومن طرق وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال في غسل المحرم ثيابه : إن الله لا يصنع بدرنك شيئا . - وبه إلى سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال : لا بأس بغسل المحرم ثيابه ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف . وبه يقول أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان .
892 - مسألة : وكل ما صاده المحل في الحل فأدخله الحرم ، أو وهبه لمحرم ، أو اشتراه محرم : فحلال للمحرم ، ولمن في الحرم ملكه ، وذبحه ، وأكله - وكذلك من أحرم وفي يده صيد قد ملكه قبل ذلك ، أو في منزله قريبا ، أو بعيدا ، أو في قفص معه فهو حلال له - كما كان - أكله ، وذبحه وملكه ، وبيعه ، وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد للصيد وتملكه وذبحه حينئذ فقط ، فلو ذبحه لكان ميتة ، ولو انتزعه حلال من يده لكان للذي انتزعه ، ولا يملكه المحرم وإن أحل ، إلا بأن يحدث له تملكا بعد إحلاله . برهان ذلك - : أن الله تعالى قال : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } . وقال : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } . فقالت طائفة : هاتان الآيتان على عمومهما ، والشيء المتصيد هو المحرم ملكه وذبحه وأكله كيف كان ؟ فحرموا على المحرم أكل كل شيء من لحم الصيد جملة وإن صاده لنفسه حلال وإن ذبحه الحلال . وحرموا عليه ذبح شيء منه ، وإن كان قد ملكه قبل إحرامه ، وأوجبوا على من أحرم وفي داره صيد أو في يده ، أو معه في قفص أن يطلقه ، وأسقطوا عنه ملكه ألبتة ، ولم يبيحوا لأحد من سكان مكة والمدينة أكل شيء من لحم الصيد ، أو تملكه ، أو ذبحه . وقالت طائفة : قول الله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } إنما أراد الله تعالى الفعل الذي هو التصيد لا الشيء المتصيد - وهو مصدر صاد يصيد صيدا - فإنما حرم عليه صيده لما يتصيد فقط . وقالوا : قوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } هو التصيد أيضا نفسه المحرم في الآية الأخرى . واستدلت هذه الطائفة على ما قالته بقول الله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } قالوا : فالذي أباحه الله تعالى لنا بالإحلال هو بلا شك المحرم علينا بالإحرام لا غيره . وقالوا : لا يطلق في اللغة اسم الصيد إلا على ما كان في البرية وحشيا غير متملك فإذا تملك لم يقع عليه اسم صيد بعد . قال أبو محمد : فهذان القولان هما اللذان لا يجوز أن يفهم من الآية غيرهما وكل ما عداهما فقول فاسد متناقض لا يدل على صحته دليل أصلا فوجب أن ننظر في أي القولين يقوم على صحته البرهان - : فوجدنا أهل المقالة الأولى يحتجون بحديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي { أنه أهدى لرسول الله ﷺ رجل حمار وحش فرده عليه ، وقال : إنا حرم لا نأكل الصيد } . وروي هذا الحديث أيضا بلفظ : { أنه أهدى لرسول الله ﷺ حمار وحش فرده عليه وقال : لولا أنا محرمون لقبلناه منك } . روينا اللفظ الأول : من طريق حماد بن زيد عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس : عن الصعب بن جثامة . واللفظ الثاني : من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أهدى الصعب بن جثامة . ومن طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن زيد بن أرقم أخبره { أن رسول الله ﷺ أهدي له عضو من لحم صيد فرده وقال : إنا لا نأكله إنا حرم } . وهذان خبران رويناهما من طرق كلها صحاح - وهذا قول روي عن علي ومعاذ ، وابن عمر - وبه يقول أبو بكر بن داود - : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال : أهدي إلى ابن عمر ظبي مذبوحة بمكة فلم يقبلها ، وكان ابن عمر يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال - : فنظرنا فيما احتجت به الطائفة الأخرى - : فوجدناهم يحتجون بما رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان هو ابن عيينة - نا صالح بن كيسان قال : سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة يقول : سمعت أبا قتادة يقول : { خرجنا مع رسول الله ﷺ حتى إذا كنا بالقاحة فمنا المحرم ومنا غير المحرم إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش فأسرجت فرسي وأخذت رمحي ثم ركبت فسقط مني سوطي فقلت لأصحابي : ناولوني سوطي وكانوا محرمين فقالوا : لا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ؛ ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمح فعقرته فأتيت به أصحابي فقال بعضهم : كلوه ، وقال بعضهم : لا تأكلوه ، وكان النبي عليه السلام أمامنا فحركت فرسي فأدركته فقال : هو حلال فكلوه } . أبو محمد مولى أبي قتادة ثقة اسمه نافع روى عنه أبو النضر وغيره . ومن طريق مسلم نا أحمد بن عبدة الضبي نا فضيل بن سليمان النميري نا أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ وهم محرمون وأبو قتادة محل } فذكر الحديث وفيه " أن رسول الله ﷺ قال : { هل معكم منه شيء ؟ قالوا : معنا رجله فأخذها رسول الله عليه السلام فأكلها } . ومن طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج أخبرني محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال : { كنا مع طلحة بن عبيد الله ، ونحن حرم فأهدي لنا طير وطلحة راقد ، فمنا من تورع ، ومنا من أكل فلما استيقظ طلحة وفق من أكله ، وقال : أكلناه مع رسول الله ﷺ } . ومن طريق الليث بن سعد عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري قال : { بينما نحن نسير مع رسول الله ﷺ بالروحاء وهم حرم إذا حمار معقور فقال رسول الله ﷺ دعوه فيوشك صاحبه أن يأتي فجاء رجل من بهز هو الذي عقر الحمار فقال : يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار ، فأمر عليه السلام أبا بكر فقسمه بين الناس } . وهو قول عمر بن الخطاب ، وطلحة كما ذكرنا ، وأبي هريرة - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سمع أبا هريرة يحدث أباه عبد الله بن عمر قال : سألني قوم محرمون عن محلين أهدوا لهم صيدا ؟ قال : فأمرتهم بأكله ، ثم لقيت عمر فأخبرته ، فقال عمر : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتك . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني يوسف بن ماهك أنه سمع عبد الله بن أبي عمار قال : أقبلنا مع معاذ بن جبل محرمين بعمرة من بيت المقدس وأميرنا معاذ بن جبل فأتى رجل بحمار وحش قد عقره فابتاعه كعب بن مسلم فجاء معاذ والقدور تغلي به ، فقال معاذ : لا يطيعني أحد إلا أكفأ قدره فأكفأ القوم قدورهم فلما وافوا عمر قص عليه كعب قصة الحمار ، قال عمر : ما بأس ذلك ؟ ومن نهى عن ذلك ؟ لعلك أفتيت بذلك يا معاذ ؟ قال : نعم - فلامه عمر . وهو أيضا قول ابن عمر ، وابن مسعود ، وأبي ذر ، ومجاهد ، والليث ، وأبي حنيفة ، وغيرهم . قال أبو محمد : فكانت هذه الأخبار والتي قبلها صحاحا كلها ، فالواجب في ذلك الأخذ بجميعها واستعمالها كما هي دون أن يزاد في شيء منها ما ليس فيه ، فيقع فاعل ذلك في الكذب ، فنظرنا في هذه الأخبار فوجدنا فيها إباحة أكل ما صاده الحلال للمحرم . ثم نظرنا في التي قبلها فوجدناها ليس فيها نهي المحرم عن أكل ما صاده المحل أصلا وإنما فيها قوله عليه السلام : { إنا لا نأكله إنا حرم ، ولولا أننا محرمون لقبلناه } فإنما فيه رد الصيد على مهديه ، لأنهم حرم وترك أكله لأنهم حرم ؛ وهذا فعل منه عليه السلام وليس أمرا ، وإنما الواجب أمره وإنما في فعله الائتساء به فقط . وهذا مثل قوله عليه السلام : { أما أنا فلا آكل متكئا } . وتركه أكل الضب - فلم يحرم بذلك الأكل متكئا لكن هو الأفضل . ولم يحرم أيضا أكل المحرم الصيد يصيده المحل بقوله عليه السلام { إنا لا نأكله إنا حرم } لكن كان ترك أكله أفضل . وهكذا روي عن عائشة ولا حرج في أكله أصلا ولا كراهة لأنه عليه السلام قد أباحه وأكله أيضا ، فمرة أكله ، ومرة لم يأكله ، ومرة قبله ، ومرة لم يقبله - فكل ذلك حسن مباح . وهكذا القول في الحديث الذي فيه { أهدي لرسول الله ﷺ بيض نعام وتتمير وحش فقال : أطعمه أهلك فإنا حرم } لو صح فكيف ولا يصح ؟ فإذ لا شك في هذا فقد صح أن قول الله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } إنما أراد به التصيد في البر فقط . وصح أن قوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } نهي عن قتله في حال كون المرء حرما ، والذكاة ليست قتلا بلا خلاف في الشريعة ، والقتل ليس ذكاة ، فصح أنه لم ينه عن تذكيته ، وإذا ثبت هذا فلم يأت النص بنهي عن تملك الصيد بغير التصيد فهو حلال . وبرهان قاطع - : وهو أن النبي عليه السلام سكن المدينة إلى أن مات ، وهي حرم كمكة سواء سواء وأصحابه بعده ، ولم يزل عليه السلام يهدى له الصيد ولأصحابه ويدخل به المدينة حيا فيبتاع ويذبح ويؤكل ويتملك ، ومذكى فيباع ويؤكل ، هذا أمر لا يقدر على إنكاره أحد جيلا بعد جيل ، وكذلك بمكة وهي حرم - : حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب هو ابن أبي خيثمة - نا عبيد الله بن عمر نا حماد بن زيد قال : سمعت داود بن أبي هند يحدث هشام بن عروة أن عطاء يكره ما أدخل من الصيد من الحل أن يذبح في الحرام ، فقال هشام : وما علم عطاء ، ومن يأخذ عن ابن رباح كان أمير المؤمنين بمكة - يعني عمه ابن الزبير - تسع سنين يراها في الأقفاص وأصحاب رسول الله عليه السلام يقدمون بها القماري واليعاقيب لا ينهون عن ذلك . قال أبو محمد : ما لم يمنع منه الحرم لم يمنع منه الإحرام إذ لم يفرق بين ذلك النص أصلا فارتفع الإشكال - وبالله تعالى التوفيق - إلا أن أبا حنيفة قال : من أحرم وفي منزله صيد أو معه في قفص لم يلزمه إرساله فإن كان في يده لزمه إرساله فإن وجده بعد إحلاله في يد إنسان قد أخذه كان له ارتجاعه وانتزاعه من الذي هو بيده ، وهذا تخليط ناهيك به ، ولئن كان يسقط ملكه عنه بإحرامه فما له أن يأخذه ممن ملكه ولا سبيل إلى عودة ملكه عليه بعد سقوطه إلا ببرهان ، وإن كان ملكه لم يسقط عنه بإحرامه فلا يلزمه إرساله . وقال أيضا : إن صاد محل صيدا فأدخله حرم مكة حيا فعليه أن يرسله فإن باعه فسخ بيعه ، فإن باعه ممن يذبحه أو ذبحه فعليه الجزاء - وهذا تخليط وتناقض لما ذكرنا قبل . وروينا عن مجاهد لا بأس أن يدخل الصيد في الحرم حيا - ثم يذبح . وعن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وسعيد بن جبير أيضا مثل هذا . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان قال : رأيت الصيد يباع بمكة حيا في إمارة ابن الزبير . قال أبو محمد : ولا فرق بين من كان في الحرم ، وبين المحرم في الحل والحرم ، لأن كليهما يقع عليه اسم حرم - وبالله تعالى التوفيق - فإذ قد صح هذا فالواجب فيمن قتل صيدا متملكا وهو محرم أو في الحرم أن يؤدي لصاحبه صيدا مثله يبتاعه له أو قيمته إن لم يوجد مثله ، ولا جزاء فيه ولا يؤكل الذي قتل لأنه ميتة ، إذ قتله بغير إذن صاحبه . قال أبو محمد : وها هنا قولان آخران ، أحدهما : قوم قالوا : لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده هو أو يصد له ، واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن { عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله ﷺ زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمار وحش فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه للنبي عليه السلام وذكرت أني لم أكن أحرمت فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له } . وبما رويناه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله عليه السلام : { صيد البر لكم حلال وأنتم حرم إلا ما اصطدتم وصيد لكم } . فروينا هذا عن عثمان وأنه أتي بصيد وهو وأصحابه محرمون فأمرهم بأكله ولم يأكله هو فقال له عمرو بن العاص : يا عجبا لك تأمرنا أن نأكل مما لست آكلا ؟ فقال عثمان : إني أظن إنما صيد من أجلي ، فأكلوا ولم يأكل - وهو قول مالك . قال أبو محمد : أما خبر جابر فساقط ، لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف . وأما خبر أبي قتادة فإن معمرا رواه كما ذكرنا . ورواه عن يحيى بن أبي كثير معاوية بن سلام ، وهشام الدستوائي كلاهما يقول فيه : عن يحيى حدثني عبد الله بن أبي قتادة ، ولا يذكران ما ذكر معمر ، ولم يذكر فيه معمر سماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة . ورواه أيضا : شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فلم يذكر فيه ما ذكر معمر . ورواه أيضا : أبو محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة - فلم يذكر فيه ما ذكر معمر ، ورواه أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة فذكر : أن رسول الله عليه السلام أكل منه . فلا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه - : إما أن تغلب رواية الجماعة على رواية معمر لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من ابن أبي قتادة ولم يذكر معمرا . وتسقط رواية يحيى بن أبي كثير جملة لأنه اضطرب عليه ويؤخذ برواية أبي حازم ، وأبي محمد ، وابن موهب ، الذين لم يضطرب عليهم لأنه لا يشك ذو حس أن إحدى الروايتين وهم . إذ لا يجوز أن تصح الرواية في أنه عليه السلام أكل منه ، وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه ، وهي قصة واحدة في وقت واحد ، في مكان واحد في صيد واحد ، ويؤخذ بالزائد وهو الحق الذي لا يجوز تعديه ؟ فنظرنا في ذلك - : فوجدنا من روى عن عبد الله بن أبي قتادة : { أن رسول الله ﷺ أكل منه } قد أثبت خبرا وزاد علما على ما روي عنه أنه عليه السلام لم يأكل منه ، فوجب الأخذ بالزائد ولا بد وترك رواية من لم يثبت ما أثبته غيره - وبالله تعالى التوفيق . وأما فعل عثمان فإننا روينا من طريق سعيد بن منصور أنا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث أن أبا النضر مولى عمر بن عبيد الله حدثه أن بسر بن سعيد أخبره أن عثمان بن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته ، ثم إن الزبير كلمه ، فقال : ما أدري ما هذا يصاد لنا ومن أجلنا ؟ لو تركناه ؟ فتركه . فصح أنه رأي من عثمان ، والزبير ، واستحسان ، لا منع ، ولا عن أثر عندهما ، ومثل هذا لا تقوم به حجة ، ولا يشك أحد في أن أبا قتادة لم يصد الحمار إلا لنفسه وأصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم رسول الله ﷺ من أكله فسقط هذا القول . وقول آخر : وهو أنه حلال للمحرم ما صاده الحلال ما لم يشر له إليه أو يأمره بصيده واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق شعبة أنا عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت { عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه : أنهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم فرأيت حمار وحش فركبت فرسي وأخذت رمحي فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطا من بعضهم وشددت على الحمار فأصبته فأكلوا منه فأشفقوا منه ، فسئل عن ذلك رسول الله عليه السلام ؟ فقال : هل أشرتم أو أعنتم ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوه } . ومن طريق أبي عوانة عن عبد الله بن عثمان بن موهب عن ابن أبي قتادة عن أبيه بمثله إلا أنه قال : هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأننا لا ندري ماذا كان يقول رسول الله ﷺ لو قال له : نعم ؟ إلا أن اليقين عندنا أن كل ما لم يقله عليه السلام ولا حكم به فإنه غير لازم ولا تؤخذ الديانة بالتكهن ، ونحن على يقين من أنه لو لزم بإشارتهم إليه ، أو أمرهم إياه ، أو عونهم له حكم تحريم لبينه عليه السلام ، فإذ لم يفعل فلا حكم لذلك . وقد روينا عن عطاء في محرم كان بمكة فاشترى حجلة فأمر محلا بذبحها أنه لا شيء عليه - وبالله تعالى التوفيق .
893 - مسألة : فلو أمر محرم حلالا بالتصيد فإن كان ممن يطيعه ويأتمر له فالمحرم هو القاتل للصيد فهو حرام ، وإن كان ممن لا يأتمر له ولا يطيعه فليس المحرم هاهنا قاتلا ، بل أمر بمباح حلال للمأمور . ولو اشترك حلال ومحرم في قتل صيد كان ميتة لا يحل أكله ؛ لأنه لم تصح فيه الذكاة خالصة ، وعلى المحرم جزاؤه كله لأنه قاتل ولا جزاء على المحل - وبالله تعالى التوفيق .
894 - مسألة : ومباح للمحرم أن يقبل امرأته ويباشرها ما لم يولج ، لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث ، والرفث : الجماع ، فقط . ولا عجب أعجب ممن ينهى عن ذلك ولم ينه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام قط عن ذلك ، ويبطل الحج بالإمناء في مباشرتها التي لم ينهه قط قرآن ولا سنة عنها ، ثم لا يبطل حجه بالفسوق الذي صح نهي الله تعالى في القرآن عنه في الحج من ترك الصلاة ، وقتل النفس التي حرم الله تعالى بغير الحق وسائر الفسوق ، إن هذا لعجب ؟ روينا من طريق الحذافي عن عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن شيخ يقال له : أبو هرم قال : سمعت أبا هريرة يقول : يحل للمحرم من امرأته كل شيء إلا هذا وأشار بإصبعه السبابة بين أصبعين من أصابع يده - يعني الجماع . وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عثمان بن عبد الرحمن أنه قبل امرأته وهو محرم فسألت سعيد بن جبير ؟ فقال : ما نعلم فيها شيئا فليستغفر الله عز وجل . قال ابن جريج : وسمعت عطاء يقول : مثل قول سعيد بن جبير . ومن طريق ابن جريج أيضا عن عطاء لا يفسد الحج إلا التقاء الختانين فإذا التقى الختانان فسد الحج ووجب الغرم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن غيلان بن جرير قال : سألني وعلي بن عبد الله ، وحليم بن الدريم محرم ؟ فقال : وضعت يدي من امرأتي موضعا فلم أرفعها حتى أجنبت ؟ ؟ فقلنا كلنا : ما لنا بهذا علم ؟ فمضى إلى أبي الشعثاء جابر بن زيد فسأله ، ثم رجع إلينا يعرف البشر في وجهه ؟ فسألناه ماذا أفتاك ؟ فقال : إنه استكتمني - فهؤلاء كلهم لم يروا في ذلك شيئا ؟ فإن ذكروا الرواية عن عائشة : يحرم على المحرم من امرأته كل شيء إلا الكلام . وعن ابن عباس إنما الرفث ما تكلم به عند النساء - فهم أول مخالف لهذا لأنهم يبيحون له النظر ، ثم إنها وابن عباس لم يجعلا في ذلك شيئا . وقال أبو حنيفة : والشافعي : من جامع دون الفرج فأنزل فليس عليه إلا دم وتجزئه شاة وحجه تام . وروينا عن ابن عباس ولم يصح فيمن نظر فأمذى ، أو أمنى : عليه دم . وعن علي ولا يصح : من قبل فعليه دم . أما رواية ابن عباس فعن شريك عن إبراهيم بن مهاجر . وأما رواية علي فعن شريك عن جابر الجعفي - وكلهم لا شيء ؟ قال أبو محمد : إيجاب الدم في ذلك قول لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا قياس ، ولا قول مجمع عليه - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والستون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 837 - 850)
كتاب الحج
وأما قولنا : من ترك عمدا أو بنسيان شيئا من طواف الإفاضة أو من السعي الواجب بين الصفا والمروة فليرجع أيضا - كما ذكرنا - ممتنعا من النساء حتى يطوف [ بالبيت ] ما بقي عليه ، فإن خرج ذو الحجة قبل أن يطوف فقد بطل حجه ، وليس عليه في رجوعه لطواف الوداع أن يمتنع من النساء فلأن طواف الإفاضة فرض . وقال - تعالى - : { الحج أشهر معلومات } وقد ذكرنا أنها شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، فإذ هو كذلك فلا يحل لأحد أن يعمل شيئا من أعمال الحج في غير أشهر الحج فيكون مخالفا لأمر الله - تعالى - . وأما امتناعه من النساء فلقول الله - تعالى - : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } فهو ما لم يتم فرائض الحج فهو في الحج بعد . وأما رجوعه لطواف الوداع فليس هو في حج ، ولا في عمرة فليس عليه أن يحرم ، ولا أن يمتنع من النساء ؛ لأن الله - تعالى - لم يوجب ذلك ، ولا رسول الله ، ولا إحرام إلا بحج أو عمرة - أو لطواف مجرد فلا .
وأما قولنا : إن من لم يرم جمرة العقبة حتى خرج ذو الحجة ، أو حتى وطئ عمدا فحجه باطل ، فلما روينا من طريق أبي داود السجستاني نا نصر بن علي هو الجهضمي - نا يزيد بن زريع أنا خالد هو الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس { أن رجلا قال لرسول الله ﷺ : إني أمسيت ولم أرم قال : ارم ولا حرج } فأمر عليه السلام بالرمي المذكور ، وأمره فرض ، وأخبر عليه السلام أنه لا حرج في تأخيره فهو باق ما دام من أشهر الحج شيء ، ولا يجزئ في غير أشهر الحج ؛ لأنه من فرائض الحج لما ذكرناه آنفا - : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : إن ذكر ، وهو بمنى رمى ، وإن فاته ذلك حتى ينفر فإنه يحج من قابل ويحافظ على المناسك . قال أبو محمد : والعجب كله ممن يبطل حج المسلم بأن باشر امرأته حتى أمنى من غير إيلاج ، ولا نهي عن ذلك أصلا لا في قرآن ، ولا في سنة ، ولا جاء بإبطال حجة بذلك نص ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ثم لا يبطل حجه بترك رمي جمرة العقبة ، وترك مزدلفة ، وقد صح الأمر بهما في القرآن والسنة الثابتة
وأما قولنا - : إنه يجزئ القارن بين الحج والعمرة طواف واحد سبعة أشواط لهما جميعا ، وسعي واحد بين الصفا والمروة سبعة أشواط لهما جميعا ، كالمفرد سواء سواء - : فلما رويناه من طريق مسلم نا قتيبة نا الليث هو ابن سعد - عن نافع أن ابن عمر قال لهم : اشهدوا أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، ثم انطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك [ ولم ينحر ] ولم يحلق ، ولا قصر ، ولا أحل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وقال : هكذا فعل رسول الله ﷺ . ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا بهز بن أسد نا وهيب هو ابن خالد - نا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن { عائشة أنها أهلت بعمرة فقدمت ، ولم تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها ، وقد أهلت بالحج ، فقال لها رسول الله ﷺ يوم النفر : يسعك طوافك لحجك وعمرتك فأبت ، فبعث بها مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج } . ومن طريق مسلم حدثني حسن بن علي الحلواني نا زيد بن الحباب حدثني إبراهيم بن نافع حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد { عن عائشة أم المؤمنين أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله ﷺ : يجزي عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك } . ومن طريق مسلم نا قتيبة نا الليث عن أبي الزبير { عن جابر بن عبد الله قال : أقبلت عائشة بعمرة فذكر الحديث ؛ وفيه أن رسول الله ﷺ دخل عليها ، وهي تبكي فقال : ما شأنك ؟ قالت شأني أني قد حضت ، وقد حل الناس ، ولم أحلل ، ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن ؟ فقال لها رسول الله ﷺ : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ، ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبين الصفا والمروة ، قال رسول الله ﷺ : قد حللت من حجك وعمرتك جميعا } . ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا أشهب أن مالكا حدثهم أن ابن شهاب وهشام بن عروة حدثاه عن عروة { عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع فقدمنا مكة فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ؛ وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا } . حدثنا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا محمد بن بشر بن مطر نا أبو المصعب ، وجعفر بن محمد الوركاني قالا جميعا : نا الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد - نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { من قرن بين الحج والعمرة فليطف لهما طوافا واحدا وسعيا واحدا } . فهذه آثار متواترة متظاهرة توجب العلم الضروري . ومن طريق عبد الرزاق نا عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان يقول : للقارن سعي واحد ، وللمتمتع سعيان ؟ ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال : يكفيك لهما طوافك الأول بين الصفا والمروة - يعني القارن بين الحج والعمرة . ومن طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال : حلف لي طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله ﷺ لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا . ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يحفظ عن علي بن أبي طالب للقارن طوافا واحدا بين الصفا والمروة خلاف ما يحفظ أهل العراق . ومن طريق هشيم بن بشير نا أبو بشر عن سليمان اليشكري أن جابر بن عبد الله قال : لو أهللت بالحج والعمرة جميعا تخص لهما طوافا واحدا ولكنت مهديا - يعني سوق الهدي قبل الإحرام - . وهو قول محمد بن سيرين ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، ومحمد بن علي بن الحسين ، والزهري ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ، وأصحابهم . وقالت طائفة : بل يطوف طوافين ، ويسعى سعيين - : كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن الصبي بن معبد قرن بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى سعيين ، ولم يحل بينهما وأهدى ، وأخبر بذلك عمر بن الخطاب ، فقال عمر : هديت لسنة نبيك . ومن طريق عبد الرزاق عن عباد بن كثير ، ويس الزيات قال يس : عن رجل عن ابن الأصبهاني وقال عباد : عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الحسين بن علي قرن بين الحج والعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لعمرته ، ثم قعد في الحجر ساعة ، ثم قام فطاف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا لحجه ، ثم قال : هكذا صنع رسول الله ﷺ . ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى { أن النبي جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين } . وروي عن بعض الصحابة ، كما روينا من طريق منصور بن المعتمر عن مالك بن الحارث عن أبي نصر هو ابن عمرو السلمي - ومن طريق منصور عن رجل من بني سليم ؛ ومن طريق أبي عوانة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن أذينة ؛ ومن طريق وكيع عن مسعر عن بكير بن عطاء الليثي عن رجل من بني عذرة ، ومن طريق منصور بن زاذان عن الحكم بن عتيبة ، وزياد بن مالك ، ومن طريق ابن سمعان عن ابن شبرمة ، ثم اتفق أبو نصر بن عمرو ، والرجل السلمي ، والرجل العذري ، وعبد الرحمن بن أذينة ، والحكم بن عتيبة ، وزياد بن مالك ، وابن شبرمة كلهم عن علي أنه قال : يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين - ومن طريق منصور بن زاذان عن زياد بن مالك - ومن طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي ، ثم اتفق زياد بن مالك ، وأبو إسحاق كلاهما عن ابن مسعود على القارن طوافان ، وسعيان . ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عمرو بن الأسود عن الحسين بن علي قال : إذا قرنت بين الحج والعمرة فطف طوافين واسع سعيين - وهو قول مجاهد ، وجابر بن زيد ، وشريح القاضي ، والشعبي ، ومحمد بن علي بن الحسين وإبراهيم النخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، والحكم بن عتيبة ، وروي عن الأسود بن يزيد - وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان ، والحسن بن حي ؛ وأشار نحوه الأوزاعي وها هنا قول ثالث رويناه من طريق سعيد بن منصور قال : نا جهم بن واقد الأنصاري سألت عطاء بن أبي رباح فقلت : قرنت الحج والعمرة فقال : تطوف طوافين بالبيت ويجزئك سعي واحد بين الصفا والمروة . قال أبو محمد : أما قول عطاء هذا فإنه كان لا يرى السعي بين الصفا والمروة من فرائض الحج ؛ فلذلك أجزأه عنده سعي واحد بينهما ؛ لأنه للحج وحده . قال أبو محمد : أما ما شغب به ، من يرى أن يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين عن النبي ﷺ فساقط كله لا يجوز الاحتجاج به . وكذلك كل ما رووا في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم لا يصح منه ، ولا كلمة واحدة ، ولكنه عمن ذكرنا من التابعين صحيح إلا عن الأسود وحده فإنه من رواية جابر الجعفي . أما حديث الضبي بن معبد فإن إبراهيم لم يدرك الضبي ، ولا سمع منه ، ولا أدرك عمر فهو منقطع ، وقد رواه الثقات : مجاهد ، ومنصور عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن الضبي - فلم يذكروا فيه طوافا ، ولا طوافين ، ولا سعيا ، ولا سعيين أصلا ؛ وإنما فيه أنه قرن بين الحج والعمرة فقط . وأما حديث ابن أبي ليلى فمرسل ؛ ثم هو أيضا عن الحسن بن عمارة ؛ ولا يجوز الاحتجاج بروايته . وأما حديث الحسين بن علي ، فعن عباد بن كثير ، ويس ، وكلاهما ضعيف جدا في غاية السقوط ، فسقط كل ذلك ، وتسقط بسقوطه الرواية عن عمرو عن الحسين بن علي . ووالله ما جعل الله - تعالى - عذرا لمن يعارض رواية عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وعروة ، عن أم المؤمنين عن النبي ﷺ ورواية نافع عن ابن عمر وأبي الزبير عن جابر ، كلاهما عن النبي ﷺ بمثل هذه العفونات الذفرة ، ونعوذ بالله من الخذلان . وأما الرواية عن علي فأبو نصر بن عمرو ، وعبد الرحمن بن أذينة ، وزياد بن مالك ، ورجل من بني عذرة ، ورجل من بني سليم لا يدري أحد من خلق الله - تعالى - من هم ؟ وأما الحكم بن عتيبة ، وابن شبرمة فلم يدركه عليا ولا ولدا إلا بعد موته ، وأما الرواية عن الحسين ابنه ، فعن الحجاج بن أرطاة وهو في غاية السقوط . وأما الرواية عن ابن مسعود فزياد بن مالك لا يدرى من هو . وأما أبو إسحاق فلم يولد إلا سنة موت ابن مسعود أو بعدها . فمن أعجب ممن يعارض رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، ورواية عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، ورواية سلمة بن كهيل عن طاوس عن الصحابة جملة ، ورواية أبي بشر عن سليمان اليشكري عن جابر ، ورواية مالك عن الزهري ، وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة أم المؤمنين عن كل من قرن من الصحابة مع رسول الله ﷺ بهذه النطائح المترديات ، وهذا - لمن تأمله - إجماع صحيح من جميع الصحابة رضي الله عنهم بحضرة رسول الله ﷺ لا يكدح فيه ما جاء بعده - لو جاء - فكيف وكله باطل مطرح ؟ قال أبو محمد : وقول رسول الله ﷺ الذي رواه طاوس ، ومجاهد عن ابن عباس ، ورواه عطاء ، ومحمد بن علي عن جابر ، ورواه طاوس عن سراقة ، كلهم عن النبي ﷺ { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } . قال علي : ومن الباطل أن تحتاج العمرة إلى عمل غير عمل الحج ، وقد دخلت فيه ؛ ومن عجائب الدنيا احتجاجهم بمن ذكرنا من السقاط الذين يؤنس بالخير فقدهم منه ، ويوحش منه وجودهم فيه . ثم يقولون في الثابت عن النبي ﷺ من أمره من قرن بين الحج والعمرة بأن يطوف لهما طوافا واحدا وسعيا واحدا : هذا من رواية الدراوردي ، نعم ، إنه لمن رواية الدراوردي الثقة المأمون ، لا من رواية الحجاج بن أرطاة ، وعباد بن كثير ، ويس الزيات ، المطرحين المتروكين . ثم أعجب شيء : أن في رواية عبد الرحمن بن أذينة المذكور عن علي : أنه لا يجوز لمن بدأ بالإهلال بالحج أن يردف عليه عمرة فجعل أبو حنيفة ما روى ابن أذينة عن علي من أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين حجة خالف لها السنن الثابتة وإجماع الصحابة ، ولم يجعل ما رواه ابن أذينة عن علي - : من أنه لا يجوز لمن بدأ بالإهلال بالحج أن يضيف إليه عمرة - : حجة ، فما هذا التلاعب ؟ ولئن كانت رواية ابن أذينة عن علي في أحد الوجهين حجة : إنها لحجة في الوجه الآخر ، ولئن لم تكن حجة في أحد الوجهين فما هي حجة في الآخر . ثم اعترضوا في الآثار الواردة عن ابن عمر بما روي عنه من أن النبي ﷺ كان متمتعا ، ولو أن الذي احتج بهذا يستحيي ممن حضره من الناس [ من ] قبل أن يبلغ إلى الحياء من الملائكة ، ثم من الذي إليه معاده - عز وجل - : لردعه عن هذه المجاهرة القبيحة . وهذا الخبر قد ذكرناه وفيه [ من ] { تمتع رسول الله ﷺ بدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج } فوصف عمل القران وسماه : تمتعا . والعجب أن هذا المجاهر بهذه العظيمة يناظر الدهر في إثبات أن النبي ﷺ كان قارنا ، ثم أضرب عن ذلك الآن وجعل يوهم : أنه كان متمتعا ، وهذا من الغاية في السماجة والصفة المذمومة ، واعترض في الآثار المذكورة عن عائشة أم المؤمنين بما روي في ذلك الخبر من { قول النبي ﷺ ارفضي العمرة ، ودعي العمرة ، واتركي العمرة ، وامتشطي ، وانقضي رأسك ، وأهلي بالحج } وأوهم هذا المكابر بهذه الألفاظ : أنها أحلت من العمرة ؛ وهذا باطل لأن - معنى { ارفضي العمرة ، ودعي العمرة ، واتركي العمرة ، وأهلي بالحج } أن تدع الطواف الذي هو عمل العمرة وتتركه ، وترفض عمل العمرة من أجل حيضها ، وتدخل حجا على عمرتها ، فتكون قارنة ، فإذا طهرت طافت بالبيت حينئذ للعمرة وللحج . وأما نقض الرأس والامتشاط فلا يكره ذلك في الإحرام بل هو مباح مطلق - : برهان ذلك قول رسول الله ﷺ لها حينئذ { طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك } . فكيف يمكن أن يكفيها طوافها وسعيها لعمرة قد أحلت منها ؟ لولا الهوى المعمي المصم المقحم في بحار الضلالة بالمجاهرة بالباطل . فصح يقينا أنه إنما كفاها طوافها وسعيها لحجها وعمرتها اللذين كانت قارنة بينهما ؛ هذا ما لا يحيل على من له أدنى فهم ، ولم يجد ما يموه به في حديث جابر ، ولا في حديث عروة عن عائشة : أن الذين جمعوا بين العمرة والحج من الصحابة طافوا لهما طوافا واحدا . فرجع إلى أن قال : إن عليا كان مع رسول الله ﷺ في حجه وأشركه في هديه ، فلم يقل ما قال إلا عن علم ؟ فيقال لمن قال هذا القول : إنك تنسب إلى علي الباطل ، وقولا لم يثبت عنه قط ، ثم لو ثبت عنه فأم المؤمنين كانت في تلك الحجة أبطن بالنبي ﷺ وأعلم به من علي وغير علي ؛ وإذ صار علي هاهنا يجب تقليده وإطراح السنن الثابتة ؛ وأقوال سائر الصحابة لقول لم يصح عنه ، فهلا وجب تقليده في الثابت عنه من بيع أمهات الأولاد ، ومن قوله : إن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه ؛ وسائر ما خالفوه فيه لما هو أقل مما تركوا هاهنا ؟ ولكن الهوى إله معبود ؟ وعهدنا بهم يقولون فيما روي عن أم المؤمنين إذ قالت لأم ولد زيد بن أرقم في بيعها غلاما من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ، ثم ابتاعته منه بستمائة درهم نقدا : أبلغ زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إن لم يتب : مثل هذا لا يقال بالرأي - فهلا قالوا هاهنا في قول عائشة ، وجابر ، وابن عمر ، وابن عباس : إن القارن يجزئه طواف واحد : مثل هذا لا يقال بالرأي ، ولكن حسبهم ونصر المسألة الحاصلة الحاضرة بما يمكن وبالله - تعالى - التوفيق
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703)
كتاب الزكاة
690 - مسألة : ومن تلف ماله أو غصبه أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه فيه أي نوع كان من أنواع المال ، فإن رجع إليه يوما ما استأنف ( به ) حولا من حينئذ ، ولا زكاة ( عليه ) لما خلا ؛ فلو زكاه الغاصب ضمنه كله ، وضمن ما أخرج منه في الزكاة ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة كلها في أن صاحب المال إن أحب أن يؤدي الزكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة - لا من غيره - كان ذلك له ، ولم يكلف الزكاة ( من سواه ) ما لم يبعه هو أو يخرجه عن ملكه باختياره ، فإنه حينئذ يكلف أداء الزكاة من عند نفسه ، فسقط بهذا الإجماع تكليفه أداء زكاة من عند نفسه ؛ ثم لما صح ذلك ، وكان غير قادر على أداء الزكاة من نفس المال المغصوب ، أو المتلف ، أو الممنوع منه : سقط عنه ما عجز عنه من ذلك ، بخلاف ما هو قادر على إحضاره واستخراجه من مدفنه هو أو وكيله ، وما سقط ببرهان لم يعد إلا بنص أو إجماع ، وقد كانت الكفار يغيرون على سرح المسلمين في حياة رسول الله ﷺ ؛ فما كلف قط أحدا زكاة ما أخذه الكفار من ماله . وقد يسرق المال ويغصب فيفرق ولا يدري أحد مكانه ، فكان تكليف أداء الزكاة عنه من الحرج الذي قد أسقطه الله تعالى ، إذ يقول : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وكذلك تغلب الكفار على بلد نخل فمن المحال تكليف ربها أداء زكاة ما أخرجت ، وأما الغاصب فإنه محرم عليه التصرف في مال غيره ، يقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فإعطاؤه الزكاة من مال غيره تعد منه ، فهو ضامن لما تعدى فيه - قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال أبو حنيفة : بمثل هذا كله ، إلا أنه قال : إن كان المال المدفون بتلف مكانه في منزله أدى زكاته ؛ وإن كان خارج منزله فلا زكاة عليه فيه . وهذا تقسيم فاسد ما نعلم أحدا قاله قبله ، وقال مالك : لا زكاة عليه فيه ، فإن رجع إليه زكاه لسنة واحدة فقط وإن غاب عنه سنين . وهذا قول ظاهر الخطأ ، وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قلدوا في ذلك عمر بن عبد العزيز في قول له رجع إليه ، وكان قال قبل ذلك : يأخذ الزكاة منه لكل سنة خلت ؟ والعجب أنهم قلدوا عمر هاهنا ، ولم يقلدوه في رجوعه إلى القول بالزكاة في العسل ؛ وإنما قال عمر بالقول الذي قلدوه فيه لأنه كان يرى الزكاة في المال المستفاد حين يفاد فخالفوه هاهنا وهذا كله تخليط ، وقال سفيان : - في أحد قوليه - وأبو سليمان : عليه الزكاة لكل سنة خلت ؟ وقد جاء عن عثمان ، وابن عمر : إيجاب الزكاة في المقدور عليه ، فدل ( ذلك ) على أنهما لا يريان الزكاة في غير المقدور عليه ، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وقولنا في هذا هو قول قتادة ، والليث وأحد قولي سفيان ، وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى ثنا أبو عثمان عامل عمر بن عبد العزيز قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل كان ظلمه : أن خذ منه الزكاة لما أتت عليه ، ثم صبحني بريد عمر : لا تأخذ منه زكاة ، فإنه كان ضمارا أو غورا .
691 - مسألة : ومن رهن ماشية ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو أرضا فزرعها ، أو نخلا فأثمرت ، وحال الحول على الماشية ، والعين - : فالزكاة في كل ذلك ولا يكلف الراهن عوضا عما خرج من ذلك في زكاته ، أما وجوب الزكاة ؛ فلأنه مال من ماله ، عليه فيه الزكاة المفروضة ؛ ولم ينتقل ملكه عنه ، ولم يأت نص ولا إجماع بتكليفه أداء الزكاة من غيره ولا بد ، وأما المنع من تكليفه العوض فإنه لم يخرج ما أخرج منه بباطل وعدوان ، فيقضي عليه برده وإنما أخرجه بحق مفترض إخراجه ؛ فتكليفه حكما في ماله باطل ، ولا يجوز إلا بنص ، أو إجماع ، قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام }
692 - مسألة : وليس على من وجب عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع إليه الحق ، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة وهذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ وبالله تعالى التوفيق . وكذلك { كان رسول الله ﷺ يبعث المصدقين - وهم السعاة فيقبضون الواجب ويبرأ أصحاب الأموال من ذلك } فإن لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة إيصالها إلى من يحضره من أهل الصدقات ولا مزيد ؛ لأن تكليف النقل مؤنة وغرامة لم يأت بها نص ولا إجماع ، وبالله تعالى التوفيق ؛ ولا فرق بين من كلفه ذلك ميلا أو ( من ) كلفه إلى خراسان أو أبعد .
693 - مسألة : ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ولا بطرفة عين فإن فعل لم يجزه ، وعليه إعادتها ، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته ؛ لأنه أعطاه بغير حق وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن سعيد بن جبير ، وعطاء ، وإبراهيم ، والضحاك ، والحكم ، والزهري وأجازه الحسن لثلاث سنين ، وقال ابن سيرين : في تعجيل الزكاة قبل أن تحل : لا أدري ما هذا ، وقال أبو حنيفة : وأصحابه بجواز تعجيل الزكاة قبل وقتها ؟ ثم لهم في ذلك تخليط كثير - : مثل قول محمد بن الحسن : لا يجوز ذلك في مال عنده ، ولا في زرع قد زرعه ، ولا في نخل قد أطلعت . وقال أبو يوسف يجوز ذلك ( كله ) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الأرض ، ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه . وأكثر من هذا سنذكره - إن شاء الله تعالى - في ذكر تخاليط أقوالهم في كتاب الأعراب " و الله المستعان . قال الشافعي : بتعجيل الزكاة عن مال عنده ، لا عن مال لم يكتسبه بعد وقال : إن استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب المال ؛ فإن استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال . وقال مالك : يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك ، لا أكثر ، في رواية ابن القاسم عنه - وأما رواية ابن وهب عنه فكما قلنا نحن ، وهذه ( كلها ) تقاسيم في غاية الفساد ، لا دليل على صحتها من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب يصح ، ولا قياس . وقول الليث ، وأبي سليمان : كقولنا . واحتج من أجاز تعجيلها بحجج - : منها : الخبر الذي ذكرناه في زكاة المواشي ، في هل تجزئ قيمة أم لا ؟ من { أن النبي ﷺ استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا } ؟ وهذا لا دليل فيه على تعجيل الصدقة ، لأنه استسلاف كما ترى ، لا استعجال صدقة ؛ بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز ، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستقراض ؛ بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر ، وذكروا ما رويناه من طريق أبي داود : ثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكرياء عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عيينة عن حجية عن علي بن أبي طالب { أن العباس سأل رسول الله ﷺ في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له . } قال أبو داود روى هذا الحديث هشيم عن منصور عن زاذان عن الحكم عن الحسن عن أنس عن النبي ﷺ . ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن الحكم { أن النبي ﷺ بعث عمر مصدقا وقال له عن العباس : إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الأول } ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يزيد أبو خالد قال " قال عمر للعباس : أد زكاة مالك فقال العباس : قد أديتها قبل ذلك ، فذكر عمر ذلك للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ : صدق " . هذا كل ما شغبوا به من الآثار . وقالوا : حقوق الأموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها ، قياسا على ديون الناس المؤجلة وحقوقهم ، كالنفقات وغيرها . وقالوا : إنما أخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط . وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس . وهذا كله لا حجة لهم في شيء منه . أما حديث حجية : فحجية غير معروف بالعدالة ، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول المعروفين . وأما حديث هشيم فلم يذكر أبو داود من بينه وبين هشيم ، ولو كان فيه لبند به ، فصار منقطعا ، ثم لم يذكر أيضا لفظ أنس ولا كيف رواه ، فلم يجز القطع به على الجهالة ، وأما سائر الأخبار فمرسلة . وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل ، وهم يقولون - إذا وافق تقليدهم - : إنه كالمسند ، وردوا فيه رواية المجهول ، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم فبطل كل ما موهوا به من الآثار . ؟ وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة : فالقياس كله باطل ؛ ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ، ثم اتفقا على تأجيلها والزكاة لم تجب بعد ، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل . وأيضا : فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز إلا برضا من الذي له الدين ، وليست الزكاة كذلك ؛ لأنها ليست لإنسان بعينه ، ولا لقوم بأعيانهم دون غيرهم ، فيجوز الرضا منهم بالتعجيل ، وإنما هي لأهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها ، وتبطل عمن كان من أهلها ، ولا خلاف في أن القابضين لها الآن - عند من أجاز تعجيلها - لو أبرءوا منها دون قبض لم يجز ذلك ، ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بإبرائهم بخلاف إبراء من له دين مؤجل ، وكذلك إن دفعها إلى الساعي ، فقد يأتي وقت الزكاة والساعي ميت أو معزول ، والذي بعثه كذلك ، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس ، وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة ، ولو أن امرأ عجل نفقة لامرأته أو من تلزمه نفقته ، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة ، والذي تجب له مضطر - : لم يجزئه تعجيل ما عجل ، وألزم الآن النفقة ، وأمر باتباعه بما عجل له دينا ، لاستهلاكه ما لم يجب له بعد ، بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح ، لأنها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها وهذا مما تركوا فيه القياس . فإن ادعوا إجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الأثر الصحيح عن ابن عباس والحسن ، وهبك لو صح لهم الإجماع لكان هذا حجة عليهم ، لأن من أصلهم أن قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح . وأما قولهم : إن الزكاة وجبت قبل ، ثم فسح للناس في تأخيرها - : فكذب وباطل ودعوى بلا برهان ، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول ، لا قبل ذلك ، لصحة النص بإخراج رسول الله ﷺ المصدقين عند الحول ، لا قبل ذلك ، وما كان عليه السلام ليضيع قبض حق قد وجب ولإجماع الأمة على وجوبها عند الحول ولم يجمعوا على وجوبها قبله ، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو إجماع ، فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر . ثم نسألهم : أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب فإن قالوا : لم تجب ؟ قلنا : فكيف تجيزون أداء ما لم يجب ؟ وما لم يجب فعله تطوع ، ومن تطوع فلم يؤد الواجب وإن قالوا : قد وجبت ؟ قلنا : فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه ، وهذا برهان لا محيد عنه أصلا ، ونسألهم : كيف الحال إن مات الذي عجل الصدقة قبل الحول ؟ أو تلف المال قبل الحول ؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول ؟ أو خرجوا عن الصفات التي بها تستحق الزكوات ؟ فصح أن تعجيلها باطل ، وإعطاء لمن لا يستحقها ، ومنع لمن يستحقها ، وإبطال الزكاة الواجبة ؛ وكل هذا لا يجوز . والعجب من إجازة الحنفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث وكلاهما مال معجل ، إلا أن النص قد يصح بتعجيل ما منعوا تعجيله ، ولم يأت بتعجيل ما أباحوا تعجيله ، فتناقضوا في القياس ، وصححوا الآثار الفاسدة ، وأبطلوا الأثر الصحيح ، وأما المالكيون فإنهم - مع ما تناقضوا - خالفوا في هذه الجمهور من العلماء ، وهما يعظمون هذا إذا وافقهم ، وخالف الشافعيون فيه القياس ، وقبلوا المرسل الذي يردونه - وبالله تعالى التوفيق .
694 - مسألة : ومن عليه دين دراهم أو دنانير أو ماشية تجب الزكاة في مقدار ذلك لو كان حاضرا فإن كان حاضرا عنده لم يتلف وأتم عنده حولا منه ما في مقداره الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا زكاة عليه فيه أصلا ، ولو أقام عليه سنين وقال قوم : يزكيه - : روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن يزيد بن يزيد بن جابر أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره أن عمر قال : إذا حلت - يعني الزكاة - فاحسب دينك وما عندك واجمع ذلك جميعا ثم زكه . ( وبه إلى ) عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الملك بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو جد عبد الملك أبو أبيه قال : قال رجل لعمر : يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ، ديني ؟ قال عمر : لا تبادر بها ، واحسب دينك وما عليك ، وزك ذلك أجمع وهو قول الحسن بن حي ، وروينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في الدين يكون للرجل على الرجل فيمطله ؟ قال : زكاته على الذي يأكل مهنأة ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أو غيره نحوه . وممن قال بقولنا - في إسقاط الزكاة عن الذي عليه الدين فيما عليه منه - : ابن عمرو وغيره . كما روينا من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وسفيان الثوري قالا : ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه ولي مال يتيم فكان يستسلف منه ، يرى أن ذلك أحرز له : ويؤدي زكاته من مال اليتيم ، فهذا ابن عمر عليه الدين لا يزكيه عن نفسه ، وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن : إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي له الدين ، وعن الحجاج بن المنهال عن يزيد بن إبراهيم عن مجاهد : إذا كان عليك دين فلا زكاة عليه ؛ إنما زكاته على الذي هو له ، وعن وكيع عن سفيان عن المغيرة عن الفضيل عن إبراهيم النخعي قال : زك ما في يديك من مالك ، وما لك على المليء ولا تزك ما للناس عليك ؟ وهو قول سفيان : ومالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، ووكيع ؟ قال أبو محمد : إنما وافقنا ( قول ) هؤلاء في سقوط الزكاة عن الذي عليه الدين فقط . ومن طريق عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين ، ليس في الدين زكاة ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن عكرمة قال : ليس في الدين زكاة ، ومن طريق وكيع عن مسعر عن الحكم بن عتيبة قال : خالفني إبراهيم في الدين ، كنت أقول : لا يزكي ، ثم رجع إلى قولي - : وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : ليس على صاحب الدين الذي هو له ولا على الذي هو عليه زكاة . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن عطاء قال : ليس في الدين زكاة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : السلف يسلفه الرجل . قال : ليس على سيد المال ولا على الذي استسلفه زكاة ؟ ومن طريق أبي عبيد عن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح : لا يزكي الذي عليه الدين الدين ، ولا يزكيه الذي هو له حتى يقبضه ؟ وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا . قال أبو محمد : إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده ، ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء ، وعما لا يملك ، وعن شيء لو سرقه قطعت يده ؛ لأنه في ملك غيره .
695 - مسألة : ومن عليه دين - كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله الزكاة سواء كان أكثر من الدين الذي عليه أو مثله أو أقل منه ، من جنسه كان أو من غير جنسه - : فإنه يزكي ما عنده ، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شيء من زكاة ما بيده - : وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما . وقال مالك : يجعل الدين في العروض التي عنده التي لا زكاة فيها ، ويزكي ما عنده فإن لم يكن عنده عروض جعل دينه فيما بيده مما فيه الزكاة ، وأسقط بذلك الزكاة ، فإن فضل عن دينه شيء يجب في مقداره الزكاة زكاه وإلا فلا ، وإنما هذا عنده في الذهب والفضة فقط . وأما المواشي والزرع والثمار فلا ؛ ولكن يزكي كل ذلك ، سواء كان عليه دين مثل ما معه من ذلك أو أكثر أو أقل ؟ وقال آخرون : يسقط الدين زكاة العين والمواشي ، ولا يسقط زكاة الزرع والثمار . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يجعل ما عليه من الدين في مال تجب فيه الزكاة ، سواء في ذلك الذهب ، والفضة ، والمواشي ، والحرث ، والثمار ، وعروض التجارة ، ويسقط به زكاة كل ذلك . ولا يجعل دينه في عروض القنية ما دام عنده مال تجب فيه الزكاة ، أو ما دام عنده عروض للتجارة ؛ وهو قول الليث بن سعد وسفيان الثوري . وقال زفر : لا يجعل دين الزرع إلا في الزرع ، ولا يجعل دين الماشية إلا في الماشية ، ولا يجعل دين العين إلا في العين ، فيسقط بذلك ما عنده مما عليه دين مثله ، ومن طريق ابن جريج : قلت لعطاء : حرث لرجل دينه أكثر من ماله ، أيؤدي حقه ؟ قال : ما نرى على رجل دينه أكثر من ماله صدقة ، لا في ماشية ولا في أصل ، قال ابن جريج : سمعت أبا الزبير ، سمعت طاوسا يقول ليس عليه صدقة . قال أبو محمد : إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ؛ بل قد جاءت السنن الصحاح بإيجاب الزكاة في المواشي ، والحب ، والتمر ، والذهب ، والفضة ، بغير تخصيص من عليه دين ممن لا دين عليه ، وأما من طريق النظر فإن ما بيده له أن يصدقه ويبتاع منه جارية يطؤها ويأكل منه وينفق منه ؛ ولو لم يكفي له لم يحل له التصرف فيه بشيء من هذا ؛ فإذا هو له ولم يخرجه عن ملكه ويده ما عليه من الدين فزكاة ماله عليه بلا شك . وأما تقسيم مالك : ففي غاية التناقض ، وما نعلمه عن أحد قبله ؛ وكذلك قول أصحاب أبي حنيفة أيضا - وبالله التوفيق . والمالكيون : ينكرون على أبي حنيفة هذا بعينه في إيجابه للزكاة في زرع اليتيم وثماره دون ماشيته وذهبه وفضته ، فإن احتجوا بأن قبض زكاة المواشي والزرع إلى المصدق . قيل : فكان ماذا ؟ وكذلك أيضا قبض زكاة العين إلى السلطان إذا طلبها ولا فرق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعةوالأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعةوالأربعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 788 - 796)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (مسألة 797 - 808)
كتاب الصيام
788 - مسألة : ومن نذر صوم سنة فقد قال قوم : يصوم اثني عشر شهرا لا يعد فيها رمضان ، ولا يوم الفطر ، والأضحى ، ولا أيام التشريق ، وفي هذا عندنا نظر والواجب عندنا أن لا يلزمه شيء ؛ لأن هذه الفتيا إلزام له ما لم ينذره ؛ لأن اسم سنة لا يقع إلا على اثني عشر شهرا متصلة لا مبددة ، وهو لا يقدر على الوفاء بنذره كما نذره ؛ فلا يجوز أن يلزم ما لم يلتزمه ولا نذره ، ولا أن يلتزم ما لم يمكن ، وما ليس في وسعه قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ومن ادعى هاهنا إجماعا فقد كذب ؛ لأنه لا يقدر على أن يأتي في ذلك برواية عن صاحب أصلا ، ولا نعلم في ذلك قولا عن تابع . وقد قال فيها أبو حنيفة يفطر فيها يومي الفطر والأضحى وأيام التشريق ، ثم يقضيها . وقال زفر : يفطر الأيام المذكورة ، ولا يقضيها . وقال مالك : يصوم ، ويفطر الأيام المذكورة ، ولا يقضي رمضان ، ولا الأيام المذكورة ، إلا أن ينوي قضاءها . وقال الليث : يصوم ويقضي رمضان ويومين مكان الفطر والأضحى ، ويصوم أيام التشريق . [ قال أبو محمد : فهذه الأقوال إما موجبة عليه ما لم ينذره ولا التزمه ، وإما مسقطة عنه ما نذر ] . قال أبو محمد : إن كان نذر صوم هذه الأيام وصوم رمضان عن نذره ؛ فقد نذر الضلال والباطل ، وأمرا مخالفا لدين الإسلام ؛ فلا يلزمه نذره ذلك لأنه معصية ، ولا يلزم صوم سائر الأيام لأنه غير ما نذر ، وكل طاعة مازجتها معصية فهي كلها معصية ، لأنه لم يأت بالطاعة كما أمر ، قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . فإن نذر أن يصوم سنة حاشا رمضان والأيام المنهي عن صيامها لزمه ذلك ، لأنه نذر طاعة ؛ وكذلك لو نذر صوم شوال ، أو صوم ذي الحجة ، أو صوم شعبان فلا يلزمه شيء لما ذكرنا إلا أن ينوي استثناء ما لا يجوز صومه من الأيام فيلزمه ذلك .
789 - مسألة : ومن كان عليه صوم يوم بعينه نذرا فإذا جاء رمضان لزمه فرضا أن يصوم ذلك اليوم لرمضان لا للنذر أصلا ؛ فإن صامه لنذره أو لرمضان ولنذره فالإثم عليه ولا يجزئه لا لنذره ولا لرمضان ؛ لأن أمر الله تعالى متقدم لنذره فليس له أن يصوم رمضان ولا شيئا منه لغير ما أمره الله تعالى بصيامه مخلصا له ذلك - وبالله تعالى التوفيق ؛ ولا قضاء عليه فيه لما ذكرناه .
790 - مسألة : وأفضل الصوم بعد الصيام المفروض صوم يوم وإفطار يوم . ولا يحل لأحد أن يصوم أكثر من ذلك أصلا ، والزيادة عليه معصية ممن قامت عليه بها الحجة ، ولا يحل صوم الدهر أصلا : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن مقاتل نا عبد الله بن المبارك أنا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال لي رسول الله : { يا عبد الله بن عمرو ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : فلا تفعل ، صم وأفطر وقم ونم ؛ فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ؛ وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإذا ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي قلت : يا رسول الله إني أجد قوة ؟ قال فصم صيام نبي الله داود ولا تزد عليه ، قلت : وما كان صيام نبي الله داود ؟ قال : نصف الدهر } . ومن طريق البخاري عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله ﷺ وذكر الحديث . وفيه : { أن عبد الله بن عمرو قال عليه السلام إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : فصم يوما وأفطر يوما ؟ قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ؟ قال : لا أفضل من ذلك } . قال أبو محمد : فصح نهي النبي ﷺ عن الزيادة على صيام يوم وإفطار يوم ونعوذ بالله من مواقعة نهيه ، وإذ أخبر عليه السلام أنه لا أفضل من ذلك فقد صح أن من صام أكثر من ذلك فقد انحط فضله فإذا انحط فضله فقد حبطت تلك الزيادة بلا شك وصار عملا لا أجر له فيه بل هو ناقص من أجره ؛ فصح أنه لا يحل أصلا . قال علي : ومن طرائف المصائب قول بعض من يتكلم في العلم بما هو عليه لا له : قال : قد جاء هذا الحديث وفيه أنه عليه السلام قال : { فصم صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى } فقال : إنما هذا الحكم لمن لا يفر إذا لاقى . قال أبو محمد : فجمع هذا الكلام الملعون وجهين من الضلال - : أحدهما : الكذب على رسول الله ﷺ بما لم يخبر به بل قد أمر عليه السلام بذلك عبد الله بن عمرو وقطع بأنه لا صوم أفضل من صوم داود . والثاني : أنه تأويل سخيف لا يعقل ؛ لأنه لا شك في أن من لا يفر في سبيل الله إذا لاقى أفضل ممن يفر ؛ فإذا كان حكم الأفضل أن لا يتزيد من الفضل في الصيام ويمنع من ذلك ؛ فهذه شريعة إبليس لا شريعة محمد ﷺ . نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا عبيد الله بن معاذ هو ابن معاذ العنبري نا أبي نا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت سمع أبا العباس هو السائب بن فروخ المكي - سمع عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله ﷺ { لا صام من صام الأبد } . ورويناه من طريق البخاري نا آدم نا شعبة فذكره بإسناده المذكور ، وفيه : أن رسول الله ﷺ قال : { لا صام من صام الدهر } . ومن طريق أبي قتادة { عن رسول الله ﷺ أنه قال - : وقد ذكر له من يصوم الدهر - فقال عليه السلام لا صام ولا أفطر ، أو ما صام ولا أفطر } . وكذلك نصا من طريق مطرف عن عبد الله بن الشخير عن أبيه ، وعمران بن الحصين كلاهما { عن رسول الله ﷺ أنه قال فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر } فقد صح أنه حبط صومه ولم يفطر . وهذه أخبار متظاهرة متواترة لا يحل الخروج عنها . ومن عجائبهم أنهم قالوا : إنما لا يجوز إذا صام الدهر ولم يفطر الأيام المنهي عنها ؟ فقلنا : كذب من قال هذا لأن رسول الله ﷺ منع ونهى عن الزيادة على نصف الدهر وأبطل أجر من زاد . قال أبو محمد : وشغب من خالفنا بأن ذكر حديث { حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال : يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر ؟ قال : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر } . وبخبر رويناه من طريق زيد بن الحباب : أخبرني ثابت عن قيس الغفاري حدثني أبو سعيد المقبري حدثني أبو هريرة عن أسامة بن زيد قال : { كان رسول الله ﷺ يسرد الصوم فيقال : لا يفطر } . قال أبو محمد : لا حجة لهم في هذين الخبرين ، لأن السرد إنما هو المتابعة لا صوم أكثر من نصف الدهر ، يبين ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي أوردناه . وحديث عائشة الذي رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان بن عيينة عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : { سألت عائشة أم المؤمنين عن صيام رسول الله ﷺ فقالت : كان يصوم حتى نقول : قد صام ويفطر حتى نقول : قد أفطر ، ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان ، كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا } . فهذه أم المؤمنين بينت السرد الذي ذكره أسامة ، والذي ذكره حمزة بن عمرو في حديثه ، فبطل أن يكون لهم متعلق بشيء من الآثار . وموهوا أيضا بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه أن عائشة كانت تصوم الدهر ؛ قلت : الدهر ؟ قال : كانت تسرد . ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : كان عمر يسرد الصوم . وعنه أيضا أنه سرد الصوم قبل موته بسنتين . ومن طريق عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان هو الضبعي - عن ثابت البناني عن أنس قال : كان أبو طلحة قل ما يصوم على عهد رسول الله ﷺ من أجل العدو ، فلما توفي النبي ﷺ ما رأيته مفطرا إلا يوم أضحى ، أو يوم فطر . ومن طريق ابن أبي شيبة نا حماد بن خالد عن الزبير بن عبد الله ابن أميمة عن جدته قالت : كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله . وعن الأسود ، وعروة ، وعبيد : أنهم كانوا يصومون الدهر . قال أبو محمد : هذا كله لا حجة لهم فيه - : أما عائشة رضي الله عنها فقد فرق عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بين صيام الدهر وبين سرد الصوم كما ذكرنا ، ولم يثبت عليها إلا السرد وهو المتابعة لا صوم الدهر ؛ ولو صح عنها ذلك ولا يصح ؟ - : فقد روينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه : أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم أيام التشريق . وكذلك صح عنها رضي الله عنها أنها كانت تختار صوم يوم الشك من آخر شعبان ؛ فإن كان ما لا يصح عنها من صوم الدهر حجة فالذي صح عنها من صوم أيام التشريق ، ويوم الشك حجة ، وإن لم يكن هذا حجة فليس ذلك حجة . فإن قالوا : قد صح نهي النبي ﷺ عن صوم أيام التشريق . قيل لهم : وقد صح نهيه عليه السلام عن صوم أكثر من نصف الدهر ، وصح نهيه عن صوم الدهر . وأما خبر عمر فليس فيه إلا السرد فقط وهو المتابعة لا صيام الدهر ؛ بل قد صح عنه تحريم صيام الدهر كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمرو الشيباني قال : بلغ عمر بن الخطاب : أن رجلا يصوم الدهر فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول : كل يا دهر كل يا دهر ؛ وهذا في غاية الصحة عنه ؛ فصح أن تحريم صوم الدهر كان من مذهبه ولو كان عنده مباحا لما ضرب فيه ولا أمر بالفطر . وأما عثمان ، فإن الزبير بن عبد الله ابن أميمة وجدته مجهولان ، فسقط هذا الخبر . وأما أبو طلحة فقد روينا من طريق شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال : كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم . قال أبو محمد : وفي الخبر الذي شغبوا به : أن أنسا قال : ما رأيته مفطرا إلا يوم فطر ، أو يوم أضحى ، ففي هذا الخبر : أنه كان يصوم أيام التشريق فإن لم يكن فعل أبي طلحة في أكله البرد وهو صائم حجة فصومه الدهر ليس حجة ؛ ولئن كان صومه الدهر حجة فإن أكله البرد في صيام حجة ؛ فسقط كل ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم . وأما الأسود : فروينا عن وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة : أن الأسود كان يصوم الدهر وأيام التشريق وعن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه : أنه صام أربعين سنة أو ثلاثين سنة - قال هشام : لم أره مفطرا إلا يوم فطر أو يوم نحر ؛ فليقتدوا بهما في صوم أيام التشريق وإلا فالقوم متلاعبون . قال علي : صح عن عمر ما ذكرناه من النهي عن صوم الدهر ، وأمره بالفطر فيه ، وضربه على صيامه . ومن طريق شعبة عن قتادة عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى الأشعري قال : من صام الدهر ضيق الله عليه هكذا - : وقبض كفه . ومن طريق سفيان الثوري عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى الأشعري قال : من صام الدهر ضيقت عليه جهنم ، وقد روي أيضا مسندا . قال علي : من نوادرهم قولهم : معناه ضيقت عليه جهنم حتى لا يدخلها ؟ قال علي : وهذه لكنة وكذب - : أما اللكنة : فإنه لو أراد هذا لقال : ضيقت عنه ، ولم يقل : عليه ، وأما الكذب : فإنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه فكيف ورواية شعبة المذكورة إنما هي ضيق الله عليه فقط ؟ ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن أبي إسحاق أن ابن أبي أنعم كان يصوم الدهر ؟ فقال عمرو بن ميمون : لو رأى هذا أصحاب محمد ﷺ لرجموه . قال علي : هم يدعون الإجماع بأقل من هذا ؛ وقد يكون الرجم حصبا كما كان يفعل ابن عمر بمن رآه يتكلم والإمام يخطب . ومن طريق شعبة عن يحيى بن عمر والهمداني عن أبيه أنه سمع عبد الله بن مسعود - وسئل عن صوم الدهر - فكرهه . ومن طريق أبي بكرة ، وعائذ بن عمرو أنهما كرها صوم رجب ، وهذا يقتضي ولا بد أنهما لا يجيزان صيام الدهر . قال علي : لو كان مباحا عند ابن مسعود ما كرهه ، لأن فعل الخير لا يكره ، ولا يكره إلا ما لا خير فيه ولا أجر . وعن الشعبي أنه كره صوم الدهر . وعن سعيد بن جبير أنه كره صوم شهر تام غير رمضان
791 - مسألة : قال أبو محمد - : ونستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ونستحب صيام الاثنين ، والخميس ، وكل هذا فبأن لا يتجاوز أكثر من نصف الدهر ، فأما الثلاثة الأيام فلما ذكرنا آنفا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأما الاثنين والخميس فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا القاسم بن زكريا نا حسين هو الجعفي - عن زائدة عن عاصم عن المسيب هو ابن رافع - عن حفصة أم المؤمنين قالت : { كان رسول الله ﷺ يصوم الاثنين ، والخميس } " . ويكره صوم شهر تام غير رمضان لما ذكرنا من فعله ﷺ . وقد ذكرنا مثل قولنا آنفا عن سعيد بن جبير .
792 - مسألة : ومن اقتصر على الفرض فقط فحسن لما قد ذكرناه قبل من { قول رسول الله ﷺ للذي سأله عن الدين فأخبره عليه السلام بوجوب رمضان قال : هل علي غيره ؟ قال : لا إلا أن تتطوع - وذكر مثل ذلك في الصلاة والزكاة والحج ؛ فقال السائل : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله ﷺ : أفلح إن صدق دخل الجنة إن صدق } .
793 - مسألة : ونستحب صوم يوم عاشوراء : وهو التاسع من المحرم وإن صام العاشر بعده فحسن . ونستحب أيضا صيام يوم عرفة للحاج وغيره - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري { أن رسول الله ﷺ سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : يكفر السنة الماضية والباقية } . { وسئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال يكفر السنة الماضية } . وبه إلى مسلم - : نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع بن الجراح عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج قال : { سألت ابن عباس عن صوم عاشوراء ؟ فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ؟ فقلت : هكذا كان محمد ﷺ يصومه ؟ قال : نعم } . نا حماد بن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء : خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر ، فإن قيل : من أين أحببتم صوم يوم عرفة في الحج ؟ وقد صح من طريق ميمونة أم المؤمنين أنها قالت : { إن الناس شكوا في صوم رسول الله ﷺ يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون } ؟ ومن طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال : أتيت ابن عباس بعرفة وهو يأكل رمانا فقال : ادن فكل لعلك صائم إن رسول الله ﷺ لم يكن يصوم هذا اليوم . ومن طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع قال : سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : لم يصمه النبي ﷺ ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري العبدي عن عكرمة قال : قال لي أبو هريرة : { نهى رسول الله ﷺ عن صوم يوم عرفة بعرفات } . ومن طريق شعبة أخبرني عمرو بن دينار قال : سمعت عطاء عن عبيد بن عمير قال : نهى عمر بن الخطاب عن صوم يوم عرفة : وقد تكلم في سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة . قلنا - وبالله تعالى التوفيق - : أما أن رسول الله ﷺ لم يصمه فلا حجة لكم في ذلك ؛ لأنه عليه السلام قد حض على صيامه أعظم حض ، وأخبر أنه يكفر ذنوب سنتين ، وما علينا أن ننتظر بعد هذا أيصومه عليه السلام أم لا ؟ وقد حدثنا يوسف بن عبد الله النميري قال : نا أحمد بن محمد بن الجسور قال : نا قاسم بن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : { إن كان رسول الله ﷺ ليترك العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم } ؟ وأما حديث أبي هريرة في النهي عن صوم يوم عرفة بعرفات فإن رواية حوشب بن عقيل وليس بالقوي عن مهدي الهجري وهو مجهول ، وهذا لا يحتج به وأما ترك أبي بكر ، وعمر ، وابن عمر ، وابن عباس صيامه فقد صامه غيرهم - : كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سهل بن أبي الصلت عن الحسن البصري أنه سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : صامه عثمان بن عفان في يوم حار يظلل عليه . ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة في الحج . وبه إلى حماد بن سلمة نا عطاء الخراساني : أن عبد الرحمن بن أبي بكر - دخل على عائشة أم المؤمنين يوم عرفة وهي تصب عليها الماء فقال لها : أفطري ؟ فقالت : أفطر ؟ وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول : { صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله } . ومن طريق هشام بن عروة : أن عبد الله بن الزبير كان يدعو عشية عرفة إذا أفاض الناس بماء ثم يفيض ؟ قال علي : فإذا اختلفوا فالمرجوع إليه سنة رسول الله ﷺ وقد روينا من طريق البخاري عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن توبة عن مورق العجلي قال : { قلت لابن عمر أتصلي الضحى ؟ قال : لا ؛ قلت : فعمر ؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا ، قلت - : فرسول الله ﷺ قال : لا إخاله . } فمن كره صوم يوم عرفة لقول ابن عمر : إن رسول الله ﷺ لم يصمه ، ولا أبو بكر ، ولا عمر ، فليكره صلاة الضحى فيها مثل ذلك ، والطريقان صحيحان وإلا فهو متلاعب بالدين ، وقد صح أن أبا بكر ، وعمر لم يكونا يضحيان فليكرهوا الأضحية أيضا لذلك ؟ قال علي : ومن العجب أن يكون النبي ﷺ قد جاء بأغلظ الوعيد عن صيام الدهر ولم يصمه عليه السلام فيستحبونه ويبيحونه ثم يأتي حض النبي ﷺ بأشد الحض على صوم عرفة فيكرهونه ، لأنه عليه السلام لم يصمه ولم يحض النبي ﷺ بتركه الحاج دون غيره ، ولا بالحض عليه من ليس حاجا من حاج ؟ وأما سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة فعبد الله ثقة - والثقات مقبولون - لا يحل رد رواياتهم بالظنون - وبالله تعالى التوفيق
794 - مسألة : ونستحب صيام أيام العشر من ذي الحجة قبل النحر لما حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال النبي ﷺ { ما من أيام أحب إلى الله فيهم العمل - أو أفضل فيهن العمل - من أيام العشر قيل : يا رسول الله ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء } . قال أبو محمد : هو عشر ذي الحجة ، والصوم عمل بر ؛ فصوم عرفة يدخل في هذا أيضا .
795 - مسألة : ولا يحل صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يوما قبله أو يوما بعده فلو نذره إنسان كان نذره باطلا ، فلو كان إنسان يصوم يوما ويفطر يوما فجاءه صومه في الجمعة فليصمه ؛ - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب نا حسين هو الجعفي - عن زائدة عن هشام هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } - : . نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا إسماعيل بن مسعود هو الجحدري - نا بشر هو ابن المفضل - نا سعيد هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو قال : { دخل رسول الله ﷺ على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها : أصمت أمس ؟ قالت : لا قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا قال : فأفطري } . وروينا أيضا من طريق جابر ؛ ومن طريق جويرية أم المؤمنين . ومن طريق جنادة الأزدي : - وله صحبة كلهم عن النبي ﷺ . وبه قال طائفة من الصحابة رضي الله عنهم - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي العلاء هو ابن الشخير - أن سلمان الفارسي صاحب رسول الله ﷺ قال لزيد بن صوحان : انظر ليلة الجمعة فلا تصلها ؟ قال علي : لا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس بن السكن قال : مر ناس من أصحاب ابن مسعود بأبي ذر يوم جمعة وهم صيام فقال : عزمت عليكم لما أفطرتم فإنه يوم عيد - قيس بن السكن أدرك أبا ذر وجالسه . وعن علي بن أبي طالب أنه نهى عن تعمد صيام يوم الجمعة . ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة قال : لا تصم يوم الجمعة إلا أن تصوم قبله أو بعده . وهو قول إبراهيم النخعي ؛ ومجاهد ، والشعبي ، وابن سيرين وغيرهم ، وذكره إبراهيم عمن لقي ، وإنما لقي أصحاب ابن مسعود . فإن قيل : فقد رويتم من طريق شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : { إن رسول الله ﷺ كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وقل ما كان يفطر يوم الجمعة } . ومن طريق ليث بن أبي سليم عن عمر بن أبي عمير { عن ابن عمر قل ما رأيت رسول الله ﷺ مفطرا يوم جمعة } . ومن طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس { عن ابن عباس قل ما رأيته مفطرا يوم جمعة قط } . قال أبو محمد : ليث ليس بالقوي وأما خبر ابن مسعود فصحيح ، والقول فيها كلها سواء ، وهو أنه ليس في شيء منها - لا عن رسول الله ﷺ ولا عن ابن مسعود ، ولا عن ابن عمر ، ولا عن ابن عباس - : إباحة تخصيص يوم الجمعة بصيام دون يوم قبله أو يوم بعده . ونحن لا ننكر صيامه إذا صام يوما قبله أو يوما بعده ، ولا يحل أن نكذب على رسول الله ﷺ فنخبر عنه بما لم يخبر به عنه صاحبه ، ولا أن نحمل فعله على مخالفة أمره ألبتة إلا ببيان نص صحيح فيكون حينئذ نسخا أو تخصيصا ، قال تعالى آمرا له أن يقول : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } فكيف وقد ورد عن ابن عباس ، وطاوس بيان قولنا بأصح من هذه الطرق ؟ كما روينا من طريق ابن أبي شيبة - : نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عطاء قال : كان ابن عباس ينهى عن افتراد اليوم كلما مر بالإنسان - يعني عن صيامه - : فصح نهي ابن عباس عن افتراد يوم بعينه في الصوم ، فدخل في ذلك يوم الجمعة وغيره . ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان يكره أن يتحرى يوما يصومه ، وما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا أصلا في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام - وبالله تعالى التوفيق .
796 - مسألة : فلو نذر المرء صوم يوم يفيق ، أو ذلك فوافق يوم جمعة لم يلزم ؛ لأنه لا يصوم يوما قبله ، ولا يوما بعده ، ولا وافق صوما كان يصومه ، ولا يجوز صيامه إلا بأحد هذين الوجهين كما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعةوالثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة التاسعةوالثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 753)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753)
كتاب الصيام
753 مسألة : ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام ، ولا استمناء ، ولا مباشرة الرجل امرأته أو أمته المباحة له فيما دون الفرج ، تعمد الإمناء أم لم يمن ، أمذى أم لم يمذ ولا قبلة كذلك فيهما ، ولا قيء غالب ، ولا قلس خارج من الحلق ، ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه ، ولا دم خارج من الأسنان أو الجوف ما لم يتعمد بلعه ، ولا حقنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن ، أو في إحليل ، أو في أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلق ، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ، ولا كحل - أو إن بلغ إلى الحلق نهارا أو ليلا - بعقاقير أو بغيرها ، ولا غبار طحن ، أو غربلة دقيق ، أو حناء ، أو غير ذلك ، أو عطر ، أو حنظل ، أو أي شيء كان ، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة ، ولا من رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك منه ؛ ولا مضغ زفت أو مصطكى أو علك ؛ ولا من تعمد أن يصبح جنبا ، ما لم يترك الصلاة ، ولا من تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فإذا بالفجر كان قد طلع ولا من أفطر بأكل أو وطء ، ويظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب ، ولا من أكل أو شرب أو وطئ ناسيا ؛ لأنه صائم ، وكذلك من عصى ناسيا لصومه ، ولا سواك برطب أو يابس ، ولا مضغ طعام أو ذوقه ، ما لم يتعمد بلعه ، ولا مداواة جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك ، ولا طعام وجد بين الأسنان - : أي وقت من النهار وجد ، إذا رمي ، ولا من أكره على ما ينقض الصوم ، ولا دخول حمام ، ولا تغطيس في ماء ، ولا دهن شارب ؟ أما الحجامة - قال أبو محمد : صح عن رسول الله ﷺ من طريق ثوبان ، وشداد بن أوس : ومعقل بن سنان ، وأبي هريرة ، ورافع بن خديج وغيرهم : أنه قال : { أفطر الحاجم والمحجوم } ، فوجب الأخذ به ، إلا أن يصح نسخه . وقد ظن قوم أن الرواية عن ابن عباس " احتجم رسول الله ﷺ ناسخة للخبر المذكور ، وظنهم في ذلك باطل ؛ لأنه قد يحتجم عليه السلام وهو مسافر فيفطر ، وذلك مباح ، أو في صيام تطوع فيفطر ، وذلك مباح . والعجب كله ممن يقول في الخبر الثابت أنه عليه السلام " مسح على العمامة " - : لعله كان مريضا ثم لا يقول هاهنا : لعله كان مريضا ؟ وأيضا فليس في خبر ابن عباس أن ذلك كان بعد إخباره عليه السلام أنه { أفطر الحاجم والمحجوم } ولا يترك حكم متيقن لظن كاذب ؟ وأيضا : فلو صح أن خبر ابن عباس بعد خبر من ذكرنا لما كان فيه إلا نسخ إفطار المحجوم لا الحاجم ؛ لأنه قد يحجمه عليه السلام غلام لم يحتلم ؟ قال أبو محمد : لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي وأحمد بن عمر العذري قال التميمي : ثنا معاوية القرشي المرواني ثنا أحمد بن شعيب أنا إبراهيم بن سعيد ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء ، وقال العذري ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال الأسدي القرشي ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن أحمد بن الجهم ثنا موسى بن هارون ثنا إسحاق بن راهويه أنا المعتمر بن سليمان عن حميد ، ثم اتفق خالد الحذاء وحميد كلاهما عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله ﷺ أرخص في الحجامة للصائم } زاد حميد في روايته " والقبلة " . قال علي : إن أبا نضرة ، وقتادة أوقفاه عن أبي المتوكل على أبي سعيد ، وإن ابن المبارك أوقفه عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل على أبي سعيد ؛ ولكن هذا لا معنى له إذ أسنده الثقة ، والمسندان له عن خالد وحميد : ثقتان ؛ فقامت به الحجة ، ولفظة " أرخص " لا تكون إلا بعد نهي ؛ فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول ؟ وممن قال بأن الحجامة تفطر : علي بن أبي طالب ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهم . ولم يرها تفطر : ابن عباس ، وزيد بن أرقم ، وغيرهما . وعهدنا بالحنفيين يقولون : إن خبر الواحد لا يقبل فيما تعظم به البلوى ، وهذا مما تكثر به البلوى ، وقد قبلوا فيه خبر الواحد مضطربا ؟ وأما الاحتلام : فلا خلاف في أنه لا ينقض الصوم ؛ إلا ممن لا يعتد به وأما الاستمناء : فإنه لم يأت نص بأنه ينقض الصوم ؟ والعجب كله ممن لا ينقض الصوم بفعل قوم لوط ، وإتيان البهائم وقتل الأنفس ، والسعي في الأرض بالفساد ، وترك الصلاة وتقبيل نساء المسلمين عمدا إذا لم يمن ولا أمذى - : ثم ينقضه بمس الذكر إذا كان معه إمناء وهم لا يختلفون : أن مس الذكر لا يبطل الصوم ، وأن خروج المني دون عمل لا ينقض الصوم ، ثم ينقض الصوم باجتماعهما ، وهذا خطأ ظاهر لا خفاء به ؟ والعجب كله ممن ينقض الصوم بالإنزال للمني إذا تعمد اللذة ، ولم يأت بذلك نص ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس - : ثم لا يوجب به الغسل إذا خرج بغير لذة ، والنص جاء بإيجاب الغسل منه جملة ؟ .
وأما القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته وأمته المباحة له فهما سنة حسنة ، نستحبها للصائم ، شابا كان أو كهلا أو شيخا ، ولا نبالي أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة بن الزبير أخبره أن { عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله ﷺ كان يقبلها وهو صائم } . وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن { عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ كان يباشر وهو صائم } . وقال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } لا سيما من كابر على أن أفعاله ﷺ فرض . وقد روينا ذلك من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعلي بن الحسين ، وعمرو بن ميمون ، ومسروق ، والأسود ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كلهم عن عائشة بأسانيد كالذهب ؟ ورويناه بأسانيد في غاية الصحة عن أمهات المؤمنين : أم سلمة ، وأم حبيبة ، وحفصة وعمر بن الخطاب ، وابن عباس وعمر بن أبي سلمة ، وغيرهم كلهم : عن النبي ﷺ . فادعى قوم أن القبلة تبطل الصوم ؟ وقال قوم : هي مكروهة . وقال قوم : هي مباحة للشيخ ، مكروهة للشاب . وقال قوم : هي خصوص للنبي ﷺ . فأما من ادعى أنها خصوص له عليه السلام فقد قال الباطل ، وما يعجز عن الدعوى من لا تقوى له ؟ فإن احتج في ذلك بما روي من قول عائشة رضي الله عنها { كان رسول الله ﷺ يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه } . قلنا : لا حجة لك في قول عائشة هذا ؛ لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن الخليل ثنا علي بن مسهر ثنا أبو إسحاق هو الشيباني - عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عن { عائشة أم المؤمنين قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد النبي ﷺ أن يباشرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها ، قالت : وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله ﷺ يملك إربه } ؟ فإن كان قولها ذلك في قبلة الصائم يوجب أنه له خصوص فقولها هذا في مباشرة الحائض يوجب أنها له أيضا خصوص ، أو أنها مكروهة ، أو أنها للشيخ دون الشاب ولا يمكنهم هاهنا دعوى الإجماع ؛ لأن ابن عباس وغيره كرهوا مباشرة الحائض ؛ جملة ولعمري إن مباشرة الحائض لأشد غررا ؛ لأنه يبقى عن جماعها أياما وليالي فتشتد حاجته ، وأما الصائم فالبارحة وطئها ، والليلة يطؤها ، فهو بشم من الوطء ؟ حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال : { أخبرني رجل من الأنصار ، أنه قبل امرأته على عهد رسول الله ﷺ فأمرها فسألت النبي ﷺ عن ذلك فقال لها النبي ﷺ إن رسول الله يفعل ذلك ، فأخبرته امرأته ، فقال لها : إن النبي ﷺ رخص له في أشياء ، فارجعي إليه ، فرجعت إليه ، فذكرت له ذلك ، فقال لها رسول الله ﷺ أنا أتقاكم وأعلمكم بحدود الله } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب أخبرني عمرو هو ابن الحارث - عن عبد ربه بن سعيد عن عبد الله بن كعب الحميري { عن عمر بن أبي سلمة المخزومي أنه سأل رسول الله ﷺ أيقبل الصائم ؟ فقال له رسول الله ﷺ سل هذه ، يعني أم سلمة ، فأخبرته أن رسول الله ﷺ يصنع ذلك ، فقال : يا رسول الله ، قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال رسول الله ﷺ أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم } . فهذان الخبران يكذبان قول من ادعى في ذلك الخصوص له عليه السلام ؛ لأنه أفتى بذلك عليه السلام من استفتاه ، ويكذب قول من ادعى أنها مكروهة للشاب مباحة للشيخ ؟ لأن عمر بن أبي سلمة كان شابا جدا في قوة شبابه إذ مات عليه السلام ، وهو ابن أم سلمة أم المؤمنين وزوجه النبي ﷺ بنت حمزة عمه رضي الله عنه . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا قتيبة بن سعيد ثنا أبو عوانة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عثمان القرشي { عن عائشة أم المؤمنين قالت أهوى النبي ﷺ ليقبلني ، فقلت : إني صائمة فقال : وأنا صائم ، فقبلني } . وكانت عائشة إذ مات عليه السلام بنت ثمان عشرة سنة فظهر بطلان قول من فرق في ذلك بين الشيخ والشاب ، وبطلان قول من قال : إنها مكروهة ؛ وصح أنها حسنة مستحبة ، سنة من السنن ، وقربة من القرب إلى الله تعالى اقتداء بالنبي ﷺ ووقوفا عند فتياه بذلك ؟ وأما ما تعلق به من كرهها للشاب فإنما هما حديثا سوء ، روينا أحدهما من طريق فيها ابن لهيعة ، وهو لا شيء ، وفيها قيس مولى تجيب ؛ وهو مجهول لا يدرى من هو ؟ والآخر من طريق إسرائيل - وهو ضعيف - عن أبي العنبس ، ولا يدرى من هو ؟ عن الأغر عن أبي هريرة ، في كليهما ، { أن النبي ﷺ أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها الشاب } ، فسقطا جميعا ؟ وأما من أبطل الصوم بها فإنهم احتجوا بقول الله تعالى : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } ففي هذه الآية المنع من المباشرة ؟ قلنا قد صح عن رسول الله ﷺ إباحة المباشرة ، وهو المبين عن الله تعالى مراده منا ، فصح أن المباشرة المحرمة في الصوم إنما هي الجماع فقط ؛ ولا حجة في هذه الآية لحنفي ولا لمالكي ، فإنهم يبيحون المباشرة ، ولا يبطلون الصوم بها أصلا وإنما يبطلونه بشيء يكون معها ، من المني أو المذي فقط ، وإنما هي حجة لمن منع المباشرة وأبطل الصوم بها . وهؤلاء أيضا قد احتجوا بخبرين : روينا أحدهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة عن عمر بن حمزة أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال قال عمر : رأيت رسول الله ﷺ في المنام ، فرأيته لا ينظرني ، فقلت : يا رسول الله ما شأني ؟ فقال : ألست الذي تقبل وأنت صائم ؟ قلت : فوالذي بعثك بالحق لا أقبل بعدها وأنا صائم . قال أبو محمد : الشرائع لا تؤخذ بالمنامات لا سيما وقد أفتى رسول الله ﷺ عمر في اليقظة حيا بإباحة القبلة للصائم ؛ فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام ميتا نعوذ بالله من هذا . ويكفي من هذا كله أن عمر بن حمزة لا شيء . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عيسى بن حماد هو زغبة - عن الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عبد الملك بن سعد الساعدي الأنصاري عن جابر بن عبد الله قال { قال عمر بن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم ، فقلت : يا رسول الله ، صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، فقال رسول الله ﷺ أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس به ، قال : فمه } ؟ " . والخبر الثاني الذي رويناه من طريق إسرائيل - وهو ضعيف - عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضبي - وهو مجهول { عن ميمونة بنت عتبة مولاة رسول الله ﷺ سئل عمن قبل امرأته وهما صائمان ؟ فقال : قد أفطر } . قال أبو محمد : حتى لو صح هذا لكان حديث أبي سعيد الخدري - الذي ذكرنا في باب الحجامة للصائم - أنه عليه السلام أرخص في القبلة للصائم - : ناسخا له ؟ وممن روي عنه إبطال الصيام بالقبلة من طريق سعيد بن المسيب : أن عمر كان ينهى عن القبلة للصائم ، فقيل له { إن رسول الله ﷺ كان يقبل وهو صائم } ؟ فقال : ومن ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله ﷺ ؟ ومن طريق عمران بن مسلم عن زاذان عن ابن عمر قال في الذي يقبل وهو صائم ، فقال : ألا يقبل جمرة ؟ وعن مورق عنه : أنه كان ينهى عنها ؟ ومن طريق علي بن أبي طالب قال ما تريد إلى خلوف فيها ؟ دعها حتى تفطر ؟ وعن الهزهاز : أن ابن مسعود سئل عمن قبل وهو صائم فقال : أفطر ، ويقضي يوما مكانه . وعن حذيفة قال : من تأمل خلق امرأته وهو صائم بطل صومه ؟ وعن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير : رأيت أصحاب رسول الله ﷺ ينهون عن القبلة للصائم ؟ ومن طريق شريح : أنه سئل عن قبلة الصائم ؟ فقال : يتقي الله ولا يعد . وعن أبي قلابة : أنه نهى عنها ؟ وعن محمد بن الحنفية : إنما الصوم من الشهوة ، والقبلة من الشهوة ؟ وعن أبي رافع قال : لا يقبل الصائم . وعن مسروق : أنه سئل عنها ؟ فقال : الليل قريب وقال ابن شبرمة : إن قبل الصائم أفطر وقضى يوما مكانه ؟ ومن كرهها - : روينا عن سعيد بن المسيب : القبلة تنقض الصوم ولا تفطر وعن إبراهيم النخعي : أنه كرهها ؟ وعن عبد الله بن مغفل أنه كرهها ؟ وعن سعيد بن جبير : أنه قال : لا بأس بها ، وإنها لبريد سوء ؟ وعن عروة بن الزبير قال : لم أر القبلة تدعو إلى خير - يعني للصائم ؟ وصح عن ابن عباس : أنه قال : هي دليل إلى غيرها والاعتزال أكيس ؟ وكرهها مالك ؟ ومن فرق بين الشيخ والشاب - : روينا من طريق ابن المسيب عن عمر بن الخطاب ومن طريق أبي مجلز عن ابن عباس ، ومن طريق ابن أبي مليكة عن أبي هريرة ، ومن طريق نافع عن ابن عمر ، ومن طريق هشام بن الغاز عن مكحول ، ومن طريق حريث عن الشعبي : أنهم كلهم رخصوا في قبلة الصائم للشيخ وكرهوها للشاب ؟ ومن كره المباشرة للصائم - : روينا من طريق عطاء عن ابن عباس : أنه سئل عن القبلة للصائم ؟ فقال : لا بأس بها ، وسئل أيقبض على ساقها ؟ قال لا يقبض على ساقها ، أعفوا الصيام ؟ ومن طريق مالك عن ابن عمر : أنه كان ينهى عن المباشرة للصائم . وعن الزهري : أنه نهى عن لمس الصائم وتجريده . وعن سعيد بن المسيب في الصائم يباشر قال : يتوب عشر مرار ، إنه ينقص من صومه الذي يجرد أو يلمس ، لك أن تأخذ بيدها وبأدنى جسدها وتدع أقصاه ؟ وعن عطاء بن أبي رباح في الصائم يباشر بالنهار ؟ قال : لم يبطل صومه ؛ ولكن يبدل يوما مكانه . وعن أبي رافع : لا يباشر الصائم . وكرهها مالك . ومن أباح المباشرة للشيخ ونهى عنها للشاب - : روينا هذا عن ابن عمر ، وعن ابن عباس والشعبي . وأما من أباح كل ذلك - : روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله أخبرته : أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فدخل عليها زوجها ، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - وهو صائم في رمضان ، فقالت له عائشة أم المؤمنين : ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها ؟ فقال : أقبلها وأنا صائم ؟ قالت : نعم . ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن مسروق قال : سألت عائشة أم المؤمنين : ما يحل للرجل من امرأته صائما ؟ فقالت كل شيء إلا الجماع ؟ قال أبو محمد : عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها ، وكانت أيام عائشة وهي وزوجها فتيين في عنفوان الحداثة ؟ وهذان الخبران يكذبان قول من لا يبالي بالكذب أنها أرادت بقولها { وأيكم أملك لإربه من رسول الله ﷺ } النهي من القبلة والمباشرة للصائم ؟ ومن طريق عبد الله ، وعبيد الله : ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب : أن عمر بن الخطاب كانت تقبله امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو وهو صائم ؛ فلا ينهاها ومن طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير : أن رجلا قال لابن عباس : إني تزوجت ابنة عم لي جميلة ، فبنيت بها في رمضان : فهل لي - بأبي أنت وأمي إلى قبلتها من سبيل ؟ فقال له ابن عباس : هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : قبل ، قال : فبأبي أنت وأمي : هل إلى مباشرتها من سبيل ؟ قال : هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : فباشرها ، قال : فهل لي إلى أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل ؟ قال : وهل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : اضرب - وهذه أصح طريق عن ابن عباس . وعن يحيى بن سعيد القطان عن حبيب بن شهاب عن أبيه قال : سألت أبا هريرة عن دنو الرجل من امرأته وهو صائم ؟ فقال : إني لأرف شفتيها وأنا صائم . وعن زيد بن أسلم قال : قيل لأبي هريرة : أتقبل وأنت صائم قال : نعم وأكفحها - معناه : أنه يفتح فاه إلى فيها وسئل عن تقبيل غير امرأته ؟ فأعرض بوجهه . ومن طرق صحاح عن سعد بن أبي وقاص : أنه سئل : أتقبل وأنت صائم ؟ قال : نعم وأقبض على متاعها . وعن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري : أنه كان لا يرى بالقبلة للصائم بأسا . وعن سفيان بن عيينة عن زكريا هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي عن عمرو بن شرحبيل أن ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم - وهذه أصح طريق عن ابن مسعود . ومن طريق حنظلة بن سبرة ( عن ) المسيب بن نجبة الفزاري عن عمته - وكانت تحت حذيفة بن اليمان - قالت : كان حذيفة إذا صلى الفجر في رمضان جاء فدخل معي في لحافي ثم يباشرني . وعن أبي ظبيان عن علي بن أبي طالب : لا بأس بالقبلة للصائم . وعن مسعر عن سعيد بن مردان به عن أبي كثير أن أم سلمة أم المؤمنين قالت له وقد تزوج في رمضان : لو دنوت ، لو قبلت ؟ ومن التابعين من طريق عكرمة : لا بأس بالقبلة والمباشرة للصائم ، إنما هي كالكسرة يشتمها . وعن الحسن البصري قال : يقبل الصائم ، ويباشر . وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أنه كان يقبل في رمضان نهارا ويفتي بذلك . وعن سعيد بن جبير : إباحة القبلة للصائم . وعن الشعبي : لا بأس بالقبلة ، والمباشرة للصائم . وعن مسروق : أنه سئل عن تقبيل الصائم امرأته ؟ فقال : ما أبالي أقبلتها ، أو قبلت يدي ؟ فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم عائشة ، وأم سلمة أم المؤمنين ، وعمر بن الخطاب ، وعلي ، وعاتكة بنت زيد ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وحذيفة ، وما نعلم منهم أحدا روي عنه كراهتها إلا وقد جاء عنه إباحتها بأصح من طريق الكراهة ؛ إلا ابن عمر وحده ، ورويت الإباحة جملة عن سعد ، وأبي سعيد ، وعائشة ، وأم سلمة ، وعاتكة . قال أبو محمد : ولقد كان يجب لمن غلب القياس على الأثر أن يجعلها في الصيام بمنزلتها في الحج ؛ ويجعل فيها صدقة كما جعل فيها هنالك ؛ ولكن هذا مما تركوا فيه القياس - وبالله تعالى نتأيد . وإذ قد صح أن القبلة والمباشرة : مستحبتان في الصوم وأنه لم ينه الصائم في امرأته عن شيء إلا الجماع - : فسواء تعمد الإمناء في المباشرة أو لم يتعمد كل ذلك مباح لا كراهة في شيء من ذلك ؛ إذ لم يأت بكراهيته نص ولا وإجماع ، فكيف إبطال الصوم به ، فكيف أن تشرع فيه كفارة ؟ وقد بينا مع ذلك - من أنه خلاف للسنة - فساد قول من رأى الصوم ينتقض بذلك ؛ لأنهم ، يقولون : خروج المني بغير مباشرة لا ينقض الصوم ؛ وأن المباشرة إذا لم يخرج معها مذي ، ولا مني ، لا تنقض الصوم ؛ وأن الإنعاظ دون مباشرة لا ينقض الصوم ، فكل واحد من هذه على انفراده لا يكدح في الصوم أصلا ؛ فمن أين لهم إذا اجتمعت أن تنقض الصوم ؟ هذا باطل لا خفاء به ، إلا أن يأتي بذلك نص ، ولا سبيل إلى وجوده أبدا ، لا من رواية صحيحة ولا سقيمة ، وأما توليد الكذب والدعاوى بالمكابرة ، فما يعجز عنها من لا دين له . وما رئي قط حلال وحلال يجتمعان فيحرمان إلا أن يأتي بذلك نص ، وبهذا الدليل نفسه خالف الحنفيون السنة الثابتة في تحريم نبيذ التمر والزبيب يجمعان ، ثم حكموا به هاهنا حيث لا يحل الحكم به - وبالله تعالى التوفيق . وهم يقولون : إن الجماع دون الفرج حتى يمني لا يوجب حدا ولا يلحق به الولد ، وكان يجب أن يفرقوا بينه وبين الجماع في إبطال الصوم به ، مع أن نقض الصوم بتعمد الإمناء خاصة لا نعلمه عن أحد من خلق الله تعالى قبل أبي حنيفة ، ثم اتبعه مالك ، والشافعي ؟ وأما القيء الذي لا يتعمد فقد جاء الأثر بذلك على ما ذكرنا قبل ، ولا نعلم في القلس ، والدم : الخارجين من الأسنان لا يرجعان إلى - الحلق ، خلافا في أن الصوم لا يبطل بهما ، وحتى لو جاء في ذلك خلاف لما التفت إليه ؛ إذ لم يوجب بطلان الصوم بذلك نص
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577) ابن حزم - المحلى كتاب الجنائز (مسألة 578 - 585)
المؤلف: ابن حزم كتاب الجنائز (مسألة 586 - 593)
كتاب الجنائز
578 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يجلس على قبر ، فإن لم يجد أين يجلس : فليقف حتى يقضي حاجته ، ولو استوفز ولم يقعد لم يبن أنه يحرج . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر } . وهكذا رويناه من طريق سفيان الثوري ، وعبد العزيز الدراوردي ، كلاهما : عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ . وروينا أيضا من طريق جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ النهي عن القعود على القبر : وقد ذكرناه قبل هذا بيسير ؟ ورويناه أيضا من طريق واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي عن رسول الله ﷺ { لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } . فهذه آثار متواترة في غاية الصحة وهو قول جماعة من السلف رضي الله عنهم ، منهم أبو هريرة ؟ ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن سالم البراد عن ابن عمر قال : لأن أطأ على رضف أحب إلي من أن أطأ على قبر وعن ابن مسعود : لأن أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلي من أن أتعمد وطء قبر لي عنه مندوحة . وعن سعيد بن جبير : لأن أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلي من أن أطأ على قبر - وهو قول أبي سليمان . فقال قائلون بإباحة ذلك ، وحملوا الجلوس المتوعد عليه إنما هو للغائط خاصة ؟ وهذا باطل بحت لوجوه - : أولها - أنه دعوى بلا برهان ، وصرف لكلام رسول الله ﷺ عن وجهه ، وهذا عظيم جدا وثانيها - أن لفظ الخبر مانع من ذلك قطعا ، بقوله عليه السلام { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده : خير له من أن يجلس على قبر } . وبالضرورة يدري كل ذي حس سليم : أن القعود للغائط لا يكون هكذا ألبتة ، وما عهدنا قط أحدا يقعد على ثيابه للغائط إلا من لا صحة لدماغه ؟ وثالثها - أن الرواة لهذا الخبر لم يتعدوا به وجهه من الجلوس المعهود ، وما علمنا قط في اللغة - جلس فلان - بمعنى تغوط ، فظهر فساد هذا القول - ولله تعالى الحمد ؟ وقد ذكرنا تحريم الصلاة إلى القبر وعليه في كتاب الصلاة والله تعالى محمود ؟
579 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين وهما اللتان لا شعر فيهما ، فإن كان فيهما شعر : جاز ذلك ؟ فإن كانت إحداهما بشعر ، والأخرى بلا شعر : جاز المشي فيهما ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا وكيع عن الأسود بن شعبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك { عن بشير رسول الله ﷺ وهو ابن الخصاصية - قال كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فرأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه ، فقال : يا صاحب السبتيتين ألقهما } ؟ وحدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان البصري ثنا سليمان بن حرب ثنا الأسود بن شيبان حدثني خالد بن سمير أخبرني بشير بن نهيك أخبرني بشير بن الخصاصية - وكان اسمه في الجاهلية زحم ، فسماه رسول الله ﷺ بشيرا - قال : { بينا أنا أمشي بين المقابر وعلي نعلان ، إذ ناداني رسول الله ﷺ يا صاحب السبتيتين ، يا صاحب السبتيتين ، إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك ، قال : فخلعتهما } ؟ . قال أبو محمد : فإن قيل - فهلا منعتم من كل نعل ، لعموم قوله عليه السلام { فاخلع نعليك } ؟ قلنا : منع من ذلك وجهان - : أحدهما : أنه عليه السلام إنما دعا صاحب سبتيتين ، بنص كلامه ، ثم أمره بخلع نعليه ؟ والثاني ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان عن قتادة ثنا أنس بن مالك قال : قال نبي الله ﷺ : { إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم } وذكر الحديث . قال أبو محمد : فهذا إخبار منه عليه السلام بما يكون بعده ، وأن الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدافن الموتى إلى يوم القيامة ، على عموم إنذاره عليه السلام بذلك ، ولم ينه عنه ، والأخبار لا تنسخ أصلا . فصح إباحة لباس النعال في المقابر ، ووجب استثناء السبتية منها ، لنصه عليه السلام عليها ؟ قال أبو محمد : وقال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه فقال : لعل تينك النعلين كان فيهما قذر ؟ قال أبو محمد : من قطع بهذا فقد كذب على رسول الله ﷺ إذ قوله ما لم يقل ، ومن لم يقطع بذلك فقد حكم بالظن ، وقفا ما لا علم له به ، وكلاهما خطتا خسف نعوذ بالله منهما ؟ ثم يقال له : فهبك ذلك كذلك ؟ أتقولون : بهذا أنتم ؟ فتمنعون من المشي ، بين القبور بنعلين فيهما قذر ؟ فمن قولهم : لا ؟ فيقال لهم : فأي راحة لكم في دعوى كاذبة ؟ ثم لو صحت لم تقولوا بها ، ولبقيتم مخالفين للخبر بكل حال ؟ ويقال له أيضا : ولعل البناء في الرعاف إنما هو في الدم الأسود لشبهه بدم الحيض ، ولعل فساد صلاة الرجل إلى جنب المرأة إنما هو إذا كانت شابة خوف الفتنة ، ومثل هذا كثير
580 - مسألة : ويصلى على ما وجد من الميت المسلم ، ولو أنه ظفر أو شعر فما فوق ذلك ، ويغسل ويكفن ، إلا أن يكون من شهيد فلا يغسل ، لكن يلف ويدفن ؟ ويصلى على الميت المسلم وإن كان غائبا لا يوجد منه شيء . فإن وجد من الميت عضو آخر بعد ذلك أيضا غسل أيضا ، وكفن ، ودفن ، ولا بأس بالصلاة عليه ثانية ، وهكذا أبدا ؟ برهان ذلك - : أننا قد ذكرنا قبل وجوب غسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه ، فصح بذلك غسل جميع أعضائه - قليلها وكثيرها - وستر جميعها بالكفن والدفن ، فذلك بلا شك واجب في كل جزء منه . فإذ هو كذلك فواجب عمله فيما أمكن عمله فيه ، بالوجود متى وجد ، ولا يجوز أن يسقط ذلك في الأعضاء المفرقة بلا برهان وينوي بالصلاة على ما وجد منه الصلاة على جميعه : جسده ، وروحه ؟ وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن وجد نصف الميت الذي فيه الرأس ، أو أكثر من نصفه وإن لم يكن فيه الرأس - : غسل وكفن وصلي عليه ؟ وإن وجد النصف الذي ليس فيه الرأس ، أو أقل من النصف الذي فيه الرأس - : لم يغسل ، ولا كفن ، ولا صلي عليه قال أبو محمد : وهذا تخليط ناهيك به وقيل لهم : من أين لكم أن الصلاة على أكثره واجبة ، وعلى نصفه غير واجبة ؟ وأنتم قد جعلتم الربع - فيما أنكشف من بطن الحرة وشعرها - كثيرا في حكم الكل ، وجعلتم العشر - في بعض مسائلكم أيضا - في حكم الكل ؟ وهو من حلق عشر رأسه ، أو عشر لحيته من المحرمين في قول محمد بن الحسن ، فمن أين هذه الأحكام في الدين بغير إذن من الله تعالى بها ؟ وقد روينا عن أبي أيوب الأنصاري وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما : أنهما صليا على رجل ، إنسان ؟ وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا . وروي عن عمر ، أنه صلى على عظام وعن أبي عبيدة : أنه صلى على رأس وأما الصلاة على الغائب فقد جاء به نص قاطع ، أغنى عن النظر ، وإن كان النظر تجب به الصلاة عليه ؛ لأن قول رسول الله ﷺ : { صلوا على صاحبكم } عموم يدخل فيه الغائب والحاضر ، ولا يجوز أن يخص به أحدهما ، بل فرض في كل مسلم دفن بغير صلاة أن يصلي عليه من بلغه ذلك من المسلمين ، لأنها فرض على الكفاية ، وهي فيمن صلى عليه ندب . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ؟ خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا } . وبه إلى البخاري : ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله يقول " قال النبي ﷺ { قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش ، فهلم فصلوا عليه ، فصففنا ، فصلى النبي ﷺ ونحن } . وبه إلى البخاري : ثنا مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله ﷺ صلى على النجاشي . قال جابر : فكنت في الصف الثاني أو الثالث } . ورويناه أيضا من طريق قوية عن عمران بن الحصين عن النبي ﷺ . فهذا أمر رسول الله ﷺ وعمله وعمل جميع أصحابه ، فلا إجماع أصح من هذا ، وآثار متواترة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كما أوردنا ؟ ومنع من هذا : مالك ، وأبو حنيفة ، وادعى أصحابهما الخصوص للنجاشي ، وهذه دعوى كاذبة بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : هل فعل هذا أحد من الصحابة بعد رسول الله ﷺ ؟ قلنا لهم : وهل جاء قط عن أحد من الصحابة أنه زجر عن هذا أو أنكره ؟ ثم يقال لهم : لا حجة في أحد غير رسول الله ﷺ . قال تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }
581 - مسألة : والصلاة جائزة على القبر ، وإن كان قد صلي على المدفون فيه وقال أبو حنيفة : إن دفن بلا صلاة : صلي على القبر ما بين دفنه إلى ثلاثة أيام ، ولا يصلى عليه بعد ذلك ، وإن دفن بعد أن صلي عليه لم يصل أحد على قبره ؟ وقال مالك : لا يصلى على قبر ، وروى ذلك عن إبراهيم النخعي ؟ وقال الشافعي ، والأوزاعي ، وأبو سليمان : يصلى على القبر وإن كان قد صلي على المدفون فيه ، وقد روي هذا عن ابن سيرين ؟ وقال أحمد بن حنبل : يصلى عليه إلى شهر ، ولا يصلى عليه بعد ذلك ؟ وقال إسحاق : يصلي الغائب على القبر إلى شهر ، ويصلي عليه الحاضر إلى ثلاث ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة { أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ، ففقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها أو عنه ، فقالوا : مات ، فقال : أفلا كنتم آذنتموني ؟ قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره ، فقال : دلوني على قبره ، فدلوه ، فصلى عليها ، ثم قال : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم } . فادعى قوم أن هذا الكلام منه عليه السلام دليل على أنه خصوص له ؟ قال أبو محمد : وليس كما قالوا ، وإنما في هذا الكلام بركة صلاته عليه السلام وفضيلتها على صلاة غيره فقط ، وليس فيه نهي غيره عن الصلاة على القبر أصلا ، بل قد قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ومما يدل على بطلان دعوى الخصوص ههنا ما رويناه بالسند المذكور إلى مسلم : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا محمد بن إدريس عن الشيباني هو أبو إسحاق - عن الشعبي عمن حدثه قال { انتهينا مع رسول الله ﷺ إلى قبر رطب ، فصلى عليه ، وصفوا خلفه ، وكبر أربعا } قال الشيباني : قلت لعامر الشعبي : من حدثك ؟ قال : الثقة ، من شهده ، ابن عباس . فهذا أبطل الخصوص ، لأن أصحابه عليه السلام ، وعليهم رضوان الله صلوا معه على القبر ، فبطلت دعوى الخصوص وبه إلى مسلم حدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي ثنا غندر ثنا شعبة عن حبيب بن الشهيد [ عن ثابت ] عن أنس { أن النبي ﷺ صلى على قبر } . قال أبو محمد : فهذه آثار متواترة لا يسع الخروج عنها واحتج بعضهم بأن رسول الله ﷺ لم يصل المسلمون على قبره ؟ قال أبو محمد : ما علمنا أحدا من الصحابة رضي الله عنهم نهى عن الصلاة على قبر رسول الله ﷺ وما نهى الله تعالى عنه ، ولا رسوله عليه السلام ، فالمنع من ذلك باطل ، والصلاة عليه فعل خير ، والدعوى باطل إلا ببرهان ؟ وقال بعضهم : نهي النبي ﷺ عن الصلاة إلى القبر وعلى القبر مانع من هذا قال أبو محمد : وهذا عجب ما مثله عجب وهو أن المحتج بهذا عكس الحق عكسا ؛ لأنه صح عن النبي ﷺ النهي عن الصلاة على القبر ، أو إليه . أو في المقبرة ، وعن الجلوس على القبر ، فقال هذا القائل : كل هذا مباح وصح عن النبي ﷺ أنه صلى على قبر صلاته على الميت ، فقال هذا القائل : لا يجوز ذلك واحتج بالنهي عن الصلاة مطلقا في منعه من صلاة الجنازة على القبر ، واحتج بخبر الصلاة على القبر في إباحته الحرام من الصلوات في المقبرة ، وإلى القبر ، وعليه ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل ؟ وقال بعضهم : كان ابن عمر لا يصلي على القبر ؟ قلنا : نعم ، كان لا يصلي سائر الصلوات على القبر ، ويصلي صلاة الجنازة على القبر أبدا ؟ قال أبو محمد : وهذا لو صح لكان قد صح ما يعارضه ، وهو أنه رضي الله عنه صلى صلاة الجنازة على القبر ، ثم لو لم يأت هذا عنه لكان قد عارضه ما صح عن الصحابة في ذلك ، فكيف ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . ولا يصح عن ابن عمر إلا ما ذكرناه وروينا عن معمر عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة : مات عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة ، فحملناه فجئنا به مكة فدفناه ، فقدمت علينا عائشة أم المؤمنين فقالت : أين قبر أخي ؟ فدللناها عليه ، فوضعت في هودجها عند قبره فصلت عليه وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه قدم وقد مات أخوه عاصم ، فقال : أين قبر أخي ؟ فدل عليه ، فصلى عليه ودعا له . قال أبو محمد : هذا يبين أنها صلاة الجنازة ، لا الدعاء فقط وعن علي بن أبي طالب : أنه أمر قرظة بن كعب الأنصاري أن يصلي على قبر سهل بن حنيف بقوم جاءوا بعدما دفن وصلي عليه ؟ وعن علي بن أبي طالب أيضا : أنه صلى على جنازة بعدما صلي عليها ؟ وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا أبان بن يزيد العطار عن يحيى بن أبي كثير : أن أنس بن مالك صلى على جنازة بعدما صلي عليها وعن ابن مسعود نحو ذلك . وعن سعيد بن المسيب إباحة ذلك . وعن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد : أنه صلى على جنازة بعدما صلي عليها وعن قتادة : أنه كان إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى عليها . فهذه طوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ؟ وأما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل ، لأنه تحديد بلا دليل ، ولا فرق بين من حد بهذا ، أو من حد بغير ذلك .
582 - مسألة : ومن تزوج كافرة فحملت منه وهو مسلم وماتت حاملا - : فإن كانت قبل أربعة أشهر ولم ينفخ فيه الروح بعد : دفنت مع أهل دينها ، وإن كان بعد أربعة أشهر والروح قد نفخ فيه : دفنت في طرف مقبرة المسلمين ؛ لأن عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله ﷺ أن لا يدفن مسلم مع مشرك - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا وكيع عن الأسود بن شيبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك عن بشير رسول الله ﷺ وهو ابن الخصاصية قال : { كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فمر على قبور المسلمين ، فقال : لقد سبق هؤلاء شرا كثيرا ، ثم مر على قبور المشركين فقال : لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا } . فصح بهذا تفريق قبور المسلمين عن قبور المشركين . والحمل ما لم ينفخ فيه الروح فإنما هو بعض جسم أمه ، ومن حشوة بطنها ، وهي مدفونة مع المشركين ، فإذا نفخ فيه الروح فهو خلق آخر ، كما قال تعالى : { فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } ، فهو حينئذ إنسان حي غير أمه ، بل قد يكون ذكرا وهي أنثى ، وهو ابن مسلم فله حكم الإسلام ، فلا يجوز أن يدفن في مقابر المشركين ، وهي كافرة ، فلا تدفن في مقابر المسلمين ، فوجب أن تدفن بناحية لأجل ذلك روينا عن سليمان بن موسى : أن واثلة بن الأسقع صاحب رسول الله ﷺ دفن امرأة نصرانية ماتت حبلى من مسلم - : في مقبرة ليست بمقبرة النصارى ، ولا بمقبرة المسلمين بين ذلك . وروينا عن عمر بن الخطاب : أنها تدفن مع المسلمين من أجل ولدها
583 - مسألة : والصغير يسبى مع أبويه أو أحدهما أو دونهما فيموت - : فإنه يدفن مع المسلمين ويصلى عليه ، قال تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } فصح أن كل مولود فهو مسلم ، إلا من أقره الله تعالى على الكفر ، وليس إلا من ولد بين ذميين كافرين ، أو حربيين كافرين ، ولم يسب حتى بلغ ، وما عدا هذين فمسلم ؟
584 - مسألة : وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة : الأولياء - : وهم : الأب وآباؤه ، والابن وأبناؤه ، ثم الإخوة الأشقاء ، ثم الذين للأب ، ثم بنوهم ، ثم الأعمام للأب والأم ، ثم للأب ثم بنوهم ، ثم كل ذي رحم محرمة ، إلا أن يوصي الميت أن يصلي عليه إنسان ، فهو أولى . ثم الزوج ، ثم الأمير أو القاضي ، فإن صلى غير من ذكرنا أجزأ - : برهان ذلك - : قول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وهذا عموم لا يجوز تخصيصه ، وقول رسول الله ﷺ : { لا يؤمن الرجل في أهله } يدخل فيه : ذو الرحم ، والزوج ، فإذا اجتمعا فهما سواء في الحديث ، فلا يجوز تقديم أحدهما على الآخر وذو الرحم أولى بالآية ، ثم الزوج أولى من غيره بالحديث ؟ رويناه عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه قال في الصلاة على المرأة : أب ، أو ابن ، أو أخ : أحق بالصلاة عليها من الزوج ؟ ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ليث عن زيد بن أبي سليمان : أن عمر بن الخطاب قال في الصلاة على المرأة إذا ماتت - : الولي دون الزوج ؟ وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة في الصلاة على المرأة إذا ماتت : الأخ أحق من الزوج . ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن : كانوا يقدمون الأئمة على جنائزهم ، فإن تدارءوا فالولي ، ثم الزوج . فإن قيل : قد قدم الحسين بن علي - : سعيد بن العاص على ولي له وقال : لولا أنها سنة ما قدمتك ؟ وقال أبو بكرة لإخوة زوجته : أنا أحق منكم قلنا : لم ندع لكم إجماعا فتعارضونا بهذا ، ولكن إذا تنازع الأئمة وجب الرد إلى القرآن والسنة ، وفي القرآن والسنة ما أوردنا ، ولم يبح الله تعالى الرد في التنازع إلى غير كلامه وحكم نبيه ﷺ . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والأوزاعي في أحد قوليه : الأولياء أحق بالصلاة عليها من الزوج ، إلا أن أبا حنيفة قال : إن كان ولدها ابن زوجها الحاضر فالزوج أبو الولد أحق - وهذا لا معنى له ، لأنه دعوى بلا برهان
585 - مسألة : وأحق الناس بإنزال المرأة في قبرها من لم يطأ تلك الليلة ، وإن كان أجنبيا ، حضر زوجها أو أولياؤها أو لم يحضروا ، وأحقهم بإنزال الرجل أولياؤه ؟ أما الرجل فلقول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } وهذا عموم ، لا يجوز تخصيصه إلا بنص . وأما المرأة فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد هو المسندي - ثنا أبو عامر هو العقدي - ثنا فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أنس بن مالك قال { شهدنا بنتا لرسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا ، قال : فانزل ؟ فنزل في قبرها } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن أسلم أنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس { أن رسول الله ﷺ قال : لما ماتت رقية ابنته رضي الله عنها : لا يدخل القبر رجل قارف الليلة ، فلم يدخل عثمان } قال أبو محمد : المقارفة الوطء ، لا مقارفة الذنب . ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي ﷺ بأنه لم يقارف ذنبا . فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما ؟
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الجنائز
كتاب الجنائز (مسألة 558 - 572) | كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577) | كتاب الجنائز (مسألة 578 - 585) | كتاب الجنائز (مسألة 586 - 593) | كتاب الجنائز (مسألة 594 - 606) | كتاب الجنائز (مسألة 607 - 615) | كتاب الجنائز (مسألة 616 - 623)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641)
كتاب الزكاة
وأما الخيل ، والرقيق - فقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك : أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من الرأس عشرة ومن الفرس عشرة ، ومن البراذين خمسة - يعني رأس الرقيق وعشرة دراهم ، وخمسة دراهم . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو هو ابن دينار - قال : إن حي بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول : ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية فرسا أنثى بمائة قلوص ؛ فندم البائع ، فلحق بعمر ، فقال : غصبني يعلى وأخوه فرسا لي . فكتب عمر إلى يعلى : أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر ؛ فقال عمر : إن الخيل لتبلغ عندكم هذا ؟ فقال يعلى : ما علمت فرسا بلغ هذا قبل هذا . فقال عمر : فنأخذ من أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا خذ من كل فرس دينارا قال : قال : فضرب على الخيل دينارا دينارا . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن السائب ابن أخت نمر أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقات الخيل ، قال ابن شهاب : وكان عثمان بن عفان يصدق الخيل . ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري : أن مروان بعث إلى أبي سعيد الخدري : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك . فقال للرسول : إن مروان لا يعلم إنما علينا أن نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر أو نصف صاع بر ؛ ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن حماد بن أبي سليمان قال : وفي الخيل الزكاة . فذهب أبو حنيفة ومن قلده إلى أن في الخيل الزكاة - واحتجوا بهذه الآثار ، وبقول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } . وقالوا : والخيل أموال ؛ فالصدقة فيها بنص القرآن . وبقول رسول الله ﷺ الثابت عنه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ { الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر } فذكر الحديث ، وفيه { ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ، ولا ظهورها ، فهي له ستر } . قال أبو محمد : هذا ما موه به الحنفيون من الاحتجاج بالقرآن والسنة وفعل الصحابة ؛ وهم مخالفون لكل ذلك - : أما الآية فليس فيها أن كل صنف من أصناف الأموال صدقة ، وإنما فيها { خذ من أموالهم } فلو لم يرد إلا هذا النص وحده لأجزأ فلس واحد عن جميع أموال المسلم ؛ لأنه صدقة أخذت من أمواله . ثم لو كان في الآية أن في كل صنف من أصناف الأموال صدقة وليس ذلك فيها لا بنص ولا بدليل لما كانت لهم فيها حجة ؛ لأنه ليس فيها مقدار المال المأخوذ ، ولا مقدار المال المأخوذ منه ، ولا متى تؤخذ تلك الصدقة . ومثل هذا لا يجوز العمل فيه بقول أحد دون رسول الله ﷺ المأمور بالبيان ، قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وأما الحديث فليس فيه إلا أن لله تعالى حقا في رقابها وظهورها ، غير معين ولا مبين المقدار ؛ ولا مدخل للزكاة في ظهور الخيل بإجماع منا ومنهم . فصح أن هذا الحق إنما هو على ظاهر الحديث ، وهو حمل على ما طابت نفسه منها في سبيل الله تعالى ، وعارية ظهورها للمضطر . وأما فعل عمر وعثمان رضي الله عنهما فقد خالفوهما ، وذلك أن قول أبي حنيفة : إنه لا زكاة في الخيل الذكور ولو كثرت وبلغت ألف فرس فإن كانت إناثا ، أو إناثا وذكورا ، سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها الزكاة ، وصفة تلك الزكاة أن صاحب الخيل مخير ، إن شاء أعطى عن كل فرس منها دينارا أو عشرة دراهم ؛ وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم . قال أبو محمد : وهذا خلاف فعل عمر . وأيضا فقد خالفوا فعل عمر في أخذه الزكاة من الرقيق عشرة دراهم من كل رأس ، فكيف يجوز لذي عقل ودين أن يجعل بعض فعل عمر حجة وبعضه ليس بحجة . وخالفوا عليا في إسقاط زكاة الخيل جملة ، وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحدا قاله قبلهم ؛ فظهر فساد قولهم جملة . وذهب جمهور الناس إلى أن لا زكاة في الخيل أصلا . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج عن ابن الأعرابي عن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق . وقد صح أن عمر إنما أخذها على أنها صدقة تطوع منهم لا واجبة . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن ابن أبي خالد عن شبيل بن عوف وكان قد أدرك الجاهلية قال : أمر عمر بن الخطاب الناس بالصدقة ؛ فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، خيل لنا ورقيق افرض علينا عشرة عشرة . فقال عمر : أما أنا فلا أفرض ذلك عليكم . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قرأت على أبي عن يحيى بن سعيد القطان عن زهير هو ابن معاوية - ثنا أبو إسحاق هو السبيعي - عن حارثة هو ابن مضرب - قال : { حججت مع عمر بن الخطاب فأتاه أشراف أهل الشام فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا أصبنا رقيقا ودوابا فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا وتكون لنا زكاة . فقال : هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي } . قال أبو محمد : هذه أسانيد في غاية الصحة ، والإسناد فيه أن رسول الله ﷺ لم يأخذ من الخيل صدقة ؛ ولا أبو بكر بعده ؛ وأن عمر لم يفرض ذلك . وأن عليا بعده لم يأخذها . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان ثنا أبو أسامة هو حماد بن أسامة - ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ﷺ { قد عفوت عن الخيل ، فأدوا صدقة أموالكم من كل مائتين خمسة } . وقد صح عن رسول الله ﷺ : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } . والفرس والعبد اسم للجنس كله ، ولو كان في شيء من ذلك صدقة لما أغفل عليه السلام بيان مقدارها ومقدار ما تؤخذ منه ، وبالله تعالى التوفيق . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، ومكحول ، والشعبي ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، وهو فعل أبي بكر ، وعمر ، وعلي كما ذكرنا ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأصحابنا . وأما الحمير فما نعلم أحدا أوجب فيها الزكاة ، إلا شيئا حدثناه حمام قال : ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم النخعي ، قال منصور : سألته عن الحمير أفيها زكاة . فقال إبراهيم : أما أنا فأشبهها بالبقر ؛ ولا نعلم فيها شيئا . قال أبو محمد : كل ما لم يأمر النبي ﷺ فيه بزكاة محدودة موصوفة فلا زكاة فيه . ولقد كان يجب على من رأى الزكاة في الخيل بعموم قول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } أن يأخذها من الحمير ، لأنها أموال ، وكان يلزم من قاس الصداق على ما تقطع فيه اليد أن يقيسها على الإبل ، والبقر ، لأنها ذات أربع مثلها ، وإن افترقت في غير ذلك ، فكذلك الصداق يخالف السرقة في أكثر من ذلك .
وأما العسل : فإن مالكا والشافعي وأبا سليمان ، وأصحابهم : لم يروا فيه زكاة . وقال أبو حنيفة : إن كان النحل في أرض العشر ففيه الزكاة ، وهو عشر ما أصيب منه - قل أو كثر - وإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيه - قل أو كثر . ورأى في المواشي الزكاة ، سواء كانت في أرض عشر أو في أرض خراج . وقال أبو يوسف : إذ بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد ؛ وهكذا ما زاد ففيه العشر ، والرطل هو الفلفلي . وقال محمد بن الحسن : إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر ، وإلا فلا - والفرق : ستة وثلاثون رطلا فلفلية ، والخمسة الأفراق : مائة رطل وثمانون رطلا فلفلية ؛ قال : والسكر كذلك . قال أبو محمد : أما مناقضة أبي حنيفة وإيجابه الزكاة في العسل ولو أنه قطرة إذا لم يكن في أرض الخراج فظاهرة لا خفاء بها . وأما تحديد صاحبيه ففي غاية الفساد والخبط والتخليط . وهو إلى الهزل أقرب منه إلى الجد . لكن في العسل خلاف قديم - : كما روينا من طريق عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب قال لأهل اليمن في العسل : إن عليكم في كل عشرة أفراق فرقا . ومن طريق الحارث بن عبد الرحمن عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب وكانت له صحبة أنه أخذ عشر العسل من قومه وأتى به عمر ؛ فجعله عمر في صدقات المسلمين ؛ قال : { وقدمت على رسول الله ﷺ فأسلمت واستعملني على قومي ، واستعملني أبو بكر بعده ، ثم استعملني عمر من بعده فقلت لقومي : في العسل زكاة ، فإنه لا خير في مال لا يزكى فقالوا : كم ترى . فقلت : العشر ، فأخذته وأتيت به عمر } . ومن طريق نعيم بن حماد عن بقية عن محمد بن الوليد الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن هلال بن مرة : أن عمر بن الخطاب قال في عشور العسل : ما كان منه في السهل ففيه العشر ، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر . وصح عن مكحول ، والزهري : أن في كل عشرة أزقاق من العسل زقا رويناه من طريق ثابتة عن الأوزاعي عن الزهري . وعن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى : في كل عشرة أزقاق من عسل زق ، قال : والزق يسع رطلين . وروي أيضا من طريق لا تصح عن عمر بن عبد العزيز وهو قول ربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن وهب ، واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { جاء هلال إلى رسول الله ﷺ بعشور نحل له وسأله أن يحمي له واديا يقال له : سلبة ، فحماه له } وبما رويناه من طريق عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن : أن يؤخذ من العسل العشور } . ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى { أن أبا سيارة المتعي قال للنبي ﷺ إن لي نحلا . قال : فأد منه العشر } ومن طريق ابن جريج قال كتبت إلى إبراهيم بن ميسرة أسأله عن زكاة العسل . فذكر جوابه ، وفيه : أنه قال : ذكر لي من لا أتهم من أهلي : أن عروة بن محمد السعدي قال له : إنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل . فرد إليه عمر : قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف ؛ فخذ منه العشور قال أبو محمد : هذا كله لا حجة لهم فيه . أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : فصحيفة لا تصح ، وقد تركوها حيث لا توافق تقليدهم مما قد ذكرناه في غير ما موضع . وأما حديث أبي هريرة فمن رواية عبد الله بن محرر وهو أسقط من كل ساقط متفق على اطراحه . وأما حديث أبي سيارة المتعي : فمنقطع لأن سليمان بن موسى لا يعرف له لقاء أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وأما حديث عمر بن عبد العزيز فمنقطع ، لأنه عمن لم يسم . وأما خبر عمر بن الخطاب : فلا يصح ؛ لأنه عن عطاء الخراساني عنه ، ولم يدركه عطاء ، وعن منير بن عبد الله عن أبيه ، وكلاهما مجهول ، وبعض رواته يقول : متين بن عبد الله ولا يدرى من هو ، وعن بقية ، وهو ضعيف ، ثم عن هلال بن مرة ، ولا يدرى من هو . فبطل أن يصح في هذا عن رسول الله ﷺ شيء ، أو عن عمر ، أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . قال أبو محمد : وقد عارض ذلك كله خبر مرسل أيضا كما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس : { أن معاذ بن جبل لما أتى اليمن أتي بالعسل وأوقاص الغنم ، فقال : لم أؤمر فيها بشيء . } ولكنا لا نستحل الحجاج بمرسل ؛ لأنه لا حجة فيه . وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن ، فأردت ، أن آخذ من العسل العشر . فقال المغيرة بن حكيم الصنعاني : ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز . فقال : صدق ، هو عدل رضي . قال أبو محمد : وبأن لا زكاة في العسل يقول مالك ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهم . قال علي : قد قلنا : إن الله تعالى قال : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فلا يجوز إيجاب فرض زكاة في مال لم يصح عن رسول الله ﷺ فيه إيجابها . فإن احتجوا بعموم قول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } . قيل لهم : فأوجبوها فيما خرج من معادن الذهب والفضة ، وفي القصب ، وفي ذكور الخيل ، فكل ذلك أموال للمسلمين ، بل أوجبوها حيث لم يوجبها الله تعالى ، وأسقطوها مما خرج من النخل والبر والشعير ، في أرض الخراج ، وفي الأرض المستأجرة . ولكنهم قوم يجهلون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والأربعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 758 - 761)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (مسألة 762)
كتاب الصيام
758 - مسألة : وإذا رئي الهلال قبل الزوال فهو من البارحة ويصوم الناس من حينئذ باقي يومهم - إن كان أول رمضان - ويفطرون إن كان آخره ، فإن رئي بعد الزوال فهو لليلة المقبلة . برهان ذلك - : قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته } فخرج من هذا الظاهر إذا رئي بعد الزوال بالإجماع المتيقن ، ولم يجب الصوم إلا من الغد ؛ وبقي حكم لفظ الحديث إذا رئي قبل الزوال ، للاختلاف في ذلك ؛ فوجب الرجوع إلى النص . وأيضا : فإن الهلال إذا رئي قبل الزوال فإنما يراه الناظر إليه والشمس بينه وبينه ، ولا شك في أنه لم يمكن رؤيته مع حوالة الشمس دونه إلا وقد أهل من البارحة وبعد عنها بعدا كثيرا . روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن سماك عن إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب كتب إلى الناس إذا رأيتموه قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد زوالها فلا تفطروا ؟ ورويناه أيضا : من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري بمثله - وبه يقول سفيان . وروينا من طريق يحيى بن الجزار عن علي بن أبي طالب قال رضي الله عنه إذا رأيتم الهلال من أول النهار فأفطروا وإذا رأيتموه في آخر النهار فلا تفطروا فإن الشمس تزيغ عنه أو تميل عنه . ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن الركين بن الربيع عن أبيه قال : كنا مع سلمان بن ربيعة الباهلي ببلنجر فرأيت الهلال ضحى فأتيت سلمان فأخبرته فقام تحت شجرة فلما رآه أمر الناس فأفطروا . وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي ، وأبو بكر بن داود ، وغيره . فإن قيل : قد روي عن عمر خلاف هذا ؟ قلنا : نعم وإذا صح التنازع وجب الرد إلى القرآن والسنة . وقد ذكرنا الآن وجه ذلك - وبالله تعالى التوفيق .
759 - مسألة : ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور وإنما هو مغيب الشمس عن أفق الصائم ولا مزيد . روينا من طريق مسلم عن قتيبة عن أبي عوانة عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { تسحروا فإن في السحور بركة } . ومن طريق قتيبة عن الليث بن سعد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور } . قال أبو محمد : لا يضر الصوم تعمد ترك السحور ؛ لأنه من حكم الليل والصيام من حكم النهار ، ولا يبطل عمل بترك عمل غيره إلا بأن يوجب ذلك نص فيوقف عنده . ومن طريق { ابن مسعود أنه كان يؤخر السحور ويعجل الإفطار ، فقالت عائشة : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع } . ومن طريق مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر } . ومن طريق البخاري عن مسدد عن عبد الواحد عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى { سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال : انزل فاجدح لنا فقال : يا رسول الله لو أمسيت ؟ قال : انزل فاجدح لنا ؟ قال : يا رسول الله إن عليك نهارا ؟ قال : انزل فاجدح لنا ؟ فنزل فجدح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم ، وأشار بأصبعه قبل المشرق } . وروينا عن أبي موسى : تأخير الفطر حتى تبدو الكواكب ولا نقول بهذا - لما ذكرنا - وتعجيل الفطر قبل الصلاة والأذان أفضل ، كذلك روينا عن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم .
760 - مسألة : ومن أسلم بعدما تبين الفجر له ، أو بلغ كذلك ، أو رأت الطهر [ من الحيض ] كذلك ، أو من النفاس كذلك ، أو أفاق من مرضه كذلك ، أو قدم من سفره كذلك - فإنهم يأكلون باقي نهارهم ويطئون من نسائهم من لم تبلغ ، أو من طهرت في يومها ذلك ، ويستأنفون الصوم من غد - ولا قضاء على من أسلم ، أو بلغ ؛ وتقضي الحائض ، والمفيق ، والقادم ، والنفساء . وقد اختلف الناس في بعض هذا - : فروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال في الحائض تطهر بعد طلوع الفجر : لا تأكل إلى الليل ، كراهة التشبه بالمشركين . وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وعبيد الله بن الحسن ، وعن عطاء - إن طهرت أول النهار فلتتم يومها ، وإن طهرت في آخره أكلت وشربت ؛ وبمثل قولنا يقول سفيان الثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأبو سليمان . وأما الكافر يسلم - : فروينا عن عطاء إن - أسلم الكافر في يوم من رمضان صام ما مضى من الشهر وإن أسلم في آخر النهار صام ذلك اليوم . وعن عكرمة مثل ذلك ، وقال : هو بمنزلة المسافر يدخل في صلاة المقيمين . وعن الحسن مثل ذلك . وقال أبو حنيفة في الصبي يبلغ بعد الفجر : أن عليه صوم ما بقي من يومه . وكذلك قال في المسافر يقدم بعد الفجر . قال أبو محمد : واحتج من أوجب صوم باقي اليوم بأن قال : قد كان الصبي قبل بلوغه مأمورا بالصيام فكيف بعد بلوغه . وقالوا : هلا جعلتم هؤلاء بمنزلة من بلغه الخبر أن الهلال رئي البارحة ؟ قلنا : هذا قياس ، والقياس كله باطل ، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا لأن الذي جاءه خبر الهلال كان مأمورا بصوم ذلك اليوم لو علم أنه من رمضان أو أنه فرضه . وكل من ذكرنا فهم عالمون بوجوب الصوم على غيرهم ، وبدخول رمضان ، إلا أن فيهم من هو منهي عن الصوم جملة ؛ ولو صام كان عاصيا : كالحائض ، والنفساء ، والمسافر ، والمريض الذي يؤذيه الصوم . وفيهم من هو غير مخاطب بالصوم ، ولو صامه لم يجزه - وهو الصبي - وإنما يصوم إن صام تطوعا لا فرضا . وفيهم من هو مخاطب بالصوم بشرط أن يقدم الإسلام قبله ، وهو الكافر . وفيهم من هو مفسوح له في الصوم إن قدر عليه وفي الفطر إن شاء - وهو المريض الذي [ لا ] يشق عليه الصوم ؛ فكلهم غير ملزم ابتداء صوم ذلك اليوم بحال بخلاف من جاءه الخبر برؤية الهلال ، والذي جاءه الخبر برؤية الهلال يجزئه صيام باقي يومه ولا قضاء عليه ويعصي إن أكل ، وإنما اتبعنا فيمن بلغه أن اليوم [ من ] رمضان الخبر الوارد في ذلك فقط . وأيضا : فإن من ذكرنا لا يختلف الحاضرون المخالفون لنا في أن التي طهرت من الحيض ، والنفاس ، والقادم من السفر ، والمفيق من المرض : لا يجزئهم صيام ذلك اليوم وعليهم قضاؤه . ولا يختلفون في أن الذي بلغ ، والذي أسلم إن أكلا فليس عليهما قضاؤه ، فصح أنهم في هذا اليوم غير صائمين أصلا ، وإذا كانوا غير صائمين فلا معنى لصيامهم ، ولا أن يؤمروا بصوم ليس صوما ، ولا هم مؤدون به فرضا لله تعالى ، ولا هم عاصون له بتركه - وبالله تعالى التوفيق . وأما من رأى القضاء في ذلك [ اليوم ] على من أسلم ؟ فقول لا دليل على صحته ، ولقد كان يلزم من رأى نية واحدة تجزئ للشهر كله في الصوم أن يقول بهذا القول ، وإلا فهم متناقضون . وروينا عن ابن مسعود أنه قال : من أكل أول النهار فليأكل آخره - وبالله تعالى التوفيق .
761 - مسألة : ومن تعمد الفطر في يوم من رمضان عاصيا لله تعالى لم يحل له أن يأكل في باقيه ولا أن يشرب ، ولا أن يجامع وهو عاص لله تعالى إن فعل - وهو مع ذلك غير صائم - بخلاف من ذكرنا قبل هذا ، لأن كل من ذكرنا قبل هذا إما منهي عن الصوم ، وإما مباح له ترك الصوم فهم في إفطارهم مطيعون لله تعالى غير عاصين له بذلك . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { لا صيام لمن لم يبيته من الليل } ولم يخرج من هذه الجملة إلا من جهل أنه يوم فرضه فقط بالنص الوارد فيهم ، فلم يجز أن يصوموا ، لأنهم لم ينووه من الليل ، ولم يكونوا عصاة بالفطر فهم مفطرون لا صائمون . وأما من تعمد الفطر عاصيا فهو مفترض عليه بلا خلاف ، صوم ذلك اليوم ، ومحرم عليه فيه كل ما يحرم على الصائم ولم يأت نص ، ولا إجماع بإباحة الفطر له إذا عصى بتعمد الفطر ، فهو باق على ما كان حراما عليه ، وهو متزيد من المعصية متى ما تزيد فطرا ، ولا صوم له مع ذلك . وروينا عن عمرو بن دينار نحو هذا ، وعن الحسن ، وعطاء : أن له أن يفطر .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
كتاب الزكاة
719 - مسألة : ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الإمام أو أميره - : فإن الإمام ، أو أميره : يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية : للمساكين سهم ، وللفقراء سهم ، وفي المكاتبين وفي عتق الرقاب سهم ، وفي سبيل الله تعالى سهم ، ولأبناء السبيل سهم ، وللعمال الذين يقبضونها سهم ، وللمؤلفة قلوبهم سهم . وأما من فرق زكاة ماله ففي ستة أسهم كما ذكرنا ، ويسقط : سهم العمال ، وسهم المؤلفة قلوبهم . ولا يجوز أن يعطي من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس ، إلا أن لا يجد ، فيعطي من وجد ؟ ولا يجوز أن يعطي بعض أهل السهام دون بعض ، إلا أن يجد ، فيعطي من وجد ؟ ولا يجوز أن يعطي منها كافرا ، ولا أحدا من بني هاشم ، والمطلب ابني عبد مناف ، ولا أحدا من مواليهم ؟ فإن أعطى من ليس من أهلها - عامدا أو جاهلا - لم يجزه ، ولا جاز للآخذ ، وعلى الآخذ أن يرد ما أخذ ، وعلى المعطي أن يوفي ذلك الذي أعطى في أهله ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } . وقال بعضهم : يجزئ أن يعطي المرء صدقته في صنف واحد منها ؟ واحتجوا بأنه لا يقدر على عموم جميع الفقراء وجميع المساكين . فصح أنها في البعض . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . ولقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . فصح أن ما عجز عنه المرء فهو ساقط عنه ، وبقي عليه ما استطاع ، لا بد له من إيفائه ؛ فسقط عموم كل فقير وكل مسكين ، وبقي ما قدر عليه من جميع الأصناف ، فإن عجز عن بعضها سقط عنه أيضا ؛ ومن الباطل أن يسقط ما يقدر عليه من أجل أنه سقط عنه ما لا يقدر عليه ؟ وذكروا حديث الذهيبة التي قسمها عليه الصلاة والسلام بين الأربعة ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا هذا الخبر ، وأنه لم تكن تلك الذهيبة من الصدقة أصلا ؛ لأنه ليس ذلك في الحديث أصلا ؛ ولا يمتنع أن يعطى عليه الصلاة والسلام المؤلفة قلوبهم من غير الصدقة ، بل قد أعطاهم من غنائم حنين . وذكروا حديث سليمان بن يسار { عن سلمة بن صخر أن رسول الله ﷺ أعطاه صدقة بني زريق } . قال أبو محمد : وهذا مرسل ، ولو صح لم يكن لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه : أن رسول الله ﷺ حرم سائر الأصناف من سائر الصدقات ؟ وادعى قوم : أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ، بل هم اليوم أكثر ما كانوا ، وإنما يسقطون هم والعاملون إذا تولى المرء قسمة صدقة نفسه ؛ لأنه ليس هنالك عاملون عليها ، وأمر المؤلفة إلى الإمام لا إلى غيره . قال أبو محمد : لا يختلفون في أن من أمر لقوم بمال - وسماهم - أنه لا يحل أن يخص به بعضهم دون بعض ، فمن المصيبة قول من قال : إن أمر الناس أوكد من أمر الله تعالى - : حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن الجهم ثنا محمد بن مسلمة ثنا يعقوب بن محمد ثنا رفاعة عن جده : { أن بعض الأمراء استعمل رافع بن خديج على صدقة الماشية ، فأتاه لا شيء معه فسأله ؟ فقال رافع إن عهدي برسول الله ﷺ حديث وإني جزيتها ثمانية أجزاء فقسمتها ، وكذلك كان رسول الله ﷺ يصنع } . وصح عن ابن عباس أنه قال في الزكاة : ضعوها مواضعها ؟ وعن إبراهيم النخعي ، والحسن مثل ذلك . وعن أبي وائل مثل ذلك ، وقال في نصيب المؤلفة قلوبهم رده على الآخرين . وعن سعيد بن جبير : ضعها حيث أمرك الله . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وقول ابن عمر ، ورافع ، كما أوردنا ، وروينا القول الثاني عن حذيفة ؛ وعطاء ، وغيرهما . وأما قولنا : لا يجزئ أقل من ثلاثة من كل صنف إلا أن لا يجد - : فلأن اسم الجمع : لا يقع إلا على ثلاثة فصاعدا ، ولا يقع على واحد ، وللتثنية بنية في اللغة ، تقول : مسكين للواحد ، ومسكينان للاثنين ، ومساكين للثلاثة ، فصاعدا ، وكذلك اسم الفقراء وسائر الأسماء المذكورة في الآية ؟ وهو قول الشافعي ، وغيره . وأما أن لا يعطي كافرا فلما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس { أن النبي ﷺ بعث معاذا إلى اليمن وقال له في حديث فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم } . فإنما جعلها عليه الصلاة والسلام لفقراء المسلمين فقط . وأما بنو هاشم ، وبنو المطلب فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب " أن رسول الله ﷺ قال له وللفضل بن عباس بن عبد المطلب { إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ القوم ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد } . قال أبو محمد : فاختلف الناس في : من هم آل محمد ؟ فقال قوم : هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقط ، لأنه لا عقب لهاشم من غير عبد المطلب ، واحتجوا بأنهم آل محمد بيقين ، لأنه لا عقب لعبد الله والد رسول الله ﷺ فلم يبق له عليه الصلاة والسلام أهل إلا ولد العباس ، وأبي طالب ، والحارث ؛ وأبي لهب : بني عبد المطلب فقط ؛ وقال آخرون : بل بنو عبد المطلب بن هاشم ، وبنو المطلب بن عبد مناف فقط ومواليهم . وقال أصبغ بن الفرج المالكي : آل محمد : جميع قريش ، وليس الموالي منهم . قال أبو محمد : فوجب النظر في ذلك - : فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة ثنا الحكم هو ابن عتيبة - عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه { أن رسول الله ﷺ استعمل رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فأراد أبو رافع أن يتبعه ، فقال رسول الله ﷺ إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن مولى القوم منهم } . فبطل قول من أخرج الموالي من حكمهم في تحريم الصدقة . ووجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني { جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله ﷺ فيما قسم من الخمس بين بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، فقلت : يا رسول الله ، قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة ؟ فقال رسول الله ﷺ إنما بنو هاشم ، وبنو المطلب شيء واحد } . فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم في شيء أصلا ؛ لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام ؛ فصح أنهم آل محمد ، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام ؛ فيخرج بنو عبد شمس ، وبنو نوفل ابني عبد مناف ، وسائر قريش عن هذين : البطنين - وبالله تعالى التوفيق . ولا يحل لهذين البطنين صدقة فرض ولا تطوع أصلا ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : { لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد } فسوى بين نفسه وبينهم ، وأما ما لا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم ، كالهبة ، والعطية ، والهدية ، والنحل ، والحبس ، والصلة ، والبر ، وغير ذلك ، لأنه لم يأت نص بتحريم شيء من ذلك عليهم وأما قولنا : لا تجزئ إن وضعت في يد من لا تجوز له - فلأن الله تعالى سماها لقوم خصهم بها ؛ فصار حقهم فيها ؛ فمن أعطى منها غيرهم فقد خالف ما أمر الله تعالى به . وقال رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فوجب على المعطي إيصال ما عليه إلى من هو له ، ووجب على الآخذ رد ما أخذ بغير حق . قال تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .
720 - مسألة : الفقراء هم الذين لا شيء لهم أصلا . والمساكين : هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم . برهان ذلك - : أنه ليس إلا موسر ، أو غني ، أو فقير ، أو مسكين ، في الأسماء . ومن له فضل عن قوته . ومن لا يحتاج إلى أحد وإن لم يفضل عنه شيء . ومن له ما لا يقوم بنفسه منه . ومن لا شيء له فهذه مراتب أربع معلومة بالحس . فالموسر بلا خلاف : هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة . والغني : هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء ؛ لأنه في غنى عن غيره . وكل موسر غني ، وليس كل غني موسرا - : فإن قيل : لم فرقتم بين المسكين ، والفقير ؟ قلنا : لأن الله تعالى فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما : إنهما شيء واحد ، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس ؛ فإذ ذلك كذلك فإن الله تعالى يقول : { وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } سماهم الله تعالى مساكين ولهم سفينة ؛ ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف . فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته . وبقي القسم الرابع : وهو من لا شيء له أصلا ؛ ولم يبق له من الأسماء إلا الفقير ، فوجب ضرورة أنه ذاك . وروينا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نصر بن علي أخبرنا عبد الأعلى ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : المسكين الذي لا يجد غنى ، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه } . قال أبو محمد : فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم له ، فهو يصبر وينطوي ، وهو محتاج ولا يسأل . وقال تعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلا ؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم . ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم . فإن قيل : قال الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } . قلنا : صدق الله تعالى : وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداء خلقين غسيلين لا يساويان درهما ، فمن رآه كذلك ظنه غنيا ، ولا يعد مالا ما لا بد منه مما يستر العورة ، إذا لم تكن له قيمة - وذكروا قول الشاعر : أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد وهذا حجة عليهم ؛ لأن من كانت حلوبته وفق عياله فهو غني ، وإنما صار فقيرا إذا لم يترك له سبد ، وهو قولنا ؟ والعاملون عليها : هم العمال الخارجون من عند الإمام الواجبة طاعته ، وهم المصدقون ، السعاة ؟ قال أبو محمد : وقد اتفقت الأمة على أنه ليس كل من قال : أنا عامل عاملا ، وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فكل من عمل من غير أن يوليه الإمام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها ؛ ولا يجزئ دفع الصدقة إليه ، وهي مظلمة ، إلا أن يكون يضعها مواضعها ، فتجزئ حينئذ ؛ لأنها قد وصلت إلى أهلها . وأما عامل الإمام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه ؛ وليس علينا ما يفعل فيها ؛ لأنه وكيل ، كوصي اليتيم ولا فرق ، وكوكيل الموكل سواء سواء . والمؤلفة قلوبهم : هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين فيتألفون بأن يعطوا من الصدقات ، ومن خمس الخمس والرقاب : هم المكاتبون ، والعتقاء ؛ فجائز أن يعطوا من الزكاة . وقال مالك : لا يعطى منها المكاتب . وقول غيره : يعطى منها ما يتم به كتابته . وقال أبو محمد : وهذان قولان لا دليل على صحتهما ؟ وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول أبو حنيفة ، والشافعي ؟ وجاز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي ، والمطلبي ؛ لأنه ليس منهما ، ولا مولى لهما ما لم يعتق كله ؟ وإن أعتق الإمام من الزكاة رقابا فولاؤها للمسلمين لأنه لم يعتقها من مال نفسه ولا من مال باق في ملك المعطي الزكاة . فإن أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له ؛ لأنه أعتق من ماله ، وعبد نفسه ؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام : { إنما الولاء لمن أعتق } وهو قول أبي ثور . وروينا عن ابن عباس : أعتق من زكاتك . فإن قيل : إنه إن مات رجع ميراثه إلى سيده . قلنا : نعم هذا حسن ، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن ، وهم يقولون فيمن تصدق من زكاته على قريب له ثم مات فوجب ميراثه للمعطي : إنه له حلال ، وإن كان فيه عين زكاته . والغارمون : هم الذين عليهم ديون لا تفي أموالهم بها ، أو من تحمل بحمالة وإن كان في ماله وفاء بها ؛ فأما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن النضر بن مساور ثنا حماد بن سلمة عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق قال : { تحملت بحمالة فأتيت النبي ﷺ أسأله فيها ؟ فقال : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش } وذكر الحديث . وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ - : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني } . وقد روي هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ، ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر ، وزيادة العدل لا يحل تركها ؟ فإن قيل : قد روي عن رسول الله ﷺ أن الحج من سبيل الله . وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج . قلنا : نعم ، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى ، إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات ، فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص ، وهو الذي ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق . وابن السبيل : هو من خرج في معصية فاحتاج ؟ وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو جعفر عن الأعمش عن حسان عن مجاهد عن ابن عباس : أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة ؟ وهذا مما خالف فيه الشافعيون ، والمالكيون ، والحنفيون : صاحبا ، لا يعرف منهم له مخالف .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والثمانون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والثمانون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 913 - 918) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 919)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
كتاب الحج
919 - مسألة : ومكة أفضل بلاد الله - تعالى - ، نعني الحرم وحده وما وقع عليه اسم عرفات فقط . وبعدها مدينة النبي عليه السلام نعني حرمها وحده . ثم بيت المقدس ، نعني المسجد وحده - هذا قول جمهور العلماء . وقال مالك : المدينة أفضل من مكة ، واحتج مقلدوه بأخبار ثابتة . منها : قوله عليه السلام : { إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة } . قال أبو محمد : هذا لا حجة لهم فيه ؛ لأنه لا دليل فيه على فضل المدينة على مكة أصلا ، وإنما فيه : أنه عليه السلام حرمها كما حرم إبراهيم مكة ودعا لها كما دعا إبراهيم لمكة فقط ، وهذا حق ، وقد دعا عليه السلام للمسلمين كلهم كما دعا لأبي بكر ، وعمر ، ولأصحابه رضي الله عنهم فهل في ذلك دليل على فضلنا عليهم أو على مساواتنا في الفضل ؟ هذا ما لا يقوله ذو عقل . وقد حرم عليه السلام : الدماء ، والأعراض ، والأموال ، وليس في ذلك دليل على فضل ؛ واحتجوا بخبر آخر صحيح : أنه عليه السلام كان يقول : { اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا ومدنا ، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنه دعا لمكة ، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه } . وبخبر صحيح فيه : { اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة } وهذا لا حجة فيه في فضل المدينة على مكة وإنما فيه الدعاء للمدينة بالبركة ، ونعم ، هي والله مباركة ، وإنما دعا إبراهيم لمكة بما أخبر به - تعالى - إذ يقول : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات } . ولا شك في أن الثمار بالمدينة أكثر مما بمكة . ولا شك في أن النبي عليه السلام لم يدع للمدينة بأن تهوي أفئدة الناس إليها أكثر من هويها إلى مكة ؛ لأن الحج إلى مكة لا إلى المدينة . فصح أن دعاءه عليه السلام للمدينة بمثل ما دعا به إبراهيم لمكة ومثله معه إنما هو في الرزق من الثمرات وليس هذا من باب الفضل في شيء . ومنها قوله عليه السلام : { المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها ، وإنما تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد } ولا حجة فيه في فضلها على مكة ؛ لأن هذا الخبر إنما هو في وقت دون وقت ، وفي قوم دون قوم ، وفي خاص لا في عام . برهان ذلك أنه عليه السلام لا يقول إلا الحق ، ومن أجاز على النبي عليه السلام الكذب فهو كافر ؛ وقال الله - تعالى - : { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } . وقال - تعالى - { : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } . فصح أن المنافقين أخبث الخلق بلا خلاف من أحد من المسلمين وكانوا بالمدينة ، وكذلك قد خرج : علي ، وطلحة ، والزبير ، وأبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ ، وابن مسعود ، عن المدينة ، وهم من أطيب الخلق رضي الله عنهم بلا خلاف من مسلم حاشا الخوارج في بغضهم . فصح يقينا لا يمتري فيه إلا مستخف بالنبي عليه السلام أنه عليه السلام لم يعن بالمدينة تنفي الخبث إلا في خاص من الناس ، وفي خاص من الزمان لا عام . وقد جاء كلامنا هذا نصا كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز يعني الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال في حديث { ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد } . ومن طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - نا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك " أن رسول الله عليه السلام قال : { ليس بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا المدينة ، ومكة ، على كل نقب من أنقاب المدينة الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل منافق وكافر } وهذا نفس قولنا وليس في هذا كله أنها أفضل من مكة لا بنص ، ولا بدليل . ومعنى قوله عليه السلام : { ما من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة } إنما هو سيطؤه أمره وبعوثه لا يمكن غير هذا ، وسكان المدينة اليوم أخبث الخبث ، وإنا لله وإنا إليه راجعون على مصيبتنا في ذلك ؛ فبطل تمويههم بهذا الخبر . ومنها : قوله عليه السلام : { يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون } وذكر مثل هذا حرفا حرفا في فتح الشام ، وفتح العراق . وقوله عليه السلام : { يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه : هلم إلى الرخاء ، هلم إلى الرخاء ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، والذي نفسي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه } . قال أبو محمد : إنما أخبر عليه السلام بأن المدينة خير لهم من اليمن ، والشام ، والعراق ، وبلاد الرخاء ، وهذا لا شك فيه ، وليس فيه فضلها على مكة ، ولا ذكر لمكة أصلا . وأما إخباره عليه السلام أيضا بأن المدينة خير من هذه البلاد لهم فإنما هو أيضا في خاص لا عام وهو من خرج عنها طلب رخاء ، أو لعرض دنيا ؛ وأما من خرج عنها لجهاد ، أو لحكم بالعدل ، أو لتعليم الناس دينهم فلا ، بل الذي خرجوا له أفضل من مقامهم بالمدينة . برهان ذلك خروجه عليه السلام عنها للجهاد وأمره الناس بالخروج معه والوعيد على من تخلف بالمدينة لغير عذر هذا ما لا شك فيه ، وكذلك بعثته عليه السلام أصحابه إلى اليمن ، والبحرين ، وعمان للدعاء إلى الإسلام ، وتعليم القرآن ، والسنن ، وهو عليه السلام يقول : { الدين النصيحة } فبلا شك أنه قد نصحهم في إخراجهم لذلك ، فصح قولنا : وبطل أن يكون لهم متعلق في هذا في دعواهم فضل المدينة على مكة . وأما قوله عليه السلام : { لا يخرج أحد منهم رغبة عنها } فهذا الحق وعلى من يرغب عن المدينة لعنة الله فما هو بمسلم ، وكذلك بلا شك من رغب عن مكة وليس في هذا فضل لها على مكة . ومنها : قوله عليه السلام : { أمرت بقرية تأكل القرى } وهذا إنما فيه : أن من المدينة تفتح الدنيا وليس في هذا فضل لها على مكة وقد فتحت خراسان ، وسجستان ، وفارس ، وكرمان ، من البصرة ، وليس ذلك دليلا على فضل البصرة على مكة . ومنها : قوله عليه السلام : { إن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها } وهذا ليس فيه فضلها على مكة وإنما هو خبر عن وقت دون وقت بلا شك . وبرهان ذلك أنه عليه السلام لا يقول إلا الحق وهو اليوم بخلاف ذلك فوا حزناه ووا أسفاه وما الإسلام ظاهرا إلا في غيرها ونسأل الله إعادتها إلى أفضل ما كانت عليه بعده عليه السلام . وقد جاء هذا الخبر بزيادة كما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا شبابة بن سوار نا عاصم هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها } ففي هذا أن الإيمان يأرز بين مسجد مكة ، ومسجد المدينة . ومنها : حديث أنس { أن رسول الله عليه السلام كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته من حبها } وهذا ليس فيه إلا أنه عليه السلام كان يحبها . ونعم هذا حق وليس فيه أنه كان يحبها أكثر من حبه مكة ، ولا أنها أفضل من مكة . ومنها : قوله عليه السلام : { لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء } . ومنها : قوله عليه السلام { : لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص ، أو ذوب الملح في الماء ، ومن أخاف أهل المدينة أخافه الله ، وعليه لعنة الله ، والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا } . وقوله عليه السلام مثل هذا فيمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا وهذا صحيح ، وإنما فيه الوعيد على من كاد أهلها ولا يحل كيد مسلم ، فليس فيه أنها أفضل من مكة . وقد قال - تعالى - عن مكة : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } فصح الوعيد على من ظلم بمكة كالوعيد على من كاد أهل المدينة . ومنها : قوله عليه السلام : { لا يثبت أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة } فإنما في هذا الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها على مكة . وقد صح أنه عليه السلام يشفع لجميع أمته . وقد قال عليه السلام : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " وهذا لا يكون إلا بمكة فهذا أفضل من الشفاعة التي يدخل فيها كل بر وفاجر من المسلمين . ومنها : قوله عليه السلام { : اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد } فليس في هذا دليل على فضلها على مكة وإنما دعا عليه السلام بهذا كما ترى في أحد الأمرين : إما أن يحببها إليهم كحبهم مكة ، وإما أشد من حبهم مكة ، والله أعلم أي الأمرين أجيب به دعاؤه عليه السلام ، وحب البلد يكون للموافقة والألفة وليس في هذا فضل على مكة . ومنها : قوله عليه السلام : { لقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد - يعني سقوطه - خير من الأنباط وما فيها } . وقوله عليه السلام : { بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي } وأرادوا أن يثبتوا من هذا أن مكة من الدنيا فموضع قاب قوس من تلك الروضة خير من مكة فليس هذا كما ظنوه ، ولو كان كذلك لكانت مصر ، والكوفة ، وراؤنا : خيرا من مكة ، والمدينة . وروينا عن مسلم نا محمد بن نمير نا محمد بن بشر نا عبيد الله هو ابن عمر - عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه السلام : { سيحان ، وجيحان ، والفرات ، والنيل ، كل من أنهار الجنة } وهذا ما لا يقوله مسلم : أن هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة ، خير من مكة ، والمدينة . قال أبو محمد : وهذان الحديثان ليس على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعة منقطعة من الجنة ، وأن هذه الأنهار مهبطة من الجنة ، هذا باطل وكذب ؛ لأن الله - تعالى - يقول في الجنة { إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } فهذه صفة الجنة بلا شك وليست هذه صفة الأنهار المذكورة ولا تلك الروضة ، ورسول الله عليه السلام لا يقول إلا الحق . فصح أن كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفظها ، وأن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة ، وأن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة ، كما تقول في اليوم الطيب : هذا من أيام الجنة ؛ وكما قيل في الضأن : إنها من دواب الجنة ، وكما قال عليه السلام : { إن الجنة تحت ظلال السيوف } فهذا في أرض الكفر بلا شك وليس في هذا فضل لها على مكة ، ثم لو صح ما ادعوه وظنوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم . فإن قالوا : ما قرب منها أفضل مما بعد . قلنا : يلزمكم على هذا أن الجحفة ، وخيبر ، ووادي القرى أفضل من مكة ؛ لأنها أقرب إلى تلك الروضة من مكة ، وهذا لا يقولونه ، ولا يقوله ذو عقل ، فبطل تظننهم ، ولله الحمد . وسبحان من جعل هؤلاء القوم يتأولون الأخبار الصحاح بلا برهان مثل { البيعان بالخيار حتى يتفرقا } ومثل { لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود } وغير ذلك ، ثم يأتون إلى الأخبار التي قد صح البرهان من القرآن ، ومن ضرورة الحس على أنها ليست على ظاهرها فيريدون حملها على ظاهرها ، إن هذا لعجب لا نظير له ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ، ولله الحمد . وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني نا موسى بن داود عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله عليه السلام قال : { الحجر الأسود من الجنة } فهذا بمكة فالذي بمكة من هذا كالذي للمدينة ، إذ في كل واحدة منهما شيء من الجنة . ومنها : قوله عليه السلام : { صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } . قال أبو محمد : تأولوا هم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بدون الألف ، وقلنا نحن : بل هذا الاستثناء ؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة . قال علي : فكلا التأويلين محتمل . نعم ، تأويل ثالث وهو إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في كليهما سواء ، ولا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات دون الآخر إلا بنص آخر ، وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان في فضل المدينة على مكة - وبالله - تعالى - التوفيق . ومنها : قوله عليه السلام : { على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال } وهذا ليس فيه فضلها على مكة ؛ لأنه عليه السلام قد أخبر أن مكة لا يدخلها الدجال أيضا ؛ والله - تعالى - يصرفه عنها كما يصرفه عن المدينة والملائكة تنزل على المصلين في كل بلد كما أخبر عليه السلام : " أنه يتعاقب فينا ملائكة بالليل والنهار " . ومنها : قوله عليه السلام { هي طيبة } ونعم ، هي والله طيبة ، وليس في هذا فضل لها على مكة أصلا . فهذا كل ما احتجوا به من الأخبار الصحاح ما لهم خبر صحيح سوى هذه ، وكلها لا حجة في شيء منها على فضل المدينة على مكة أصلا على ما بينا - والحمد لله رب العالمين . واحتجوا عمن دون رسول الله عليه السلام بالخبر الصحيح أن عمر قال لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : أنت القائل : لمكة خير من المدينة ؟ فقال له عبد الله : هي حرم الله وأمنه ، وفيها بيته ، فقال له عمر : لا أقول في حرم الله وأمنه شيئا ، أنت القائل : لمكة خير من المدينة ؟ فقال له عبد الله : هي حرم الله وأمنه ، وفيها بيته ؟ فقال له عمر : لا أقول في حرم الله وأمنه شيئا ؛ ثم انصرف . قال أبو محمد : هذا حجة عليهم لا لهم ؛ لأن عبد الله بن عياش لم ينكر لعمر أنه قال ما قرره عليه بل احتج لقوله ذلك بما لم يعترض فيه عمر ، فصح أن عبد الله بن عياش - وهو صاحب - كان يقول : مكة أفضل من المدينة وليس في هذا الخبر عن عمر : لا أن مكة أفضل ، ولا أن المدينة أفضل ؛ وإنما فيه تقريره لعبد الله على هذا القول فقط ، ونحن نوجدهم عن عمر تصريحا بأن مكة أفضل من المدينة . حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا سعيد بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا حامد بن يحيى البلخي نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد نا سليمان بن عتيق قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : " صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي عليه السلام " وهذا سند كالشمس في الصحة ، فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ، ومثل هذا حجة عندهم . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال : من نذر أن يعتكف في مسجد إيليا فاعتكف في مسجد النبي عليه السلام بالمدينة أجزأ عنه ، ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي عليه السلام فاعتكف في المسجد الحرام أجزأ عنه . فهذا سعيد فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة . قال أبو محمد : واحتجوا بأخبار موضوعة يجب التنبيه عليها والتحذير منها . منها : خبر رويناه { أن النبي عليه السلام قال في ميت رآه : دفن في التربة التي خلق منها } ، قالوا : والنبي عليه السلام دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق فهي أفضل البقاع . وهذا خبر موضوع ؛ لأن في أحد طريقيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ساقط بالجملة ، قال فيه يحيى بن معين : ليس بثقة وهو بالجملة متفق على اطراحه - ثم هو أيضا عن أنيس بن يحيى مرسل ولا يدرى من أنيس بن يحيى والطريق الأخرى من رواية أبي خالد وهو مجهول عن يحيى البكاء وهو ضعيف - ثم لو صح لما كانت فيه حجة ؛ لأنه إنما كان يكون الفضل لقبره عليه السلام فقط ، وإلا فقد دفن فيها المنافقون ، وقد دفن الأنبياء عليهم السلام من إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وهارون ، وسليمان ، وداود عليهم السلام ، وغيرهم بالشام ، ولا يقول مسلم : إنها أفضل من مكة . ومنها { افتتحت المدائن بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن } وهذا أيضا من رواية محمد بن الحسن بن زبالة المذكور بوضع الحديث ، وهذا من وضعه بلا شك ؛ لأنه رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي عليه السلام ، ومثل هذا الشارع العجيب لا يجوز أن يسلك إليه إلا مثل هذه المزبلة ، وهذا إسناد لا ينفرد بمثله إلا ابن زبالة دون سائر من روى عن مالك من الثقات - ثم لو صح لما كانت فيه حجة في فضلها على مكة ؛ لأن البحرين وأكثر مدائن اليمن كصنعاء والجند وغيرها لم تفتح بسيف إلا بالقرآن فقط وليس ذلك بموجب فضلها على مكة عند أحد من المسلمين . ومنها { ما على الأرض بقعة أحب إلي أن يكون قبري فيها منها } وهذا من رواية الكذاب محمد بن الحسن بن زبالة عن مالك عن يحيى بن سعيد مرسل - ثم لو صح لما كانت فيه حجة في فضلها على مكة ؛ لأن رسول الله عليه السلام كره للمهاجرين وهو سيدهم أن يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في الله - تعالى - حتى إنه عليه السلام رثا لسعد بن خولة أن مات بمكة ولم يجعل للمهاجرين بعد تمام نسكه أن يبقى بمكة إلا ثلاث ليال فقط ؛ فإذا خرجت مكة بهذه العلة عن أن يدفن فيها النبي عليه السلام فالمدينة أفضل البقاع بعدها بلا شك .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والخمسون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 813 - 814)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 815)
كتاب الحج
813 - مسألة : وأما المرأة التي لا زوج لها ولا ذا محرم يحج معها فإنها تحج ولا شيء عليها ؛ فإن كان لها زوج ففرض عليه أن يحج معها فإن لم يفعل فهو عاص لله تعالى وتحج هي دونه وليس له منعها من حج التطوع . وروينا عن إبراهيم ، وطاوس ، والشعبي ، والحسن : لا تحج المرأة إلا مع زوج أو محرم ، وهو قول الحسن بن حي . وروينا عن أبي حنيفة ، وسفيان : إن كانت من مكة على أقل من ليال ثلاث فلها أن تحج مع غير زوج ، وغير ذي محرم ، وإن كانت على ثلاث فصاعدا فليس لها أن تحج إلا مع زوج ، أو ذي محرم من رجالها . وروينا من طريق ابن عمر لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم . وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن حميد عن الحسن بن حي عن علي بن عبد الأعلى : أن عكرمة سئل عن المرأة تحج مع غير ذي محرم أو زوج ؟ فقال : { نهى رسول الله ﷺ أن تسافر المرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم } . وقالت طائفة : تحج في رفقة مأمونة وإن لم يكن لها زوج ولا كان معها ذو محرم - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن يونس هو ابن يزيد - عن الزهري قال : ذكر عند عائشة أم المؤمنين المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم ؟ قالت عائشة : ليس كل النساء تجد محرما . ومن طريق سعيد بن منصور نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن نافع مولى ابن عمر قال : كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات له ليس معهن محرم ، وهو قول ابن سيرين وعطاء ، وهو ظاهر قول الزهري ، وقتادة ، والحكم بن عتيبة - وهو قول الأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وجميع أصحابهم . قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة في التحديد الذي ذكر فلا نعلم له سلفا فيه من الصحابة . ولا من التابعين رضي الله عنهم ؛ بل ما نعلم أحدا قاله قبلهم ، وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ، ويقولون : إن المرسل كالمسند ، وقد صح عن ابن عمر ما ذكرنا ؛ وروي عن أم المؤمنين بأحسن مرسل يمكن وجود مثله ، ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد خالفهما أصحاب أبي حنيفة ، وهذا تناقض فاحش ؟ قال أبو محمد : ثم نظرنا فيما احتجت به كل طائفة لقولها فوجدنا أصحاب أبي حنيفة يحتجون لقولهم بالخبر عن رسول الله ﷺ : { لا تسافر امرأة ثلاثا إلا مع زوج أو ذي محرم } . وقالوا : قد روي أيضا " ليلتين " وروي " يوما وليلة " وروي " يوما " وروي " بريدا " قالوا : ونحن على يقين من تحريم سفرها ثلاثا وعلى شك من تحريم سفرها أقل من ذلك ؛ لأنه قد يكون ذكر الثلاث متقدما ويكون متأخرا فالثلاث على كل حال محرم عليها سفرها إلا مع زوج أو ذي محرم فنأخذ ما لا شك فيه وندع ما فيه الشك لا حجة لهم غير هذا أصلا . قال علي : وهذا عليهم لا لهم لوجهين - : أحدهما : أنه ليس صواب العمل ما ذكروا ؛ لأنه إن كان خبر الثلاث متقدما أو متأخرا فليس فيه إن تقدم إبطال لحكم النهي عن سفرها أقل من ثلاث لكنه بعض ما في سائر الروايات ، وسائر الروايات زائدة عليه ، وليس هذا مكان نسخ أصلا ؛ بل كل تلك الأخبار حق وكلها يجب استعمالها وليس بعضها مخالفا لبعض أصلا . ويقال لهم : خبر ابن عباس عن النبي ﷺ : { لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم } جامع لكل سفر فنحن على يقين من تحريم كل سفر عليها إلا مع زوج أو ذي محرم ، ثم لا ندري أبطل هذا الحكم أم لا ؟ فنأخذ باليقين ونلغي الشك ؛ فهذا معارض لاحتجاجهم مع ما قدمنا . ويقال لهم : عهدنا بكم تذمون الأخبار بالاضطراب ، وهذا خبر رواه أبو سعيد ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، فلم يضطرب عن ابن عباس أصلا واضطرب عن سائرهم - : فروي عن ابن عمر : { لا تسافر ثلاثا } ؛ وروي عنه : { لا تسافر فوق ثلاث } ؛ وروي عن أبي سعيد : { لا تسافر فوق ثلاث } ؛ وروي عنه { لا تسافر يومين } ؛ وروي عن أبي هريرة : { لا تسافر ثلاثا } ؛ وروي عنه : { لا تسافر فوق ثلاث } ؛ وروي عنه : { لا تسافر يوما وليلة } ؛ وروي عنه : { لا تسافر يوما } ؛ وروي عنه : { لا تسافر بريدا } ؛ فعلى أصلكم دعوا رواية من اختلف عليه واضطرب عنه إذ ليس بعض ما روي عن كل واحد أولى من سائر ما روي عنه ؛ وخذوا برواية من لم يختلف عليه ولا اضطرب عنه ؛ وهو ابن عباس ؛ فهذا أشبه من استدلالكم . والوجه الثاني : أنه قد روي عن ابن عمر ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، كما ذكرنا لا تسافر المرأة فوق ثلاث ؛ فإن صححتم استدلالكم الفاسد بأخذ أكثر مما ذكر في تلك الأخبار فامنعوها مما زاد على مسيرة ثلاث ؛ لأنه اليقين وأبيحوا لها سفر الثلاث ؛ لأنه مشكوك فيه كما سفر اليومين ، واليوم ، والبريد مشكوك فيه عندكم ؛ وهذا ما لا مخلص لهم منه ؛ فإن ادعوا إجماعا هاهنا - فما هذا ينكر من إقدامهم ، وأكذبهم ما روينا من طريق الحذافي - عن عبد الرزاق - نا عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر قال : لا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم ؛ ولا سيما وابن عمر هو راوي الحديث الذي تعلقوا به . وأكذبهم أيضا ما روينا عن عكرمة آنفا من منعه إياها ما زاد على الثلاث لا ما دون ذلك . والعجب أنهم يقولون في امرأة لا تجد معاشا أصلا إلا على ثلاث فصاعدا ؛ أنها تخرج بلا زوج ولا ذي محرم . ويقولون فيمن حفزتها فتنة - وخشيت على ، نفسها غلبة الكفار ، والمحاربين ، أو الفساق ولم تجد أمنا إلا على ثلاث فصاعدا - أنها تخرج مع غير زوج ومع غير ذي محرم ، وطاعة الله تعالى في الحج واجبة عليها كوجوب خلاص روحها . فإن قالوا : الزوج والمحرم من السبيل ؟ قلنا : عليكم الدليل وإلا فهي دعوى فاسدة لم يعجز عن مثلها أحد ، فسقط هذا القول الفاسد جملة - وبالله تعالى التوفيق . ثم نظرنا في قول عكرمة واحتجاجه بالخبر الذي فيه ما زاد على الثلاث فوجدناه لا حجة له فيه لما ذكرنا من أن سائر الأخبار وردت بالمنع ، مما دون الثلاث ؛ فليس الخبر الذي فيه نهيها عن أن تسافر ثلاثا أو أكثر من ثلاث بأولى من سائر الأخبار التي فيها منعها من سفر أقل من ثلاث ؟ قال أبو محمد : فبطل هذا القول أيضا ولم يبق إلا قولنا ، أو قول النخعي ، والشعبي ، وطاوس ، والحسن في منعها جملة أو إطلاقها جملة ؛ فوجدنا المانعين يحتجون بالأخبار التي ذكرنا ، وهي أخبار صحاح لا يحل خلافها إلا لنص آخر يبين حكمها إن وجد . فنظرنا فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبي ، وابن إدريس قالا : نا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ : { ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله } . وبه إلى ابن نمير نا أبي نا حنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي - قال : سمعت سالما هو ابن عبد الله بن عمر يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن } فأمر ﷺ الأزواج وغيرهم أن لا يمنعوا النساء من المساجد ؛ والمسجد الحرام أجل المساجد قدرا . ووجدنا الله تعالى يقول : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ثم وجدنا الأسفار تنقسم قسمين سفرا واجبا ، وسفرا غير واجب ؛ فكان السفر الواجب بعض الأسفار بلا شك ، وكان الحج من السفر الواجب ؛ فلم يجز أخذ بعض الآثار دون بعض ووجبت الطاعة لجميعها ولزم استعمالها كلها ولا بد : فهذا هو الفرض ، وكان من رفض بعضها وأخذ بعضها عاصيا لله تعالى ، ولا سبيل إلى استعمال جميعها إلا بأن يستثنى الأخص منها من الأعم ، ولا بد ؛ فكان نهي المرأة عن السفر إلا مع زوج ، أو ذي محرم عاما لكل سفر ؛ فوجب استثناء ما جاء به النص من إيجاب بعض الأسفار عليها من جملة النهي ، والحج سفر واجب فوجب استثناؤه من جملة النهي . فإن قالوا : بل إيجاب الحج على النساء عموم فيخص ذلك بحديث النهي عن السفر إلا مع زوج أو ذي محرم ؟ قلنا : هذا خطأ ؛ لأن تلك الأخبار إنما جاءت بالنهي عن كل سفر جملة لا عن الحج خاصة ، وإنما كان يمكن أن يعارضوا بهذا أن لو جاءت في النهي عن أن تحج المرأة إلا مع زوج ، أو ذي محرم ؛ فكان يكون حينئذ اعتراضا صحيحا وتخصيصا لأقل الحكمين من أعمهما وهذا بين جدا ؟ وبرهان آخر - : وهو أن تلك الأخبار كلها إنما خوطب بها ذوات الأزواج ، واللاتي لهن المحارم ؛ لأن فيها إباحة الحج أو إيجابه مع الزوج ، أو ذي المحرم بلا شك ؛ ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن أصلا أن يخاطب النبي ﷺ بالحج مع زوج أو ذي محرم من لا زوج لها ولا ذا محرم ، فبقي من لا زوج لها ولا محرم على وجوب الحج عليها وعلى خروجها عن ذلك النهي . وبرهان آخر - : وهو ما حدثناه حمام قال : نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد أخبرنا عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا ابن جريج ، وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله ﷺ يخطب يقول : { لا يخلون رجل بامرأة ، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : انطلق فاحجج مع امرأتك } فكان هذا الحديث رافعا للإشكال ومبينا لما اختلفنا فيه من هذه المسألة ، لأن نهيه ﷺ عن أن تسافر امرأة إلا مع ذي محرم وقع ثم سأله الرجل عن امرأته التي خرجت حاجة لا مع ذي محرم ، ولا مع زوج فأمره ﷺ بأن ينطلق فيحج معها ولم يأمر بردها ولا عاب سفرها إلى الحج دونه ودون ذي محرم ، وفي أمره ﷺ بأن ينطلق فيحج معها بيان صحيح ونص صريح على أنها كانت ممكنا إدراكها بلا شك فأقر ﷺ سفرها كما خرجت فيه ، وأثبته ولم ينكره ؛ فصار الفرض على الزوج ؛ فإن حج معها فقد أدى ما عليه من صحبتها وإن لم يفعل فهو عاص لله تعالى وعليها التمادي في حجها والخروج إليه دونه أو معه أو دون ذي محرم أو معه كما أقرها عليه رسول الله ﷺ ولم ينكره عليها ، فارتفع الشغب جملة - ولله الحمد كثيرا . فإن قال قائل : فأين أنتم عما رويتموه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ؟ قال : أخبرني عكرمة ، أو أبو معبد عن ابن عباس قال { جاء رجل إلى المدينة فقال له رسول الله ﷺ : أين نزلت ؟ قال : على فلانة ، قال : أغلقت عليها بابك - مرتين - لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم } قال عبد الرزاق : وأما ابن عيينة فأخبرناه عن عمرو عن عكرمة ليس فيه شك ؟ قلنا : هذا خبر لم يحفظه ابن جريح لأنه شك فيه أحدثه به عمرو عن عكرمة مرسلا ؟ أم حدثه به عمرو عن أبي معبد مسندا ؟ فلم يثبته أصلا ؛ فبطل التعلق به وإنما صوابه كما رواه عبد الرزاق عن سفيان ، وابن جريج عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس كما أوردناه آنفا ليس فيه هذه اللفظة . وهكذا رويناه أيضا من طريق حماد بن زيد كما حدثنا به أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن أبي معبد { عن ابن عباس : أنه سمع رسول الله ﷺ - وهو يخطب - يقول لا تسافرن امرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخلن عليها رجل إلا ومعها محرم ؛ فقال رجل : يا رسول الله إن نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج ؟ قال : فاخرج معها } فلم يقل ﷺ : لا تخرج إلى الحج إلا معك ؛ ولا نهاها عن الحج أصلا ، بل ألزم الزوج ترك نذره في الجهاد وألزمه الحج معها ؛ فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها . وأما حديث عكرمة فمرسل كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق البصري نا عيسى بن خبيب قاضي أشونة قال : نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال : { قدم رجل من سفر فقال له رسول الله ﷺ قد نزلت على فلانة فأغلقت عليها بابك - مرتين } . فهذا هو - حديث عمرو بن دينار عن عكرمة اختلط على ابن جريج فلم يدر أحدثه به عمرو بن دينار عن عكرمة أم حدثه به عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس وأدخل فيه ذكر الحج بالشك ؛ ولا تثبت الحجة بخبر مشكوك في إسناده أو في إرساله - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا : إن له منعها من حج التطوع فلأن طاعته فرض عليها فيما لا معصية لله تعالى فيه ، وليس في ترك الحج التطوع معصية ؟
814 - مسألة : فإن أحرمت من الميقات أو من مكان يجوز الإحرام منه بغير إذن زوجها ، وأحرم العبد بغير إذن سيده ؛ فإن كان حج تطوع - كل ذلك - فله منعهما وإحلالهما لما ذكرنا وإن كان حج الفرض نظر فإن كان لا غنى به عنها أو عنه - لمرض أو لضيعته دونه أو دونها أو ضيعة ماله - فله إحلالهما لما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه } وإن كان لا حاجة به إليهما لم يكن له منعهما أصلا فإن منعهما فهو عاص لله عز وجل وهما في حكم المحصر ؛ وكذلك القول في الابن والابنة مع الأب والأم ولا فرق ؛ وطاعة الله تعالى في الحج متقدمة لطاعة الأبوين والزوج ؛ قال رسول الله ﷺ : { إنما الطاعة في الطاعة } . وقال ﷺ : { فإذا أمرت بمعصية فلا سمع ولا طاعة } وترك الحج معصية ، ولا فرق بين طاعة الأبوين والزوج في ترك الحج وبين طاعتهم في ترك الصلاة أو في ترك الزكاة أو في ترك صيام شهر رمضان . فإن قيل : الحج في تأخيره فسحة ؟ قلنا : إلى متى ؟ أفرأيت إن لم يبيحوا الحج للأولاد أو الزوجة أبدا ؟ فإن حدوا في ذلك سنة أو سنتين أو أكثر كانوا متحكمين في الدين بالباطل وشارعين ما لم يأذن به الله تعالى ولا يقول أحد بطاعتهم في ترك الحج أبدا جملة - وبالله تعالى التوفيق . وروينا عن قتادة والحكم بن عتيبة في امرأة أحرمت بغير إذن زوجها ، أنها محرمة ؟ قال الحكم : حتى تطوف بالبيت .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والسبعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 862 - 872) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 873 - 875)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 876 - 877)
كتاب الحج
873 - مسألة : وأما الإحصار فإن كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته ، قارنا كان ، أو متمتعا ، من عدو ، أو مرض ، أو كسر ، أو خطأ طريق ، أو خطأ في رؤية الهلال ، أو سجن ، أو أي شيء كان : فهو محصر . فإن كان اشترط عند إحرامه كما قدمنا أن محله حيث حبسه الله عز وجل فليحل من إحرامه ولا شيء عليه ، سواء شرع في عمل الحج ، أو العمرة ، أو لم يشرع بعد ، قريبا كان أو بعيدا ، مضى له أكثر فرضهما أو أقله ، كل ذلك سواء ولا هدي في ذلك ولا غيره ، ولا قضاء عليه في شيء من ذلك إلا أن يكون لم يحج قط ولا اعتمر ، فعليه أن يحج ويعتمر ولا بد . فإن كان لم يشترط كما ذكرنا فإنه يحل أيضا كما ذكرنا سواء سواء ولا فرق ، وعليه هدي ولا بد ، كما قلنا في هدي المتعة سواء سواء إلا أنه لا يعوض من هذا الهدي صوم ولا غيره ، فمن لم يجده فهو عليه دين حتى يجده ، ولا قضاء عليه إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر ، فعليه أن يحج ويعتمر . واختلف الصحابة ومن بعدهم في الإحصار - : فروينا من طريق وكيع : نا سفيان الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ، قال : لا إحصار إلا من عدو . ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا عيسى بن يونس نا زكريا هو ابن أبي زائدة - عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب ، قال : { لما أحصر النبي ﷺ عند البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيبقى بها ثلاثا ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح السيف وقرابه ، ولا يخرج بأحد معه من أهلها ، ولا يمنع أحدا يمكث بها ممن كان معه } فسمى البراء منع العدو : إحصارا . وروينا عن إبراهيم النخعي : الإحصار من الخوف والمرض ، والكسر ؛ ومن طريق ابن جريج عن عطاء قال : الإحصار من كل شيء يحبسه . وأما الحصر - : فروينا عن مجاهد عن ابن مسعود أنه قال : الحصر ، والمرض ، والكسر ، وشبهه . ومن طريق ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : لا حصر إلا من حبسه عدو . وعن طاوس قال : لا حصر الآن ، قد ذهب الحصر . وعن علقمة : الحصر الخوف والمرض . وعن هشام بن عروة عن أبيه قال : الحصر ما حبسه من حابس من وجع ، أو خوف ، أو ابتغاء ضالة . وعن معمر عن الزهري قال : الحصر ما منعه من وجع ، أو عدو حتى يفوته الحج . وفرق قوم بين الإحصار ، والحصر - : فروينا عن الكسائي قال : ما كان من المرض فإنه يقال فيه : أحصر ، فهو محصر ، وما كان من حبس قيل : حصر . وقال أبو عبيد : قال أبو عبيدة : ما كان من مرض ، أو ذهاب نفقة ، قيل فيه : أحصر ، فهو محصر ؛ وما كان من حبس قيل : حصر - وبه يقول أبو عبيد . قال أبو محمد : هذا لا معنى له ، قول الله تعالى هو الحجة في اللغة والشريعة قال تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وإنما نزلت هذه الآية في أمر الحديبية إذ منع الكفار رسول الله ﷺ من إتمام عمرته ، وسمى الله تعالى منع العدو إحصارا . وكذلك قال البراء بن عازب ، وابن عمر ، وإبراهيم النخعي - وهم في اللغة فوق أبي عبيدة ، وأبي عبيد ، والكسائي . وقال تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } . فهذا هو منع العدو بلا شك ؛ لأن المهاجرين إنما منعهم من الضرب في الأرض الكفار بلا شك ؛ وبين ذلك تعالى بقوله { في سبيل الله } . فصح أن الإحصار ، والحصر بمعنى واحد ، وأنهما اسمان يقعان على كل مانع من عدو ، أو مرض ، أو غير ذلك ، أي شيء كان ثم اختلفوا في حكم المحصر الممنوع من إتمام حجه ، أو عمرته . فروينا عن ابن مسعود : أنه أفتى في محرم بحج مرض فلم يقدر على النهوض : أنه يبعث بهدي ، فإذا بلغ محله حل ؛ فإن اعتمر من وجهه ذلك إذا برأ ، ثم حج من قابل فليس عليه هدي ، فإن لم يزر البيت حتى يحج ويجعلهما سفرا واحدا فعليه هدي آخر : سفران وهدي أو هديان وسفر - وهذا عنه منقطع لا يصح . وصح عنه : أنه أفتى في محرم بعمرة لدغ فلم يقدر على النفوذ : أنه يبعث بهدي ويواعد أصحابه ، فإذا بلغ الهدي أحل . وصح عنه أيضا : أنه أفتى في مريض محرم لا يقدر على النفوذ : بأن ينحر عنه بدنة ؛ ثم ليهل عاما قابلا بمثل إهلاله الذي أهل به . وصح عن ابن عباس ، وابن عمر في محرم بعمرة مرض بوقعة من راحلته ، قالا جميعا : ليس لها وقت كوقت الحج ، يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت - وعن ابن الزبير مثل هذا أيضا . وروينا عن ابن عباس فيمن أحصر : يبعث بهديه فإذا نحر فقد حل من كل شيء . وروينا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قيل له : لا يضرك أن لا تحج العام فإنا نخشى أن يكون بين الناس قتال يحال بينك وبين البيت وذلك حين نزل الحجاج بابن الزبير فقال ابن عمر : إن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله ﷺ وأنا معه حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت : أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ؛ ثم قال : ما أمرهما إلا واحد إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج : أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي . قال أبو محمد : ولم يختلف اثنان في أن رسول الله ﷺ إذ حال كفار قريش بينه وبين العمرة - وكان مهلا بعمرة هو وأصحابه رضي الله عنهم - نحر وحل وانصرف من الحديبية . ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يعقوب بن خالد بن المسيب المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر ، " أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر فخرج معه من المدينة فمروا على الحسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الفوات خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ، وأن حسينا أشار إلى رأسه فأمر علي برأسه فحلق ، ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا " . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري عن يعقوب بن خالد عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر قال : إن الحسين بن علي خرج معتمرا مع عثمان بن عفان فلما كان بالعرج مرض ، فلما أتى السقيا برسم فكان أول إفاقته أن أشار إلى رأسه فحلق على رأسه ونحر عنه بها جزورا . قال أبو محمد : إنما أتينا بهذا الخبر لما فيه من أنه كان معتمرا فهذا علي ، والحسين ، وأسماء رأوا أن يحل من عمرته ويهدي في موضعه الذي كان فيه ، وهو قولنا . وعن علقمة في المحصر قال : يبعث بهديه فإذا ذبح حل . وروينا عن علقمة أيضا : لا يحله إلا الطواف بالبيت . وروينا عنه أيضا إن حل قبل نحر هديه فعليه دم . وروينا عن إبراهيم ، وعطاء ، والحسن ، والشعبي : لا يحله إلا الطواف بالبيت . وروينا عنهم أيضا : حاشا الشعبي : إن حل دون البيت فعليه هدي آخر سوى الذي لزمه أن يبعث به ، ولا يحل إلا في اليوم الذي واعدهم لبلوغه مكة ونحره . وروينا عن إبراهيم أيضا في القارن يحصر قال : عليه هديان . وروينا عنه أيضا : وعن سعيد بن جبير في القارن يحصر قالا جميعا : عليه عمرتان وحجة - وعن عطاء ، وطاوس ليس على القارن إلا هدي واحد . وعن الشعبي أيضا : إن أحل المحصر قبل نحر هديه فعليه فدية الأذى - إطعام ستة مساكين ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو شاة . وعن مجاهد في القارن يحصر ؟ قال : يبعث بهدي يحل به ، ثم يهل من قابل بما كان أهل به . وعن حماد بن أبي سليمان في القارن يحصر : أنه يبعث بالهدي فإذا بلغ محله حل وعليه عمرة وحجة - قال الحكم بن عتيبة : عليه حجة وثلاث عمر . وعن عروة بن الزبير في المحصر إذا رجع لا يحل منه إلا رأسه - وعن الزهري من أحصر بالحرب نحر حيث حبس وحل من النساء ومن كل شيء . وعن القاسم بن محمد ، وسالم ، وابن سيرين : يبعث هديه فإذا نحر فقد حل من كل شيء - وعن مجاهد أيضا إذا حل المحصر قبل نحر هديه فعليه هدي آخر . وقال أبو حنيفة فيمن أهل بالحج فأحصر : عليه أن يبعث بثمن هدي فيشترى له بمكة فيذبح عنه يوم النحر ، ويحل ، وعليه عمرة وحجة ، فإن لم يجد هديا أقام محرما حتى يجد هديا وله أن يواعدهم بنحره قبل يوم النحر قال : والمعتمر ينحر هديه متى شاء ، والإحصار عنده بالعدو ، والمرض ، وبكل مانع سواهما سواء سواء ، فإن تمادى مرضه إلى يوم النحر فكما قلنا - وإن هو أفاق قبل وقت الحج لم يجزه ذلك وهو محرم بالحج كما كان ؛ فإن كان معتمرا فأفاق فإن قدر على إدراك الهدي الذي بعث مضى وقضى عمرته ، فإن لم يقدر على ذلك حل إذا نحر عنه الهدي . وقال مالك : إن أحصر بعدو فإنه ينحر هديه حيث حبس ويحل ولا قضاء عليه ، إلا أن يكون لم يحج قط حجة الإسلام فعليه أن يحج ، فإن لم يهد فلا شيء عليه ، لا يلزمه الهدي إلا أن يكون حاضرا معه قد ساقه مع نفسه ، فإن أحصر بغير عدو لكن بحبس ، أو مرض ، أو غير ذلك ، فإنه لا يحل إلا بالطواف بالبيت ، ولو بقي كذلك إلى عام آخر . وقال الشافعي : إذا أحصر بعدو ، أو بسجن فإنه يهدي ويحل حيث كان من حل ، أو حرم ولا قضاء عليه إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج ويعتمر ؛ فإن لم يقدر على هدي ففيها قولان - أحدهما : لا يحل إلا حتى يهدي ؛ والآخر يحل ، والهدي دين عليه - وقد قيل : عليه إطعام ، أو صيام - إن لم يقدر على الهدي - فإن أحصر بغير عدو أو حبس لم يحله إلا الطواف بالبيت ، فإن لم يفق حتى فاته الحج طاف ، وسعى ، وحل ، وعليه الهدي . قال أبو محمد : أما التفريق بين المحصر بعدو ، وبغير عدو ففاسد على ما قدمنا قبل وأما إسقاط الهدي عن المحصر بعدو ، أو غيره فخلاف للقرآن ؛ لأن الله تعالى يقول : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وأما إيجاب القضاء فخطأ ؛ لأنه لم يأت بذلك نص . فإن قيل : إن رسول الله ﷺ قد اعتمر بعد عام الحديبية ؟ قلنا : نعم ، ونحن لم نمنع من القضاء عاما آخر لمن أحب ، وإنما نمنع من إيجابه فرضا ؛ لأن الله تعالى لم يأمر بذلك ، ولا رسوله ﷺ . وقد صح أن الله تعالى لم يوجب على المسلم إلا حجة واحدة وعمرة في الدهر ، فلا يجوز إيجاب أخرى ، إلا بقرآن ، أو سنة صحيحة توجب ذلك فيوقف عند ذلك . وأما القول ببقاء المحصر بمرض على إحرامه حتى يطوف بالبيت ، فقول لا برهان على صحته ، ولا أوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع بل هو خلاف القرآن كما أوردنا - والصحابة قد اختلفوا في ذلك في العمرة خاصة ولم يرو عن أحد منهم أنه أفتى بذلك في الحج أصلا . فإن قيل : فإن الله تعالى يقول : { ثم محلها إلى البيت العتيق } ؟ قلنا نعم ، ولم يقل تعالى : إن المحصر لا يحل إلا بالطواف . والذي قال { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق } هو الذي قال { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . وهو الذي أمر رسوله ﷺ أن يحل ويرجع قبل أن يطوف بالبيت في عمرته التي صد فيها عن البيت ، ولا يحل ضرب أوامره بعضها ببعض ؟ وأما القول : ببعثه هديا يحل به ، فقول لا يؤيده قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، والصحابة قد اختلفوا في ذلك كما أوردنا . فإن قيل : فإن الله تعالى يقول : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } . قلنا : نعم ، وليس هذا في المحصر وحده ، بل هو حكم كل من ساق هديا في حج أو عمرة على عموم الآية - : فالحاج ، والقارن إذا كان يوم النحر فقد بلغ الهدي محله من الزمان والمكان بمكة أو بمنى ، فله أن يحلق رأسه . والمعتمر إذا أتم طوافه وسعيه فقد بلغ هديه محله من الزمان والمكان بمكة فله أن يحلق رأسه . والمحصر إذا صد فقد بلغ هديه محله فله أن يحلق رأسه إن كان مع هؤلاء هدي ، ولم يقل الله عز وجل قط : إن المحصر لا يحل حتى يبلغ هديه مكة ، بل هو الكذب على الله تعالى ممن نسبه إليه عز وجل ؛ فظهر خطأ هذه الأقاويل . وأما قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، في الإحصار ، فلا يحفظ قول منها - بتمامه وتقسيمه - عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أصلا . قال أبو محمد : فوجب الرجوع عند التنازع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه إذ يقول عز وجل : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . فوجدنا حكم الإحصار يرجع - : إلى قول الله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } فكان في هذه الآية عموم إيجاب الهدي على كل من أحصر بأي وجه أحصر . وإلى { فعل رسول الله ﷺ إذ صده المشركون عن البيت فنحر وحلق هو وأصحابه وحلوا بالحديبية } . وإلى { أمره عليه السلام من حج أن يقول : اللهم إن محلي حيث حبستني } وقد ذكرناه قبل . وإلى ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا حميد بن مسعدة البصري نا سفيان هو ابن حبيب عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال " سمعت رسول الله ﷺ يقول : { من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى } فسألت ابن عباس ، وأبا هريرة ؟ فقالا : صدق " . فهذه النصوص تنتظم كل ما قلنا - والحمد لله رب العالمين . فإن قيل : ففي هذا الخبر أن عليه حجة أخرى ، وليس فيه ذكر هدي ؟ قلنا : إن القرآن جاء بإيجاب الهدي ، فهو زائد على ما في هذا الخبر ، وليس في هذا الخبر ذكر لإسقاط الهدي ولا لإيجابه ، فوجب إضافة ما زاده القرآن إليه ، وقد قدمنا أن النبي ﷺ أخبر بأن اللازم للناس حجة واحدة فكان هذا الخبر محمولا على من لم يحج قط ، وبهذا تتألف الأخبار . فإن قيل : إن ابن عباس قد روي عنه خلاف ما روي من هذا ؟ قلنا : الحجة إنما هي فيما روى لا في رأيه وقد ينسى ، أو يتأول ؛ وأيضا فإن التوهين بما روى لما روي عنه مما يخالف ما روى - أولى من توهين ما روى بما روي عنه من خلافه لما روى ، لأن الطاعة علينا إنما هي لما روى لا لما رأى برأيه . وأيضا فلو صح عن ابن عباس خلاف ما روي لكان الحجاج ، وأبو هريرة ، قد روياه ولم يخالفاه . وقال أبو حنيفة : لا ينحر هدي الإحصار إلا في الحرم ، واحتج بأن ناجية بن كعب نهض بالهدي يوم الحديبية في شعاب وأودية حتى نحره في الحرم . قال أبو محمد : لو صح هذا لما كانت فيه حجة ؛ لأنه لم يأمر بذلك عليه السلام ولا أوجبه ، وإنما كان يكون عملا عمله ، وإنما الطاعة لأمره عليه السلام . وروينا خبرا فيه : أنه عليه السلام أمر أصحابه بالبدن للهدي - وهذا لا يصح ، لأن راويه أبو حاضر الأزدي وهو مجهول ، وبالله تعالى التوفيق .
874 - مسألة : ومن احتاج إلى حلق رأسه - وهو محرم لمرض ، أو صداع ، أو لقمل ، أو لجرح به ، أو نحو ذلك مما يؤذيه - فليحلقه ، وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير في أيها شاء لا بد له من أحدها . إما أن يصوم ثلاثة أيام ، وإما أن يطعم ستة مساكين متغايرين لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولا بد ، وإما أن يهدي شاة يتصدق بها على المساكين ، أو يصوم ، أو يطعم ، أو ينسك الشاة في المكان الذي حلق فيه أو في غيره . فإن حلق رأسه لغير ضرورة ، أو حلق بعض رأسه دون بعض عامدا عالما أن ذلك لا يجوز بطل حجه ، فلو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقا بعض رأسه فلا شيء عليه ، لا إثم ولا كفارة بأي وجه قطعه ، أو نزعه . برهان ذلك - : قول الله عز وجل { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فكان في هذه الآية التخيير في أي هذه الثلاثة الأعمال أحب ، وليس فيها بيان كم يصوم ؟ ولا بكم يتصدق ؟ ولا بماذا ينسك ؟ وفي الآية أيضا حذف بينه الإجماع ، والسنة وهو : فحلق رأسه . وروينا من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة في هذا الخبر { أن رسول الله ﷺ قال له : إن شئت فانسك نسيكة ، وإن شئت فصم ثلاثة أيام ، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين } . وروينا من طريق مسلم حدثني يحيى بن يحيى نا خالد بن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة { أن رسول الله ﷺ مر به زمن الحديبية فقال له : آذاك هوام رأسك ؟ قال : نعم ، فقال له النبي ﷺ احلق ، ثم اذبح شاة نسكا ، أو صم ثلاثة أيام ، أو اطعم ثلاثة آصع من تمر : على ستة مساكين } . قال أبو محمد : هذا أكمل الأحاديث وأبينها ، وقد جاء هذا الخبر من طرق - : في بعضها { أو نسك ما تيسر } . وبعضها رويناه من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل : أن كعب بن عجرة أخبره بهذا الخبر ، وفيه { أن رسول الله ﷺ قال له حينئذ : أو أطعم ستة مساكين نصف صاع طعاما لكل مسكين } . وروي أيضا من طريق بشر بن عمر الزهراني عن شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة ، فذكر فيه نصف صاع حنطة لكل مسكين . وخبر من طريق أبي داود - : نا محمد بن منصور نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد نا أبي عن محمد بن إسحاق [ قال ] حدثني أبان هو ابن صالح - عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي ﷺ فذكر فيه { أو إطعام ستة مساكين فرقا من زبيب } . وخبر من طريق ابن أبي شيبة - : نا عبد الله بن نمير زكريا بن أبي زائدة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل أخبرني كعب بن عجرة عن رسول الله ﷺ فذكر الحديث ؛ وفيه { أنه عليه السلام قال له : هل عندك نسك ؟ قال : ما أقدر عليه ، فأمره أن يصوم ثلاثة أيام ، أو يطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع } . ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل { أن كعب بن عجرة أخبره أن رسول الله ﷺ قال له في هذا الخبر : هل تجد من نسيكة ؟ قال : لا ، قال : وهي شاة ؟ قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ثلاثة آصع بين ستة مساكين } . ومن طريق أبي داود نا محمد بن المثنى نا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي - أنا داود بن أبي هند عن الشعبي { عن كعب بن عجرة ، أن رسول الله ﷺ قال له في هذا الحديث نفسه أمعك دم ؟ قال : لا فذكر الحديث وفيه أنه عليه السلام قال له : فصم ثلاثة أيام ، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين } لم يسمعه الشعبي من كعب على ما ذكرنا قبل . ونذكر الآن إن شاء الله تعالى كما روينا من طريق محمد بن الجهم نا جعفر الصائغ نا محمد بن الصباح نا إسماعيل بن زكريا عن أشعث عن الشعبي عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة قال : { إن رسول الله ﷺ قال له في هذا الخبر : أمعك هدي ؟ قلت : ما أجده ، قال : إنه ما استيسر ؟ قلت : ما أجده ؟ قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين صاعا من تمر } . قال أبو محمد : فهذه الأحاديث المضطربة كلها إنما هي في رواية عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة ، والذي ذكرناه أولا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة هو الصحيح المتفق عليه - : أما هذا الخبر الذي فيه لكل مسكين صاع تمر فهو عن أشعث الكوفي عن الشعبي وهو ضعيف ألبتة ؛ وفي هذا الخبر الذي قبله من طريق داود عن الشعبي عن كعب : إيجاب الترتيب ، وأن لا يجزي الصيام ، ولا الصدقة إلا عند عدم النسك ، وذلك الخبر قد بينا أن الشعبي لم يسمعه من كعب ، فحصل منقطعا : فسقطا معا . وأما رواية ابن أبي زائدة ، وأبي عوانة عن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل ففيها أيضا : إيجاب الترتيب ، وقد خالفهما شعبة عن ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل فذكره بالتخيير بين النسك أو الصوم ، أو الصدقة ، ثم وجدنا شعبة قد اختلف عليه أيضا في هذا الخبر - : فروى عنه محمد بن جعفر : نصف صاع طعاما لكل مسكين . وروى عنه بشر بن عمر : نصف صاع حنطة لكل مسكين . وروى عنه أبو داود الطيالسي : ثلاثة آصع بين ستة مساكين ، ولم يذكر لماذا . قال أبو محمد : وهذا كله خبر واحد في قصة واحدة بلا خلاف من أحد ، وبنصوص هذه الأخبار كلها أيضا ، فصح أن جميعها وهم إلا واحدا فقط - : فوجدنا أصحاب شعبة قد اختلفوا عليه ، فوجب ترك ما اضطربوا فيه ، إذ ليس بعضه أولى من بعض ، ووجب الرجوع إلى رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي لم يضطرب الثقات من رواته فيه ، ولو كان ما ذكر في هذه الأخبار عن قضايا شتى لوجب الأخذ بجميعها وضم بعضها إلى بعض ، وأما في قضية واحدة فلا يمكن ذلك أصلا . ثم وجدنا أبان بن صالح قد ذكر في روايته { فرقا من زبيب } وأبان لا يعدل في الحفظ بداود بن أبي هند عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ولا بأبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ولا بد من أخذ إحدى هاتين الروايتين ، إذ لا يمكن جمعهما ؛ لأنها كلها في قضية واحدة ، في مقام واحد ، في رجل واحد ، في وقت واحد ، فوجب أخذ ما رواه أبو قلابة ، والشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ، لثقتهما ولأنها مبينة لسائر الأحاديث - وبالله تعالى التوفيق . وأما من حلق رأسه لغير ضرورة عالما عامدا بأن ذلك لا يجوز ، أو حلق بعض رأسه وخلى البعض عالما بأن ذلك لا يجوز : فقد عصى الله تعالى ، وكل معصية فسوق ، وقد بينا أن الفسوق يبطل الإحرام - وبالله تعالى التوفيق - ولا شيء في ذلك ؛ لأن الله تعالى لم يوجب الكفارة إلا على من حلق رأسه لمرض ، أو أذى به فقط { وما كان ربك نسيا } . ولا يجوز أن يوجب فدية ، أو غرامة ، أو صيام ، لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله ﷺ فهو شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى ، ولا يجوز قياس العاصي على المطيع لو كان القياس حقا فكيف وهو كله باطل ؟ وأما من قطع من شعر رأسه ما لا يسمى بذلك حالقا بعض رأسه فإنه لم يعص ولا أتى منكرا ؛ لأن الله تعالى لم ينه المحرم إلا عن حلق رأسه ونهى جملة على لسان رسوله ﷺ عن حلق بعض الرأس دون بعض وهو القزع . روينا من طريق أبي داود نا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : { رأى النبي ﷺ صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك ، وقال : احلقوا كله ، أو اتركوا كله } . قال أبو محمد : وجاءت أخبار لا تصح ، منها - : من طريق الليث عن نافع عن رجل أنصاري { أن رسول الله ﷺ أمر كعب بن عجرة أن يحلق ويهدي بقرة } وهذا مرسل عن مجهول . ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة : أن كعبا ذبح بقرة بالحديبية - عبد الله بن عمر ضعيف جدا . ومن طريق إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان : أن رجلا أصابه مثل الذي أصاب كعب بن عجرة فسأل عمر ابنا لكعب بن عجرة عما كان أبوه ذبح بالحديبية في فدية رأسه ؟ فقال : بقرة - محمد بن يحيى لم يدرك عمر . ومن طريق نافع ، وغيره ، عن سليمان بن يسار قال : سأل عمر ابنا لكعب بن عجرة بماذا افتدى أبوه ؟ فقال ببقرة - سليمان لم يدرك عمر . ومن طريق أبي معشر المدني عن نافع عن ابن عمر قال : افتدى كعب بن عجرة من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها - أبو معشر ضعيف . قال أبو محمد : واختلف السلف فروينا عن ابن عباس ، وعلقمة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وطاوس ، وعطاء ، كلهم قال في فدية الأذى : صيام ثلاثة أيام ، أو نسك شاة ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع . وصح عن الحسن البصري ، ونافع مولى ابن عمر ، وعكرمة في فدية الأذى : نسك شاة ، أو صيام عشرة أيام ، أو إطعام عشرة مساكين . روينا ذلك - : من طريق سعيد بن منصور عن هشيم : أنا منصور بن المعتمر عن الحسن فذكره . ومن طريق بشر بن عمر عن شعبة عن قتادة عن الحسن ، وعكرمة فذكره . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع ، وعكرمة فذكره . قال أبو محمد : وأما المتأخرون فإن أبا حنيفة قال : إن حلق من رأسه أقل من الربع لضرورة فعليه صدقة ما تيسر ، فإن حلق ربع رأسه فهو مخير بين نسك ما شاء ، ويجزئه شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع حنطة ، أو دقيق حنطة ، أو صاعا من تمر ، أو من شعير ، أو من زبيب . قال أبو يوسف : ويجزئ أن يغديهم ويعشيهم . قال محمد بن الحسن : لا يجزئه إلا أن يعطيهم إياه . وقال أبو يوسف في قول له آخر : إن حلق نصف رأسه فأقل صدقة ، وإن حلق أكثر من النصف فالفدية كما ذكرنا . وروي عن محمد بن الحسن في قول له آخر إن حلق عشر رأسه فصدقة - فإن حلق أكثر من العشر فالفدية المذكورة . قالوا كلهم : فإن حلق رأسه لغير ضرورة فعليه دم لا يجزئه بدله صيام ، ولا إطعام - وقال الطحاوي : ليس في حلق بعض الرأس شيء . قال أبو محمد : وهذه وساوس واستهزاء وشبيه بالهزل ، نعوذ بالله من البلاء ، ولا يحفظ هذا السخام عن أحد من خلق الله تعالى قبلهم . وقال مالك : إن حلق ، أو نتف شعرات ناسيا ، أو جاهلا أو عامدا فيطعم شيئا من طعام - فإن حلق ، أو نتف ما يكون فيه إماطة أذى فعليه الفدية المذكورة في حديث كعب بن عجرة . قال علي : وهذا أيضا قول لا دليل على صحته ولا يعرف عن أحد قبلهم . وقال الشافعي ، والأوزاعي في نتف شعرة أو حلقها عامدا وناسيا : مد ، وفي الشعرتين كذلك مدان ، وفي الثلاث شعرات فصاعدا كذلك دم . قال الشافعي : إن أحب فشاة ، وإن شاء أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان مدان مما يأكل ، وإن شاء صام ثلاثة أيام . قال أبو محمد : روينا عن عطاء : ليس في الشعرتين ولا في الشعرة شيء ، وفي ثلاث شعرات دم - وكان الليث بن سعد نحا إلى هذا - وروينا عن ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام بن حسان عن الحسن ، وعطاء قالا جميعا في ثلاث شعرات للمحرم : دم ، الناسي والعامد سواء . ومن طريق سعيد بن منصور عن المعتمر بن سليمان عن أبي إسماعيل المكي : قال : سألت عطاء عن محرم حلق شعرتين لدواء ؟ قال : عليه دم . قال أبو محمد : روينا عن أبي بكر بن أبي شيبة : نا أبو أسامة هو حماد بن أسامة - عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن عكرمة قال : كان ابن عباس لا يرى بأسا للمحرم أن يحلق عن الشجة - : قال علي : فأباح ذلك لم ير فيه شيئا ولا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم . قال أبو محمد : وأما موضع النسك والإطعام والصيام فقد ذكرنا في باب المحصر نسك علي بن أبي طالب عن الحسين رضي الله تعالى عنهما في حلق رأسه لمرض كان به بالسقيا ولا نعلم لهما من الصحابة رضي الله تعالى عنهم مخالفا ونسك حلق الرأس لا يسمى هديا ؛ فإذا لم يكن فهو جائز في كل موضع ، إذ لم يوجب كون النسك بمكة قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع . وروينا عن طاوس قال : ما كان من دم أو طعام فبمكة ، وأما الصوم فحيث شاء - وقال عطاء وإبراهيم النخعي ما كان من دم فبمكة وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء . وقال الحسن : كل دم واجب فليس لك أن تذبحه إلا بمكة . روينا عن سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن مجاهد قال : اجعل الفدية حيث شئت - : قال أبو محمد : لا يجوز أن يخص بالنسك مكانا دون مكان إلا بقرآن ، أو سنة ثابتة .
875 - مسألة : فإن حلق رأسه بنورة فهو حالق في اللغة ففيه ما في الحالق من كل ما ذكرنا بأي شيء - حلقه ؟ فإن نتفه فلا شيء في ذلك ؛ لأنه لم يحلقه ؛ والنتف غير الحلق : { وما كان ربك نسيا } وإنما جاء النهي والفدية في الحلق لا في النتف .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والستون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835)
كتاب الحج
وأما قولنا : بالجمع بين صلاتي الظهر ، والعصر بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بين المغرب والعتمة كذلك أيضا فلما صح عن رسول الله ﷺ في الخبر المذكور ؛ وقد اختلف الناس في هذا ؛ فقال أبو حنيفة ، والشافعي ؛ في الصلاة بعرفة كما قلنا . وقال مالك : بأذانين وإقامتين لكل صلاة أذان وإقامة ، وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من عمل صاحب ، ولا تابع ، فإن قالوا : قسنا ذلك على الجمع بمزدلفة ؟ قلنا : هذا قياس للخطأ على الخطأ ، وقولكم هذا في مزدلفة خطأ على ما نبينه إن شاء الله - تعالى . فإن قالوا : قسنا ذلك على الصلوات الفائتات ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان [ هذا ] منه عين الباطل ؛ لأن صلاة الظهر ، والعصر ، بعرفة ليستا فائتتين ، ومن الباطل قياس صلاة تصلى في وقتها على صلاة فائتة لا سيما وأنتم لا تقولون بهذا العمل في الفائتات ، وقال سفيان ، وإسحاق : يجمع بين الظهر ، والعصر ، بعرفة بإقامتين فقط بلا أذان . واحتج أهل هذا القول بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء { أن رسول الله ﷺ صلى بمكة وبمنى كل صلاة بأذان وإقامة ، وصلى - بعرفة ، وبجمع - كل صلاة بإقامة } . قال أبو محمد : هذا لا تقوم به حجة ، ثم لو صح لما كانت فيه حجة ، لأن خبر جابر ورد بزيادة ذكر الأذان ، وزيادة العدل واجب قبولها ، ولا بد ، وأما الجمع بمزدلفة كما ذكرنا فللخبر المذكور أيضا . وفي هذا خلاف من السلف - : روينا من طريق حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، قال ابن زيد : عن نافع قال : لم أحفظ عن ابن عمر أذانا ولا إقامة بجمع - يعني مزدلفة . وقال ابن سلمة عن أنس عن ابن سيرين قال : صليت مع ابن عمر بجمع المغرب بلا أذان ولا إقامة ، ثم العشاء بلا أذان ولا إقامة . وقول ثان - : وهو أننا روينا عنه أيضا أنه جمع بينهما بإقامة واحدة بلا أذان - وروينا ذلك عن شعبة عن الحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، كلاهما عن سعيد بن جبير : أنه صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة - وذكر أن ابن عمر فعل مثل ذلك ، وأن ابن عمر ذكر أن رسول الله ﷺ فعل ذلك . ورويناه أيضا من طريق مجاهد ، وغيره عن ابن عمر : أنه فعل ذلك - وهو قول سفيان ، وأحمد بن حنبل في أحد قوليهما - وبه أخذ أبو بكر بن داود . واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق سفيان الثوري ، ويحيى بن سعيد القطان ، قال سفيان : عن مسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ؛ وقال القطان : عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ؛ ثم اتفق ابن عباس ، وابن عمر : على أن رسول الله ﷺ جمع بمزدلفة بين المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، وهذا خبر صحيح . وقول ثالث - : وهو الجمع بينهما بإقامتين - لكل صلاة إقامة دون أذان - : روينا عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد أن عمر بن الخطاب جمع بينهما بإقامتين - يعني بمزدلفة - ومن طريق عبد الرزاق عن بعض أصحابه عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي جعفر : أن علي بن أبي طالب جمع بين المغرب والعشاء ، كل واحدة منهما بإقامة - يعني بمزدلفة . ومن طريق حماد بن سلمة أنا عبد الكريم أنه كان مع سالم بن عبد الله بن عمر بمزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بإقامتين ، وهو قول سفيان ، والشافعي ، وأحمد - في أحد أقوالهم . واحتجوا بما رويناه من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد { أن رسول الله ﷺ أتى مزدلفة فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ، ولم يصل بينهما شيئا } . ومن طريق البخاري نا عاصم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] قال { جمع رسول الله ﷺ بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر كل واحدة منهما } وهذان خبران صحيحان . وقول رابع - : وهو أن الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة - : روينا من طريق سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن النعمان بن حميد أن عمر جمع بين الصلاتين بمزدلفة بأذان وإقامة . ومن طريق أبي داود السجستاني نا مسدد نا أبو الأحوص نا أشعث بن سليم عن أبيه " أنه كان مع ابن عمر بمزدلفة فأذن وأقام ، أو أمر بذلك ثم صلى المغرب ثلاث ركعات ، ثم التفت إلينا فقال : الصلاة ، فصلى العشاء ركعتين . قال أشعث : وأخبرني علاج بن عمرو { عن ابن عمر بهذا قال : فقيل لابن عمر في ذلك ؟ فقال : صليت مع رسول الله ﷺ هكذا } . وبه يأخذ أبو حنيفة إلا أنه قال : فإن تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى . وقول خامس - : وهو الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح ذلك عن عمر بن الخطاب من طريق هشيم عن إبراهيم عن الأسود كنت مع عمر فأتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء ، كل صلاة بأذان وإقامة - : نا حمام نا الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صليت مع ابن مسعود المغرب بجمع بأذان وإقامة ، ثم أتينا بعشائنا فتعشينا ، ثم صلى بنا العشاء بأذان وإقامة . وبه نصا إلى أبي إسحاق السبيعي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أن علي بن أبي طالب كان يجمع بين الصلاتين بمزدلفة كل صلاة بأذان وإقامة - وهو قول محمد بن علي بن الحسين ، وذكره عن أهل بيته ؛ وبه يقول مالك . ولا حجة في هذا القول من خبر عن النبي ﷺ . ولا حجة في قول عمر ، وابن مسعود ، وعلي في ذلك ؛ لأنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة ، واختلف عن عمر أيضا كما أوردنا ، فالمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن والسنة . ولا حجة لأبي حنيفة في دعواه أن إعادة الأذان للعشاء هو من أجل أن عمر ، وابن مسعود تعشيا بين الصلاتين ؛ لأنهما لم يذكرا ذلك ، ولا أخبرا : أن إعادتهما الأذان إنما هو من أجل العشاء ، فهي دعوى فاسدة ؟ فإن قيل : قسنا ذلك على الجمع بين سائر الصلوات إذا صليت الأولى في آخر وقتها ، والأخرى في أول وقتها ، فلا بد من أذان وإقامة لكل صلاة ؟ قلنا : القياس باطل ، ولا يجوز أن يعارض ما صح عن النبي ﷺ بقياس فاسد قال أبو محمد : وقد روي مثل قولنا عن ابن عمر ، وسالم ابنه ، وعطاء ، كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن الفضل بن دكين عن مسعر بن كدام عن عبد الكريم قال : صليت خلف سالم : المغرب ، والعشاء بجمع بأذان وإقامتين ، فلقيت نافعا فقلت له : هكذا كان يصنع عبد الله ؟ قال : نعم ، فلقيت عطاء فقلت له ؟ فقال : قد كنت أقول لهم : لا صلاة إلا بإقامة - وهو قول الشافعي من رواية أبي ثور عنه ، فهي ستة أقوال - : أحدهما : الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة ، وصح عن ابن عمر . والثاني : الجمع بينهما بإقامة واحدة فقط - وصح أيضا : عن ابن عمر - : وهو قول سفيان ، وأحمد ، وأبي بكر بن داود - وصح به خبر عن رسول الله ﷺ . والثالث : الجمع بينهما بإقامتين فقط ؛ روي عن عمر ، وعلي ، وصح عن سالم بن عبد الله - وهو أحد قولي سفيان ، وأحمد ، والشافعي ؛ وصح به خبر عن رسول الله ﷺ . والرابع : الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة - روي عن عمر ؛ وصح عن ابنه عبد الله - وهو قول أبي حنيفة - وصح به خبر عن رسول الله ﷺ . والخامس : الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين صح عن ابن عمر ، وسالم ابنه ، وعطاء ، وهو أحد قولي الشافعي ، وبه نأخذ - وصح بذلك خبر عن رسول الله ﷺ . والسادس : الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح عن عمر ، وابن مسعود ، وروي عن علي ، وعن محمد بن علي بن الحسين وأهل بيته - وهو قول مالك . فأما الأخبار في ذلك فبعضها بإقامة واحدة من طريق ابن عمر ، وابن عباس ، وبعضها بإقامتين من طريق ابن عمر ، وأسامة بن زيد - وبعضها بأذان واحد ، وإقامة واحدة من طريق ابن عمر - وبعضها بأذان واحد وإقامتين من طريق جابر ؛ فاضطربت الرواية عن ابن عمر إلا أن إحدى الروايات عنه ، وعن أسامة بن زيد ، وعن جابر بن عبد الله : زادت على الأخرى ؛ وعلى رواية ابن عباس إقامة فوجب الأخذ بالزيادة ، وإحدى الروايات عنه ، وعن جابر تزيد على الأخرى ، وعلى رواية أسامة أذانا ، فوجب الأخذ بالزيادة لأنها رواية قائمة بنفسها صحيحة فلا يجوز خلافها ، فإذا جمعت رواية سالم ، وعلاج عن ابن عمر صح منهما أذان ، وإقامتان كما جاء بينا في حديث جابر ، وهذا هو الذي لا يجوز خلافه ؛ ولا حجة لمن خالف ذلك - وبالله - تعالى - التوفيق . وأما قولنا : لا تجزئ صلاة المغرب تلك الليلة إلا بمزدلفة ولا بد ، وبعد غروب الشفق ولا بد ، فلما رويناه من طريق البخاري نا ابن سلام نا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال { لما أفاض رسول الله ﷺ من عرفات عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب عليه ويتوضأ فقلت : يا رسول الله أتصلي ؟ قال : المصلى أمامك } وذكر باقي الحديث . ومن طريق مسلم نا يحيى بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد ، وابن حجر قالوا : نا إسماعيل نا يحيى بن يحيى - واللفظ له - نا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى ابن عباس { عن أسامة بن زيد أنه كان ردف رسول الله ﷺ من عرفات فلما بلغ رسول الله ﷺ الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ؛ ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ، ثم قلت : الصلاة يا رسول الله فقال : الصلاة أمامك } وذكر الحديث . قال أبو محمد : فإذ قد قصد عليه السلام ترك صلاة المغرب وأخبر بأن المصلى من أمام ، وأن الصلاة من أمام ، فالمصلى هو موضع الصلاة فقد أخبر بأن موضع الصلاة ووقت الصلاة من أمام ، فصح يقينا أن ما قبل ذلك الوقت ، وما قبل ذلك المكان ليس مصلى ، ولا الصلاة فيه صلاة . روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : لا صلاة إلا بجمع - وروينا من طريق حجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم هو التستري - نا عبد الله بن أبي مليكة قال : كان ابن الزبير يخطبنا فيقول : ألا لا صلاة إلا بجمع ؟ يرددها ثلاثا . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد قال : لا صلاة إلا بجمع ، ولو إلى نصف الليل - وروي عن ابن عمر وابن عباس : صلاة المغرب دون جمع ، ولا حجة إلا في قول رسول الله ﷺ .
وأما بطلان حج من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال ، فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي نا جرير بن حازم عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال : قال رسول الله ﷺ { من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيضوا منها فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك } . وبه إلى أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان نا إسماعيل بن أبي خالد أخبرني عامر الشعبي أخبرني { عروة بن مضرس الطائي قال : قلت : يا رسول الله أتيتك من جبلي طيئ أكللت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما بقي من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله ﷺ : من صلى الغداة هاهنا ، ثم أقام معنا ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه } . وقال تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } فوجب الوقوف بمزدلفة - وهي المشعر الحرام - وذكر الله - تعالى - عندها فرض يعصي من خالفه ولا حج له ، لأنه لم يأت بما أمر ؛ إلا أن إدراك صلاة الفجر فيها مع الإمام هو الذكر المفترض ببيان رسول الله ﷺ المذكور ، ومن أدرك شيئا من صلاة الإمام فقد أدرك الصلاة لقول رسول الله ﷺ : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } . قال أبو محمد : والعجب ممن يقول : إن قول رسول الله ﷺ في سائمة الإبل { في كل خمس شاة } دليل على أن غير السائمة بخلاف السائمة . وممن يقول : إن قوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } دليل أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد ، وأن المأموم لا يقول : سمع الله لمن حمده ثم لا يرى قوله عليه السلام : { من صلى الغداة هاهنا معنا ، وقد أتى عرفة قبل ذلك فقد تم حجه } دليلا على أن من لم يصل الغداة هنالك مع الإمام لم يتم حجه ؛ فكيف وقد غنينا [ عن ذلك كله ] بنصه عليه السلام ؟ على أنه إن لم يدرك ذلك فلم يدرك الحج . واحتج بعضهم بقول النبي ﷺ : { الحج عرفة } ؟ قال علي : وهم أول مبطل لهذا الاحتجاج لأن عندهم فرائض يبطل الحج بتركها سوى عرفة كترك الإحرام وترك طواف الإفاضة . وترك الصفا والمروة . فكم هذا التناقض ؟ وليس قوله عليه السلام : { والحج عرفة } بمانع من أن يكون غير عرفة الحج أيضا إذا جاء بذلك نص ، وقد قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } والبيت غير عرفة بلا شك . وسوى - تعالى - بين الأمر بعرفة ، والأمر بمزدلفة في القرآن ، وقد قال - تعالى - : { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } . وأخبر رسول الله ﷺ أن يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ولا يكون يوم الحج الأكبر إلا وغيره يوم الحج الأصغر ، ومحال ممتنع أن يكون - هو يوم الحج الأكبر - ولا يكون فيه من فرائض الحج شيء ويكون فرض الحج في غيره . فصح أن جملة فرائض الحج في يوم الحج الأكبر ، وهي الوقوف بمزدلفة الذي لا يكون في غيره ، ورمي الجمرة ، والإفاضة ؛ وقد يكونان فيما بعده كما عرفة فيما قبله - : روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال " من أفاض من عرفة فلا حج له " . وقد ذكرنا عن ابن الزبير أنه كان يقول في خطبته : ألا لا صلاة إلا بجمع ؛ فإذا أبطل الصلاة إلا بمزدلفة فقد جعلها من فرائض الحج . ومن طريق شعبة عن داود بن يزيد الأزدي عن أبي الضحى قال : سألت علقمة عمن لم يدرك عرفات ، أو جمعا ، أو وقع بأهله يوم النحر قبل أن يزور ؟ فقال : عليه الحج . ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : كان يقال : من فاته جمع أو عرفة فقد فاته الحج . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : من فاته عرفة ، أو جمع ، أو جامع قبل أن يزور فقد فسد حجه . ومن طريق سفيان الثوري أيضا عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي أنه قال : من فاته جمع جعلها عمرة . وعن الحسن البصري من لم يقف بجمع فلا حج له . وعن حماد بن أبي سليمان قال : من فاته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ثم ليحج من قابل - ومن طريق شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال : يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ألا ترى أنه إذا فاته عرفة لم يفته الحج وإذا فاته يوم النحر فاته الحج ؟ قال أبو محمد : صدق سعيد ؛ لأن من فاتته عرفة يوم عرفة لم يفته الحج لأنه يقف بعرفة ليلة يوم النحر ؛ وأما يوم النحر فإنما سماه الله - تعالى - : { يوم الحج الأكبر } لأن فيه فرائض ثلاثا من فرائض الحج ، وهو الوقوف بمزدلفة لا يكون جازئا إلا غداة يوم النحر ، وجمرة العقبة ، وطواف الإفاضة ، ويجوز تأخيره ؛ فصح أن مزدلفة أشد فروض الحج تأكيدا وأضيقها وقتا ؛ وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا . وأما قولنا : إن النساء ، والصبيان ، والضعفاء بخلاف هذا ؛ فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج حدثني { عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق أن أسماء قالت له بمزدلفة : هل غاب القمر ؟ قلت : لا ، فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : نعم ، قالت : ارحل بي فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت في منزلها فقلت لها أي هنتاه لقد غلسنا ، قالت : كلا أي بني إن رسول الله ﷺ أذن للظعن } . ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله - تعالى - ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام ويقول ابن عمر أرخص في أولئك رسول الله ﷺ . ومن طريق مسلم حدثني علي بن خشرم أنا عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عطاء : أن ابن شوال أخبره أنه دخل على أم حبيبة أم المؤمنين فأخبرته : { أن رسول الله ﷺ بعث بها من جمع بليل } . ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى عن حماد بن يزيد عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت { ابن عباس يقول : بعثني رسول الله ﷺ في الثقل وفي الضعفة من جمع بليل } . قال أبو محمد : كان ابن عباس حينئذ قد ناهز الاحتلام ولم يحتلم بعد ، هكذا ذكر عن نفسه في الخبر الذي فيه : أنه أتى منى على أتان ، ورسول الله ﷺ يصلي بالناس قال : وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام فخرج هؤلاء عن وجوب حضور صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام عليهم وبقي عليهم فرض الوقوف بمزدلفة ، وذكر الله - تعالى - هنالك ليلة النحر ولا بد لعموم قوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681)
كتاب الزكاة
وأما طريق حماد بن سلمة فمرسلة أيضا ، والقول فيها كالقول في طريق معمر ؟ ثم لو صحا جميعا لما كان لهم فيهما حجة ، لأنه ليس في شيء منهما ما قالوا به أصلا ، لأن نص رواية حماد " إلى عشرين ومائة ؛ فإن كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة ، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل " هذا على أن تعاد فيه الزكاة بالغنم كما ادعوا ؟ ويحتمل هذا اللفظ أن يكون أراد أن يرد الحكم إلى أول فريضة الإبل في أن في كل أربعين بنت لبون ، لأن في أول فريضة الإبل أن في أربعين بنت لبون وفي ثمانين بنتي لبون ؛ فهذا أولى من تأويلهم الكاذب الفاسد المستحيل . وأما حملهم ما روينا عن علي في ذلك على أنه مسند احتجاجهم في ذلك بوجوب حسن الظن بعلي رضي الله عنه وأنه لا يجوز أن يظن به أنه يحدث بغير ما عنده عن رسول الله ﷺ - : فقول لعمري صحيح إلا أنه ليس علي بأولى بحسن الظن منا من عثمان رضي الله عنهما معا ، والفرض علينا حسن الظن بهما ، وإلا فقد سلكوا سبيل إخوانهم من الروافض ونحن نقول : كما لا يجوز أن يساء الظن بعلي رضي الله عنه - في أن يظن أنه يحدث بغير ما عنده عن النبي ﷺ أو يتعمد خلاف روايته عنه عليه السلام - : فكذلك لا يجوز أن يساء الظن بعثمان رضي الله عنه ؛ فيظن به أنه استخلف بكتاب النبي ﷺ وقال : لا حاجة لنا به ؛ لولا أن عثمان علم أن ما في كتاب علي منسوخ ما رده ، ولا أعرض عنه ، لكن كان ذلك الكتاب عند علي ولم يعلم بنسخه ، وكان عند عثمان نسخه فنحسن الظن بهما جميعا كما يلزمنا ، وليس إحسان الظن بعلي وإساءته بعثمان بأبعد من الضلال من إحسان الظن بعثمان وإساءته بعلي . فنقول : لو كان ذلك الكتاب عن النبي ﷺ ما رده عثمان ، ولا إحدى السيئتين بأسهل من الأخرى وأما نحن فنحسن الظن بهما رضي الله عنهما ، ولا نستسهل الكذب على رسول الله ﷺ في أن ننسب إليه القول بالظن الكاذب فنتبوأ مقاعدنا من النار كما تبوأه من فعل ذلك ؛ بل [ نقر ] قول عثمان وعلي مقرهما ؛ فليسا حجة دون رسول الله ﷺ لكنهما إمامان من أهل الجنة ، مغفور لهما ، غير مبعدين من الوهم ، ونرجع إلى قول رسول الله ﷺ فنأخذ بالثابت عنه ونطرح ما لم يثبت عنه ؟ ثم نقول لهم : هبكم أن كتاب علي مسند ، وأنه لم ينسخ - فإنه ليس فيه ما تقولون ؛ بل تموهون - : وإنما فيه { في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الأول وتستأنف لها الفرائض } وليس في هذا بيان أن زكاة الغنم تعود فيها ، ويحتمل قوله هذا أن تعود إلى حسابها الأول وتستأنف لها الفرائض ؛ فترجع إلى أن يكون في كل أربعين بنت لبون ، كما في أولها : في أربعين بنت لبون . وفي ثمانين بنتا لبون ، فهذا أولى من تأويلكم الكاذب ؟ ثم نقول : هبكم أنه مسند - ومعاذ الله من ذلك - وأن فيه نص ما قلتم - ومعاذ الله من ذلك - فاسمعوه بكماله ؟ حدثنا حمام ثنا مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ، حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل - أو قال : الجمل - حتى تبلغ ستين ، فإذا زادت ، واحدة ففيها جذعة ، حتى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون ، حتى تبلغ تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون وفي الورق - إذا حال عليها الحول - في كل مائتي درهم ، خمسة دراهم . وليس فيما دون مائتين شيء ، فإن زادت فبحساب ذلك ؛ وقد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين ؟ قال عبد الرحمن بن مهدي : وحدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : وإذا زادت الإبل على خمس وعشرين ففيها بنت مخاض ، فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر ، إذا أخذ المصدق بنت لبون مكان ابن لبون رد عشرة دراهم أو شاتين ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول ، فإذا حال عليه الحول ففي كل مائتين خمسة ، فما زاد فبالحساب ؛ في أربعين دينارا دينار ، فما نقص فبالحساب ؛ فإذا بلغت عشرين دينارا ففيها نصف دينار ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس ، فإن زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإن لم تكن ، ابنة مخاض فابن لبون ؛ إن أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين ، أو أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشرة دراهم ؟ قال علي : فهذه هي الروايات الثابتة عن علي رضي الله عنه : معمر ، وسفيان ، وشعبة : متفقون كلهم ، رواه عن سفيان : وكيع ، ورواه عن شعبة : عبد الرحمن بن مهدي ، ورواه عن معمر : عبد الرزاق ؟ والذي موهوا بطرف ، مما في رواية يحيى بن سعيد عن سفيان خاصة : ليس أيضا موافقا لقولهم كما أوردنا ، فادعوا في خبر علي ما ليس فيه عنه أثر ، ولا جاء قط عنه وخالفوا ذلك الخبر نفسه في اثني عشر موضعا مما فيه نصا ، وهي - : قوله : { في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه } . وقوله : بتعويض ابن لبون مكان ابنة مخاض فقط ؟ وقوله فيما زاد على عشرين ومائة { في كل أربعين بنت لبون } . وإسقاطه ذكر عودة فرائض الغنم ، فلم يذكره ؟ { وقوله فيمن أخذ سنا فوق سن رد شاتين أو عشرة دراهم } وبين ذلك فيمن أخذ بنت لبون مكان ابنة مخاض إن لم يوجد ابن لبون ؟ { وقوله فيمن أخذ سنا دون سن أخذ معها شاتين أو عشرة دراهم } . وقوله : { ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول } ولم يخص ؛ كان عنده نصاب من جنسها أو لم يكن ؟ وقوله : { في مائتين من الورق خمسة دراهم ، فما زاد فبالحساب } ولم يجعل في ذلك وقصا ، كما يزعمون برأيهم وقوله : { ليس فيما دون مائتين من الورق زكاة } وهم يزكون ما دون المائتين إذا كان مع مالكها ذهب إذا جمع إلى الورق ساويا جميعا مائتي درهم أو عشرين دينارا . ومنها عفوه عن صدقة الخيل ومنها عفوه عن صدقة الرقيق ، ولم يستثن لتجارة أو غيرها ؟ ومنها قوله : { في أربعين دينارا دينار ، فما نقص فبالحساب } ولم يجعل في ذلك وقصا ؟ أفيكون أعجب ممن يحتج برواية عن علي لا بيان فيها لقولهم ، لكن بظن كاذب ، ويتحيلون في أنها مسندة بالقطع بالظن الكاذب المفترى - : وهم قد خالفوا تلك الرواية نفسها بتلك الطريق ، ومعها ما هو أقوى منها في اثني عشر موضعا منها ، كلها نصوص في غاية البيان ؟ هذا أمر ما ندري في أي دين أم في أي عقل وجدوا ما يسهله عليهم ؟ والعجب كل العجب من احتجاجهم بصحيفة معمر عن عبد الله بن أبي بكر ، وبصحيفة حماد عن قيس بن عباد عن أبي بكر بن حزم ، وهما مرسلتان ، وحديث موقوف على علي وليس في كل ذلك نص بمثل قولهم ، ولا دليل ظاهر - : ثم لا يستحيون من أن يعيبوا في هذه المسألة نفسها بالإرسال الحديثين الصحيحين المسندين من طريق حماد ، وعبد الله بن المثنى كليهما عن عبد الله بن المثنى ، سمعاه منه ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، سمعه منه ، عن أنس بن مالك ، سمعه منه عن أبي بكر الصديق سمعه منه ، عن النبي ﷺ عن الله تعالى هكذا نصا ومن طريق الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن بكر ثنا أبو داود السجستاني عن عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة ، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، فقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه : في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض ، إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ، ففيها بنت لبون : إلى خمس وأربعين . فإذا زادت واحدة ففيها حقة ، إلى ستين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة ، إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ، إلى تسعين : فإذا زادت واحدة ففيها حقتان ، إلى عشرين ومائة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ؟ } فقالوا : إن أصل هذين الحديثين الإرسال ، وكذبوا في ذلك ثم لا يبالون بأن يحتجوا بهذين الحديثين ويصححونهما ، إذا وجدوا فيهما ما يوافق رأي أبي حنيفة ، فيحلونه طورا ويحرمونه طورا واعترضوا فيهما بأن ابن معين ضعفهما وليت شعري ما قول ابن معين في صحيفة ابن حزم ، وحديث علي ؟ ما نراه استجاز الكلام بذكرهما ، فضلا عن أن يشتغل بتضعيفهما ؟ وأعجب من هذا كله أن بعض مقدميهم - المتأخرين عند الله تعالى - قال : لو كان هذا الحكم حقا لأخرجه رسول الله ﷺ إلى عماله قال أبو محمد : هذا قول الروافض في الطعن على أبي بكر ، وعمر ، وسائر الصحابة في العمل به : نعم ، وعلى النبي ﷺ إذ نسبت إليه كتب الباطل وقرنه بسيفه ثم كتمه ، وعمل به أصحابه بعده ؛ فبطل كل ما موهوا به والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس وقد خالفوا في هذا المكان النصوص والقياس ؟ فهل وجدوا فريضة تعود بعد سقوطها ؟ وهل وجدوا في أوقاص الإبل وقصا من ثلاثة وثلاثين من الإبل ؟ إذ لم يجعلوا بعد الإحدى والتسعين حكما زائدا إلى خمسة وعشرين ومائة . وهل وجدوا في شيء من الإبل حكمين مختلفين في إبل واحدة ، بعضها يزكى بالإبل وبعضها يزكى بالغنم ؟ وهم ينكرون أخذ زكاة عما أصيب في أرض خراجية ، وحجتهم في ذلك أنه لا يجوز أن يأخذوا حقين لله تعالى في مال واحد وهم قد جعلوا هاهنا - : برأيهم الفاسد - في مال واحد حقين : أحدهما إبل ؛ والثاني غنم ؟ وهلا إذ ردوا الغنم وبنت المخاض بعد إسقاطهما ردوا أيضا في ست وثلاثين زائدة على العشرين والمائة بنت اللبون ؟ فإن قالوا : منعنا من ذلك قوله عليه السلام : { في كل خمسين حقة } . قيل لهم : فهلا منعكم من رد الغنم قوله عليه السلام : { وفي كل أربعين بنت لبون } ؟ فظهر أنهم لم يتعلقوا بشيء ، ونعوذ بالله من الضلال وقالوا في الخبر الذي ذكرنا من طريق محمد بن عبد الرحمن { ليس فيما بعد العشرين والمائة شيء إلى ثلاثين ومائة } إنه يعارض سائر الأخبار . قال أبو محمد : إن كان هذا فأول ما يعارض فصحيفة عمرو بن حزم ، وحديث علي فيما يظنه فيهما ؛ فسقط تمويههم كله - وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما دعواهم أن قولهم روي عن عمر بن الخطاب ، وعلي ؛ وابن مسعود ؛ فقد كذبوا جهارا ؟ فأما علي فقد ذكرنا الرواية الثابتة عنه ، وأنه ليس فيما تعلقوا به من قوله دليل ولا نص بما ادعوه عليه بالتمويه الكاذب وأما ابن مسعود فلا يجدونه عنه أصلا ، إما ثابت فنقطع بذلك قطعا ؛ وإما رواية ساقطة فبعيد عليهم وجودها أيضا ، وإما موضوعة من عمل الوقت فيسهل عليهم إلا أنها لا تنفق في سوق العلم ؟ وأما عمر رضي الله عنه فالثابت عنه كالشمس خلاف قولهم ، وموافق لقولنا ، ولا سبيل إلى وجود خلاف ذلك عنه ، إلا إن صاغوه للوقت . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن موسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أنه قال : في الإبل في خمس شاة ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ؛ فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، إلى خمس وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون ، إلى خمس وأربعين فإن زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل ، إلى ستين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، إلى عشرين ومائة ؛ فإن زادت ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب - ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر قال : { إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ، حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ، ففيها ابنتا لبون وحقة ، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة ، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون ، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة ، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق ، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة ، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون ، حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة ، حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وبنتا لبون ، حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون ، حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون ؛ أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم } فذكر نحو حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه ؟ قال أبو محمد : فهذا قول عمر ، هو قولنا نفسه ، مخالف لقولهم والعجب كله تعللهم في هذا الخبر بأنه انفرد به يونس بن يزيد ؟ قال علي : وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ثم لا يستحيون من تصحيحه والاحتجاج به موهمين أنه موافق لرأيهم في أن لا زكاة إلا في السائمة ؟ فظهر فساد قولهم ، وخلافهم لله تعالى ، وللسنن الثابتة عن رسول الله ﷺ ولأبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأنس ، وابن عمر ، وسائر الصحابة رضي الله عنهم دون أن يتعلقوا برواية صحيحة عن أحد منهم بمثل قولهم ، إلا عن إبراهيم وحده - وبالله تعالى التوفيق ؟
675 - مسألة : قال أبو محمد : ويعطي المصدق ، الشاتين أو العشرين درهما مما أخذ من صدقة الغنم ، أو يبيع من الإبل ، لأنه للمسلمين من أهل الصدقات يأخذ ذلك ؛ فمن مالهم يؤديه ؟ ولا يجوز له التقاص ، وهو : أن يجب على المسلم بنتا لبون فلا يجدهما عنده ، ويجد عنده حقة وبنت مخاض ، فإنه يأخذهما ويعطيه شاتين أو عشرين درهما ويأخذ منه شاتين أو عشرين درهما ولا بد ، وجائز له أن يأخذ ذلك ثم يرده بعينه ، أو يعطيه ثم يرده بعينه لأنه قد أوفى واستوفى وأما التقاص - بأن يترك كل واحد منهما لصاحبه ما عليه من ذلك - فهو ترك لحق الله تعالى قد وجب لم يقبض ، وهذا لا يجوز ، ولا يجوز إبراء المصدق من حق أهل الصدقة ؛ لأنه مال غيره . وبالله تعالى التوفيق .
676 - مسألة : والزكاة تتكرر في كل سنة ، في الإبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب والفضة ، بخلاف البر والشعير والتمر ، فإن هذه الأصناف إذا زكيت فلا زكاة فيها بعد ذلك أبدا ، وإنما تزكى عند تصفيتها ، وكيلها ، ويبس التمر ، وكيله ، وهذا لا خلاف فيه من أحد ، إلا في الحلي والعوامل ، وسنذكره إن شاء الله تعالى ؛ وكان رسول الله ﷺ يخرج المصدقين كل سنة ؟
677 - مسألة : والزكاة واجبة ، في الإبل ، والبقر ، والغنم بانقضاء الحول ، ولا حكم في ذلك لمجيء الساعي - وهو المصدق - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابنا ؟ وقال مالك ، وأبو ثور : لا تجب الزكاة إلا بمجيء المصدق ؟ ثم تناقضوا فقالوا : إن أبطأ المصدق عاما أو عامين لم تسقط الزكاة بذلك ؛ ووجب أخذها لكل عام خلا وهذا إبطال قولهم في أن الزكاة لا تجب إلا بمجيء الساعي ، وإنما الساعي وكيل مأمور بقبض ما وجب ؛ لا يقبض ما لم يجب ، ولا بإسقاط ما وجب ؟ ولا خلاف بين أحد من الأمة - وهم في الجملة - في أن المصدق لو - جاء قبل تمام الحول لما جاز أن يعطى منها شيئا ، فبطل أن يكون الحكم لمجيء الساعي ؟ ولا يخلو الساعي من أن يكون بعثه الإمام الواجبة طاعته ، أو أميره ، أو بعثه من لا تجب طاعته ، فإن بعثه من لا تجب طاعته فليس هو المأمور من الله تعالى أو رسوله عليه السلام بقبض الزكاة ، فإذ ليس هو ذلك فلا يجزئ ما قبض ، والزكاة باقية وعلى صاحب المال أداؤها ولا بد ؛ لأن الذي أخذ منه مظلمة لا صدقة واجبة . وإن كان بعثه من تجب طاعته ، فلا يخلو من أن يكون باعثه يضعها مواضعها ، أو لا يضعها مواضعها ، فإن كان يضعها مواضعها فلا يحل لأحد دفع زكاته إلا إليه ؛ لأنه هو المأمور بقبضها من الله تعالى ورسوله ﷺ فمن دفعها إلى غير المأمور بدفعها إليه فقد تعدى ، والتعدي مردود ، قال رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الأعتكاف ابن حزم - المحلى كتاب الأعتكاف (مسألة 624 - 628)
المؤلف: ابن حزم كتاب الأعتكاف (مسألة 629 - 636)
كتاب الأعتكاف
كتاب الاعتكاف الاعتكاف : هو الإقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله عز وجل ساعة فما فوقها ، ليلا ، أو نهارا ؟
624 - مسألة : ويجوز اعتكاف يوم دون ليلة ، وليلة دون يوم ، وما أحب الرجل ، أو المرأة ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . وروينا من طريق مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله ﷺ كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان ، وأنه عليه السلام قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر } . فالقرآن نزل بلسان عربي مبين ، وبالعربية خاطبنا رسول الله ﷺ . والاعتكاف في لغة العرب : الإقامة ، قال تعالى : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } بمعنى مقيمون متعبدون لها . فإذ لا شك في هذا ، فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه : اعتكاف ، وعكوف ؟ فإذ لا شك في هذا ، فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر ، إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من عدد ، ولا وقتا من وقت ، ومدعي ذلك مخطئ ؛ لأنه قائل بلا برهان والاعتكاف : فعل حسن ، قد اعتكف رسول الله ﷺ وأزواجه وأصحابه رضي الله عنهم بعده والتابعون ؟ وممن قال بمثل هذا طائفة من السلف - : كما أنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصيري نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة عن عمران بن أبي مسلم عن سويد بن غفلة قال : من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ، ما لم يحدث - : ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن يعلى بن أمية قال : إني لأمكث في المسجد ساعة وما أمكث إلا لأعتكف . قال عطاء : حسبت أن صفوان بن يعلى أخبرنيه ؟ قال عطاء : هو اعتكاف ما مكث فيه ، وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف ، وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : يعلى صاحب ، وسويد من كبار التابعين ، أفتى أيام عمر بن الخطاب ، لا يعرف ليعلى في هذا مخالف من الصحابة فإن قيل : قد جاء عن عائشة ، وابن عباس ، وابن عمر : لا اعتكاف إلا بصوم ، وهذا خلاف لقول يعلى ؟ قلنا : ليس كما تقول ، لأنه لم يأت قط عمن ذكرت : لا اعتكاف أقل من يوم كامل ، إنما جاء عنهم : أن الصوم واجب في حال الاعتكاف فقط ، ولا يمتنع أن يعتكف المرء على هذا ساعة في يوم هو فيه صائم . وهو قول محمد بن الحسن ، فبطل ما أوهمتم به وقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } فلم يخص تعالى مدة من مدة { وما كان ربك نسيا } . ومن طريق مسلم : نا زهير بن حرب نا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر - قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال : { قال عمر : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال : فأوف بنذرك } . فهذا عموم منه عليه السلام بالأمر بالوفاء بالنذر في الاعتكاف ، ولم يخص عليه السلام مدة من مدة ، فبطل قول خالف قولنا - والحمد لله رب العالمين ؟ وقلنا : هذا هو قول الشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : لا يجوز الاعتكاف أقل من يوم وقال مالك : لا اعتكاف أقل من يوم وليلة . ثم رجع وقال : لا اعتكاف أقل من عشر ليال . وله قول : لا اعتكاف أقل من سبع ليال ، من الجمعة إلى الجمعة . وكل هذا قول بلا دليل . فإن قيل : لم يعتكف رسول الله ﷺ أقل من عشر ليال ؟ قلنا : نعم ، ولم يمنع من أقل من ذلك ، وكذلك أيضا لم يعتكف قط في غير مسجد المدينة ، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير مسجده عليه السلام ، ولا اعتكف قط إلا في رمضان ، وشوال ، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير هذين الشهرين ؟ والاعتكاف في فعل خير ، فلا يجوز المنع منه إلا بنص وارد بالمنع - وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : قسنا على مسجده عليه السلام سائر المساجد ؟ قيل لهم : فقيسوا على اعتكافه عشرا ، أو عشرين : ما دون العشر . وما فوق العشرين ، إذ ليس منها ساعة ولا يوم إلا وهو فيه معتكف .
625 - /218 مسألة /218 : وليس الصوم من شروط الاعتكاف ، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم . و اعتكاف : يوم الفطر ويوم الأضحى ، وأيام التشريق : حسن . وكذلك اعتكاف : ليلة بلا يوم ، ويوم بلا ليلة . وهو قول الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان . وهو قول طائفة من السلف - : روينا من طريق سعيد بن منصور : نا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي - عن أبي سهيل بن مالك قال : كان على امرأة من أهلي اعتكاف ، فسألت عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها . فقال الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم . فقال له عمر : عن النبي ﷺ ؟ قال : لا ، قال : فعن أبي بكر ؟ قال : لا ، قال : فعن عمر ؟ قال : لا ، قال : فأظنه قال : فعن عثمان ؟ قال : لا . قال أبو سهيل : لقيت طاوسا ، وعطاء ، فسألتهما ؟ فقال طاوس : كان فلان لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها ، وقال عطاء : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها وبه إلى سعيد : نا حبان بن علي نا ليث عن الحكم عن مقسم : أن عليا ، وابن مسعود قالا جميعا : المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه ؟ واختلف في ذلك عن ابن عباس ، كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن عمر محمد القلعي نا محمد بن أحمد الصواف نا بشر بن موسى بن صالح بن عميرة نا أبو بكر الحميدي نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي نا أبو سهيل بن مالك قال : اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز ، وكان على امرأتي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام . فقال ابن شهاب : لا يكون اعتكاف إلا بصوم . فقال له عمر بن عبد العزيز : أمن رسول الله ﷺ ؟ قال : لا . قال : فمن أبي بكر ؟ قال : لا ، قال : فمن عمر ؟ قال : لا ، قال : فمن عثمان ؟ قال : لا . قال أبو سهيل : فانصرفت فلقيت طاوسا ، وعطاء ، فسألتهما عن ذلك . فقال طاوس : كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه . قال عطاء : ذلك رأيي ؟ ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي قال : المعتكف إن شاء لم يصم ومن طريق ابن أبي شيبة : نا عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : ليس على المعتكف صوم لا أن يوجب ذلك على نفسه ؟ وقال أبو حنيفة ، وسفيان ، والحسن بن حي ، ومالك ، والليث : لا اعتكاف إلا بصوم . وصح عن عروة بن الزبير ، والزهري وقد اختلف فيه عن طاوس وعن ابن عباس ، وصح عنهما كلا الأمرين ؟ كتب إلى داود بن بابشاذ بن داود المصري قال : نا عبد الغني بن سعيد الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة الرعيني نا أبو جعفر الطحاوي نا الربيع بن سليمان المؤذن نا ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، وابن عمر قالا جميعا : لا اعتكاف إلا بصوم وروي عن عائشة : لا اعتكاف إلا بصوم ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين قالت : من اعتكف فعليه الصوم . قال أبو محمد : شغب من قلد القائلين بأنه لا اعتكاف إلا بصوم بأن قالوا : قال الله تعالى : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . قالوا : فذكر الله تعالى الاعتكاف إثر ذكره للصوم ، فوجب أن لا يكون الاعتكاف إلا بصوم ؟ قال أبو محمد : ما سمع بأقبح من هذا التحريف لكلام الله تعالى ، والإقحام فيه ما ليس فيه وما علم قط ذو تمييز : أن ذكر الله تعالى شريعة إثر ذكره أخرى موجبة عقد إحداهما بالأخرى . ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل لما ذكر الصوم ثم الاعتكاف : وجب أن لا يجزئ صوم إلا باعتكاف ؟ فإن قالوا : لم يقل هذا أحد قلنا : فقد أقررتم بصحة الإجماع على بطلان حجتكم ، وعلى أن ذكر شريعة مع ذكر أخرى لا يوجب أن لا تصح إحداهما إلا بالأخرى . وأيضا : فإن خصومنا مجمعون على أن المعتكف : هو بالليل معتكف كما هو بالنهار ، وهو بالليل غير صائم . فلو صح لهم هذا الاستدلال لوجب أن لا يجزئ الاعتكاف إلا بالنهار الذي لا يكون الصوم إلا فيه - فبطل تمويههم بإيراد هذه الآية ، حيث ليس فيها شيء مما موهوا به ، لا بنص ولا بدليل وذكروا ما روينا من طريق أبي داود قال : نا أحمد بن إبراهيم نا أبو داود هو الطيالسي - نا عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال : { إن عمر جعل عليه في الجاهلية أن يعتكف ليلة أو يوما عند الكعبة ، فسأل النبي ﷺ فقال : اعتكف وصم } . قال أبو محمد : هذا خبر لا يصح ، لأن عبد الله بن بديل مجهول ولا يعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلا ، وما نعرف لعمرو بن دينار عن ابن عمر حديثا مسندا إلا ثلاثة ، ليس ، هذا منها - : أحدها : في العمرة { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } . والثاني : في صفة الحج . والثالث : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } . فسقط عنا هذا الخبر ، لبطلان سنده ؟ ثم الطامة الكبرى احتجاجهم به في إيجاب الصوم في الاعتكاف ومخالفتهم إياه في إيجاب الوفاء بما نذره المرء في الجاهلية ، فهذه عظيمة لا يرضى بها ذو دين فإن قالوا : معنى قوله " في الجاهلية " أي أيام ظهور الجاهلية بعد إسلامه ؟ قلنا لمن قال هذا : إن كنت تقول هذا قاطعا به فأنت أحد الكذابين ، لقطعك بما لا دليل لك عليه ، ولا وجدت قط في شيء من الأخبار ، وإن كنت تقوله ظنا ، فإن الحقائق لا تترك بالظنون . وقد قال الله تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } . وقال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . فكيف وقد صح كذب هذا القول ، كما روينا من طريق ابن أبي شيبة : نا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال { نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي ﷺ بعدما أسلمت ، فأمرني أن أوفي بنذري } . وهذا في غاية الصحة ، لا كحديث عبد الله بن بديل الذاهب في الرياح ؟ فهل سمع بأعجب من هؤلاء القوم لا يزالون يأتون بالخبر يحتجون به على من لا يصححه فيما وافق تقليدهم ، وهم أول مخالفين لذلك الخبر نفسه فيما خالف تقليدهم - : فكيف يصعد مع هذا عمل ؟ ونعوذ بالله من الضلال ، فعاد خبرهم حجة عليهم لا علينا ، ولو صح ، ورأيناه حجة لقلنا : به وموهوا بأن هذا روي عن أم المؤمنين ، وابن عباس وابن عمر . قالوا : ومثل هذا لا يقال بالرأي . فقلنا : أما ابن عباس فقد اختلف عنه في ذلك ، فصح عنه مثل قولنا . وقد روينا عنه من طريق : عبد الرزاق أنا ابن عيينة عن عبد الكريم بن أبي أمية سمعت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقول : إن أمنا ماتت وعليها اعتكاف ، فسألت ابن عباس ؟ فقال : اعتكف عنها وصم فمن أين صار ابن عباس حجة في إيجاب الصوم على المعتكف - وقد صح عنه خلاف ذلك - . ولم يصر حجة في إيجابه على الولي قضاء الاعتكاف عن الميت ؟ وهلا قلتم هاهنا : مثل هذا لا يقال : بالرأي وعهدناهم يقولون : لو كان هذا عند فلان صحيحا ما تركه . أو يقولون : لم يترك ما عنده من ذلك إلا لما هو أصح عنده ؟ وقد ذكرنا عن عطاء آنفا أنه لم ير الصوم على المعتكف ، وسمع طاوسا يذكر ذلك عن ابن عباس فلم ينكر ذلك عليه . فهلا قالوا : لم يترك عطاء ما روي عن ابن عباس ، وابن عمر إلا لما هو عنده أقوى منه ، ولكن القوم متلاعبون وأما أم المؤمنين فقد روينا عنها من طريق أبي داود - : نا وهب بن بقية أنا خالد عن عبد الرحمن يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أنها " قالت : السنة على المعتكف لا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ؟ فمن أين صار قولها في إيجاب الاعتكاف حجة ، ولم يصر قولها " لا اعتكاف إلا في مسجد جامع " حجة وروينا عنها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ، ومعمر - : قال ابن جريج : أخبرني عطاء : أن عائشة نذرت جوارا في جود ثبير مما يلي منى . وقال معمر عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة قال : اعتكفت عائشة أم المؤمنين بين حراء ، وثبير ، فكنا نأتيها هنالك . فخالفوا عائشة في هذا أيضا ، وهذا عجب وأما ابن عمر فحدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح : أن ابن عمر كان إذا اعتكف ضرب فسطاطا ، أو خباء يقضي فيه حاجته ، ولا يظله سقف بيت ؟ فكان ابن عمر حجة فيما روي عنه : أنه لا اعتكاف إلا بصوم ، ولم يكن حجة في أنه كان إذا اعتكف لا يظله سقف بيت ؟ فصح أن القوم إنما يموهون بذكر من يحتج به من الصحابة إيهاما ؛ لأنهم لا مؤنة عليهم من خلافهم فيما لم يوافق من أقوالهم رأي أبي حنيفة ، ومالك وأنهم لا يرون أقوال الصحابة حجة إلا إذا وافقت رأي أبي حنيفة ، ومالك فقط ، وفي هذا ما فيه . فبطل قولهم ، لتعريه من البرهان ومن عجائب الدنيا ، ومن الهوس قولهم : لما كان الاعتكاف لبثا في موضع : أشبه الوقوف بعرفة ، والوقوف بعرفة لا يصح إلا محرما ، فوجب أن لا يصح الاعتكاف إلا بمعنى آخر ، وهو الصوم . فقيل لهم : لما كان اللبث بعرفة لا يقتضي وجوب الصوم وجب أن يكون الاعتكاف لا يقتضي وجوب الصوم ؟ قال أبو محمد : من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي ﷺ في رمضان ، فلا يخلو صومه من أن يكون لرمضان خالصا - وكذلك هو - فحصل الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه ، وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوي به الاعتكاف فقد بطل أن يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح أنه جائز بلا صوم ، وهذا برهان ما قدروا على اعتراضه إلا بوساوس لا تعقل . ولو قالوا : إنه عليه السلام صام للاعتكاف لا لرمضان ، أو لرمضان ، والاعتكاف - لم يبعدوا عن الانسلاخ من الإسلام وأيضا : فإن الاعتكاف هو بالليل كهو بالنهار ، ولا صوم بالليل ، فصح أن الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم . فقال مهلكوهم ههنا : إنما كان الاعتكاف بالليل تبعا للنهار ؟ فقلنا : كذبتم ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل إنما كان بالنهار تبعا لليل ، وكلا القولين فاسد . فقالوا : إنما قلنا : إن الاعتكاف يقتضي أن يكون في حال صوم . فقلنا : كذبتم لأن رسول الله ﷺ يقول : { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } فلما كان الاعتكاف عندنا وعندكم لا يقتضي أن يكون معه صوم ينوي به الاعتكاف صح ضرورة أن الاعتكاف ليس من شروطه ، ولا من صفاته ، ولا من حكمه أن يكون معه صوم ، وقد جاء نص صحيح بقولنا ؟ كأن روينا من طريق أبي داود : نا عثمان بن أبي شيبة نا أبو معاوية ويعلى بن عبيد كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ، قالت : وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، قالت : فأمر ببنائه فضرب فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب ، وأمر غيري من أزواج النبي ﷺ ببنائهن فضرب ، فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية ، فقال : ما هذا ؟ آلبر تردن ؟ فأمر ببنائه فقوض ، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضن ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول ، يعني من شوال } قال أبو محمد : فهذا رسول الله ﷺ قد اعتكف العشر الأول من شوال وفيها يوم الفطر ، ولا صوم فيه ومالك يقول : لا يخرج المعتكف في العشر الأواخر من رمضان من اعتكافه إلا حتى ينهض إلى المصلى . فنسألهم : أمعتكف هو ما لم ينهض إلى المصلى ، أم غير معتكف ؟ فإن قالوا : هو معتكف ، تناقضوا ، وأجازوا الاعتكاف بلا صوم برهة من يوم الفطر . وإن قالوا : ليس معتكفا قلنا : فلم منعتموه الخروج إذن ؟
626 - /218 مسألة /218 : ولا يحل للرجل مباشرة المرأة ، ولا للمرأة مباشرة الرجل في حال الاعتكاف بشيء من الجسم ، إلا في ترجيل المرأة للمعتكف خاصة ، فهو مباح ، وله إخراج رأسه من المسجد للترجيل ؟ لقول الله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . فصح أن من تعمد ما نهي عنه من عموم المباشرة - ذاكرا لاعتكافه - فلم يعتكف كما أمر ، فلا اعتكاف له ، فإن كان نذرا قضاه ، وإلا فلا شيء عليه . وقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } خطاب للجميع من الرجال والنساء ، فحرمت المباشرة بين الصنفين . ومن طريق البخاري : نا محمد بن يوسف نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت { كان رسول الله ﷺ يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف ، فأرجله وأنا حائض } . فخرج هذا النوع من المباشرة من عموم نهي الله عز وجل - وبالله التوفيق .
627 - /218 مسألة /218 : وجائز للمعتكف أن يشترط ما شاء من المباح والخروج له ، لأنه بذلك إنما التزم الاعتكاف في خلال ما استثناه ، وهذا مباح له ، أن يعتكف إذا شاء ، ويترك إذا شاء ، لأن الاعتكاف طاعة ، وتركه مباح ، فإن أطاع أجر ، وإن ترك لم يقض ؟ وإن العجب ليكثر ممن لا يجيز هذا الشرط والنصوص كلها من القرآن والسنة موجبة لما ذكرنا ، ثم يقول : بلزوم الشروط التي أبطلها القرآن والسنن ، من اشتراط الرجل للمرأة إن تزوج عليها ، أو تسرى فأمرها بيدها ، والداخلة بنكاح طالق ، والسرية حرة ، وهذه شروط الشيطان ، وتحريم ما أحل الله عز وجل ، وقد أنكر الله تعالى ذلك في القرآن
628 - /218 مسألة /218 : وكل فرض على المسلم فإن الاعتكاف لا يمنع منه ، وعليه أن يخرج إليه ، ولا يضر ذلك باعتكافه ، وكذلك يخرج لحاجة الإنسان ، من البول والغائط وغسل النجاسة ، وغسل الاحتلام ، وغسل الجمعة ، ومن الحيض ، إن شاء في حمام أو في غير حمام . ولا يتردد على أكثر من تمام غسله ، وقضاء حاجته ، فإن فعل بطل اعتكافه وكذلك يخرج لابتياع ما لا بد له ولأهله منه ، من الأكل واللباس ، ولا يتردد على غير ذلك ، فإن تردد بلا ضرورة : بطل اعتكافه ، وله أن يشيع أهله إلى منزلها . وإنما يبطل الاعتكاف : خروجه لما ليس فرضا عليه ؟ وقد افترض الله تعالى على المسلم ما رويناه من طريق البخاري : ثنا محمد ثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي أنا ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس } . وأمر عليه السلام من دعي - إن كان مفطرا - : فليأكل وإن كان صائما فليصل ، بمعنى أن يدعو لهم ؟ وقال تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } وقال تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } . وقال تعالى : { انفروا خفافا وثقالا } . فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف ، وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن . قال الله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } . ففرض على المعتكف أن يخرج لعيادة المريض مرة واحدة ، يسأل عن حاله واقفا وينصرف لأن ما زاد عن هذا فليس من الفرض ، وإنما هو تطويل ، فهو يبطل الاعتكاف ؟ وكذلك يخرج لشهود الجنازة ، فإذا صلى عليها انصرف ، لأنه قد أدى الفرض ، وما زاد فليس فرضا ، وهو به خارج عن الاعتكاف ؟ وفرض عليه : أن يخرج إذا دعي ، فإن كان صائما بلغ إلى دار الداعي ودعا وانصرف ، ولا يزد على ذلك ؟ وفرض عليه : أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة ، فإذا سلم رجع ، فإن زاد على ذلك خرج من الاعتكاف ، فإن خرج كما ذكرنا ثم رأى أن في الوقت فسحة فإن علم أنه إن رجع إلى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع ، وإلا فليتماد ، وكذلك إن كان عليه في الرجوع حرج ، لقول الله تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } . وكذلك يخرج للشهادة إذا دعي سواء قبل أو لم يقبل ؛ لأن الله تعالى أمر الشهداء بأن لا يأبوا إذا دعوا ، ولم يشترط من يقبل مما لا يقبل { وما كان ربك نسيا } إذا أداها رجع إلى معتكفه ولا يتردد ، فإن تردد : بطل اعتكافه ؟ وهو كله قول أبي سليمان ، وأصحابنا ؟ وروينا من طريق سعيد بن منصور : أنا أبو الأحوص أنا أبو إسحاق هو السبيعي - عن عاصم بن ضمرة قال : قال علي بن أبي طالب : إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليحضر الجنازة وليعد المريض وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم ؟ وبه إلى سعيد : نا سفيان هو ابن عيينة - عن عمار بن عبد الله بن يسار عن أبيه : أن علي بن أبي طالب أعان ابن أخته جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشتري بها خادما ، فقال : إني كنت معتكفا ، فقال له علي : وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت ؟ وبه إلى سفيان : نا هشيم عن الزهري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين : أنها كانت لا تعود المريض من أهلها إذا كانت معتكفة إلا وهي مارة ؟ وبه إلى سعيد : نا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال - وهن له وإن لم يشترط - : عيادة المريض ، ولا يدخل سقفا ، ويأتي الجمعة ، ويشهد الجنازة ، ويخرج إلى الحاجة ؟ قال إبراهيم : ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة ؟ وبه إلى هشيم : أنا أبو إسحاق الشيباني عن سعيد بن جبير قال : المعتكف يعود المريض ، ويشهد الجنازة ، ويجيب الإمام ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه كان يرخص للمعتكف : أن يتبع الجنازة ، ويعود المريض ولا يجلس . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال : المعتكف يدخل الباب فيسلم ولا يقعد ، يعود المريض ؟ وكان لا يرى بأسا إذا خرج المعتكف لحاجته فلقيه رجل فسأله أن يقف عليه فيسائله قال أبو محمد : إن اضطر إلى ذلك ، أو سأله عن سنة من الدين ، وإلا فلا ؟ ومن طريق شعبة عن أبي إسحاق الشيباني عن سعيد بن جبير قال : للمعتكف أن يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويأتي إلى الجمعة ، ويجيب الداعي ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء : إن نذر جوارا أينوي في نفسه أن لا يصوم ، وأنه يبيع ويبتاع ، ويأتي الأسواق ، ويعود المريض ، ويتبع الجنازة وإن كان مطر : فإني أستكن في البيت . وإني أجاور جوارا منقطعا ، أو أن يعتكف النهار ويأتي البيت بالليل ؟ قال عطاء : ذلك على نيته ما كانت ، ذلك له ؟ وهو قول قتادة أيضا ؟ وروينا عن سفيان الثوري أنه قال : المعتكف يعود المرضى ويخرج إلى الجمعة ، ويشهد الجنائز - وهو قول الحسن بن حي ؟ وروينا عن مجاهد ، وعطاء ، وعروة ، والزهري : لا يعود المعتكف مريضا ، ولا يشهد الجنازة - وهو قول مالك ، والليث . قال مالك : لا يخرج إلى الجمعة ؟ قال أبو محمد : هذا مكان صح فيه عن علي وعائشة ما أوردنا ، ولا مخالف لهما يعرف من الصحابة ، وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية أم المؤمنين قالت { كان رسول الله ﷺ معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ، ثم قمت فانقلبت ، فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة } وذكر باقي الخبر ؟ قال أبو محمد : في هذا كفاية ، وما نعلم لمن منع من كل ما ذكرنا حجة ، لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ، ولا قياس . ونسألهم : ما الفرق بين ما أباحوا له من الخروج لقضاء الحاجة وابتياع ما لا بد منه ، وبين خروجه لما افترضه الله عز وجل عليه ؟ وقال أبو حنيفة : ليس له أن يعود المريض ، ولا أن يشهد الجنازة ، وله أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يصلي ست ركعات قبل الخطبة ، وله أن يبقى في الجامع بعد صلاة الجمعة مقدار ما يصلي ست ركعات ، فإن بقي أكثر ، أو خرج لأكثر لم يضره شيء ، فإن خرج لجنازة ، أو لعيادة مريض : بطل اعتكافه ؟ وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : له أن يخرج لكل ذلك ، فإن كان مقدار لبثه في خروجه لذلك نصف يوم فأقل لم يضر اعتكافه ذلك ، فإن كان أكثر من نصف يوم : بطل اعتكافه ؟ قال أبو محمد : إن في هذه التحديدات لعجبا وما ندري كيف يسمح ذو عقل أن يشرع في دين الله هذه الشرائع الفاسدة فيصير محرما محللا موجبا دون الله تعالى ؟ وما هو إلا ما جاء النص بإباحته فهو مباح ، قل أمده أو كثر أو ما جاء النص بتحريمه فهو حرام قل أمده أو كثر أو ما جاء النص بإيجابه فهو واجب إلا أن يأتي نص بتحديد في شيء من ذلك ، فسمعا وطاعة ؟
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الأعتكاف
كتاب الأعتكاف (مسألة 624 - 628) | كتاب الأعتكاف (مسألة 629 - 636)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 673)
كتاب الزكاة
669 - مسألة : الغنم في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله ﷺ اسم يقع على الضأن والماعز ، فهي مجموع بعضها إلى بعض في الزكاة . وكذلك أصناف الماعز والضأن ، كضأن بلاد السودان وماعز البصرة والنفد وبنات حذف وغيرها . وكذلك المقرون الذي نصفه خلقة ماعز ، ونصفه ضأن ، لأن كل ذلك من الغنم ، والذكور والإناث سواء . واسم الشاء أيضا - : واقع على المعز والضأن كما ذكرنا في اللغة . ولا واحد للغنم من لفظه ، إنما يقال للواحد : شاة ، أو ماعزة ، أو ضانية ، أو كبش ، أو تيس : هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة - وبالله تعالى التوفيق .
670 - مسألة : ولا زكاة في الغنم حتى يملك المسلم الواحد منها أربعين رأسا حولا كاملا متصلا عربيا قمريا . وقد اختلف السلف في هذا ، وسنذكره في زكاة الفوائد ، إن شاء الله تعالى : ويكفي من هذا أن { رسول الله ﷺ أوجب الزكاة في الماشية ، ولم يحد وقتا } ولا ندري من هذا العموم متى تجب الزكاة ، إلا أنه لم يوجبها عليه السلام في كل يوم ، ولا في كل شهر ، ولا مرتين في العام فصاعدا ، هذا منقول بإجماع إليه ﷺ فإذ لا شك في أنها مرة في الحول ، فلا يجب فرض إلا بنقل صحيح إلى رسول الله ﷺ . ووجدنا من أوجب الزكاة في أول الحول ، أو قبل تمام الحول لم ينقل ذلك إلى رسول الله ﷺ لا بنقل آحاد ولا بنقل تواتر ولا بنقل إجماع ، ووجدنا من أوجبها بانقضاء الحول قد صح وجوبها بنقل الإجماع عن النبي ﷺ حينئذ بلا شك ؛ فالآن وجبت ، لا قبل ذلك فإن احتج بقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } . قلنا : إنما تجب المسارعة إلى الفرض بعد وجوبه لا قبل وجوبه ، وكلامنا في هذه المسألة وفي أخواتها إنما هو في وقت الوجوب ، فإذا صح وجوب الفرض فحينئذ تجب المسارعة إلى أدائه لا قبل ذلك ، بلا خلاف وأما قولنا : أن يكون الحول عربيا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن الحول اثنا عشر شهرا ، وقال الله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } . والأشهر الحرم لا تكون إلا في الشهور العربية . وقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } . وقال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } . ولا يعد بالأهلة إلا العام العربي ؛ فصح أنه لا تجب شريعة مؤقتة بالشهور أو بالحول إلا بشهور العرب ، والحول العربي - وبالله تعالى التوفيق ؟ .
671 - مسألة : فإذا تمت في ملكه عاما كما ذكرنا ، سواء كانت كلها ماعزا ، أو بعضها - أكثرها أو أقلها - ضأنا ، وسائرها كذلك معزى - : ففيها شاة واحدة لا نبالي ضانية كانت أو ماعزة ، كبشا ذكرا أو أنثى من كليهما ، كل رأس تجزئ منهما عن الضأن ، وعن الماعز ؛ وهكذا ما زادت حتى تتم مائة وعشرين كما ذكرنا ؟ فإذا أتمتها وزادت لو بعض شاة كذلك عاما كاملا كما ذكرنا - : ففيها شاتان كما قلنا ، إلى أن تتم مائتي شاة ؟ فإذا أتمتها وزادت ولو بعض شاة كذلك عاما كاملا وصفنا ففيها ثلاث شياه كما حددنا ؛ وهكذا إلى أن تتم أربعمائة شاة كما وصفنا فإذا أتمتها كذلك عاما كاملا كما ذكرنا ففي كل مائة شاة شاة . وأي شاة أعطى صاحب الغنم فليس للمصدق ولا لأهل الصدقات ردها ، من غنمه كانت أو من غير غنمه ، ما لم تكن هرمة أو معيبة ؛ فإن أعطاه هرمة ؛ أو معيبة فالمصدق مخير ، إن شاء أخذها وأجزأت عنه ، وإن شاء ردها وكلفه فتية سليمة ، ولا نبالي كانت تجزئ في الأضاحي أو لا تجزئ ؟ والمصدق هو الذي يبعثه الإمام - الواجبة طاعته - أو أميره في قبض الصدقات ؟ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ تيسا ذكرا إلا أن يرضى صاحب الغنم ؛ فيجوز له حينئذ ؛ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ أفضل الغنم ، فإن كانت التي تربى أو السمينة ليست من أفضل الغنم جاز أخذها ؛ فإن كانت كلها فاضلة أخذ منها إن أعطاه صاحبها ، سواء فيما ذكرنا كان صاحبها حاضرا أو غائبا إذا أخذ المصدق ما ذكرنا أجزأ ؟ برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثنا أبي ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ( أن أنس بن مالك ) حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين ؛ فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سأل فوقها فلا يعط " . ثم ذكر الحديث وفيه - : { في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة } فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين فشاتان ؛ فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه ؛ فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ولا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس إلا ما شاء المصدق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض عليه السلام ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه - ذكر الفرائض - : وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة ، إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة ، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة ، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد هو ابن مقاتل - أنا عبد الله بن المبارك ثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال { قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن - فذكر الحديث وفيه - : فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب } . ففي هذه الأخبار نص كل ما ذكرنا - وفي بعض ذلك خلاف . فمن ذلك - : أن قوما قالوا : لا يؤخذ من الضأن إلا ضانية ، ومن المعز إلا ماعزة فإن كانا خليطين أخذ من الأكثر . قال أبو محمد : وهذا قول بلا برهان ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ؛ بل الذي ذكروا خلاف للسنن المذكورة ، وقد اتفقوا على جمع المعزى مع الضأن ، وعلى أن اسم غنم يعمها ، وأن اسم الشاة يقع على الواحد من الماعز ، ومن الضأن ؛ ولو أن رسول الله ﷺ علم في حكمها فرقا لبينه ، كما خص التيس ، وإن وجد في اللغة اسم التيس يقع على الكبش وجب أن لا يؤخذ في الصدقة إلا برضا المصدق . والعجب أن المانع من أخذ الماعزة عن الضأن أجاز أخذ الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب وهما عنده صنفان ، يجوز بيع بعضهما ببعض متفاضلا والخلاف أيضا في مكان آخر : وهو أن قوما قالوا : إن ملك مائة شاة وعشرين شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاة واحدة حتى يتم في ملكه مائة وإحدى وعشرون ، ومن ملك مائتي شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاتان حتى يتم في ملكه مائتا شاة وشاة . واحتجوا بما في حديث ابن عمر " فإن زادت واحدة " كما أوردناه قال أبو محمد : في حديث ابن عمر كما ذكروا ، وفي حديث أبي بكر الذي أوردنا " فإن زادت " ولم يقل " واحدة " فوجدنا الخبرين جميعا متفقين على أنها إن زادت واحدة على مائة وعشرين شاة أو على مائتي شاة فقد انتقلت الفريضة . ووجدنا حديث أبي بكر يوجب انتقال الفريضة بالزيادة على المائة وعشرين وعلى المائتين ، فكان هذا عموما لكل زيادة ، وليس في حديث ابن عمر المنع من ذلك أصلا ، فصار من قال بقولنا قد أخذ بالحديثين ، فلم يخالف واحدا منهما ؛ وصار من قال بخلاف ذلك مخالفا لحديث أبي بكر ، مخصصا له بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق . وهاهنا أيضا خلاف آخر : وهو ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري ، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة ، ثم اتفق شعبة ، وسفيان كلاهما عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أنه قال : إذا زادت الغنم واحدة على ثلثمائة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة ، فكل ما زادت واحدة فهو كذلك ؟ قال أبو محمد : ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ ولقد يلزم القائلين بالقياس - لا سيما المالكيين القائلين بأن القياس أقوى من خبر الواحد ، والحنفيين القائلين بأن ما عظمت به البلوى لا يقبل فيه خبر الواحد - : أن يقولوا بقول إبراهيم ؛ لأنهم قد أجمعوا على أن المائتي شاة إذا زادت واحدة فإن الفريضة تنتقل ويجب فيها ثلاث شياه ، فكذلك إذا زادت على الثلاثمائة واحدة أيضا ، فيجب أن تنتقل الفريضة ، ولا سيما والحنفيون قد قلدوا إبراهيم في أخذ الزكاة من البقرة الواحدة تزيد على أربعين بقرة ، واحتجوا بأنهم لم يجدوا في البقر وقصا من تسعة عشر أن يقلدوه هاهنا ويقولوا : لم نجد في الغنم وقصا من مائة وثمان وتسعين شاة ؛ لا سيما ومعهم هاهنا في الغنم قياس مطرد ، وليس معهم في البقر قياس أصلا ، وكل ما موهوا به في البقر فهو لازم لهم فيما زاد على الثلاثمائة من الغنم من قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } ونحو ذلك - وهلا قالوا : هذا مما تعظم به البلوى فلو كان ذلك ما جهله إبراهيم ؟ فإن قالوا : إن خلاف قول إبراهيم قد جاء في حديث أبي بكر ، وخبر ابن عمر ، وعن علي ، وعن صحيفة ابن حزم ؟ قلنا : ليس شيء من هذه الأخبار إلا وقد خالفتموها ، فلم تكن حجة فيما خالفتموه فيه ، وكان حجة عندكم فيما اشتهيتم ، وهذا عجب جدا قال أبو محمد : كله خبط لا معنى له وإنما نريهم تناقضهم وتحكمهم في الدين بترك القياس للسنن إذا وافقت تقليدهم ، وبترك السنن للقياس كذلك ، وبتركهما جميعا كذلك وأما من راعى في الشاة المأخوذة ما تجزئ من الأضحية - وهو أبو حنيفة - فقد أخطأ ؛ لأنه لم يأت بما قال نص ، ولا إجماع ؛ فكيف وقد أجمعوا على أخذ الجذعة فما دونها في زكاة الإبل ، ولا تجزئ في الأضحية ، وإنما { قال عليه السلام لأبي بردة ولن تجزئ جذعة لأحد بعدك } يعني في الأضحية ؛ لأنه عنها سأله ، وقد صح النص بإيجاب الجذعة في زكاة الإبل ؛ فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعن إلا الأضحية - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا إن كانت الغنم كلها كرائم أخذ منها برضا صاحبها ؛ فلأن رسول الله ﷺ { نهى عن كرائم الغنم } ؛ وهذا في لغة العرب يقتضي أن يكون في الغنم - ولا بد - ما ليس بكرائم ، وأما إذا كانت كلها كرائم فلا يجوز أن يقال في شيء منها : هذه كرائم هذه الغنم ؛ لكن يقال هذه كريمة من هذه الغنم الكرائم . وقد روينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : يؤمر المصدق أن يصدع الغنم صدعين فيختار صاحب الغنم خير الصدعين ويأخذ المصدق من الآخر ؟ وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه قال : يفرق الغنم أثلاثا ، ثلث خيار ، وثلث رذال ، وثلث وسط ؛ ثم تكون الصدقة في الوسط . قال أبو محمد : هذا لا نص فيه ؛ ولكن روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : لا يأخذ المصدق هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا . ومن طريق البخاري عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال : قال أبو بكر الصديق : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليها ؟ ومن طريق عبد الرزاق : أخبرني بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله أن أباه حدثه ( أن سفيان أباه حدثه ) أن عمر بن الخطاب قال له : قل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ولا فحل الغنم ، ولا الربى ولا الماخض ، ولكني آخذ العناق والجذعة ، والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره ؟ ومن طريق الأوزاعي عن سالم بن عبد الله المحاربي أن عمر بعثه مصدقا وأمره أن يأخذ الجذعة ، والثنية .
672 - مسألة : وما صغر عن أن يسمى : شاة ، لكن يسمى خروفا ، أو جديا ، أو سخلة : لم يجز أن يؤخذ في الصدقة الواجبة ، ولا أن يعد فيما تؤخذ منه الصدقة ، إلا أن يتم سنة ؛ فإذا أتمها عد ، وأخذت الزكاة منه ؟ قال أبو محمد : هذا مكان اختلف الناس فيه . فقال أبو حنيفة : تضم الفوائد كلها من الذهب ، والفضة ، والمواشي ، إلى ما عند صاحب المال فتزكى مع ما كان عنده ، ولو لم يفدها إلا قبل تمام الحول بساعة . هذا إذا كان الذي عنده تجب في مقدار ما معه الزكاة ، وإلا فلا ، وإنما يراعى في ذلك أن يكون عنده نصاب في أول الحول وآخره ، ولا يبالي أنقص في داخل الحول عن النصاب أم لا ؟ قال : فإن ماتت التي كانت عنده كلها وبقي من عدد الخرفان أكثر من أربعين : فلا زكاة فيها ؟ وكذلك لو ملك ثلاثين عجلا فصاعدا ، أو خمسا من الفصلان فصاعدا ، عاما كاملا دون أن يكون فيها مسنة واحدة فما فوقها - : فلا زكاة عليه فيها ؟ وقال مالك : لا تضم فوائد الذهب ، والفضة ، إلى ما عند المسلم منها ؛ بل يزكى كل مال بحوله ، حاشا ربح المال وفوائد المواشي كلها ؛ فإنها تضم إلى ما عنده ويزكى الجميع بحول ما كان عنده ، ولو لم يفدها إلا قبل الحول بساعة ، إلا أنه فرق بين فائدة الذهب ، والفضة ، والماشية ، من غير الولادة ، فلم ير أن يضم إلى ما عند المرء من ذلك كله إلا إذا كان الذي عنده منها مقدارا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا . ورأى أن تضم ولادة الماشية خاصة إلى ما عنده منها ، سواء كان الذي عنده منها تجب في مقداره الزكاة أو لا تجب في مقداره الزكاة . وقال الشافعي : لا تضم فائدة أصلا إلى ما عنده ، إلا أولاد الماشية فقط ، فإنها تعد مع أمهاتها ، ولو لم يتم العدد المأخوذ منه الزكاة بها إلا قبل الحول بساعة ، هذا إذا كانت الأمهات نصابا تجب فيه الزكاة وإلا فلا ، فإن نقصت في بعض الحول عن النصاب : فلا زكاة فيها ؟ قال أبو محمد : أما تناقض مالك ، والشافعي وتقسيمهما فلا خفاء به ، لأنهما قسما تقسيما لا برهان على صحته . وأما أبو حنيفة فله هاهنا أيضا تناقض أشنع من تناقض مالك ، والشافعي ، وهو أنه رأى أن يراعى أول الحول وآخره دون وسط ، ورأى أن تعد أولاد الماشية مع أمهاتها ولو لم تضعها إلا قبل مجيء الساعي بساعة ، ثم رأى في أربعين خروفا صغارا ومعها شاة واحدة مسنة أن فيها الزكاة ، وهي تلك المسنة فقط ؛ فإن لم يكن معها مسنة فلا زكاة فيها ، فإن كانت معه مائة خروف وعشرون خروفا صغارا كلها ومعها مسنة واحدة . قال : إن كان فيها مسنتان فصدقتها تانك المسنتان معا ، وإن كان ليس معهما إلا مسنة واحدة فليس فيها إلا تلك المسنة وحدها فقط ، فإن لم يكن معها مسنة فليس فيها شيء أصلا . وهكذا قال في العجاجيل والفصلان أيضا ، ولو ملكها سنة فأكثر قال أبو محمد : وهذه شريعة إبليس لا شريعة الله تعالى ورسوله محمد ﷺ نعني قوله : إن كان مع المائة خروف والعشرون خروفا : مسنتان زائدتان أخذتا عن زكاة الخرفان كلتاهما ، فإن لم يكن معها إلا مسنة واحدة : أخذت وحدها عن زكاة الخرفان ولا مزيد وما جاء بهذا قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ، ولا أحد نعلمه قبل أبي حنيفة ، ولا قياس ولا رأي سديد . وقد روي عنه أنه قال مرة في أربعين خروفا : يؤخذ عن زكاتها شاة مسنة ، وبه يأخذ زفر ، ثم رجع إلى أن قال : بل يؤخذ عن زكاتها خروف منها ؛ وبه يأخذ أبو يوسف ؛ ثم رجع إلى أن قال : لا زكاة فيها ؛ وبه يأخذ الحسن بن زياد . وقال مالك كقول زفر ، وقال الأوزاعي ، والشافعي ، كقول أبي يوسف ، وقال الشعبي ، وسفيان الثوري ، وأبو سليمان كقول الحسن بن زياد . قال أبو محمد : احتج من رأى أن تعد الخرفان مع أمهاتها بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن جده : أنه كان مصدقا في مخاليف الطائف ، فشكا إليه أهل الماشية تصديق الغذاء ، وقالوا : إن كنت معتدا بالغذاء فخذ منه صدقته . قال عمر : فقل لهم : إنا نعتد بالغذاء كلها حتى السخلة يروح بها الراعي على يده ؛ وقل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ؛ ولا فحل الغنم ، ولا الربى ، ولا الماخض ؛ ولكني آخذ العناق ، والجذعة ، والثنية : وذلك عدل بين غذاء المال ، وخياره . وروينا هذا أيضا من طريق مالك عن ثور بن زيد عن ابن عبد الله بن سفيان ومن طريق أيوب عن عكرمة بن خالد عن سفيان . ما نعلم لهم حجة غير هذا ؟ قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه : أولها - أنه ليس من قول رسول الله ﷺ ولا حجة في قول أحد دونه . والثاني - أنه قد خالف عمر رضي الله عنه في هذا غيره من أصحاب رسول الله ﷺ كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن مالك عن محمد بن عقبة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : أن أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : لا يزكى حتى يحول عليه الحول : تعني المال المستفاد - : وبه إلى سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . وبه إلى سفيان عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . فهذا عموم من أبي بكر ، وعائشة ، وعلي ، وابن عمر رضي الله عنهم ، لم يخصوا فائدة ماشية بولادة من سائر ما يستفاد ؛ وليس لأحد أن يقول إنهم لم يريدوا بذلك أولاد الماشية إلا كان كاذبا عليهم ، وقائلا بالباطل الذي لم يقولوه قط ؟ وأيضا - فإن الذين حكى عنهم سفيان بن عبد الله أنهم أنكروا أن يعد عليهم أولاد الماشية مع أمهاتها - : قد كان فيهم بلا شك جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ لأن سفيان ذكر أن ذلك كان أيام عمر رضي الله عنه ولي الأمر بعد موت النبي ﷺ بسنتين ونصف ، وبقي عشر سنين ، ومات بعد موت رسول الله ﷺ بثلاث عشرة سنة ، وكانوا بالطائف ، وأهل الطائف أسلموا قبل موت رسول الله ﷺ بنحو عام ونصف ورأوه عليه فقد صح الخلاف في هذا من الصحابة رضي الله عنهم بلا شك ، وإذا كان ذلك فليس قول بعضهم أولى من قول بعض ؛ والواجب في ذلك ما افترضه الله تعالى إذ يقول : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . والثالث - أنه لم يرو هذا عن عمر من طريق متصلة إلا من طريقين : إحداهما : من طريق بشر بن عاصم بن سفيان عن أبيه ، وكلاهما غير معروف أو من طريق ابن لعبد الله بن سفيان لم يسم . والثانية - من طريق عكرمة بن خالد ، وهو ضعيف . والرابع - أن الحنفيين ، والشافعيين : خالفوا قول عمر في هذه المسألة نفسها ، فقالوا : لا يعتد بما ولدت الماشية إلا أن تكون الأمهات - دون الأولاد - عددا تجب فيه الزكاة وإلا فلا تعد عليهم الأولاد ، وليس هذا في حديث عمر . والخامس - أنهم لا يلتفتون ما قد صح عن عمر رضي الله عنه بأصح من هذا الإسناد ، أشياء لا يعرف له فيها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، إذا خالف رأي مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي - : كترك الحنفيين ، والشافعيين قول عمر : الماء لا ينجسه شيء . وترك الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين : أخذ عمر الزكاة من الرقيق لغير التجارة ، وصفة أخذه الزكاة من الخيل . وترك الحنفيين إيجاب عمر الزكاة في مال اليتيم ، ولا يصح خلافه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وترك الحنفيين ، والمالكيين : أمر عمر الخارص بأن يترك لأصحاب النخل ما يأكلونه لا يخرصه عليهم ، وغير هذا كثير جدا ؟ فقد وضح أن احتجاجهم بعمر إنما هو حيث وافق شهواتهم لا حيث صح عن عمر من قول أو عمل وهذا عظيم في الدين جدا قال أبو محمد : المرجوع إليه عند التنازع هو القرآن ، وسنة رسول الله ﷺ فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله ﷺ إنما أوجب الزكاة في أربعين شاة فصاعدا كما وصفنا ، وأوجب فيها شاة أو شاتين أو في كل مائة شاة شاة ، وأسقطها عما عدا ذلك . ووجدنا الخرفان والجديان لا يقع عليها اسم شاة ولا اسم شاء في اللغة التي أوجب الله تعالى علينا بها دينه على لسان رسول الله ﷺ . فخرجت الخرفان ، والجديان عن أن تجب فيها زكاة . وأيضا - فقد أجمعوا على أن لا يؤخذ خروف ولا جدي في الواجب في الزكاة عن الشاء فأقروا بأنه لا يسمى شاة ولا له حكم الشاء ، فمن المحال أن يؤخذ منها زكاة ، فلا تجوز هي في الزكاة بغير نص في ذلك . وأيضا - فإن زكاة ماشية لم يحل عليها حول لم يأت به قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ؟ وأما من ملك خرفانا أو عجولا أو فصلانا سنة كاملة فالزكاة فيها واجبة عند تمام العام ؛ لأن كل ذلك يسمى غنما ، وبقرا وإبلا . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا هناد بن السري عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال { أتانا مصدق رسول الله ﷺ فجلست إليه ، فسمعته يقول : إن في عهدي أن لا نأخذ من راضع لبن } . قال أبو محمد : لو أراد أن لا يؤخذ هو في الزكاة لقال " أن لا نأخذ راضع لبن " لكن لما منع من أخذ الزكاة من راضع لبن - وراضع لبن اسم للجنس - صح بذلك أن لا تعد الرواضع فيما تؤخذ منه الزكاة . وما نعلم أحدا عاب هلال بن خباب ، إلا أن يحيى بن سعيد القطان قال : لقيته وقد تغير ، وهذا ليس جرحة ، لأن هشيما أسن من يحيى بنحو عشرين سنة ، فكان لقاء هشيم لهلال قبل تغيره بلا شك . وأما سويد فأدرك النبي ﷺ وأتى إلى المدينة بعد وفاته عليه السلام بنحو خمس ليال ، وأفتى أيام عمر رضي الله عنه - : قال أبو محمد : وأما الشافعي ، وأبو يوسف فطردا قولهما ، إذ أوجبا أخذ خروف صغير في الزكاة عن أربعين خروفا فصاعدا ، ولدت قبل الحول أو ماتت أمهاتها ؟ وأخذ مثل هذا في الزكاة عجب جدا وأما إذا أتمت سنة فاسم شاة يقع عليها فهي معدودة ومأخوذة - وبالله تعالى التوفيق . وحصلوا كلهم على أن ادعوا أنهم قلدوا عمر رضي الله عنه ؛ وهم قد خالفوه في هذه المسألة نفسها ، فلم ير أبو حنيفة ، والشافعي أن تعد الأولاد مع الأمهات إلا إذا كانت الأمهات نصابا ؛ ولم يقل عمر كذلك ؟ وحصل مالك على قياس فاسد متناقض ؛ لأنه قاس فائدة الماشية خاصة - دون سائر الفوائد - على ما في حديث عمر من عد أولادها معها ، ثم نقض قياسه فرأى أن لا تضم فائدة الماشية بهبة ، أو ميراث ، أو شراء إلى ما عنده منها إلا إن كان ما عنده نصابا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا - ورأى أن تضم أولادها إليها وإن لم تكن الأمهات نصابا تجب في الزكاة ؟ وهذه تقاسيم لا يعرف أحد قال بها قبلهم ، ولا هم اتبعوا عمر ، ولا طردوا القياس ، ولا اتبعوا نص السنة في ذلك .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والأربعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 775 - 787)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (مسألة 788 - 796)
كتاب الصيام
775 - مسألة : ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان ، أو نذر أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم ، ولا إطعام في ذلك أصلا - أوصى به أو لم يوص به - فإن لم يكن له ولي استؤجر عنه من رأس ماله من يصومه عنه ولا بد - أوصى بكل ذلك أو لم يوص - وهو مقدم على ديون الناس . وهو قول أبي ثور ، وأبي سليمان ، وغيرهما . وقال أبو حنيفة ، ومالك : إن أوصى أن يطعم عنه أطعم عنه مكان كل يوم مسكين ، وإن لم يوص بذلك فلا شيء عليه . والإطعام عند مالك في ذلك مد مد ، وعند أبي حنيفة صاع من غير البر لكل مسكين ، نصف صاع من البر أو دقيقه . وقال الليث كما قلنا . وهو قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه في النذر خاصة . قال أبو محمد : قال الله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } . نا عبد الله بن يوسف ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، قال عبد الله : نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأيلي ، وأحمد بن عيسى نا ابن وهب ، وقال عبد الرحمن : نا إبراهيم بن أحمد الفربري نا البخاري نا محمد بن موسى بن أعين نا أبي . ثم اتفق موسى ، وابن وهب كلاهما عن عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال : { من مات وعليه صيام صام عنه وليه } وبه إلى مسلم - : نا أبو سعيد الأشج نا أبو خالد الأحمر نا الأعمش عن سلمة بن كهيل ، والحكم بن عتيبة ، ومسلم البطين عن سعيد بن جبير ، وعطاء ، ومجاهد عن ابن عباس : { أن سائلا سأل النبي ﷺ فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال رسول الله ﷺ : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . قال أبو محمد : سمعه الأعمش من مسلم البطين ، ومن الحكم ، ومن سلمة ، وسمعه الحكم ، وسلمة من مجاهد . وبه إلى مسلم - : نا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وعلي بن حجر السعدي ، قال أبو بكر : نا عبد الله بن نمير ، وقال عبد : نا عبد الرزاق أنا سفيان الثوري . وقال علي بن حجر : نا علي بن مسهر ، ثم اتفق ابن نمير ، وسفيان ، وعلي بن مسهر ، كلهم عن عبد الله بن عطاء المكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : { بينما أنا جالس عند رسول الله ﷺ إذ أتته امرأة فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت ؟ فقال رسول الله ﷺ وجب أجرك وردها عليك الميراث ؟ قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها ؟ قال : صومي ، قالت : إنها لم تحج قط أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها } . قال ابن نمير في روايته : شهرين ، واتفقوا على كل ما عدا ذلك . قال أبو محمد : فهذا القرآن ، والسنن المتواترة المتظاهرة التي لا يحل خلافها ، وكلهم يقول : يحج عن الميت إن أوصى بذلك ، ثم لا يرون أن يصام عنه وإن أوصى بذلك ، وكلاهما عمل بدن ، وللمال في إصلاح ما فسد منهما مدخل بالهدي ، وبالإطعام ، وبالعتق ، فلا القرآن اتبعوا ، ولا بالسنن أخذوا ولا القياس عرفوا ، وشغلوا في ذلك بأشياء - : منها : أنهم ذكروا قول الله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } . وذكروا قول رسول الله ﷺ { إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث : علم علمه ، أو صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له } . وبأثر رويناه من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن الحجاج بن أرطاة عن عبادة بن نسي أن رسول الله ﷺ قال : { من مرض في رمضان فلم يزل مريضا حتى مات لم يطعم عنه ، وإن صح فلم يقضه حتى مات أطعم عنه } وقال بعضهم : قد روي عن عائشة ، وابن عباس - وهما رويا الحديث المذكور - أنهما لم يريا الصيام عن الميت كما رويتم من طريق ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم اسمها عمرة : أن أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة : أقضيه عنها ؟ قالت : لا ، بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين . وإذا ترك الصاحب الخبر الذي روي فهو دليل على نسخه لا يجوز أن يظن به غير ذلك ، إذ لو تعمد ما رواه لكانت جرحة فيه ، وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك . وقالوا : لا يصام عنه كما لا يصلى عنه ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به ، وهو كله لا حجة لهم في شيء منه ، أما قول الله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } فحق إلا أن الذي أنزل هذا هو الذي أنزل { من بعد وصية يوصي بها أو دين } . وهو الذي قال لرسوله ﷺ { لتبين للناس ما نزل إليهم } . وهو الذي قال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } . فصح أنه ليس للإنسان إلا ما سعى ، وما حكم الله تعالى أو رسوله ﷺ أن له من سعي غيره عنه ، والصوم عنه من جملة ذلك . والعجب أنهم نسوا أنفسهم في الاحتجاج بهذه الآية فقالوا : إن حج عن الميت ، أو أعتق عنه ، أو تصدق عنه ، فأجر كل ذلك له ولا حق به ، فظهر تناقضهم ؟ فإن قال منهم قائل : إنما يحج عنه إذا أوصى بذلك ، لأنه داخل فيما سعى ؟ قلنا له : فقولوا : بأن يصام عنه كما إذا أوصى بذلك لأنه داخل فيما سعى . فإن قالوا : للمال في الحج مدخل في جبر ما نقص منه ؟ قلنا : وللمال في الصوم مدخل في جبر ما نقص منه بالعتق والاطعام ؛ وكل هذا منهم تخليط ، وتناقض ، وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى وهم يجيزون العتق عنه ، والصدقة عنه - وإن لم يوص بذلك - فبطل تمويههم بهذه الآية ؟ . وأما إخباره عليه السلام بأن عمل الميت ينقطع إلا من ثلاث ، فصحيح ، والعجب أنهم لم يخافوا الفضيحة في احتجاجهم به وليت شعري من قال لهم : إن صوم الولي عن الميت هو عمل الميت حتى يأتوا بهذا الخبر الذي ليس فيه إلا انقطاع عمل الميت فقط ، وليس فيه انقطاع عمل غيره أصلا ، ولا المنع من ذلك ؛ فظهر قبح تمويههم في الاحتجاج بهذا الخبر جملة ؟ وأما حديث عبد الرزاق فلا تحل روايته إلا على سبيل بيان فسادها لعلل ثلاث فيه : إحداها - أنه مرسل ، والثانية : أن فيه الحجاج بن أرطاة ، وهو ساقط ، والثالثة : أن فيه إبراهيم بن أبي يحيى وهو كذاب . ثم لو صح لكان عليهم لا لهم ؛ لأن فيه إيجاب الإطعام عنه إن صح بعد أن مرض ، والحنفيون ، والمالكيون لا يقولون بذلك ، إلا أن يوصي بذلك ، وإلا فلا . فإن قالوا : معنى ذلك إن أوصى به ؟ قلنا : كذبتم وزدتم في الخبر خلاف ما فيه ، لأن فيه { إن مات ولم يصح لم يطعم عنه } فلو أراد إلا أن يوصي بذلك لما كان لتفريقه بين تمادي مرضه حتى يموت فلا يطعم عنه ، وبين صحته بين مرضه وموته فيطعم عنه ؛ لأنه إن أوصى بالإطعام عنه ، وإن لم يصح أطعم عنه عندهم ؛ فبطل تمويههم بهذا الخبر الهالك وعاد حجة عليهم . وأما تمويههم بأن عائشة ، وابن عباس رويا الخبر وتركاه فقول فاسد لوجوه : أحدها - أنه لا يجوز ما قالوا ، لأن الله تعالى إنما افترض علينا اتباع رواية الصاحب عن النبي ﷺ ولم يفترض علينا قط اتباع رأي أحدهم . والثاني : أنه قد يترك الصاحب اتباع ما روى لوجوه غير تعمد المعصية ، وهي أن يتأول فيما روى تأويلا ما اجتهد فيه فأخطأ فأجر مرة ، أو أن يكون نسي ما روى فأفتى بخلافه ؛ أو أن تكون الرواية عنه بخلافه وهما ممن روى ذلك عن الصاحب ؛ فإذ كل ذلك ممكن فلا يحل ترك ما افترض علينا اتباعه من سنن رسول الله ﷺ لما لم يأمرنا باتباعه لو لم يكن فيه هذه العلل فكيف وكلها ممكن فيه ؟ ولا معنى لقول من قال : هذا دليل على نسخ الخبر ، لأنه يعارض بأن يقال : كون ذلك الخبر عند ذلك الصاحب دليل على ضعف الرواية عنه بخلافه ، أو لعله قد رجع عن ذلك . والثالث : أنهم إنما يحتجون بهذه الجملة إذا وافقت تقليد أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأما إذا خالف قول الصاحب رأي أحد ممن ذكرنا فأهون شيء عندهم إطراح رأي الصاحب والتعلق بروايته وهذا فعل يدل على رقة الدين وقلة الورع ؟ فمن ذلك : أن عائشة رضي الله تعالى عنها روت { فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله ﷺ زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الحالة الأولى } . ثم روي عنها من أصح طريق الإتمام في السفر ؛ فتعلق الحنفيون ، والمالكيون بروايتها وتركوا رأيها ، إذ خالفت فيه ما روت ، وهي التي روت { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } ثم أنكحت بنت أخيها عبد الرحمن المنذر بن الزبير وأبوها غائب بالشام بغير إذنه ، وأنكر ذلك إذ بلغه أشد الإنكار ، فخالفوا رأيها واتبعوا روايتها . وهي التي روت التحريم بلبن الفحل ثم كانت لا - تدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها ، - وتدخل عليها من أرضعه بنات أخواتها ، فتركوا رأيها واتبعوا روايتها . وروى أبو هريرة من طريق لا تصح عنه : إيجاب القضاء على من تعمد الفطر في نهار رمضان ، وصح عنه أنه لا يجزئه صيام الدهر وإن صامه وأنه لا يقضيه ، فتركوا الثابت من رأيه للهالك من روايته . وروى أبو هريرة في البحر { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } ثم روينا عنه من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن هشام الدستوائي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة ماءان لا يجزئان من غسل الجنابة : ماء البحر وماء الحمام . وروي عن ابن عباس في صدقة الفطر " مدان من قمح " من طريق لا تصح ، وصح عنه من رأيه صاع من بر في صدقة الفطر فترك الحنفيون رأيه لروايته ، وهذا كثير منهم جدا وفيما ذكرنا كفاية تحقق تلاعب القوم بدينهم . والرابع - أن نقول : لعل الذي روي عن عائشة فيه الإطعام كأن لم يصح حتى ماتت فلا صوم عليها ؟ والخامس - أنه قد روي عن ابن عباس الفتيا بما روي من الصوم عن الميت كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ؛ فصح أنه قد نسي ، أو غير ذلك مما الله تعالى أعلم به ممن لم نكلفه . وقد جاء عن السلف في هذا أقوال - : روينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي يزيد المدني : أن رجلا قال لأخيه عند موته : إن علي رمضانين لم أصمهما فسأل أخوه ابن عمر فقال : بدنتان مقلدتان ، ثم سأل ابن عباس ؟ فقال ابن عباس : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما شأن البدن وشأن الصوم ، أطعم عن أخيك ستين مسكينا ؟ قال أبو محمد : إن لم يكن قال ابن عمر في البدنتين حجة فليس قول ابن عباس في الإطعام حجة ولا فرق ؛ ولعل هذا لم يكن مطيقا للصوم ، أو لعل ذينك الرمضانين كانا عن تعمد فلا قضاء في ذلك . روينا من طريق سليمان التيمي : أن عمر بن الخطاب قال : إذا مات الرجل عليه صيام رمضان أطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع من بر . ومن طريق صحيحة عن ابن عباس : إن مات الذي عليه صوم ولم يصح قبل موته ليس عليه شيء فإن صح أطعم عنه عن كل يوم نصف صاع حنطة . وعن الحسن إن لم يصح حتى مات فلا شيء عليه ، فإن صح فلم يقض صومه حتى مات أطعم عنه عن كل يوم مكوك من بر ، ومكوك من تمر . وروي أيضا عن طائفة مد عن كل يوم ، وقد جاء عن الحسن : لا إطعام في ذلك ولا صيام ، وأيضا فإن احتجاج المالكيين والشافعيين بترك عائشة ، وابن عباس للخبر المذكور هو حجة عليهم لأنهم خالفوا عائشة في هذا الخبر نفسه في قولها أن يطعم عن كل يوم نصف صاع لمسكين ، وهم لا يقولون : بهذا ، فإن كان ترك عائشة للخبر حجة ، فقولها في نصف صاع حجة ، وإن لم يكن قولها في نصف صاع حجة فليس تركها للخبر حجة ، فظهر أنهم إنما يحتجون من قول الصاحب بما وافق تقليدهم فقط ؛ فإذا خالف من قلدوه هان عليهم خلاف الصاحب ، وهذا دليل سوء نعوذ بالله منه . وأما قول أحمد فروينا من طريق أبي ثور نا عبد الوهاب هو ابن عطاء - عن سعيد بن أبي عروبة ، وروح بن القاسم عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أنه قال فيمن مات وعليه رمضان ونذر شهر : يطعم عنه مكان كل يوم مسكين ويصوم عنه وليه نذره . ومن طريق ابن أبي شيبة : نا ابن علية عن علي بن الحكم البناني عن ميمون بن مهران عن ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه رمضان وصوم شهر فقال : يطعم عنه لرمضان ويصام عنه النذر ، وهذا إسناد صحيح ؛ فإن كان ترك ابن عباس لما ترك من الخبر حجة فأخذه بما أخذ منه حجة ، وإن لم يكن أخذه بما أخذ به حجة فتركه ما ترك ليس بحجة وما عدا هذا فتلاعب بالدين . وأما قولنا فروينا من طريق أبي ثور نا عبد الوهاب عن سعيد بن أبي عروبة قال : حدثوني عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه قال فيمن مات وعليه رمضان : إن لم يجدوا ما يطعم عنه صامه عنه وليه ، وهو قول الأوزاعي . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان قضى عنه بعض أوليائه ، قال معمر : وقال حماد بن أبي سليمان . وبه إلى معمر عن الزهري : من مات وعليه نذر صيام فإنه يصوم عنه بعض أوليائه . قال أبو محمد : ليس قول بعض الصحابة رضي الله عنهم أولى من بعض ، وكل ما ذكرنا فهو مخالف لقول أبي حنيفة والشافعي ؛ لأن كل من ذكرنا فقد أوجب ما أوجب من غير اشتراط أن يوصي الميت بذلك . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا شيء في ذلك إلا أن يوصي بالإطعام فيطعم عنه وما نعلم أحدا قبلهم قال بهذا ؛ إلا رواية عن الحسن قد صح عنه خلافها . وأما قولهم : لا يصام عنه كما لا يصلى عنه ؛ فباطل وقياس للخطأ على الخطأ بل يصلى عنه النذر ، وصلاة فرض إن نسيها أو نام عنها ولم يصلها حتى مات ؛ فهذا دخل تحت ، قول رسول الله ﷺ " فدين الله أحق أن يقضى " . والعجب أنهم كلهم أجمعوا على أن تصلى الركعتان إثر الطواف عن الميت الذي يحج عنه ؛ وهذا تناقض منهم لا خفاء به . وهذا قول إسحاق بن راهويه في قضاء الصلاة عن الميت . وقال الشافعي : إن صح الخبر قلنا به وإلا فيطعم عنه مد عن كل يوم . وإنما قلنا : إن الاستئجار لذلك إن لم يكن له ولي من رأس المال مقدم على ديون الناس لقول النبي ﷺ : { فدين الله أحق أن يقضى } . قال أبو محمد : من الكبائر أن يقول قائل : بل دين الناس أحق أن يقضى من دين الله تعالى عز وجل وقد سمع هذا القول .
776 - مسألة : فإن صامه بعض أوليائه أجزأ ؛ لعموم الخبر في ذلك ، وإن كانوا جماعة فاقتسموه جاز كذلك أيضا إلا أنه لا يجزئ أن يصوموا كلهم يوما واحدا لقول الله تعالى : { فعدة من أيام أخر } . فلا بد من أيام متغايرة ، فلو لم يصح حتى مات فلا شيء على أوليائه ولا عليه ؛ لأن الأثر إنما جاء فيمن مات وعليه صوم ، وهذا مات وليس عليه صوم لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فإذا لم يكن في وسعه الصوم فلم يكلف ، وإذا لم يكلفه فقد مات ولا صوم عليه . والأولياء هم ذوو المحارم بلا شك ولو صامه الأبعد من بني عمه أجزأ عنه ، لأنه وليه ، فإن أبوا من الصوم فهم عصاة لله تعالى ولا شيء على الميت من ذلك الصوم ؛ لأنه قد نقله الله تعالى عنه إليهم بقول رسول الله ﷺ { من مات وعليه صوم صام عنه وليه } . وبأمره عليه السلام الولي أن يصوم عنه .
777 - مسألة : فإن تعمد النذور ليوقعها على وليه بعد موته فليس نذرا ولا يلزمه هو ولا وليه بعده ، وهو عاص لله تعالى بذلك ، وقد صح عن النبي ﷺ ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الله بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني علي بن حجر نا إسماعيل بن إبراهيم نا أيوب هو السختياني - عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين أن رسول الله ﷺ قال : { لا وفاء لنذر في معصية الله } . قال علي : وهذا النذر إنما يكون نذرا إذا قصد به الله تعالى فيلزم حينئذ فإذا قصد به غير الله تعالى فهو معصية لا يحل الوفاء به ولا يلزم صاحبه ولا غيره - وبالله تعالى التوفيق .
778 - مسألة : ومن نذر صوم يوم فأكثر ، شكرا لله عز وجل ، أو تقربا إليه تعالى ، أو إن فاق ، أو إن أراه الله تعالى أملا يأمله لا معصية لله عز وجل في ذلك الشيء المأمول ، ففرض عليه أداؤه . قال عز وجل : { أوفوا بالعقود } - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا القعنبي عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين قالت : قال رسول الله ﷺ : { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } فهذا عموم لكل نذر معصية كمن نذرت صوم يوم حيضتها أو صوم يوم العيد ، ونحو ذلك من كل معصية .
779 - مسألة : فإن نذر ما ليس طاعة ولا معصية كالقعود في دار فلان أو أن لا يأكل خبزا مأدوما أو ما أشبه هذا لم يلزمه ، ولا حكم لهذا إلا استغفار الله تعالى منه ، لأن إيجاب النذر شريعة ، والشرائع لا تلزم إلا بنص ولا نص إلا في نذر الطاعة فقط .
780 - مسألة : وينهى عن النذر جملة فإن وقع لزم كما قدمنا ، روينا بالسند المذكور إلى أبي داود نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر - عن عبد الله بن مرة الهمداني عن عبد الله بن عمر قال : { أخذ رسول الله ﷺ ينهى عن النذر ويقول لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل } ففي قوله عليه السلام { وإنما يستخرج به من البخيل } إيجاب للوفاء به إذا وقع في طاعة الله تعالى .
781 - مسألة : ومن قال علي لله تعالى صوم يوم أفيق ، أو قال : يوم يقدم فلان ، أو قال يوم أنطلق من سجني ، أو ما أشبه هذا فكان ما رغب فيه ليلا أو نهارا : لم يلزمه صيام ذلك اليوم ولا قضاؤه ولا صوم غيره ؛ لأنه إن كان ما رغب فيه ليلا فلم يكن في يوم فلا يلزمه ما لم يلتزمه ، وإن كان نهارا فلا يمكنه إحداث صوم لم يبيته من الليل ولا تقدم إلزام الله تعالى له إياه ، ولا يلزمه صيام يوم آخر ؛ لأنه لم يلتزمه - وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي - وقال الأوزاعي : إن قدم نهارا صام بقية ذلك اليوم ولا قضاء عليه ، وقال مالك : إن قدم ليلا صام الناذر غد تلك الليلة
782 - مسألة : فلو قال في كل ذلك : علي صوم ذلك اليوم أبدا فإن كان ليلا لم يلزمه كما قدمنا ، لأنه لم يلتزمه ولا يلزم صيام الليل ، لأنه معصية ، فإن كان نهارا لزمه في المستأنف صوم ذلك اليوم إذا تكرر كما نذره ولا قضاء عليه في يومه ذلك ، لأنه غير ما نذر .
783 - مسألة : ومن أفطر في صوم نذر عامدا أو لعذر فلا قضاء عليه إلا أن يكون نذر أن يقضيه فيلزمه ، لأنه إذا لم ينذر القضاء فلا يجوز أن يلزم ما لم ينذره ؛ إذ لم يوجب ذلك نص .
784 - مسألة : ومن نذر صوم يومين فصاعدا أجزأه أن يصوم ذلك متفرقا لأنه غير مخالف لما نذر .
785 - مسألة : فلو نذر صوم جمعة أو قال : شهر لم يجز أن يصوم ذلك إلا متتابعا ولا بد ؛ فإن تعمد في خلال ذلك فطرا لعذر أو لغير عذر : ابتدأه من أوله لأن اسم الجمعة والشهر لا يقع إلا على أيام متتابعة لا متفرقة ، فإنما يلزمه ما نذر لا ما لم ينذر ؛ فإن لم يتابع ذلك فلم يأت بما نذر فعليه أن يأتي به .
786 مسألة : ومن نذر صوم جمعتين أو قال : شهرين ، ولم ينذر التتابع في ذلك لزمه أن يصوم كل جمعة متتابعة ولا بد ، وكل شهر متتابعا ولا بد ، وله أن يفرق بين الجمعة والجمعة ، وبين الشهر والشهر لما ذكرنا آنفا إلا أن ينذرهما متتابعين فيلزمه ذلك ؛ لأنه طاعة زائدة .
787 - مسألة : فإن صام الشهر ما بين الهلالين لزمه إتمامه ، فإن ابتدأ صيامه بعد دخول الشهر لم يلزمه إلا تسعة وعشرون يوما متصلة ولا بد لقول رسول الله ﷺ { الشهر تسعة وعشرون } وأن الشهر يكون تسعا وعشرين فلا يلزمه زيادة يوم إلا بنص وارد ولا نص في ذلك ؛ وإنما يلزمه ما يقع عليه اسم ما نذر من شهر أو أكثر فقط ؛ فإن نذر نصف شهر لم يلزمه إلا أربعة عشر يوما ، لأن كسر يوم لا يلزمه صيامه لمن نذره ، ولا يجوز أن يلزم يوما زائدا لم ينذره .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والخمسون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 823 - 825) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 826 - 832)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 833)
كتاب الحج
826 - مسألة : ثم يقولون : لبيك بعمرة ، أو ينويان ذلك في أنفسهما لقول رسول الله ﷺ { إنما الأعمال بالنيات } ونستحب أن يكون ذلك إثر صلاة فرض أو نافلة .
827 - مسألة : ثم يجتنبان تجديد قصد إلى الطيب فإن مسهما من طيب الكعبة شيء لم يضر ؛ أما اجتناب القصد إلى الطيب فلا نعلم فيه خلافا ، وأما إن مسه شيء من طيب الكعبة أو غيرها عن غير قصد ، فلأنه لم يأت فيه نهي . وقد روينا عن أنس كما ذكرنا أنه أصابه فلم يغسله ؛ وبه قال عطاء ، وسئل عن ذلك ؟ فقال : ليس عليه أن يغسله .
828 - مسألة : ولا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك ولا كراهة في ذلك ؛ ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها . أما أمر المرأة ، فلأن رسول الله ﷺ إنما نهاها عن النقاب ؛ ولا يسمى السدل نقابا فإن كان " البرقع " يسمى نقابا ، لم يحل لها لباسه ؛ وأما اللثام فإنه نقاب بلا شك ؛ فلا يحل لها . وقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } وقال رسول الله ﷺ : { إذا نهيتكم عن شيء فدعوه } . وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فمباح ، وما لم ينه عنه فحلال - وبالله تعالى التوفيق ؛ وقد صح في ذلك خلاف - : روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال : رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها - وهي محرمة - فقال لها : اكشفي وجهك فإنما حرمة المرأة في وجهها . وصح خلاف هذا عن غيره ، كما روينا عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تغطي وجهها وهي محرمة . وعن وكيع عن شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت : سألت عائشة أم المؤمنين ما تلبس المحرمة ؟ فقالت : لا تنتقب ، ولا تلثم ، وتسدل الثوب على وجهها - وعن عثمان أيضا ذلك ، فكان المرجوع في ذلك إلى ما منع منه رسول الله ﷺ فقط . وأما الرجل : فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن الفرافصة بن عمير قال : كان عثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت ، وابن الزبير يخمرون وجوههم وهم محرمون . ومن طريق معمر ، وسفيان بن عيينة كليهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول : رأيت عثمان بن عفان مخمرا وجهه بقطيفة أرجوان بالعرج في يوم صائف وهو محرم - : نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : المحرم يغطي من الغبار ويغطي وجهه إذا نام ويغتسل ويغسل ثيابه . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وابن الزبير أنهما كانا يخمران وجوههما وهما محرمان . ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : المحرم يغطي ما دون الحاجب والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها . وعن عبد الرحمن بن عوف أيضا : إباحة تغطية المحرم وجهه وهو قول عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وعلقمة ، وإبراهيم النخعي ، والقاسم بن محمد كلهم أفتى المحرم بتغطية وجهه وبين بعضهم من الشمس ، والغبار ، والذباب وغير ذلك . وهو قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم وروي عن ابن عمر : لا يغطي المحرم وجهه - وقال به مالك ، ولم ير على المحرم إن غطى وجهه شيئا لا فدية ، ولا صدقة ، ولا غير ذلك إلا أنه كرهه فقط ، بل قد روى عنه ما يدل على جواز ذلك . روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : الذقن من الرأس فلا تغطه ، وقال : إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يغطي المحرم وجهه فإن فعل فعليه الفدية . قال أبو محمد : ما نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة ، وهم يعظمون خلاف الجمهور ؛ وقد خالفوا هاهنا : عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وجمهور التابعين ؛ فإن تعلقوا بابن عمر فقد ذكرنا في هذا الباب عن ابن عمر نهي المرأة عن أن تسدل على وجهها وقد خالفوه ، وروينا عنه ما يدل على جواز تغطية المحرم وجهه كما ذكرنا آنفا ؛ فمرة هو حجة ، ومرة ليس هو حجة ، أف لهذا عملا ؟ قال أبو محمد : والعجب كل العجب أنهم قالوا : لما كانت المرأة إحرامها في وجهها كان الرجل بذلك أحق لأنه أغلظ حالا منها في الإحرام ؟ قال أبو محمد : والسنة قد فرقت بين الرجل والمرأة في الإحرام فوجب على الرجل في الإحرام كشف رأسه ولم يجب على المرأة ، واتفقا في أن لا يلبسا قفازين واختلفا في الثياب ، فمن أين وجب أن يقاس عليها في تغطية وجهه ؟ إن هذا القياس سخيف جدا ، وأيضا : فقد كذبوا وما نهيت المرأة عن تغطية وجهها ؛ بل هو مباح لها في الإحرام - وإن نهيت عن النقاب فقط - فظهر فساد قياسهم ؟ والعجب أنهم احتجوا في ذلك بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ في أمره في الذي مات محرما أن لا يخمر رأسه ، ولا وجهه رويناه من طرق جمة - : منها من طريق مسلم نا أبو كريب نا وكيع عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن رجلا أوقصته راحلته وهو محرم فمات ، فقال رسول الله ﷺ اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } . قال أبو محمد : إن الحياء لفضيلة ، وكما أخبر رسول الله ﷺ أنه من الإيمان ، وهم أول مخالف لهذا الحديث ، وأول عاص لرسول الله ﷺ فيه فلا يرون فيمن مات محرما أن يكشف رأسه ووجهه ؛ بل يغطون كل ذلك ثم يحتجون به في أن لا يغطي الحي المحرم وجهه ونعوذ بالله من الخذلان . ويقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا وخالفه فهو دليل على نسخ ذلك الخبر عندهم هو ، وابن عباس روى هذا الخبر وهو رأي للمحرم الحي أن يخمر وجهه ؛ فأين لك ذلك الأصل الخبيث الذي تعلقوا به في رد السنن [ الثابتة ] . قال علي : ونحن نقول : إن الحي المحرم لا يلزمه كشف وجهه ، وإنما يلزمه كشف رأسه فقط ؛ فإذا مات أحدث الله تعالى له حكما زائدا وهو أن لا يخمر وجهه ولا رأسه { لا يسأل عما يفعل } تعالى ، والقياس ضلال ، وزيادة في الدين شرعا لم يأذن به الله تعالى . قال علي : لو كان تغطية المحرم وجهه مكروها أو محرما ، لبينه رسول الله ﷺ فإذا لم ينه عن ذلك فهو مباح - وبالله تعالى التوفيق .
829 - مسألة : ونستحب أن يكثر من التلبية من حين الإحرام فما بعده دائما في حال الركوب ، والمشي ، والنزول ، وعلى كل حال ، ويرفع الرجل والمرأة صوتهما بها ولا بد ، وهو فرض - ولو مرة - وهي : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي نا يعقوب بن محمد نا محمد بن موسى نا إسحاق بن سعيد بن جبير عن جعفر بن حمزة بن أبي داود المازني عن أبيه عن جده أبي داود - وهو بدري - قال { خرجنا مع رسول الله ﷺ في الحج ، فلما كان بذي الحليفة صلى في المسجد أربع ركعات ، ثم لبى دبر الصلاة ، ثم خرج إلى باب المسجد ، فإذا راحلته قائمة فلما انبعثت به أهل ثم مضى ، فلما علا البيداء أهل } . قال علي : ومن حيث أهل أجزأه لأنه فعل لا أمر - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى أنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : إن سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني عن أبيه قال : { سمعت رسول الله ﷺ يهل ملبيا يقول : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك } لا يزيد على هؤلاء الكلمات " . قال أبو محمد : وقد روى غيره الزيادة ، ومن زاد ذكر الله تعالى فحسن ، ومن اختصر على هذه فحسن ، كل ذلك ذكر حسن - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا حميد بن عبد الرحمن عن عبد العزيز بن أبي سلمة هو ابن الماجشون - عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة قال : { كان من تلبية رسول الله ﷺ لبيك إله الحق } . قال أحمد بن شعيب ما نعلم أحدا أسنده إلا عبد الله بن الفضل وهو ثقة - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن راهويه نا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن خلاد بن السائب عن أبيه عن رسول الله ﷺ قال : { جاءني جبريل فقال لي : يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية } . قال أبو محمد : هذا أمر ، وقال بعض الناس : يكره رفع الصوت . قال علي : وهذا خلاف للسنة ؛ وقال بعضهم : لا ترفع المرأة . قال أبو محمد : هذا خطأ وتخصيص بلا دليل ، وقد كان الناس يسمعون كلام أمهات المؤمنين ولا حرج في ذلك ، وقد روي عنهن وهن في حدود العشرين سنة وفويق ذلك ؛ ولم يختلف أحد في جواز ذلك واستحبابه - : روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا حميد هو ابن عبد الرحمن - عن بكر بن عبد الله المزني قال : سمعت ابن عمر يرفع صوته بالتلبية حتى أني لأسمع دوي صوته بين الجبال - : وبه إلى هشيم أنا الفضل بن عطية نا أبو حازم قال : كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم . ومن طريق وكيع نا إبراهيم بن نافع قال : قدمت امرأة أعجمية فخرجت مع الناس ولم تهل بشيء إلا أنها كانت تذكر الله تعالى ، فقال عطاء : لا يجزئها . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه قال : خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال : من هذا ؟ قيل : عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم فذكر ذلك لعائشة فقالت عائشة : لو سألني لأخبرته ؛ فهذه أم المؤمنين ترفع صوتها حتى يسمعها معاوية في حاله التي كان فيها . فإن قيل : قد روي عن ابن عباس : لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية - وعن ابن عمر : ليس على النساء أن يرفعن أصواتهن بالتلبية ؟ قلنا : رواية ابن عمر هي من طريق عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو ضعيف ، ورواية ابن عباس هي من طريق إبراهيم بن أبي حبيبة وهو ضعيف ولو صحا لكانت رواية عائشة موافقة للنص .
830 - مسألة : فإذا قدم المعتمر ، أو المعتمرة مكة فليدخلا المسجد ولا يبدآ بشيء لا ركعتين ولا غير ذلك قبل القصد إلى الحجر الأسود فيقبلانه ، ثم يلقيان البيت على اليسار ولا بد ، ثم يطوفان بالبيت من الحجر الأسود إلى أن يرجعا إليه سبع مرات ، منها ثلاث مرات خببا وهو مشي فيه سرعة ، والأربع طوافات البواقي مشيا ، ومن شاء أن يخب في الثلاث الطوافات ، وهي الأشواط من الركن الأسود مارا على الحجر إلى الركن اليماني ، ثم يمشي رفقا من اليماني إلى الأسود في كل شوط من الثلاثة فذلك له وكلما مرا على الحجر الأسود قبلاه ، وكذلك الركن اليماني أيضا فقط ، فإذا تم الطواف المذكور أتيا إلى مقام إبراهيم عليه السلام فصليا هنالك ركعتين وليستا فرضا . ثم خرجا ولا بد إلى الصفا فصعدا عليه ، ثم هبطا فإذا صارا في بطن الوادي أسرع الرجل المشي حتى يخرج عنه ثم يمشي حتى يأتي المروة فيصعد عليها ثم ينحدر كذلك حتى يرجع إلى الصفا ثم يرجع كذلك إلى المروة هكذا حتى يتم سبع مرات : منها ثلاث خببا وأربع مشيا ، وليس الخبب بينهما فرضا . ثم يحلق الرجل رأسه ، أو يقصر من شعره - ولا تحلق المرأة لكن تقصر من شعرها ، وقد تمت العمرة وحل لهما كل ما كان حرم عليهما بالإحرام من لباس وغيره . قال أبو محمد : لا خلاف فيما ذكرنا إلا في أشياء نبينها إن شاء الله عز وجل ، وهي : وجوب الخبب في الطواف ، وجواز تنكيس الطواف بأن يلقى البيت على اليمين ، ووجوب السعي بين الصفا والمروة - : برهان صحة قولنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن سليمان لوين عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { لما قدم رسول الله ﷺ قال المشركون إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها شرا فأطلع الله - عز وجل نبيه - عليه السلام على ذلك فأمر أصحابه أن يرملوا وأن يمشوا ما بين الركنين } فهذا أمر واجب - : وبه إلى أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد بن قدامة نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل الثلاث ويمشي الأربع ويزعم أن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك - فهذا بيان الرمل إنما هو في الثلاثة الأشواط الأول ، وأن الرمل في جميع تلك الأشواط جائز . فإن قيل : إن ابن عباس قال في الرمل : ليس سنة ، وهو راوي الحديث ؟ قلنا : لا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ ونحن نسألكم ما قولكم ، وقول أهل الإسلام فيهم لو أنهم إذ أمرهم رسول الله ﷺ بأن يرملوا ؟ يقولون له : لا نفعل - وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك - أعصاة كانوا يكونون أم مطيعين ؟ وأما وجوبه - : فقد روينا من طريق ابن عمر ، وعطاء ، وسليمان بن يسار ، ومكحول ، ليس على النساء رمل من طرق لو شئنا لتكلمنا في أكثرها لضعفها . وروينا عن ابن عباس ، وعطاء ، ليس على من ترك الرمل شيء - وعن إبراهيم عليه فدية . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد - عن حبيب هو ابن أبي ثابت - عن عطاء : أنه سأل عن المجاور إذا أهل من مكة هل يسعى الأشواط الثلاثة ؟ قال : إنهم يسعون قال : فأما ابن عباس فإنه قال : إنما ذلك على أهل الآفاق . ومن طريق عبد الرزاق عن زكريا بن إسحاق عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد قال : خرج ابن الزبير ، وابن عمر فاعتمرا من الجعرانة لما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة قال مجاهد : وكنت جالسا عند زمزم فلما دخل ابن الزبير ناداه ابن عمر أرمل الثلاث الأول ؟ فرمل ابن الزبير السبع كله . ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عن الحسن ، وعطاء قالا : ليس على أهل مكة رمل ، ولا على من أهل منها إلا أن يجيء أحد من أهل مكة من خارج . فهذه رواية عن ابن عباس بإيجاب الرمل على أهل الآفاق . وعن الحسن ، وعطاء مثل ذلك - وعن ابن عمر بإيجابه ذلك عن ابن الزبير وهو ساكن بمكة ، وأقل هذا أن يكون اختلافا من قولي ابن عباس وعطاء ، وقد ذكرنا ما تركوا فيه الجمهور وما انفردوا به بغير سنة لكن برأي ؛ وهم يعظمون ذلك ، ونحن لا ننكره إذا اتبعت السنة في خلافه . وأما تقبيل الركنين فسنة وليس فرضا ، لأنه لم يأت بذلك أمر ، وإنما هو عمل من رسول الله ﷺ فقط ، وقد طاف عليه السلام راكبا يشير بمحجن في يده إلى الركن . وأما تنكيس الطواف فإن أبا حنيفة أجاز تنكيس الوضوء ، وتنكيس الأذان ، وتنكيس الإقامة ، وتنكيس الطواف . قال أبو محمد : إذ أمر رسول الله ﷺ بالخبب في الأشواط المذكورة فقد علمهم من أين يبتدئون ؟ وكيف يمشون فصار ذلك أمرا ، وأمره عليه السلام فرض ، ولا أعجب ممن لا يرى العمرة ، أو الحج يبطلان بمخالفة ما أمر الله تعالى به ورسوله ﷺ ثم يراهما يبطلان بما لم يأت فيه أمر بذلك من الله تعالى ، ولا من رسوله ﷺ كتعمد الإمناء في مباشرة امرأته بغير جماع ونحو ذلك . وأما الطواف بين الصفا والمروة في العمرة فإن أنسا وغيره قالوا : ليس فرضا - : روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ : " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . قال أبو محمد : هذا قول من ابن عباس لا إدخال منه في القرآن - وعن ابن عباس أيضا : العمرة الطواف بالبيت . ومن طريق شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت أنس بن مالك يقرأ فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . ومن طريق عبد بن حميد عن الضحاك بن مخلد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن مسعود مثل ذلك . ومن طريق عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد المقري عن أبي حنيفة عن ميمون بن مهران عن أبي بن كعب مثل ذلك ، وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وميمون بن مهران . ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن الزبير قال في الطواف بين الصفا والمروة : هما تطوع . واحتج من رأى هذا القول بقول الله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } . وروينا عن عائشة رضي الله عنها إيجاب فرض السعي بينهما ، وقالت في هذه الآية : إنما نزلت في ناس كانوا لا يطوفون بينهما ؛ فلما كان الإسلام طاف رسول الله ﷺ . قال أبو محمد : لو لم تكن إلا هذه الآية لكانت غير فرض لكن الحجة في فرض ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال { قدمت على رسول الله ﷺ وهو منيخ بالبطحاء فقال لي : أحججت ؟ فقلت : نعم فقال : بم أهللت ؟ قال قلت : لبيت بإهلال كإهلال رسول الله ﷺ قال : فقد أحسنت طف بالبيت ، وبين الصفا والمروة وأحل } . قال علي : بهذا صار السعي بين الصفا والمروة في العمرة فرضا . وأما الرمل بينهما - : فحدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان المروزي نا بشر بن السري نا سفيان هو الثوري - عن عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان قال : رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة فقال : إن أمش فقد رأيت رسول الله ﷺ يمشي ، وإن أسع فقد رأيت رسول الله ﷺ يسعى . قال علي : والخبر الذي فيه " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " فإنما روته صفية بنت شيبة عن امرأة لم تسم ؛ وقد قيل : هي بنت أبي تجراة وهي مجهولة ، ولو صح لقلنا بوجوبه ، ومن عجز عن الخبب المذكور مشى ولا شيء عليه لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
831 - مسألة : ولا يحل للمحرم بالعمرة أو بالحج تصيد شيء مما يصاد ليؤكل ، ولا وطء كان له حلالا قبل إحرامه ، ولا لباس شيء مما ذكرنا قبل أن النبي ﷺ نهى عن لباس المحرم ، قال الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } . وقال تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } وهذا أيضا لا خلاف فيه .
832 - مسألة : ومن أراد العمرة - وهو بمكة - إما من أهلها ، أو من غير أهلها ففرض عليه أن يخرج للإحرام بها إلى الحل ولا بد فيخرج إلى أي الحل شاء ، ويهل بها { فلأن رسول الله ﷺ أمر عبد الرحمن بن أبي بكر بالخروج من مكة إلى التنعيم ليعتمر منه } { واعتمر عليه السلام من الجعرانة } فوجب ذلك في العمرة خاصة - وبالله تعالى التوفيق . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عمرو بن علي أنا أبو عاصم نا عثمان بن الأسود نا ابن أبي مليكة عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ أمر عبد الرحمن أخاها أن يعمرها من التنعيم وانتظرها عليه السلام بأعلى مكة حتى جاءت } .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والسبعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 880 - 889) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 890)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 891 - 894)
كتاب الحج
890 - مسألة : وجائز للمحرم في الحل والحرم ، وللمحل في الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير ، والأسد والسباع ، والقمل ، والبراغيث ، وقردان بعيره أو غير بعيره ، والحلم كذلك . ونستحب لهم قتل الحيات ، والفئران ، والحدأ والغربان ، والعقارب ، والكلاب العقورة ، صغار كل ذلك وكباره سواء ، وكذلك الوزغ وسائر الهوام - ولا جزاء في شيء من كل ما ذكرنا ولا في القمل . فإن قتل ما نهي عن قتله من هدهد ، أو صرد ، أو ضفدع ، أو نمل : فقد عصى ولا جزاء في ذلك . برهان ما ذكرنا - : أن الله تعالى أباح قتل ما ذكرنا ، ثم لم ينه المحرم إلا عن قتل الصيد فقط ، ولا نهى إلا عن صيد الحرم فقط ، ولا جعل الجزاء إلا في الصيد فقط . فمن حرم ما لم يأت النص بتحريمه ، أو جعل جزاء فيما لم يأت النص بالجزاء فيه : فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله . وقال أبو حنيفة : لا يقتل المحرم شيئا من الحيوان إلا الكلب العقور ، والحية ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب ، والذئب فقط ، ولا جزاء عليه فيها . فأما الأسد ، والنمر ، والسبع ، والدب ، والخنزير ، وسائر سباع ذوات الأربع ، وجميع سباع الطير ففيها الجزاء إلا أن تكون ابتدأته فلا جزاء عليه فيها ، وجزاؤها عنده الأقل من قيمة كل ذلك أو شاة ، ولا يتجاوز بجزاء شيء من ذلك شاة واحدة ، ويقتل القردان عن بعيره ولا شيء عليه ، ولا يقتل القمل ، فإن قتلها أطعم شيئا ، وله قتل البرغوث ، والذر ، والبعوض ، ولا جزاء في ذلك . وقال زفر : سواء ابتدأت المحرم السباع أو لم تبتدئه عليه الجزاء فيما قتل منها ؛ وقال الطحاوي : لا يقتل المحرم الحية ، ولا الوزغ ، ولا شيئا غير الحدأة ، والغراب ، والكلب العقور ، والفأرة والعقرب . وقال مالك : يقتل المحرم الفأرة ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب ، والكلب العقور ، والحية ، وجميع سباع ذوات الأربع ، إلا أنه كره قتل الغراب ، والحدأة ، إلا أن يؤذياه . ولا يجوز له قتل الثعلب ، ولا الهر الوحشي ، وفيهما الجزاء على من قتلهما ، إلا إن ابتدآه بالأذى . ولا يجوز له قتل صغار السباع أصلا ولا قتل الوزغ ، ولا قتل البعوض ، ولا قردان بعيره خاصة ، فإن قتله أطعم شيئا ، ولا يقتل شيئا من سباع الطير ، فإن فعل ففيها الجزاء ، وله قتل القراد إذا وجده على نفسه . ولا يجوز له قتل صغار الغربان ، ولا صغار الحدأة ؛ واختلف عنه في صغار الفئران أيقتلها أم لا ؟ قال : ولا يقتل القمل ، فإن قتلها أطعم شيئا . وقول الشافعي كقولنا إلا في الثعلب فإنه رأى فيه الجزاء . وروينا عن مجاهد : قتل الحدأة ، وارم الغراب ، ولا تقتله . ومن طريق وكيع عن سفيان عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : لا يقتل المحرم الفأرة . قال أبو محمد : كل ما ذكرنا آراء فاسدة متناقضة ، ولئن كانت السباع محرمة على المحرم وفي الحرم فإن تفريق أبي حنيفة بين جزاء الصيد ؛ فرأى فيه قيمته يبتاع ما بلغت من الإهداء ولو ثلاثة ، أو أربعة وبين جزاء السباع فلم ير فيها إلا الأقل من قيمتها أو شاة فقط لا يزيد على واحدة : عجب لا نظير له ؟ ، ودين جديد نبرأ إلى الله تعالى عز وجل منه ، وقول بلا برهان لا من قرآن ، ولا سنة . ولا رواية سقيمة . ولا قول أحد يعرف قبله . ولا قياس . ولا رأي له نصيب من السداد . وكذلك تفريق مالك بين صغار الغربان ، والحديا ، وبين صغار العقارب ، والحيات ، وبين سباع الطير ، وبين سباع ذوات الأربع . فإن قالوا : قسنا سباع ذوات الأربع على الكلب العقور ؟ قلنا : فهلا قستم سباع الطير على الحدأة ؟ أو هلا قستم سباع ذوات الأربع على الضبع وعلى الثعلب عندكم ؟ واحتجوا في القردان بأنها من البعير ؟ . قال علي : هذا كلام فاحش الفساد لوجهين ، أحدهما : أنه باطل وما كانت القردان قط متولدة من الإبل ، والثاني : أنه ما علم في دين الله تعالى إحرام على بعير ولو أن محرما أنزى بعيره على ناقة أو أنزى بعيرا على ناقته ما كان عليه في ذلك شيء ، فكيف أن يعذب بأكل القردان له ؟ إن هذا لعجب واحتجوا في القملة بأنها من الإنسان ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ وهم لا يختلفون أن الصفار من الإنسان ولو قتلها المحرم لم يكن فيها عندهم شيء ، وقالوا : هو إماطة الأذى عن نفسه ؟ فقلنا : نعم فكان ماذا ؟ وما أمر الله تعالى قط في إماطة الأذى بغير حلق الرأس بشيء وأنتم لا تختلفون في أن تعصير الدمل وحك الجلد وغسل القذى عن العين وقتل البراغيث إماطة أذى ولا شيء عليه في ذلك عندكم ؛ وإذ قستم إماطة الأذى حيث اشتهيتم على إماطة الأذى بحلق الرأس فاجعلوا فيها ما في إماطة الأذى بحلق الرأس وإلا فقد خلطتم وتناقضتم وأبطلتم قياسكم ؟ قال علي : وهذا الباب كله مرجعه إلى شيئين ، أحدهما : قول الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } الآية - وإلى ما رويناه من طريق نافع عن ابن عمر قيل : { يا رسول الله ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا ؟ قال : خمس لا جناح على من قتلهن : الحدأة ، والغراب ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور } ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي ﷺ : { خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام : الفأرة ، والغراب ، والحدأة والعقرب ، والكلب العقور } . قال علي : فقال قائلون : قد أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالبيان وسئل : ماذا يقتل المحرم ؟ فأجابهم عليه السلام بهذه الخمس ، وأخبر أنه لا جناح في قتلهن في الحرم والإحرام ، فلو كان هنالك سادس لبينه عليه السلام وحاشا له من أن يغفل شيئا من الدين سئل عنه ، فصح أن ما عدا هذه الخمسة لا يجوز قتلهن . قال أبو محمد : وهذا الاحتجاج لا يمكن المقلدين لأبي حنيفة أن يحتجوا به لأنهم كلهم قد زادوا إلى هذه الخمس ما لم يذكر فيهن ، فأضاف أبو حنيفة إليهن : الذئب ، والحيات ، والجعلان والوزغ ، والنمل ، والقراد والبعوض . فإن قالوا : إنما زدنا الذئب للخبر الذي رويناه من طريق وكيع عن سفيان عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب عن النبي ﷺ قال : { يقتل المحرم الذئب } والمرسل والمسند سواء ؟ قلنا : فقولوا بما رويناه من طريق أبي داود عن أحمد بن حنبل عن هشيم قال : أنا يزيد بن أبي زياد نا عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي عن أبي سعيد الخدري : { أن رسول الله ﷺ سئل عما يقتل المحرم ؟ فقال : الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، ويرمي الغراب ولا يقتله ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي } فاقتلوا كل سبع عاد . ولم يقل عليه السلام : السبع العادي عليه بل أطلقه إطلاقا . وأما نحن فلم نأخذ بما في هذا الخبر من النهي عن قتل الغراب ؛ لأن راويه يزيد بن أبي زياد - وقد قال فيه ابن المبارك : ارم به ، على جمود لسان ابن المبارك وشدة توقيه - وتكلم فيه شعبة ، وأحمد - وقال فيه يحيى : لا يحتج بحديثه - وكذبه أبو أسامة ، وقال : لو حلف خمسين يمينا ما صدقته . فإن قالوا : قد جعل رسول الله ﷺ في الضبع الجزاء - وهي سبع ذو ناب - ؟ قلنا : نعم ، وهي حلال من بين السباع فهي صيد فما الذي أوجب أن تقيسوا سائر السباع المحرمة على الضبع الحلال أكلها ؟ ولم تقيسوها على الذئب الذي هو حرام عندكم ؟ وقد صح عن أبي هريرة أن الأسد : هو الكلب العقور ، وأبو هريرة حجة في اللغة ، ولا مخالف له من الصحابة يعرف في ذلك . قال أبو محمد : أما هذه الأقوال فظاهرة الفساد ، ولم يبق الكلام إلا في تخصيص الخبر المذكور من [ هذه ] الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر في هذا الخبر بالتحريم ، أو تخصيص الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر فيها بالخبر المذكور ، أو أن نحكم بما في الآية وبما في الخبر ونطلب حكم ما لم يذكر فيهما من غير هذين النصين . قال علي : فكان الوجهان الأولان متعارضين ليس أحدهما أولى من الآخر ؛ وأيضا : فإن إلحاق ما لم يذكر في الآية بما ذكر فيها ، أو إلحاق ما لم يذكر في الخبر بما ذكر فيه قياس والقياس كله باطل ، وتعد لحدود الله : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وشرع في الدين بما لم يأذن به الله تعالى ، وهذا لا يحل ، فلم يبق إلا الوجه الثالث ، فكان هو الحق لأنه هو الائتمار لله تعالى ولرسوله عليه السلام وترك تعد لحدودهما . فنظرنا في ذلك - : فوجدنا الله تعالى إنما حرم في الإحرام والحرم قتل الصيد ، وجعل على من قتله وهو حرم بالعمد الجزاء ، فوجب القول بذلك . ووجدنا رسول الله عليه السلام قد أخبر بأن المحرم يقتل الخمس المذكورات ، وأنه لا جناح في قتلهن في حرم ، أو إحرام فوجب القول بذلك . ثم نظرنا فيما عدا الخمس المذكورات مما ليس صيدا - : فوجدنا الكلام فيهما في موضعين أحدهما : قتلها ، والثاني : هل في قتلها جزاء أم لا ؟ فنظرنا في إيجاب الجزاء في ذلك - : فوجدناه باطلا لا إشكال فيه ، لأنه ليس في هذا الخبر دليل على إيجاب جزاء في ذلك أصلا ولا شيء من النصوص كلها ؛ فكان القول بذلك شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى ؛ فبطل جملة والحمد لله رب العالمين . ثم نظرنا في قتلها - : فوجدنا من منع منه يقول : اقتصار النبي ﷺ على جواب السائل عما يقتل المحرم على هذه الخمس دليل على أن ما عداها بخلافها ؟ ولولا ذلك لكان كلامه عليه السلام غير مستوعب لجواب السائل ولا مبين له حكم ما سأل عنه ، وحاشا له من هذا ، ووجدنا من أباح قتلها يقول : اقتصار الله تعالى على المنع من قتل الصيد خاصة بقوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } دليل على أن ما عدا الصيد بخلاف الصيد في ذلك ، ولولا ذلك لكان كلامه تعالى غير مستوعب لما يحرم علينا ولا مبين لنا حكم ما ألزمنا إياه ، وحاشا له من ذلك فكان هذان الاستدلالان متقابلين فلا بد من النظر فيهما ؟ فأول ما نقول : أن اليقين من كل مسلم قد صح بأن الله تعالى قد بين لنا ما ألزمنا ، وأن رسول الله ﷺ قد بين لنا ما ألزمنا الله تعالى ، ولم يجز لنا تعدي ما نصه علينا ربنا تعالى ونبينا عليه السلام ، فوجدنا الآية فيها حكم الصيد وليس فيها حكم غيره لا بتحريم ، ولا بإباحة ، ووجدنا الخبر الذي فيه ذكر الخمس المحضوض على قتلها في الحرم والإحرام والحل ليس فيه حكم غيرها لا بتحريم ، ولا بإباحة ؛ فلم يجز أن يضاف إلى هذه الآية ولا إلى هذا الحديث ما ليس فيهما ، فوجب النظر فيما لم يذكر فيهما وطلب حكمه من غيرهما ؛ فوجدنا الحيوان قسمين سوى ما ذكر في الآية والخبر - : فقسم مباح قتله : كجميع سباع الطير ، وذوات الأربع ، والخنازير ، والهوام ، والقمل ، والقردان ، والحيات ، والوزغ ، وغير ذلك مما لا يختلف أنه لا حرج في قتله . وقسم محرم قتله بنصوص واردة فيه : كالهدهد ، والصرد ، والضفادع ، والنحل ، والنمل ؛ فوجب أن يحمل كل ذلك على حكمه كما كان ، وأن لا ينقل بظن قد عارضه ظن آخر ، وبغير نص جلي ؛ فهذا هو الحق الذي لا يجوز تعديه . فإن قيل : فإن ما لا يحل أكله قد يصيده المرء ليطعمه جوارحه ؟ قلنا : هذا باطل لأن الله تعالى قد نص علينا حكم الصيد بقوله تعالى : { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } . وبقوله تعالى : { فإذا حللتم فاصطادوا } فصح أن المحلل لنا إذا حللنا هو المحرم علينا إذا أحرمنا ، وأنه تصيد ما علمنا الله عز وجل حكمه الذي بالتزامه يتبين من يخاف ربه تعالى فيلتزم ما أمر به في صيده ويجتنب ما نهى عنه فيه ممن لا يخاف ربه فيعتدي ما أمره تعالى ؛ وليس هذا بيقين إلا فيما تصيد للأكل ، وما علمنا قط في لغة ولا شريعة أن الجري خلف الخنازير ، والأسد ، وقتلها يطلق عليه اسم : صيد . فإن قيل : فما وجه اقتصار رسول الله ﷺ على هذه الخمس ؟ قلنا : وبالله تعالى التوفيق : ظاهر الخبر يدل على أنها محضوض على قتلهن مندوب إليه ويكون غيرهن مباحا قتله أيضا وليس هذا الخبر مما يمنع أن يكون غير الخمس مأمورا بقتله أيضا : كالوزغ ، والأفاعي ، والحيات ، والرتيلا والثعابين . وقد يكون عليه السلام تقدم بيانه في هذه فاكتفى عن إعادتها عند ذكره الخمس الفواسق ، ولم يكن تقدم ذكره لهن ، فلولا هذا الخبر ما علمنا الحض على قتل الغراب ولا تحريم أكله ، وأكل الفأرة ، والعقرب ، فله أعظم الفائدة - ولله تعالى الحمد . وقد قلنا : إن هذا الحجاج كله لا مدخل في شيء لأبي حنيفة ، ولا لمالك لأنهم زادوا على الخمس دواب كثيرة ، ومنعوا من قتل دواب كثيرة بالرأي الفاسد المجرد ، فلا بالآية تعلقوا ولا بالحديث . وأما الشافعي : فإنه تناقض في الثعلب ، لأنه ذو ناب من السباع فهو حرام لم يأت تحليله في نص قط وليس صيدا . والعجب كله ممن احتج من أصحاب أبي حنيفة بحديث الخمس الفواسق وأوهم أنه متعلق به غير متعد له ؛ وقد كذبوا في ذلك كما ذكرنا . ثم لم يبالوا بأن يزيدوا على حديث الأصناف الستة في الربا ألف صنف لا يذكر ، لا في ذلك الخبر ، ولا في غيره : روينا من طريق وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : اقتل من السباع ما عدا عليك وما لم يعد عليك وأنت محرم - قال : ولا بأس بأن يقتل المحرم : الذئب ، والسنور البري ، والنسر . قال أبو محمد : أما النسر ففيه الجزاء ؛ لأنه صيد حلال أكله ؛ إذ لم ينص على تحريمه - : ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : ما سمعنا أن الثعلب يفدى - وعن معمر عن ابن أبي نجيح : أن الثعلب سبع ، وأنكر أن يكون فيه جزاء ، أو أن يكون صيدا . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال : أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الحية ، والعقرب ، والفأر ، والزنبور ، ونحن محرمون . ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح قال : ليس في الزنبور جزاء . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من قتل وزغا فله به صدقة . وعن ابن عمر : اقتلوا الوزغ فإنه شيطان . ومن طريق وكيع عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى . ومن طريق وكيع قال إبراهيم بن نافع : سألت عطاء أيقتل الوزغ في الحرم ؟ قال : لا بأس ، ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم . ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير قال : رأيت عمر بن الخطاب يقرد بعيره وهو محرم . ومن طريق وكيع نا عبد الحميد بن جعفر عن عيسى بن علي الأنصاري أن علي بن أبي طالب رخص في المحرم أن يقرد بعيره . ومن طريق محمد بن المثنى نا محمد بن فضيل نا العلاء هو ابن المسيب - قال : سئل عطاء أيقرد المحرم بعيره ؟ قال : نعم ، قد كان ابن عمر يقرد بعيره وهو محرم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : لا بأس أن يقرد المحرم بعيره . ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عكرمة أن ابن عباس أمره أن يقرد بعيرا وهو محرم ؟ فكره عكرمة ، فقال له ابن عباس : فقم فانحره فنحره ، فقال له ابن عباس : لا أم لك كم قتلت من قراد وحلمة وحمنانة ؟ - لا يعرف لهم من الصحابة مخالف إلا رواية عن ابن عمر قد أوردنا عنه خلافها . وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال : يقرد المحرم بعيره ، ويطليه بالقطران ، لا بأس بذلك - وهو قول مجاهد - وقد روينا خلاف ذلك عن بعض التابعين . وأما النمل : فلا يحل قتله ، ولا قتل الهدهد ، ولا الصرد ، ولا النحلة ، ولا الضفدع - : لما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : { نهى رسول الله ﷺ عن قتل أربع من الدواب : النملة ، والنحلة ، والهدهد والصرد } . ومن طريق أبي داود نا محمد بن كثير نا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان : { أن طبيبا سأل رسول الله ﷺ عن ضفدع يجعلها في دواء ؟ فنهاه النبي عليه السلام عن قتلها } . قال أبو محمد : فلا يحل قتل شيء من هذه لا لمحل ، ولا لمحرم ، فإن قتل شيئا منها عامدا وهو محرم عالما بالنهي : فهو فاسق عاص لله عز وجل ، ولا جزاء عليه لأنها ليست صيدا . روينا من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم : سمع ابن الزبير وسأله محرم عن قتله نملا ؟ فقال له ابن الزبير : ليس عليك شيء . وأما البعوض ، والذباب : فروينا عن سعيد بن جبير قال : ما أبالي لو قتلت عشرين ذبابة وأنا محرم ، وأنه لا بأس بقتل البق للمحرم - يعني البعوض . وعن عطاء : لا بأس بقتل الذباب للمحرم . وعن مجاهد لا شيء في الرخم والعقاب ، والصقر ، والحدأ ، يصيبها المحرم . وأما القمل : فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه - هو المعتمر بن سليمان - عن أبي مجلز قال : شهدت امرأة سألت ابن عمر عن قملة قتلتها وهي محرمة ؟ فقال : ما نعلم القملة من الصيد ، وذكر باقي الخبر . ومن طريق وكيع نا عيسى بن حفص عن أبيه قال : رآني ابن عمر وأنا أنقر رأسي وأنا محرم فقال : هكذا حكا شديدا . ومن طريق وكيع نا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فسأله رجل أحك رأسي وأنا محرم ؟ فحك ابن عباس رأسه حكا شديدا ؛ فقال الرجل : أفرأيت إن قتلت قملة ، قال : بعدت ما القملة مانعتي أن أحك رأسي وإياها أردت ؛ وما نهيتم إلا عن الصيد . وعن ابن جريج عن عطاء كل ما لا يؤكل فإن قتلته وأنت محرم فلا غرم عليك فيه ، مع أنه ينهى عن قتله إلا أن يكون عدوا أو يؤذيك . وعن حماد بن سلمة عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بقتل المحرم القملة . ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم سمعت أبا بشر وقد سألته عن القملة يقتلها المحرم ، فقال : قال سعيد بن جبير : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ليس للقملة جزاء . وروينا من طريق سفيان الثوري عن جابر عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين قالت : يقتل المحرم الهوام كلها إلا القملة فإنها منه ؟ قال أبو محمد : لم يجعل فيها شيئا . وقال أبو حنيفة : إن قتل قملة أطعم شيئا ؛ وأباح للمحرم غسل ثيابه ، وغسل رأسه - وهذا تناقض . وسئل مالك عن البعوض ، والبراغيث ، يقتلها المحرم أعليه كفارة ؟ فقال : إني لا أحب ذلك - هذه رواية ابن وهب عنه ، وروى عنه ابن القاسم أنه قال في محرم لدغته دبرة فقتلها وهو لا يشعر ؟ فقال : يطعم شيئا ، وكذلك من قتل قملة . وقال الشافعي : إن أخذها من رأسه فقتلها فليطعم لقمة . قال علي : فإن احتجوا بما { أمر به رسول الله ﷺ كعب بن عجرة إذ رآه يتناثر القمل على وجهه فأمره بحلق رأسه ، وأن يفتدي ؟ } قلنا : نعم هذا حق ولسنا معكم في حلق الرأس إنما نحن في قتل القمل ، ولم يقل عليه السلام : إن هذه الفدية إنما هي لقتل القمل ؛ ومن قوله هذا فقد كذب عليه ، ولئن كانت القملة ليست من الصيد فما لها جزاء ، ولئن كانت من الصيد فما مثلها لقمة ، ولا قبضة طعام ؛ وإنما مثلها حبة سمسمة . فما ندري بماذا تعلقوا ؟ وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والستون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836)
كتاب الحج
وأما قولنا : لا يجب الوقوف بالهدي بعرفة فإن وقف بها فحسن ، وإلا فحسن ؛ فإن مالكا ومن قلده قال : لا يجزئ من الهدي الذي يبتاع في الحرم إلا أن يوقف بعرفة ولا بد ؛ وإلا فلا يجزئ إن كان واجبا ؛ فإن كان تطوعا فلم يوقف بعرفة فإنه ينحر بمكة ولا بد ، ولا يجوز أن ينحر بمنى ، فإن ابتيع الهدي في الحل ثم أدخل الحرم أجزأ ، وإن لم يوقف بعرفة - والإبل ، والبقر ، والغنم عندهم سواء في كل ذلك . وقال الليث : لا يكون هديا إلا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة - : وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وسفيان ، وأبو سليمان : لا معنى للتعريف بالهدي سواء ابتيع في الحرم أو في الحل ، إن عرف فجائز ، وإن لم يعرف فجائز . قال أبو محمد : أما قول مالك فما نعلمه عن أحد من العلماء لا قبله ولا معه ، ولا نعرف له وجها أصلا لا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول سلف ، ولا من قياس ، ولا من رأي له معنى . وأما قول الليث فإنه يحتج له بما رويناه من طريق حجاج بن أرطاة ، وإسرائيل ، ويونس بن يونس ، قال حجاج : عن عطاء ؛ وقال إسرائيل : عن ثوير بن أبي فاختة عن طاوس " { أن رسول الله ﷺ عرف بالبدن } . قال علي : وهذان مرسلان ، ولا حجة في مرسل ، ثم إن الحجاج ، وإسرائيل ، وثويرا كلهم ضعفاء ؛ ثم لو صح لم يكن فيه حجة ، لأن هذا فعل لا أمر ، ولا حجة فيه لمالك لأنه شرط شروطا ليس في هذا الخبر شيء منها ، وهدي النبي ﷺ إنما سيق من المدينة بلا خلاف ؛ ومالك لا يوجب التوقيف بعرفة فيما أدخل من الحل . ويحتج لقول الليث أيضا بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال : لا هدي إلا ما قلد ، وسيق ، ووقف بعرفة . ومن طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : كل هدي لم يشعر ويقلد ويفض به من عرفة فليس بهدي إنما هي ضحايا . قال علي : مالك لا يحتج [ له ] بهذا ؛ لأنه لا يرى الترك للتقليد وللإشعار مانعا من أن يكون هديا . قال علي : لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وقد خالف ابن عمر في هذا غيره - من الصحابة - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا رباح بن أبي معروف عن عطاء عن ابن عباس قال : إن شئت فعرف الهدي ، وإن شئت فلا تعرف به إنما أحدث الناس السياق مخافة السراق . وعن سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا الأعمش عن إبراهيم قال : دعا الأسود مولى له فأمره أن يخبرني بما قالت له عائشة ، فقال : نعم سألت عائشة أم المؤمنين ؟ فقلت : أعرف بالهدي ؟ فقالت : لا عليك أن لا تعرف به . وعن عطاء ، وطاوس : لا يضرك أن لا تعرف به . وعن ابن الحنفية أنه أمر بتعريف بدنة أدخلت من الحل . وعن سعيد بن جبير : أنه لم ير هديا إلا ما عرف به من الإبل والبقر خاصة . قال أبو محمد : لم يأت أمر بتعريف شيء من ذلك في قرآن ، ولا سنة ، ولا يجب إلا ما أوجبه الله - تعالى - في أحدهما ، ولا قياس يوجب ذلك أيضا ؛ لأن مناسك الحج إنما تلزم الناس لا الإبل - وبالله - تعالى - التوفيق . وأما قولنا : ولا هدي على القارن غير الهدي الذي ساق مع نفسه قبل أن يحرم ، وهو هدي تطوع سواء مكيا كان أو غير مكي فإن مالكا ، والشافعي قالا : على القارن هدي وحكمه كحكم المتمتع سواء سواء في تعويض الصوم منه إن لم يجد هديا ، وليس على المكي عندهما هدي ، ولا صوم إن قرن ، كما لا شيء عليه في التمتع . وقال مالك : لم أسمع قط أن مكيا قرن . وقال أبو حنيفة : إن تمتع المكي فلا شيء عليه - لا هدي ، ولا صوم - وإن قرن فعليه هدي ولا بد ؛ ولا يجوز أن يعوض منه صوم - وجد هديا أو لم يجد - ولا يجوز له أن يأكل منه شيئا . قال : والمكي عنده من كان ساكنا في أحد المواقيت فما دونها إلى مكة - قال : فإن تمتع من هو ساكن فيما وراء المواقيت أو قرن ؛ فعليه هدي - وله أن يأكل منه ، فإن لم يجد فصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ففيه وجوه جمة من الخطأ - : أولها - أنه تقسيم لا يعرف عن أحد قبله . والثاني - تفريقه بين قران المكي وبين تمتعه ، وتسويته بين قران غير المكي وبين تمتعه بلا برهان . الثالث - تعويضه الصوم من هدي غير المكي ، ومنعه من تعويضه الصوم من هدي المكي ؛ كل ذلك رأي فاسد لا سلف له فيه ، ولا دليل أصلا . فقالوا : إن المكي إذا قرن فهو داخل في إساءة ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ وأين وجدتم أن من دخل في إساءة لم يجز له أن يعوض من هديه دم ؟ وهذا قاتل الصيد محرما داخل في أعظم الإساءة وأشد الإثم ، وقد عوض الله - تعالى - من هديه صوما وإطعاما وخيره في أي ذلك شاء ؟ وهذا المحصر غير داخل في إساءة بل مأجور معذور ولم يعوض الله - تعالى - من هديه صوما ولا إطعاما ؛ فكم هذا التخليط والخبط في دين الله - تعالى - بشرع الشرائع الفاسدة فيه ؟ وأيضا : فالمكي عندهم إذا تمتع فهو داخل في إساءة أو غير داخل في إساءة لا بد من أحدهما ، فإن كان داخلا في إساءة فلم لم يجعلوا عليه هديا كالذي جعلوا في القران عليه ؟ وإن كان ليس داخلا في إساءة فمن أين وجب أن يدخل إذا قرن في إساءة ؟ فهل فيما يأتي به الممرورون أكثر من هذا ؟ وأما نحن فليس المكي ولا غيره مسيئا في قرانه ولا في تمتعه بل هما محسنان في كل ذلك كسائر الناس ولا فرق ؛ فسقط قول أبي حنيفة لعظيم تناقضه وفساده ، وأما مالك ، والشافعي ، فإنهما قاسا القران على المتعة في المكي وغيره . قال أبو محمد : القياس كله خطأ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الخطأ ؛ لأنه لا شبه بين القارن والمتمتع ؛ لأن المتمتع يجعل بين عمرته وحجه إحلالا ولا يجعل القارن بين عمرته وحجه إحلالا . وأيضا : فإن القارن عندهما وعندنا لا يطوف إلا طوافا واحدا ولا يسعى إلا سعيا واحدا والمتمتع يطوف طوافين ويسعى سعيين . وأيضا : فإن القارن لا بد له من عمل الحج مع عمرته والمتمتع إن لم يرد أن يحج لم يلزمه أن يحج ، والقياس عندهما لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين ولا علة تجمع بين القارن والمتمتع . فإن قالوا : العلة في ذلك هي إسقاط أحد السفرين ؟ قلنا : هذه علة موضوعة لا دليل لكم على صحتها وقد أريناكم بطلانها مرارا ، وأقرب ذلك أن من أحرم وعمل عمرته في آخر يوم من رمضان ثم أهل هلال شوال إثر إحلاله منها ثم أقام بمكة ولم يبرح حتى حج من عامه ذلك فلا هدي عليه عندهما ولا صوم ؛ وقد أسقط أحد السفرين . وكذلك من قصد إلى ما دون التنعيم داخل العام لحاجة فلما صار هنالك - وهو لا يريد حجا ولا عمرة - بدا له في العمرة فاعتمر من التنعيم في آخر يوم من رمضان ؛ ثم أقام حتى حج من عامه فلا هدي عليه ولا صوم عندهما ؛ وهو قد أسقط السفرين جميعا سفر الحج وسفر العمرة . ثم يقولان فيمن حج بعده بساعة إثر ظهور هلال شوال فاعتمر ، ثم خرج إلى البيداء على أقل من بريد من المدينة عند الشافعي ، أو إلى مدينة الفسطاط ، وهو من أهل الإسكندرية عند مالك ثم حج من عامه : فعليه الهدي أو الصوم ، وهو لم يسقط سفرا أصلا ؛ فظهر فساد هذه العلة التي لا علة أفسد منها ، ولا أبطل - وبالله - تعالى - التوفيق . واحتج بعض أهل المعرفة ممن يرى الهدي في القران بأن قال : قد صح عن سعد بن أبي وقاص ، وعلي بن أبي طالب ، وعائشة أم المؤمنين ، وعمران بن الحصين ، وعبد الله بن عمر أنهم سموا القران : تمتعا ، وهم الحجة في اللغة ؛ فإذ القران تمتع فالهدي فيه ، أو الصوم بنص القرآن في إيجاب ذلك على المتمتع . قال أبو محمد : لا يختلف هؤلاء رضي الله عنهم ولا غيرهم في أن عمل المهل بحج وعمرة معا هو عمل غير عمل المهل بعمرة فقط ، ثم يحج من عامه بإهلال آخر مبتدأ ؛ فإذ ذلك كذلك فالمرجوع إليه هو بيان رسول الله ﷺ وهبك أن كليهما يسمى تمتعا إلا أنهما عملان متغايران . فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي ذكرنا قبل من رواية البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رسول الله ﷺ أهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس معه عليه السلام بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله ﷺ مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة ويقصر ويحل ؛ ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } . وقد ذكرنا قبل من طريق مالك ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ أمر من معه الهدي بأن يجعل مع عمرته حجا ، فصح أمر النبي ﷺ من تمتع بالعمرة إلى الحج بالهدي ، أو الصوم ولم يأمر القارن بشيء من ذلك } . ووجدنا ما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فقدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي ﷺ فقال : دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج قالت : ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني ، وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة ، وقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ، ولا صدقة ، ولا صوم } . ومن طريق أبي داود نا الربيع بن سليمان المؤذن أنا محمد بن إدريس الشافعي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء { عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال لها : طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك } فصح أنها كانت قارنة ، ولم يجعل عليه السلام في ذلك هديا ولا صوما . فإن قيل : إنها رضي الله عنها : رفضت عمرتها . قلنا : إن كنتم تريدون أنها حلت منها فقد كذب من قال ذلك ؛ لأن رسول الله ﷺ أخبرها أن طوافها وسعيها يكفيها لحجتها وعمرتها ، ومن الباطل أن يكفيها عن عمرة قد أحلت منها ؛ وإن كنتم تريدون أنها رفضتها وتركتها بمعنى أخرت عمل العمرة من الطواف والسعي حتى أفاضت يوم النحر فطافت وسعت لحجتها وعمرتها معا فنعم ، وهذا قولنا . فإن قيل : فإن وكيعا روى هذا الخبر فجعل قولها ، ولم يكن في ذلك هدي ولا صوم من قول هشام ؟ قلنا : فإن عبد الله بن نمير ، وعبدة جعلاه من كلام عائشة ، وما ابن نمير دون وكيع في الحفظ ، والثقة ، وكذلك عبدة ؛ وكلا الروايتين حق قالته هي ، وقاله هشام ، ونحن أيضا نقوله . فإن قيل : قد صح أنه عليه السلام أهدى عن نسائه البقر ؟ قلنا : نعم ، وقد بين معنى ذلك الإهداء سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنه كان أضاحي ، لا هدي متعة ، ولا هديا عن قران . قال أبو محمد : وقالوا : قد روي عن عمر ، وجابر وجوب الهدي على القارن ؟ قلنا : أما الرواية عن عمر فإنها من طريق عبد السلام بن حرب عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن عمر ، فعبد السلام ضعيف ، وأبو معشر مثله ، وإبراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر رضي الله عنه . وأما الرواية عن جابر فرويناها من طريق موسى بن عبيدة عن بعض أصحابه أنه سأل جابر بن عبد الله أن يقرن بين حج وعمرة بغير هدي ؟ فقال : ما رأيت أحدا منا فعل مثل ذلك ، فموسى ضعيف ، وبعض أصحابه عجب ألبتة ؛ ثم لو صحت لكانت موافقة لقولنا ؛ لأن ظاهرها المنع من القران دون أن يسوق مع نفسه هديا ، وهكذا نقول . ثم لو صح ذلك عنهما لكان لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ ولكان قد خالفهما غيرهما من الصحابة كما ذكرنا آنفا عن أم المؤمنين . وروينا عن سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان أنه سأل ابن عمر مع قوم عن رجل أحرم بالقران ما كفارته ؟ فقال ابن عمر : كفارته أن يرجع بأجرين ، ويرجعون بأجر - فلو كان عليه هدي لأفتاهم به ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة أن الحسن بن علي بن أبي طالب قرن بين حج ، وعمرة ، ولم يهد قال الحكم : وقرن أيضا شريح بين الحج والعمرة ، ولم يهد . فإن قيل : فقد رويتم عن ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن إسماعيل هو ابن أبي خالد - عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال : إذا قرن الرجل بين الحج والعمرة فعليه بدنة فقيل له : إن ابن مسعود يقول : شاة ، فقال ابن عمر : الصيام أحب إلي من شاة ؟ قلنا : نعم ، وأنتم أول من خالف ابن عمر في هذا ؛ ومن التلاعب في الدين أن توجبوا قول الصاحب حجة [ لا يجوز خلافها ] إذا وافق قول أبي حنيفة ، أو مالك ، أو الشافعي ، وغير حجة إذا خالفهم - نبرأ إلى الله - تعالى - من هذا العمل .
وأما قولنا - : من أراد أن يخرج من مكة ، من معتمر ، أو قارن ، أو متمتع بالعمرة إلى الحج ؛ ففرض عليه أن يجعل آخر عمله الطواف بالبيت ، فإن تردد بمكة بعد ذلك أعاد الطواف ولا بد ، فإن خرج ولم يطف بالبيت ففرض عليه الرجوع ، ولو كان بلده بأقصى الدنيا حتى يطوف بالبيت ، فإن خرج عن منازل مكة فتردد خارجا ماشيا ، فليس عليه أن يعيد الطواف إلا التي تحيض بعد أن تطوف طواف الإفاضة فليس عليها أن تنتظر طهرها لتطوف لكن تخرج كما هي ؛ فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فلا بد لها أن تنتظر حتى تطهر ، وتطوف ، وتحبس عليها الكرى والرفقة - : فلما رويناه من طريق مسلم قال : نا سعيد بن منصور نا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال { كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال رسول الله ﷺ : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } . ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - أن عائشة أم المؤمنين قالت { حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت فذكرت حيضتها لرسول الله ﷺ فقال عليه السلام : أحابستنا هي ؟ فقلت : يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول الله ﷺ : فلتنفر } . قال أبو محمد : فمن خرج ولم يودع من غير الحائض فقد ترك فرضا لازما فعليه أن يؤديه - : روينا من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير بن عبد الله أن قوما نفروا ولم يودعوا فردهم عمر بن الخطاب حتى ودعوا . قال علي : ولم يخص عمر موضعا من موضع . وقال مالك : بتحديد مكان إذا بلغه لم يرجع منه - وهذا قول لم يوجبه نص ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب . ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن نافع قال : رد عمر بن الخطاب نساء من ثنية هرشى كن أفضن يوم النحر ثم حضن فنفرن فردهن حتى يطهرن ويطفن بالبيت ، ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنعه الأول . قال أبو محمد : هرشى هي نصف الطريق من المدينة إلى مكة بين الأبواء والجحفة على فرسخين من الأبواء وبها علمان مبنيان علامة ؛ لأنه نصف الطريق . وقد روي أثر من طريق أبي عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس " { أن رسول الله ﷺ وعمر بن الخطاب أفتياه في المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ، ثم تحيض أن يكون آخر عهدها بالبيت } " . قال أبو محمد : الوليد بن عبد الرحمن غير معروف ؛ ثم لو صح لكان داخلا في جملة أمره عليه السلام - أن لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت - وعمومه ، وكأن يكون أمره عليه السلام الحائض التي أفاضت بأن تنفر حكما زائدا مبنيا على النهي المذكور مستثنى منه ليستعمل الخبران معا ولا يخالف شيء منهما - وبالله - تعالى - التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 684) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695)
كتاب الزكاة
685 - مسألة : قال أبو محمد : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم ؟ وصح عن ابن عمر : لا زكاة فيه حتى يتم حولا ؟ وقال أبو حنيفة : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول - : فإنه إن اكتسب بعد ذلك - لو قبل تمام الحول بساعة شيئا - قل أو كثر - من جنس ما عنده : فإنه يزكي المكتسب مع الأصل ، سواء عنده الذهب ، والفضة ، والماشية ، والأولاد ، وغيرها ؟ وقال مالك : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا ، وسواء كان عنده ما فيه الزكاة من جنسه أو لم يكن ، إلا الماشية ؛ فإن من استفاد منها شيئا بغير ولادة منها ، فإن كان الذي عنده منها نصابا - : زكى الجميع عند تمام الحول ، وإلا فلا ، وإن كانت من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات سواء كانت الأمهات نصابا أو لم تكن ؟ وقال الشافعي : لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذي استفاده من جنسه ألبتة ، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا قبل فساد هذه الأقوال كلها ؛ ويكفي من فسادها أنها كلها مختلفة وكلها دعاو مجردة ، وتقاسيم فاسدة متناقضة لا دليل على صحة شيء منها . لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه وقال أبو حنيفة : من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم تلفت كلها أو أنفقها إلا درهما واحدا واحدا فإنه بقي عنده ؛ فلما كان قبل تمام الحول بساعة اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما - : فالزكاة عليه في الجميع لحول التي تلفت ، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيما اكتسب ولو أنها مائة ألف درهم - حتى يتم لها حول ؟ فيا ليت شعري ما شأن هذا الدرهم ؟ وما قوله لو لم يبق منها إلا فلس ؟ وكذلك قوله فيمن عنده نصاب من ذهب ، أو من بقر ، أو من إبل ، أو من غنم ؛ ثم تلفت كلها إلا واحدة ؛ ثم اكتسب من جنسها قبل الحول ما يتم بما بقي عنده النصاب ؟ وهذا قول يغني ذكره عن تكلف الرد عليه ؟ ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فإن الزكاة واجبة فيه وإن لم يكتسب غيره ؛ نعم ، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فإن الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه ؟ وممن روي عنه تعجيل الزكاة من الفائدة : ابن مسعود ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والزهري وممن صح عنه : لا زكاة في مال حتى يتم له حول - : علي ، وأبو بكر الصديق ، وعائشة أم المؤمنين ، وابن عمر ، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية ؟ . وأما تقسيم أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم نعم ، ولا عن أحد من التابعين . قال أبو محمد : كل فائدة فإنما تزكى لحولها ، لا لحول ما عنده من جنسها وإن اختلطت عليه الأحوال ؟ تفسير ذلك : لو أن امرأ ملك نصابا - وذلك مائتا درهم من الورق أو أربعين دينارا من الذهب ، أو خمسا من الإبل ، أو خمسين من البقر - ثم ملك بعد ذلك بمدة - قريبة أو بعيدة ، إلا أنها قبل تمام الحول - من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا ، أو ملك أربعين شاة ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين - : فإن كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة فإنه يضم التي ملك إلى ما كان عنده ؛ لأنها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة ، فيزكى ذلك لحول التي كانت عنده ثم يستأنف الجميع حولا ، فإن استفاد في داخل الحول ما يغير الفريضة فيما عنده ، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة - وليس ذلك إلا في الورق خاصة - على كل حال ، وفي سائر ذلك في بعض الأحوال - : فإنه يزكي الذي عنده وحده لتمام حوله ، وضم حينئذ الذي استفاد إليه - لا قبل ذلك - واستأنف بالجميع حولا ؟ مثل : من كان عنده مائة شاة وعشرين شاة ثم استفاد شاة فأكثر ، أو كان عنده تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر ، أو كان عنده تسع من الإبل فأفاد واحدة فأكثر أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر ، لأن الذي يبقى بعد الذي زكى لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكى مال مرتين في عام واحد فلو ملك نصابا - كما ذكرنا - ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق أو الذهب أو الماشية فإنه يزكي كل مال لحوله ؛ فإن رجع الأول منهما إلا ما لا زكاة فيه فإذا حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الأول حينئذ إلى الآخر ، لأن الأول قد صار لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني ، فيكون يزكي الثاني مرتين في عام ؛ ويستأنف بالجميع حولا ؟ فإن رجع المال الثاني إلى ما لا زكاة فيه وبقي الأول نصابا فإنه يزكيه إذا حال حوله ، ثم يضم الثاني إلى الأول حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا ؟ فلو خلطهما فلم يتميزا فإنه يزكي كل عدد منهما لحوله ، ويجعل ما أخرج من ذلك كله نقصانا من المال الثاني ؛ لأنه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني ، وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص ؛ فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى ما يوقن أن أحدهما قد نقص - ولا بد - عما فيه الزكاة وذلك مثل : أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة ؛ لأنه لا يجوز أن يزكي عن هذا العدد بشاتين ، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة ، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا ، والإبلان إلى أقل من عشرة ، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم ؟ فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما ، ويمكن أن يكون دخل في أحدهما ، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة ؛ فلا تسقط عنه بالشك فإذا كان هذا : ضم المال الثاني إلى الأول فزكي الجميع لحول الأول أبدا ، حتى يرجع الكل إلى ما لا زكاة فيه فلو اقتنى خمسا من الإبل أو أكثر - إلا أنه عدد يزكى بالغنم - ثم اقتنى في داخل الحول عددا يزكى وحده لو انفرد - إما بالغنم ، وإما بالإبل - فإنه يزكي ما كان عنده عند تمام حوله بالغنم ؛ ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد ؛ إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد عنده إبل له قد تم لجميعها حول فيزكي بعضها بالغنم وبعضها بالإبل ؛ لأنه خلاف أمر رسول الله ﷺ في زكاة الإبل فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم ملك في الحول إحدى عشرة زكى الأول لحولها بنت مخاض ؛ ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكي الجميع لحول - من حينئذ مستأنف - ببنت لبون ؛ لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة إبل واحدة لمالك واحد . وهكذا في كل شيء ؟ فإن قيل : فإنكم تؤخرون زكاة بعضها عن بعض عن حوله شهورا ؟ قلنا : نعم : لأننا لا نقدر على غير ذلك ألبتة ، إلا بإحداث زكاتين في مال واحد ، وهذا خلاف النص ؛ وتأخير الزكاة إذا لم يمكن التعجيل مباح لا حرج فيه - وبالله تعالى التوفيق .
686 - مسألة : من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا هو حي ؟ قال أبو محمد : تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام ؛ وسواء كل ذلك لهروبه بماله ؛ أو لتأخير الساعي ؛ أو لجهله ، أو لغير ذلك ؛ وسواء في ذلك العين ، والحرث ، والماشية ، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت ، وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى ما لا زكاة فيه أو لم يرجع ، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى تستوفي الزكاة وقال مالك : إن كان ذلك عينا - ذهبا أو فضة - فإنه تؤخذ منه زكاة كل سنة حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم ، والذهب إلى عشرين دينارا ، فتؤخذ الزكاة لسنة واحدة ، ثم لا شيء عليه لما بعد ذلك من السنين ؟ وإن كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وإن اصطلمت جميع ماله ؟ وإن كانت ماشية . فإن كان هو هرب أمام الساعي فإن الزكاة تؤخذ منه على حسب ما كان عنده في كل عام ؛ فإذا رجع ماله بإخراج الزكاة إلا ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء لسائر ما بقي من الأعوام ، وإن كان الساعي هو الذي تأخر عنه فإنه تؤخذ منه زكاة ما وجد بيده لكل عام خلا - سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل ما لم يخرج إلى ما لا زكاة فيه ؛ فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء ؟ وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الإبل عامين لم يؤد زكاتها : إنه يزكي للعام الأول شاتين . وللعام الثاني شاة واحدة وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم - لا مال له غيرها - فلم يزكها سنتين فصاعدا : إنه لا زكاة عليه ؛ لأن الزكاة صارت عليه دينا فيها هذا نص كلامه وقال أبو يوسف : عليه زكاتها لعام واحد فقط ؟ وقال زفر : عليه زكاتها لكل عام أبدا . وبه يقول أبو سليمان ، وأصحابنا ؟ قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر التناقض ، وتقسيم فاسد ، لا برهان على صحته ؛ لأنه دعوى بلا دليل . وما العجب إلا من رفقهم بالهارب أمام المصدق وتحريهم العدل فيه وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي ، فيوجبون عليه زكاة ألف ناقة لعشر سنين ؛ ولم يملكها إلا سنة واحدة ، وإنما ملك في سائر الأعوام خمسا من الإبل فقط . واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية ؟ قال أبو محمد : وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الأعطية ومعه ابن مسعود ؛ وقلدوا هاهنا سعاة من لا يعتد به ، كمروان ، وسعيد بن العاص ، وما هنالك ومعاذ الله أن تؤخذ الزكاة من إبل لم يملكها المسلم وتعطل زكاة قد أوجبها الله تعالى ؟ وأما قول أبي يوسف فإنه محمول على أن الزكاة - في العين وغيره - في المال نفسه ، ولا في الذمة ، وهذا أمر قد بينا فساده قبل ؛ وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين ، ولو كانت في العين لما أجزأه أن يعطي الزكاة من غير ذلك المال نفسه ؛ وهذا أمر مجمع على خلافه ؛ وعلى أنه له أن يعطيها من حيث شاء ؛ فإذا صح أنها في الذمة فلا يسقطها عنه ذهاب ماله ، ولا رجوعه إلى ما لا زكاة فيه ؟ واحتج بعضهم بأن امرأ لو باع ماشيته بعد حلول الزكاة فيها أن للساعي أخذ الزكاة من تلك الماشية المبيعة ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ؛ وما له ذلك ؛ لأنها قد صارت مالا من مال المشتري ؛ ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمر ولم تجب عليه وإنما وجبت على زيد ؛ ولكن يتبع البائع بها دينا في ذمته وبالله تعالى التوفيق .
687 - مسألة : فلو مات الذي وجبت عليه الزكاة سنة أو سنتين فإنها من رأس ماله ، أقر بها أو قامت عليه بينة ، ورثه ولده أو كلالة ، لا حق للغرماء ولا للوصية ولا للورثة حتى تستوفي كلها ؛ سواء في ذلك العين والماشية والزرع . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهما . وقال أبو حنيفة : من مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته فإنها تسقط بموته ، لا تؤخذ أصلا ، سواء مات إثر الحول بيسير أو كثير ، أو كانت كذلك لسنين . وأما زكاة الماشية فإنه روى عنه ابن المبارك : أنه يأخذها المصدق منها ، وإن وجدها بأيدي ورثته . وروى عنه أبو يوسف : أنها تسقط بموته واختلف قوله في زكاة الثمار والزرع : فروى عنه عبد الله بن المبارك أنها تسقط بموته ، وروى عنه محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة : أنها تؤخذ بعد موته ، ويرى أن قوله المذكور في الماشية ، والزرع إنما هو في زكاة تلك السنة فقط ؛ فأما زكاة فرط فيها حتى مات فإنه يقول : بأنها تسقط عنه . وقال مالك فيمن مات بعد حلول الزكاة في ماله أي مال كان حاشا المواشي - : فإنها تؤخذ من رأس ماله ، فإن كان فرط فيها أكثر من عام فلا تخرج عنه إلا أن يوصي بها ، فتكون من ثلثه مبداة على سائر وصاياه كلها ، حاشا التدبير في الصحة ، وهي مبداة على التدبير في المرض قال : وأما المواشي فإنه إن حال الحول عليها ثم مات قبل مجيء الساعي ثم جاء الساعي فلا سبيل للساعي عليها ، وقد بطلت ، إلا أن يوصي بها ، فتكون في الثلث غير مبداة على سائر الوصايا . واختلف قول الأوزاعي في ذلك : فمرة رآها من الثلث ، ومرة رآها من رأس المال قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ، ومالك ؛ ففي غاية الخطأ ؛ لأنهما أسقطا بموت المرء دينا لله تعالى وجب عليه في حياته ، بلا برهان أكثر من أن قالوا : لو كان ذلك لما شاء إنسان أن لا يورث ورثته شيئا إلا أمكنه فقلنا : فما تقولون في إنسان أكثر من إتلاف أموال الناس ليكون ذلك دينا عليه ولا يرث ورثته شيئا ، ولو أنها ديون يهودي ، أو نصراني لا في خمور أهرقها لهم . فمن قولهم : إنها كلها من رأس ماله ، سواء ورث ورثته أو لم يرثوا ، فنقضوا علتهم بأوحش نقض وأسقطوا حق الله تعالى - الذي جعله للفقراء والمساكين من المسلمين ، والغارمين منهم ، وفي الرقاب منهم ، وفي سبيله تعالى ، وابن السبيل فريضة من الله تعالى - : وأوجبوا ديون الآدميين وأطعموا الورثة الحرام . والعجب أنه من إيجابهم الصلاة بعد خروج وقتها على العامد لتركها ، وإسقاطهم الزكاة ووقتها قائم عن المتعمد لتركها . ثم تقسيم مالك بين المواشي وغير المواشي ، وبين زكاة عامه ذلك وسائر الأعوام ، فرأى زكاة عامه من رأس المال ، وإن لم يبق للورثة شيء يعيشون منه ، ولم ير زكاة سائر الأعوام إلا ساقطة . ثم تفريقه بين زكاة الناض يوصي بها فتكون في الثلث وتبدى على الوصايا إلا على التدبير في الصحة وتبدى على التدبير في المرض - : وبين زكاة الماشية يوصي بها فتكون في الثلث ولا تبدى الوصايا ، وهذه أشياء غلط فيها من غلط وقصد الخير ، وإنما العجب ممن انشرح صدره لتقليد قائلها . ثم استعمل نفسه في إبطال السنن الثابتة نصرا لها . قال أبو محمد : وبين صحة قولنا وبطلان قول المخالفين قول الله عز وجل ( في المواريث ) { من بعد وصية يوصي بها أو دين } فعم - عز وجل - الديون كلها ، والزكاة دين قائم لله تعالى وللمساكين ، والفقراء والغارمين وسائر من فرضها تعالى لهم في نص القرآن - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عمر الوكيعي وأبو سعيد الأشج . قال الوكيعي : ثنا حسين بن علي عن زائدة ؛ وقال أبو سعيد ثنا أبو خالد الأحمر ثم اتفق زائدة ، وأبو خالد الأحمر كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، قال مسلم البطين : عن سعيد بن جبير وقال الحكم ، وسلمة : سمعنا مجاهدا ثم اتفق سعيد بن جبير ، ومجاهد عن ابن عباس قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . قال أبو خالد : في روايته عن الأعمش عن مسلم البطين ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء عن ابن عباس ، وذكر زائدة في حديثه أن الأعمش سمعه من الحكم ، وسلمة ومسلم ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ فذكره ، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال { : فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء } فهؤلاء : عطاء ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد يروونه عن ابن عباس ، فقال : هؤلاء بآرائهم ، بل دين الله تعالى ساقط ودين الناس أحق أن يقضى والناس أحق بالوفاء قال أبو محمد : ويسألون عن الزكاة أفي الذمة هي أم في عين المال . ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث . فإن قالوا : في عين المال ، فقد صح أن أهل الصدقات شركاء في ذلك المال ، فمن أين وجب أن يبطل حقهم وتبقى دين اليهود والنصارى ؟ وإن قالوا : في الذمة فمن أين أسقطوها بموته ؟ ولا يختلفون أن إقرار الصحيح لازم في رأس المال فمن أين وقع لهم إبطال إقرار المريض ؟ فإن قالوا : لأنه وصية ، كذبوا وتناقضوا لأن الإقرار إن كان وصية فهو من الصحيح أيضا في الثلث ، وإلا فهاتوا فرقا بين المريض ، والصحيح . وإن قالوا : لأننا نتهمه . قلنا : فهلا اتهمتم الصحيح فهو أحق بالتهمة ؟ لا سيما المالكيين الذين يصدقون قول المريض في دعواه : إن فلانا قتله ، ويبطلون إقراره في ماله ، وهذه أمور كما ترى ونسأل الله العافية . روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري في الرجل يموت ولم يؤد زكاة ماله : أنها تؤخذ من ماله إذا علم بذلك . وقال ربيعة : لا تؤخذ وعليه ما تحمل - : ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا جرير عن سليمان التيمي عن الحسن ، وطاوس : أنهما قالا في حجة الإسلام ، والزكاة : هما بمنزلة الدين قال علي : وللشافعي قول آخر : إن كل ذلك يتحاص مع ديون الناس . قال علي : وهذا خطأ ، لقول رسول الله ﷺ { دين الله أحق أن يقضى . } قال علي : هذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة - التي لا معارض لها - والقياس ، ولم يتعلقوا بقول صاحب نعلمه .
688 - مسألة : ولا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره إلا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه ، فإن أخذها الإمام ، أو ساعيه ، أو أميره ، أو ساعيه فبنية كذلك ، لقول الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ولقول رسول الله ﷺ { : إنما الأعمال بالنيات . } فلو أن امرأ أخرج زكاة مال له غائب فقال : هذه زكاة مالي إن كان سالما ، وإلا فهي صدقة تطوع - : لم يجزه ذلك عن زكاة ماله إن كان سالما ، ولم يكن تطوعا لأنه لم يخلص النية للزكاة محضة كما أمر ، وإنما يجزئه إن أخرجها على أنها زكاة ماله فقط ؛ فإن كان المال سالما أجزأه ، لأنه أداها كما أمر مخلصا لها ، وإن كان المال قد تلف ، فإن قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى ، وإن فاتت أدى الإمام إليه ذلك من سهم الغارمين ، لأنهم أخذوها وليس لهم أخذها ، فهم غارمون بذلك ، وهذا كمن شك : عليه يوم من رمضان أم لا ؟ وهل عليه صلاة فرض أم لا ؟ فصلى عدد ركعات تلك الصلاة وقال : إن كنت أنسيتها فهي هذه ، وإلا فهي تطوع ؛ وصام يوما فقال : إن كان علي يوم فهو هذا ؛ وإلا فهو تطوع ؛ فإن هذا لا يخرجه عن تلك الصلاة ولا عن ذلك اليوم إن ذكر بعد ذلك أنهما عليه .
689 - مسألة : من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه - بأي وجه خرج عن ملكه - ثم رجع إليه - بأي وجه رجع إليه ، ولو إثر خروجه بطرفة عين أو أكثر - : فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه ، لا من حين الحول الأول ، لأن ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ، ومن الباطل أن يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره . وكذلك من باع إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو فضة بفضة ، أو ذهبا بذهب - : فإن حول الذي خرج عن ملكه ، من ذلك قد بطل ، ويستأنف الحول الذي صار في ملكه من ذلك لما ذكرنا . وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، فهو عاص بنيته السوء في فراره من الزكاة . وقال بعض الناس : إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة ، ثم ناقض من قرب فقال : من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة عليه فيما اشترى . قال أبو محمد : ومن المحال الذي لم يأمر الله تعالى به أن يزكي الإنسان مالا هو في يد غيره [ ما ] لم يحل حوله عنده . قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وقولنا في هذا كله هو قول أبي حنيفة والشافعي ، وأبي سليمان . وقال مالك : إن بادل إبلا ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك سواء فعله فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، وإن بادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهبا بذهب ، أو فضة بفضة - : فعليه الزكاة عند انقضاء الحول الذي خرج عن يده ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ظاهر ، ودعوى لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا سنة ( صحيحة ) ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا رأي يصح ونسأل من قال بهذا : أهذه التي صارت إليه هي التي خرجت عنه ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قال : هي غيرها ؟ قيل : فكيف يزكي عن مال لا يملكه ؟ ولعلها أموات ، أو عند كافر . وإن : قال بل هي تلك ، كابر العيان ، وصار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا ، فإن قال : ليست هي ، ولكنها من نوعها ؟ قلنا نعم ، فكان ماذا ؟ ومن أين لكم زكاة غير المال الذي ابتدأ الحول في ملكه إذا كان من نوعه ؟ ثم يسألون إن كانت الأعداد مختلفة : أي العددين يزكي العدد الذي خرج عن ملكه ؟ أم العدد الذي اكتسب ؟ ولعل أحدهما ليس نصابا ؟ وهذا كله خطأ لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق . وأي شيء قالوا في ذلك كان تحكما وباطلا بلا برهان . فإن قالوا : إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر من الإبل أو لمائتي درهم حولا كاملا متصلا ؟ قلنا : إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حولا كاملا من كل ما ذكرنا بلا خلاف ؛ فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة ، وهذا ما لا سبيل إلى وجوده ، إلا بالدعوى - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنةوالثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنةوالثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 739 - 752)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (مسألة 753)
كتاب الصيام
739 - مسألة : وصفة الكفارة الواجبة هي كما ذكرنا في رواية جمهور أصحاب الزهري : من عتق رقبة لا يجزئه غيرها ما دام يقدر عليها ، فإن لم يقدر عليها لزمه صوم شهرين متتابعين ، فإن لم يقدر عليها لزمه - حينئذ - إطعام ستين مسكينا ؟ فإن قيل : هلا قلتم بما رواه يحيى الأنصاري وابن جريج ، ومالك عن الزهري من تخييره بين كل ذلك ؟ قلنا : لما قد بينا من أن هؤلاء اختصروا الحديث ، وأتوا بألفاظهم ، أو بلفظ من دون النبي ﷺ . وأما سائر أصحاب الزهري فأتوا بلفظ النبي ﷺ وهو الذي لا يحل تعديه أصلا ، وبزيادة حكم الترتيب ، ولا يحل ترك الزيادة وبقولنا يقول أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأحمد ، وجمهور الناس ؟ وأما مالك فقال بما روي ؛ إلا أنه استحب الإطعام ، وليس لهذا الاستحباب وجه أصلا . وأما أبو حنيفة فإنه أجاز في الإطعام المذكور : أن تطعم مسكينا واحدا ستين يوما ، وهذا خلاف مجرد لأمر رسول الله ﷺ ولا يقع اسم ستين مسكينا على مسكين واحد أصلا
740 - مسألة : ويجزئ في ذلك رقبة مؤمنة أو كافرة ، صغيرة ، أو كبيرة ، ذكر أو أنثى ، معيب أو سليم ؛ لعموم { قول رسول الله ﷺ أعتق رقبة } فلو كان شيء من الرقاب التي تعتق لا يجزئ في ذلك لبينه عليه السلام ، ولما أهمله حتى يبينه له غيره . ويجزئ في ذلك : أم الولد ، والمدبر ، والمعتق بصفة ، وإلى أجل ، والمكاتب الذي لم يؤد شيئا من كتابته ، ولا يجزئ في ذلك نصفان من رقبتين ، ولا من بعضه حر ؟ وقال أبو حنيفة بقولنا في الكافر والصغير : وقال مالك ، والشافعي لا يجزئ إلا مؤمنة ، قالوا : قسنا ذلك على - الرقبة في قتل الخطأ . قال أبو محمد : والقياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن مالكا لا يقيس حكم قاتل العمد على حكم قاتل الخطأ في الكفارة ، فإذا لم يقس قاتلا على قاتل فقياس الواطئ على القاتل أولى بالبطلان ، إن كان القياس حقا ؟ والشافعي لا يقيس المفطر بالأكل على المفطر بالوطء في الكفارة ، فإذا لم يقس مفطرا على مفطر فقياس المفطر على القاتل أولى بالبطلان ، إن كان القياس حقا ؟ وأيضا : فإنه لا خلاف في أن كفارة الواطئ في رمضان يعوض فيها الإطعام من الصيام ، ولا يعوض الإطعام من الصيام في كفارة قتل الخطأ فقد صح إجماعهم على أن حكم كفارة الواطئ مخالف لحكم كفارة القاتل ؛ فبطل بهذا قياس إحداهما على الأخرى ؟ فإن قالوا : إن النص لم يرد بالتعويض في كفارة القتل ، وورد به في كفارة الوطء ؟ قلنا : والنص لم يرد باشتراط مؤمنة في كفارة الوطء وورد به في كفارة القتل ، وهذا هو الحق . فإن قالوا : المؤمنة أفضل ؟ قلنا : نعم ؛ والعالم الفاضل أفضل من الجاهل الفاسق . قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } . وقال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } وأنتم تجيزون فيها الجاهل الفاسق . وأما المعيب فكلهم متفق على إجازة العيب الخفيف فيها ، ولم يأت نص ، ولا إجماع ، ولا قياس بالفرق بين العيوب في ذلك ؟ وأيضا : فلا سبيل لهم إلى تحديد الخفيف - الذي أجازوه من الكثير - الذي لا يجيزونه - فصح أنه رأي فاسد من آرائهم ؟ وقال أبو حنيفة : يجزئ الأعور ، والمقطوع اليد أو الرجل أو كليهما من خلاف ، والمقطوع إصبعين من كل يد سوى الإبهامين . ولا يجزئ الأعمى ، ولا المقعد ، ولا المقطوع يدا ورجلا من جانب واحد ، ولا مقطوع الإبهامين فقط من كلتا يديه ولا مقطوع ثلاث أصابع من كل يد قال أبو محمد : وهذه تخاليط قوية بمرة ولو كان شيء من هذا لا يجزئ لبينه عليه السلام . وأما أم الولد والمدبر فلا خلاف في أن العتق جائز فيهما وحكمه واقع عليهما إذا عتقا ، فمعتق كل واحد منهما يسمى معتق رقبة ، وعتق كل واحد منهم عتق رقبة بلا خلاف ؛ فوجب أن من أعتق أحدهما في ذلك فقد فعل ما أمره الله تعالى به . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجزئان ؟ وقال الشافعي : لا تجزئ أم الولد ، لأنها لا تباع ؟ قال أبو محمد : فكان ماذا ؟ وهل اشترط عليه السلام - إذ أمر في الكفارة بعتق رقبة - أن تكون ممن يجوز بيعها ؟ حاش لله من هذا ، فإذ لم يشترط عليه السلام هذه الصفة فاشتراطها باطل ، وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى { وما كان ربك نسيا } . وأجاز في ذلك عتق المدبر ؟ وممن أجاز عتق أم الولد ، والمدبر في ذلك : عثمان البتي ، وأبو سليمان ؟ وأما المكاتب الذي لم يؤد شيئا فقد ذكرنا أنه عبد ، وممن أجازه في الكفارة دون من أدى شيئا من كتابته - : أبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . وأما المكاتب الذي أدى شيئا من كتابته ، ومن بعضه حر ، فقد ذكرنا في كتاب الزكاة شروع الحرية فيه بقدر ما أدى ، فمن أعتق باقيهما فإنما أعتق بعض رقبة ؛ لا رقبة ؛ فلم يؤد ما أمر به . وممن قال بقولنا في أنهما لا يجزئان : أبو حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق . وأما من أعتق نصفي رقبتين فلا يسمى معتق رقبة كما ذكرنا ؛ ولأنه يعتق عليه سائرهما بحكم آخر ولا بد ؛ فإذا لم يكن معتق - رقبة في ذلك فلم يؤد ما أمر به ؟ وأما المعتق إلى أجل - وإن قرب - أو بصفة فعتقهما وبيعهما جائز ؛ أما المعتق فلا خلاف منهم نعلمه فيه . وممن أجازهما في الكفارة : الشافعي وغيره ، ومعتقهما يسمى : معتق رقبة .
741 - مسألة : وكل ما قلنا : أنه لا يجزئ ؛ فإنه عتق مردود باطل لا ينفذ ، لقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } ولأنه لم يعتقه إلا بصفة لم تصح ، فلم يصح عتقه - وبالله تعالى التوفيق
742 - مسألة : ومن كان فرضه الصوم ، فقطع صومه عليه رمضان ، أو أيام الأضحى ، أو ما لا يحل صيامه فليسا متتابعين ، وإنما أمر بهما متتابعين ؟ وقال قائل : يجزئه ؟ قال علي : وهذا خلاف أمره ﷺ وليس كونه معذورا في إفطاره غير آثم ولا ملوم بمجيز له ما لم يجوزه الله تعالى من عدم التتابع . وروينا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم : من لزمه شهران متتابعان فمرض فأفطر فإنه يبتدئ صومهما ؟
743 - مسألة : فإن اعترضه فيهما يوم نذر نذره : بطل النذر وسقط عنه ، وتمادى في صوم الكفارة ، وكذلك في رمضان سواء سواء ، لقول رسول الله ﷺ { كتاب الله أحق وشرط الله أوثق } . فصح أنه ليس لأحد أن يلتزم غير ما ألزمه الله تعالى ، ومن نذر ما يبطل به فرض الله تعالى : فنذره باطل ؛ لأنه تعد لحدود الله عز وجل ؟
744 - مسألة : فإن بدأ بصومهما في أول يوم من الشهر صام إلى أن يرى الهلال الثالث ولا بد ، كاملين كانا أو ناقصين ، أو كاملا وناقصا لقول الله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } فمن لزمه صوم شهرين لزمه أن يأتي بهما من جملة الاثني عشر شهرا المذكورة ؟
745 - مسألة : فإن بدأ بهما في بعض الشهر - ولو لم يمض منه إلا يوم ، أو لم يبق إلا يوم فما بين ذلك - : لزمه صوم ثمانية وخمسين يوما لا أكثر . لما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد العزيز بن عبد الله ثنا سليمان بن بلال عن حميد عن أنس بن مالك قال : { آلى رسول الله ﷺ من نسائه فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة ثم نزل ، فقالوا : يا رسول الله ، آليت شهرا ، فقال : إن الشهر يكون تسعا وعشرين } . ورويناه من طرق متواترة جدا كذلك من طريق ابن جريج عن أبي الزبير : أنه سمع جابرا ، ومن طريق عكرمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة ومن طريق سعيد بن عمرو ، وجبلة بن سحيم ، وعمرو بن دينار ، وعقبة بن حريث ، وسعد بن عبيدة كلهم عن ابن عمر ، ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ، ومن طريق الزهري عن عروة عن عائشة ، كلهم عن رسول الله ﷺ بأسانيد في غاية الصحة ؛ فإذا الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين ، فلا يلزمه إلا اليقين ، وهو الأقل ؟ وقال قائلون : عليه أن يوفي ستين يوما ليكون على يقين من إتمام الشهرين ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ لأن الله تعالى إنما ألزمه شهرين ، ولم يقل كاملين ، كل شهر من ثلاثين يوما ، فإنما عليه ما يقع عليه اسم شهرين ، واسم شهرين يقع بنص كلامه عليه السلام على تسع وعشرين ، وتسع وعشرين ، والفرائض لا تلزم إلا بنص ، أو إجماع ؟ ويلزم من قال هذا من الحنفيين أن يقول : لا تجزئ - الرقبة إلا مؤمنة ؛ ليكون على يقين من أنه قد أدى الفرض في الرقبة ؟ ويلزم من قال بهذا من المالكيين ، والشافعيين أن يقول : لا تجزئ إلا غداء وعشاء ، أو غداء وغداء ، أو عشاء وعشاء ، كما يقول الحنفيون ، ولا يجزئ إلا صاع من شعير لكل مسكين ، أو نصف صاع بر - : ليكون على يقين من أداء فرض الإطعام ؟
746 - مسألة : ومن كان فرضه الإطعام فإنه لا بد له من أن يطعمهم شبعهم ، من أي شيء أطعمهم ، وإن اختلف ، مثل : أن يطعم بعضهم خبزا ، وبعضهم تمرا ، وبعضهم ثريدا ، وبعضهم زبيبا ، ونحو ذلك . ويجزئ في ذلك مد بمد النبي ﷺ إن أعطاهم حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك ، مما يؤكل ويكال ؛ فإن أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة ، أقل كان أو أكثر ؟ حدثنا أحمد بن عمر ثنا عبد الله بن حسين بن عقال ثنا بكار بن قتيبة ثنا مؤمل هو ابن إسماعيل الحميري ثنا سفيان هو الثوري - عن منصور هو ابن المعتمر - عن الزهري عن حميد هو ابن عبد الرحمن بن عوف - عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ فذكر خبر الواطئ في رمضان ، قال قال : فأتي النبي ﷺ بمكتل فيه خمسة عشر - يعني صاعا - فقال له النبي ﷺ خذه فأطعمه عنك } . قال علي : فأجزأ هذا في الإطعام . وكان إشباعهم من أي شيء أشبعهم مما يأكل الناس - : يسمى إطعاما ، والبر : يؤكل مقلوا ؛ فكل ذلك إطعام . ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع ، ولم يختلف فيما دون الشبع في الأكل ، وفيما دون المد في الإعطاء : أنه لا يجزئ ؟ وقال أبو حنيفة : لا يجزئ إلا نصف صاع بر ، أو مثله من سويقه أو دقيقه ، أو صاع من شعير ، أو زبيب ، أو تمر ، لكل مسكين . ولا بد من غداء وعشاء أو غداء وغداء ، أو عشاء وعشاء ، أو سحور وغداء ، أو سحور وعشاء ؟ قال أبو محمد : وهذا تحكم وشرع لم يوجبه نص ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ؟
747 - مسألة : ولا يجزئ إطعام رضيع لا يأكل الطعام ، ولا إعطاؤه من ذلك ، لأنه لا يسمى إطعاما ، فإن كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه وإشباعه ، وإن أكل قليلا ، لأنه أطعم كما أمر - وبالله تعالى التوفيق ؟
748 - مسألة : ولا يجزئ إطعام أقل من ستين ، ولا صيام أقل من شهرين ، لأنه خلاف ما أمر به ؟
749 - مسألة : ومن كان قادرا حين وطئه على الرقبة لم يجزه غيرها ، افتقر بعد ذلك أو لم يفتقر ، ومن كان عاجزا عنها حينئذ قادرا على صيام شهرين متتابعين لم يجزه شيء غير الصيام ، أيسر بعد ذلك ووجد رقبة أو لم يوسر ؟ ومن كان عاجزا حين ذلك عن - الرقبة وعن الصيام قادرا على الإطعام لم يجزه غير الإطعام ، قدر على الرقبة أو الصوم بعد ذلك أو لم يقدر ؛ لأن كل ما ذكرنا هو فرضه بالنص ، والإجماع ؛ فلا يجوز سقوط فرضه وإيجاب فرض آخر عليه بغير نص ولا إجماع . وقال قائلون : إن دخل في الصوم فأيسر انتقل حكمه إلى الرقبة ؟ وهذا خطأ ، وقول بلا برهان ؟
750 - مسألة : فمن لم يجد إلا رقبة لا غنى به عنها ، لأنه يضيع بعدها أو يخاف على نفسه من حبها - : لم يلزمه عتقها ؟ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . وقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وكل ما ذكرنا حرج وعسر لم يجعله تعالى علينا ، ولا أراده منا ، وفرضه حينئذ الصيام ، فإن كان في غنى عنها وهو قائم بنفسه ولا مال له فعليه عتقها ؛ لأنه واجد رقبة لا حرج عليه في عتقها ؟
751 - مسألة : ومن كان عاجزا عن ذلك كله ففرضه الإطعام ، وهو باق عليه ، فإن وجد طعاما وهو إليه محتاج أكله هو وأهله وبقي الإطعام دينا عليه ؛ لأن رسول الله ﷺ أمره بالإطعام فأخبره أنه لا يقدر عليه ، فأتاه بالتمر فأعطاه إياه وأمره بأن يطعمه عن كفارته ؟ فصح أن الإطعام باق عليه وإن كان لا يقدر عليه ، وأمره عليه السلام بأكله إذ أخبره أنه محتاج إلى أكله ، ولم يسقط عنه ما قد ألزمه إياه من الإطعام ، ولا يجوز سقوط ما افترضه عليه السلام إلا بإخبار منه عليه السلام بأنه قد أسقطه - وبالله تعالى التوفيق .
752 - مسألة : والحر والعبد في كل ما ذكرنا سواء ويطعم من ذلك الحر والعبد ، لأن حكم رسول الله ﷺ جاء عموما ، لم يخص منه حر من عبد ، وإذا كان العبد مسكينا فهو ممن أمر بإطعامه ولا تجوز معارضة أمره عليه السلام بالدعاوى الكاذبة - وبالله تعالى نتأيد ؟
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الجنائز (مسألة 558 - 572) ابن حزم - المحلى كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577)
المؤلف: ابن حزم كتاب الجنائز (مسألة 578 - 585)
كتاب الجنائز
573 - مسألة : ويكبر الإمام والمأمومون بتكبير الإمام على الجنازة خمس تكبيرات ، لا أكثر ، فإن كبروا أربعا فحسن ، ولا أقل ، ولا ترفع الأيدي إلا في أول تكبيرة فقط ، فإذا انقضى التكبير المذكور سلم تسليمتين وسلموا كذلك ، فإن كبر سبعا كرهناه واتبعناه ، وكذلك إن كبر ثلاثا ، فإن كبر أكثر لم نتبعه ، وإن كبر أقل من ثلاث لم نسلم بسلامه ، بل أكملنا التكبير - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى قالا : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن { عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ، وأنه كبر على جنازة خمسا ، فسألته ؟ فقال : كان رسول الله ﷺ يكبرها } . وصح عن النبي ﷺ أنه كبر أيضا أربعا ، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى - : قال أبو محمد : واحتج من منع من أكثر من أربع بخبر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال " { جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة ، فقالوا : كبر النبي ﷺ سبعا وخمسا وأربعا ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات كأطول الصلاة } . وروينا أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن شقيق عن أبي وائل فذكره . قالوا : فهذا إجماع ، فلا يجوز خلافه ؟ قال أبو محمد : وهذا في غاية الفساد ، أول ذلك - : أن الخبر لا يصح ؛ لأنه عن عامر بن شقيق وهو ضعيف . وأما عمر بن شقيق فلا يدرى في العالم من هو ومعاذ الله أن يستشير عمر رضي الله عنه في إحداث فريضة بخلاف ما فعل فيها رسول الله ﷺ أو للمنع من بعض ما فعله عليه السلام ، ومات وهو مباح ، فيحرم بعده ، لا يظن هذا بعمر إلا جاهل بمحل عمر من الدين والإسلام ، طاعن على السلف رضي الله عنهم ؟ وذكروا أيضا ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا أحمد بن زهير ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عمر قال : كل ذلك قد كان ، أربعا وخمسا ، فاجتمعنا على أربع ، يعني التكبير على الجنازة ؟ وبه إلى شعبة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : جاء رجل من أصحاب معاذ بن جبل ، فصلى على جنازة ، فكبر عليها خمسا ، فضحكوا منه ، فقال ابن مسعود ، قد كنا نكبر أربعا ، وخمسا ، وستا ، وسبعا ، فاجتمعنا على أربع ؟ ورويناه أيضا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي نحوه - : ومن طريق غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب : كل ذلك قد كان : أربع ، وخمس يعني التكبير على الجنازة . قال سعيد : فأمر عمر الناس بأربع ؟ قالوا : فهذا إجماع ؟ - : قال أبو محمد : هذا الكذب ؟ لأن إبراهيم لم يدرك ابن مسعود . وعلي بن الجعد ليس بالقوي وسعيد لم يحفظ من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط ، فكل ذلك منقطع أو ضعيف ؟ ولو صح ، لكان ما رووه من ذلك مكذبا لدعواهم في الإجماع ؛ لأن صاحب معاذ المذكور كبر خمسا ، ولم ينكر ذلك عليه ابن مسعود . وقد ذكرنا عن زيد بن أرقم أنه كبر بعد عمر خمسا - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي حدثني عبد الله بن مغفل : أن علي بن أبي طالب صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا ، ثم التفت إلينا فقال : إنه بدري ؟ قال الشعبي : وقدم علقمة من الشام فقال لابن مسعود : إن إخوانك بالشام يكبرون على جنائزهم خمسا ، فلو وقتم لنا وقتا نتابعكم عليه ؟ فأطرق عبد الله ساعة ثم قال : انظروا جنائزكم ، فكبروا عليها ما كبر أئمتكم ، لا وقت ولا عدد - : قال أبو محمد : ابن مسعود مات في حياة عثمان رضي الله عنهما ، فإنما ذكر له علقمة ما ذكر عن الصحابة رضي الله عنهم الذين بالشام ، وهذا إسناد في غاية الصحة ؛ لأن الشعبي أدرك علقمة وأخذ عنه وسمع منه - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش قال : رأيت ابن مسعود صلى على رجل من بلعدان - فخذ من بني أسد - فكبر عليه خمسا ؟ وبالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن عليا كبر على جنازة خمسا ؟ وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس : أنه كان يكبر على الجنازة ثلاثا . ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن دينار قال : سمعت أبا معبد يقول : كان ابن عباس يكبر على الجنازة ثلاثا . وهذا إسناد في غاية الصحة ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني شيبة بن أيمن أن أنس بن مالك صلى على جنازة فكبر ثلاثا ؟ وبه إلى حماد عن يحيى بن أبي إسحاق : أنه قيل لأنس : إن فلانا كبر ثلاثا ، يعني على جنازة ؟ فقال أنس : وهل التكبير إلا ثلاثا ؟ وقال محمد بن سيرين : إنما كان التكبير ثلاثا فزادوا واحدة يعني على الجنازة ؟ ومن طريق مسلم بن إبراهيم عن شعبة عن زرارة بن أبي الحلال العتكي أن جابر بن زيد أبا الشعثاء أمر يزيد بن المهلب أن يكبر على الجنازة ثلاثا ؟ قال أبو محمد : أف لكل إجماع يخرج عنه : علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك ، وابن عباس ، والصحابة بالشام رضي الله عنهم ، ثم التابعون بالشام ، وابن سيرين وجابر بن زيد وغيرهم بأسانيد في غاية الصحة ، ويدعي الإجماع بخلاف هؤلاء بأسانيد واهية ، فمن أجهل ممن هذه سبيله ؟ فمن أخسر صفقة ممن يدخل في عقله أن إجماعا عرفه - : أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وخفي علمه على - : علي ، وابن مسعود ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، وابن عباس ، حتى خالفوا الإجماع ؟ حاشا لله من هذا ؟ ولا متعلق لهم بما رويناه من أن عمر كبر أربعا ، وعليا كبر على ابن المكفف أربعا ، وزيد بن ثابت كبر على أمه أربعا ، وعبد الله بن أبي أوفى كبر على ابنته أربعا ، وزيد بن أرقم كبر أربعا ، وأنسا كبر أربعا - : فكل هذا حق وصواب ، وليس من هؤلاء أحد صح عنه إنكار تكبير خمس أصلا ، وحتى لو وجد لكان معارضا له قول من أجازها ، ووجب الرجوع حينئذ إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه عند التنازع ، من القرآن والسنة ، وقد صح أنه عليه السلام كبر خمسا وأربعا ، فلا يجوز ترك أحد عمليه للآخر ولم نجد عن أحد من الأئمة تكبيرا أكثر من سبع ، ولا أقل من ثلاث ، فمن زاد على خمس وبلغ ستا أو سبعا فقد عمل عملا لم يصح عن النبي ﷺ قط ، فكرهناه لذلك ، ولم ينه عليه السلام عنه فلم نقل : بتحريمه لذلك ، وكذلك القول : فيمن كبر ثلاثا ؟ وأما ما دون الثلاث وفوق السبع فلم يفعله النبي ﷺ ولا علمنا أحدا قال به ، فهو تكلف ، وقد نهينا أن نكون من المتكلفين ، إلا حديثا ساقطا وجب أن ننبه عليه لئلا يغتر به ، وهو { أن رسول الله ﷺ صلى على حمزة رضي الله عنه يوم أحد سبعين صلاة } وهذا باطل بلا شك وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما رفع الأيدي فإنه لم يأت عن النبي ﷺ أنه رفع في شيء من تكبير الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط ، فلا يجوز فعل ذلك ، لأنه عمل في الصلاة لم يأت به نص ، وإنما جاء عنه عليه السلام : أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ورفع ، وليس فيها رفع ولا خفض ؟ والعجب من قول أبي حنيفة : برفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة ولم يأت قط عن النبي ﷺ ومنعه من رفع الأيدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات ، وقد صح عن النبي ﷺ وأما التسليمتان فهي صلاة ، وتحليل الصلاة : التسليم ، والتسليمة الثانية ذكر وفعل خير - وبالله تعالى التوفيق .
574 - مسألة : فإذا كبر الأولى قرأ ( أم القرآن ) ولا بد ، وصلى على رسول الله ﷺ فإن دعا للمسلمين فحسن ، ثم يدعو للميت في باقي الصلاة ؟ أما قراءة ( أم القرآن ) فلأن رسول الله ﷺ سماها صلاة بقوله { صلوا على صاحبكم } . وقال عليه السلام { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان هو الثوري - عن سعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال " صليت خلف ابن عباس على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب قال : لتعلموا أنها سنة " . ورويناه أيضا من طريق شعبة وإبراهيم بن سعد كلاهما عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله عن ابن عباس . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد أنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ومحمد بن سويد الدمشقي عن الضحاك بن قيس ، قال الضحاك ، وأبو أمامة : السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبير مخافتة ، ثم يكبر ، والتسليم عند الآخرة . وعن ابن مسعود : أنه كان يقرأ على الجنازة ب أم الكتاب ومن طريق وكيع عن سلمة بن نبيط عن الضحاك بن قيس قال : يقرأ ما بين التكبيرتين الأوليين : فاتحة الكتاب وعن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عمرو بن عطاء : أن المسور بن مخرمة صلى على الجنازة فقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة قصيرة ، رفع بهما صوته ، فلما فرغ قال : لا أجهل أن تكون هذه الصلاة عجماء ، ولكني أردت أن أعلمكم أن فيها قراءة . قال أبو محمد : فرأى ابن عباس ، والمسور : المخافتة ليست فرضا . وعن أبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك : أنهم كانوا يقرءون بأم القرآن ويدعون ويستغفرون بعد كل تكبيرة من الثلاث في الجنازة ، ثم يكبرون وينصرفون ولا يقرءون . وعن معمر عن الزهري : سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال : السنة في الصلاة على الجنائز أن تكبر ، ثم تقرأ بأم القرآن ثم تصلي على النبي ﷺ ثم تخلص الدعاء للميت ، ولا تقرأ إلا في التكبيرة الأولى ، ثم يسلم في نفسه عن يمينه . وعن ابن جريج : قال لي ابن شهاب : القراءة على الميت في الصلاة في التكبيرة الأولى ؟ وعن ابن جريج عن مجاهد في الصلاة على الجنازة : يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي ﷺ ثم ذكر دعاء . وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن : أنه كان يقرأ بفاتحة الكتاب في كل تكبيرة في صلاة الجنازة ؟ وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهما . قال أبو محمد : واحتج من منع من قراءة القرآن فيها بأن قالوا : روي عن النبي ﷺ : { أخلصوا له الدعاء } . قال أبو محمد : هذا حديث ساقط ، ما روي قط من طريق يشتغل بها ثم لو صح لما منع من القراءة ، لأنه ليس في إخلاص الدعاء للميت نهي عن القراءة ، ونحن نخلص له الدعاء ونقرأ كما أمرنا ؟ وقالوا : قد روي عن أبي هريرة : أنه سئل عن الصلاة على الجنازة ؟ فذكر دعاء ولم يذكر قراءة وعن فضالة بن عبيد : أنه سئل : أيقرأ في الجنازة بشيء من القرآن ؟ قال : لا . وعن ابن عمر : أنه كان لا يقرأ في صلاة الجنازة . قال أبو محمد : فقلنا - ليس عن واحد من هؤلاء أنه قال : لا يقرأ فيها بأم القرآن ونعم ، نحن نقول : لا يقرأ فيها بشيء من القرآن إلا بأم القرآن فلا يصح خلاف بين هؤلاء وبين من صرح بقراءة القرآن من الصحابة رضي الله عنهم ، كابن عباس ، والمسور ، والضحاك بن قيس ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وابن مسعود ، وأنس ، لا سيما وأبو هريرة لم يذكر تكبيرا ولا تسليما . فبطل أن يكون لهم به متعلق . وقد روي عنه قراءة القرآن في الجنازة ، فكيف ولو صح عنهم في ذلك خلاف ؟ لوجب الرد عند تنازعهم إلى ما أمر الله تعالى بالرد إليه من القرآن والسنة . وقد قال عليه السلام { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } وقالوا : لعل هؤلاء قرءوها على أنه دعاء فقلنا : هذا باطل ؛ لأنهم ثبت عنهم الأمر بقراءتها ، وأنها سنتها ، فقول من قال : لعلهم قرءوها على أنها دعاء - : كذب بحت ؟ ثم لا ندري ما الذي حملهم على المنع من قراءتها حتى يتقحموا في الكذب بمثل هذه الوجوه الضعيفة ؟ والعجب أنهم أصحاب قياس ، وهم يرون أنها صلاة ، ويوجبون فيها : التكبير ، واستقبال القبلة ، والإمامة للرجال ، والطهارة ، والسلام ، ثم يسقطون القراءة فإن قالوا : لما سقط الركوع والسجود والجلوس : سقطت القراءة ؟ قلنا : ومن أين يوجب هذا القياس دون قياس القراءة على التكبير والتسليم ؟ بل لو صح القياس لكان قياس القراءة على التكبير والتسليم - لأن كل ذلك ذكر باللسان - أولى من قياس القراءة على عمل الجسد ، ولكن هذا علمهم بالقياس والسنن ؟ وهم يعظمون خلاف العمل بالمدينة ، وههنا أريناهم عمل الصحابة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي أمامة ، والزهري ، علماء أهل المدينة ، وخالفوهم - وبالله تعالى التوفيق
575 - مسألة : وأحب الدعاء إلينا على الجنازة هو ما - : حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو الطاهر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي حمزة بن سليم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن { عوف بن مالك الأشجعي قال : سمعت رسول الله ﷺ و صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر له وارحمه ، واعف عنه وعافه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بماء ، وثلج ، وبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر ، وعذاب القبر وعذاب النار } . وما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن هارون الرقي ثنا شعيب يعني ابن إسحاق - عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال : { صلى رسول الله ﷺ على جنازة فقال : اللهم اغفر لحينا ، وميتنا ، وصغيرنا ، وكبيرنا ، وذكرنا ، وأنثانا ، وشاهدنا ، وغائبنا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده } . فإن كان صغيرا فليقل " اللهم ألحقه بإبراهيم خليلك " للأثر الذي صح أن الصغار مع إبراهيم ﷺ في روضة خضراء . وما دعا به فحسن ؟
576 - مسألة : ونستحب اللحد ، وهو الشق في أحد جانبي القبر ، وهو أحب إلينا من الضريح ، وهو الشق في وسط القبر . ونستحب اللبن أن توضع على فتح اللحد ، ونكره الخشب ، والقصب ، والحجارة . وكل ذلك جائز ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الله بن جعفر المسوري عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد : أن أباه سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه " ألحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا ، كما صنع برسول الله ﷺ "
577 - مسألة : ولا يحل أن يبنى القبر ، ولا أن يجصص ، ولا أن يزاد على ترابه شيء ، ويهدم كل ذلك ، فإن بني عليه بيت أو قائم : لم يكره ذلك . وكذلك لو نقش اسمه في حجر : لم نكره ذلك ؟ - : روينا بالسند المذكور إلى مسلم : حدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن ثمامة بن شفي حدثه قال : { كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس ، فتوفي صاحب لنا ، فأمر فضالة بقبره فسوي ، وقال : سمعت رسول الله ﷺ يأمر بتسويتها } - : وبه إلى مسلم : ثنا يحيى بن يحيى أنا وكيع عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب { ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ ؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته } . وبه إلى مسلم : حدثني محمد بن رافع [ ثنا عبد الرزاق ] عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : { سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن أن تجصص القبور ، وأن يقعد عليها ، وأن يبنى عليها } . قال أبو محمد : قد أنذر عليه السلام بموضع قبره بقوله { ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة } وأعلم أنه في بيته بذلك . ولم ينكر عليه السلام كون القبر في بيت ، ولا نهى عن بناء قائم ، وإنما نهى عن بناء على القبر : قبة فقط وعن وكيع عن الربيع عن الحسن : كان يكره أن تجصص القبور أو تطين أو يزاد عليها من غير حفيرها ؟ وعن وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال : تسوية القبور من السنة ؟ وعن عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه أمر بتسوية القبور ، وأن ترفع من الأرض شبرا . وعن عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد قال : سقط الحائط الذي على قبر النبي ﷺ فستر ، ثم بني ، فقلت للذي ستره : ارفع ناحية الستر حتى أنظر إليه ، فنظرت إليه ، فإذا عليه جبوب ورمل ، كأنه من رمل العرصة ؟ حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا يعقوب بن كعب ثنا ابن أبي فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم بن محمد قال : دخلت على عائشة فقلت : يا أمه ، اكشفي لي عن قبر رسول الله ﷺ وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور ، لا لاطئة ولا مشرفة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ، فرأيت رسول الله ﷺ مقدما ، وأبو بكر عند رأسه ، ورجلاه بين كتفي النبي ﷺ ورأيت عمر عند رجلي أبي بكر رضي الله عنهما .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الجنائز
كتاب الجنائز (مسألة 558 - 572) | كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577) | كتاب الجنائز (مسألة 578 - 585) | كتاب الجنائز (مسألة 586 - 593) | كتاب الجنائز (مسألة 594 - 606) | كتاب الجنائز (مسألة 607 - 615) | كتاب الجنائز (مسألة 616 - 623)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 641) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641)
كتاب الزكاة
وأما قول رسول الله ﷺ : { فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر } فهو خبر صحيح ؛ لو لم يأت ما يخصه لم يجز خلافه لأحد . لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف وأحمد بن محمد الطلمنكي ، قال عبد الله : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ، وزهير بن حرب ، قالوا كلهم : ثنا وكيع : وقال الطلمنكي : ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا أحمد بن الوليد العدني ثنا يحيى بن آدم - : ثم اتفق وكيع ، ويحيى ، كلاهما عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ { ليس فيما دون خمسة أوساق تمر ولا حب صدقة } . قال وكيع في روايته " من تمر " واتفقا فيما عدا ذلك . قال أبو محمد : وهذا إسناد في غاية الصحة ، فنفى رسول الله ﷺ الصدقة عن كل ما دون خمسة أوساق من حب أو تمر . ولفظة " دون " في اللغة العربية تقع على معنيين وقوعا مستويا ، ليس أحدهما أولى من الآخر ، وهما بمعنى : أقل ، وبمعنى : غير ، قال عز وجل : { ألا تتخذوا من دوني وكيلا } أي من غيري . وقال عز وجل : { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم } أي من غيرهم . وحيثما وقعت لفظة " دون " في القرآن فهي بمعنى : غير ؛ فلا يجوز لأحد أن يقتصر بلفظة " دون " في هذا الخبر على معنى : أقل دون معنى : غير ونحن إذا حملنا " دون " هاهنا على معنى : غير دخل فيه : أقل ؛ وتخصيص اللفظ بلا برهان من نص لا يحل . فصح يقينا أنه لا زكاة في غير خمسة أوسق من حب أو تمر ، ووجبت الزكاة فيما زاد على خمسة أوسق بنص قول رسول الله ﷺ وبالإجماع المتيقن على ذلك . وكذلك في الإبل ، والبقر والغنم والذهب والفضة ، وبالإجماع المتيقن والنص أيضا . وسقطت الزكاة عما عدا ذلك مما اختلف فيه ولا نص فيه ، بنفي النبي ﷺ الزكاة عن كل ما هو غير خمسة أوسق من حب أو تمر ثم وجب أن ننظر ما يقع عليه اسم " حب " في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله ﷺ - : فوجدنا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن عطاء بن السائب عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا } قال ابن عباس : الحب : البر ، والقضب : الفصفصة ، فاقتصر ابن عباس - وهو الحجة في اللغة - بالحب على البر . وذكر أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري اللغوي في كتابه في النبات في باب ترجمته " باب الزرع والحرث وأسماء الحب والقطاني وأوصافها " فقال - : قال أبو عمرو وهو الشيباني - جميع بزور النبات يقال لها " الحبة " بكسر الحاء . قال أبو محمد كما صح عن رسول الله ﷺ من قوله : { فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل } : قال أبو حنيفة الدينوري في الباب المذكور : وقال الكسائي : واحد الحبة : حبة ، بفتح الحاء ؛ فأما الحب فليس إلا الحنطة ، والشعير ، واحدها حبة ، بفتح الحاء ؛ وإنما افترقتا في الجمع . ثم ذكر أبو حنيفة بعد هذا الفصل - إثر كلام ذكره لأبي نصر صاحب الأصمعي كلاما نصه : وكذلك غيره من الحبوب كالأرز ، والدخن ، قال علي : فهذه ثلاثة جموع - : الحب للحنطة ، والشعير خاصة ، والحبة - بكسر الحاء وزيادة الهاء في آخرها - لكل ما عداهما من البزور خاصة ، والحبوب للحنطة والشعير وسائر البزور . والكسائي إمام في اللغة ، وفي الدين ، والعدالة . فإذ قد صح أن الحب لا يقع إلا على الحنطة والشعير في لغة العرب ، وقال رسول الله ﷺ نصا بنفي الزكاة عن غيرهما وغير التمر - : فلا زكاة في شيء من النبات غيرهما وغير التمر . وقد روى من لا يوثق به ، عمن لا يوثق به ، ولا يدرى من هو ، عمن لا يوثق به إيجاب الزكاة في الحبوب - وهو عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو أيضا منقطع . قال أبو محمد : وقال قوم من السلف بمثل هذا ، وزادوا إلى هذه الثلاثة : الزبيب . كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمرو بن عثمان ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله - : قال عمرو عن موسى بن طلحة بن عبيد الله : { أن معاذا لما قدم اليمن لم يأخذ الصدقة إلا من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب } . وقال طلحة بن يحيى عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه لم يأخذها إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب . حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا حجاج هو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر في صدقة الثمار والزرع ، قال : ما كان من نخل ، أو عنب ، أو حنطة ، أو شعير . وبه إلى أبي عبيد : ثنا يزيد عن هشام هو ابن حسان - عن الحسن البصري : أنه كان لا يرى العشر إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال أبو عبيد : وقال يحيى بن سعيد هو القطان - عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن ، ومحمد بن سيرين أنهما قالا : الصدقة في تسعة أشياء - : الذهب ، والورق ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال أبو عبيد : وهو قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري . حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن هو ابن حي - عن مطرف - قال قال لي الحكم بن عتيبة وقد سألته عن الأقطان ، والسماسم : أفيها صدقة . قال : ما حفظنا عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون : ليس في شيء من هذا شيء ، إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . قال أبو محمد : الحكم أدرك كبار التابعين وبعض الصحابة . وبه إلى أبي بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال : سأل عبد الحميد موسى بن طلحة بن عبيد الله عن الصدقة . فقال موسى : إنما الصدقة في : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . وبه إلى أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : قال لي عطاء ، وعمرو بن دينار : لا صدقة إلا في نخل ، أو عنب ، أو حب . وقد روي نحو هذا عن علي بن أبي طالب - : قال أبو محمد : وهو قول الحسن بن حي ، وعبد الله بن المبارك ، وأبي عبيد وغيرهم . قال أبو محمد : وادعى من ذهب إلى هذا أن إيجاب الزكاة في الزبيب إجماع ، وذكر آثارا ليس منها شيء يصح . أحدها - من طريق موسى بن طلحة : عندنا { كتاب معاذ عن النبي ﷺ أنه إنما أخذ الصدقة من : التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير } . قال أبو محمد : هذا منقطع ، لأن موسى بن طلحة لم يدرك معاذا بعقله . وآخر - من طريق محمد بن أبي ليلى ، وهو سيئ الحفظ ، عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهي صحيفة ، عن النبي ﷺ { العشر في : التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير } . وخصومنا يخالفون كثيرا من صحيفة عمرو بن شعيب ، ولا يرونه حجة . وآخر - من طريق عبد الرحمن بن إسحاق ، وعبد الله بن نافع ، وكلاهما في غاية الضعف . ومن طريق محمد بن مسلم الطائفي ، وهو في غاية الضعف . ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أسد بن موسى - وهو منكر الحديث ، عن نصر بن طريف وهو أبو جزء ، وهو ساقط ألبتة ؛ كلهم يذكر عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أنه أمر بخرص العنب . وسعيد لم يولد إلا بعد موت عتاب بسنتين . وعتاب لم يوله النبي ﷺ إلا مكة ولا زرع بها ، ولا عنب . فسقط كل ما شغبوا به ، ولو صح شيء من هذه الآثار لأخذنا به ، ولما حل لنا خلافه ، كما لا يحل الأخذ في دين الله تعالى بخبر لا يصح . وأما دعوى الإجماع فباطل - : كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن شريح قال : تؤخذ الصدقة من : الحنطة ، والشعير ، والتمر كان لا يرى في العنب صدقة . وبه إلى أبي عبيد : ثنا هشيم عن الأجلح عن الشعبي قال : الصدقة في : البر ، والشعير ، والتمر . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار بندار ثنا غندر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : ليس في الخيل زكاة ؛ ولا في الإبل العوامل زكاة ؛ وليس في الزبيب : شيء . فهؤلاء : شريح ، والشعبي ، والحكم بن عتيبة ، لا يرون في الزبيب زكاة . قال أبو محمد : وليس إلا قول من قال بإيجاب الزكاة في كل ما أنبتته الأرض ؛ على عموم الخبر الثابت { فيما سقت السماء العشر } أو قولنا ، وهو لا زكاة إلا فيما أوجبها فيه رسول الله ﷺ باسمه ، على ما صح عنه عليه السلام من أنه قال : { ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة } . وأما من أسقط من ذلك الخبر ما يقتضيه عمومه ، وزاد في هذا الخبر ما ليس فيه - : فلم يتعلقوا بقرآن ولا بسنة صحيحة ، ولا برواية ضعيفة ، ولا بقول صاحب لا مخالف له منهم ، ولا بقياس ولا بتعليل مطرد ؛ بل خالفوا كل ذلك ؛ لأنهم إن راعوا القوت ، فقد أسقطوا الزكاة عن كثير من الأقوات : كالتين ، والقسطل ، واللبن ، وغير ذلك ، وأوجبوه فيما ليس قوتا : كالزيت والحمص ، وغير ذلك مما لا يتقوت إلا لضرورة مجاعة . وإن راعوا الأكل فقد أسقطوها عن كثير مما يؤكل ، وأوجبها بعضهم فيما لا يؤكل : كزيت الفجل والقطن ، وغير ذلك . وإن راعوا ما يوسق ، فقد أسقطوها عن كثير مما يوسق . ثم أيضا - لو راعوا شيئا من هذه المعاني وطردوا أصلهم لكانوا قائلين بلا برهان ؛ لكن بدعوى فاسدة وظن كاذب ، والله تعالى يقول : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } . وقال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . فإن لم يبق إلا أحد هذين القولين المذكورين ؛ فإن قول من أوجب الزكاة في كل ما أنبتت الأرض حرج شديد ، وشق الأنفس ، وعسر لا يطاق . والأخذ بذلك الخبر تكليف ما ليس في الوسع ، وممتنع لا يمكن ألبتة ؛ لأنه يوجب أن لا ينبت في دار أحد ، أو في قطعة أرض له : عشب ، ولو أنه ورقة واحدة ، أو نرجسة ، أو فول ، أو غصن حرف أو بهارة أو تينة واحدة إلا وجب عليه عشر كل ذلك ، أو نصف عشره . وكذلك ورق الشجر والتبن ، حتى تبن الفول ، وقصب الكتان ؛ نعم . وأصول الشجر نفسها ؛ لأن كل ذلك مما يسقيه الماء ؛ وهذا ما لا يمكن ألبتة . وقد قال تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وامتن تعالى علينا إذ أجابنا في دعائنا الذي أمرنا تعالى أن ندعو به فنقول { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } وقال رسول الله ﷺ { يسروا ولا تعسروا } . فإن قيل : يفعل في ذلك ما يفعل الشريكان فيه . قلنا : هذا لا يجوز ؛ لأن بيع أحد الشريكين من صاحبه مباح ، وتحليله له جائز ، ولا يجوز بيع الصدقة قبل قبضها ، ولا التحليل منها أصلا . فصح يقينا أن ذلك الخبر ليس على عمومه ؛ فإذ ذلك كذلك فلا ندري ما يخرج منه إلا ببيان نص آخر . فصح أن لا زكاة إلا فيما أوجبه بيان نص غير ذلك النص ، أو إجماع متيقن ، ولا نص ولا إجماع إلا في البر والشعير والتمر فقط . ومن تعدى هذا فإنما يشرع برأيه ، ويخصص الأثر بظنه الكاذب - وهذا حرام - وبالله تعالى التوفيق . وأما المعادن : فإن الأمة مجمعة بلا خلاف من أحد على أن الصفر ، والحديد ، والرصاص ، والقزدير : لا زكاة في أعيانها ، وإن كثرت . ثم اختلفوا إذا مزج شيء منها في : الدنانير ، والدراهم ، والحلي . فقالت طائفة : تزكى تلك الدنانير ، والدراهم : بوزنها . قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ؛ لأن رسول الله ﷺ أسقط الزكاة نصا فيما دون خمس أواق من الورق ، وفيما دون مقدارها من الذهب ، ولم يوجب - بلا خلاف - زكاة في شيء من أعيان المعادن المذكورة ، فمن أوجب الزكاة في الدنانير ، والدراهم الممزوجة بالنحاس ، أو الحديد ، أو الرصاص ، أو القزدير ؛ فقد خالف رسول الله ﷺ مرتين - : إحداهما - في إيجابه الزكاة في أقل من خمس أواق من الرقة . والثانية - في إيجابه الزكاة في أعيان المعادن المذكورة . وأيضا : فإنهم تناقضوا إذ أوجبوا الزكاة في : الصفر ، والرصاص ، والقزدير ، والحديد ، إذا مزج شيء منها بفضة ، أو ذهب ، وأسقطوا الزكاة عنها إذا كانت صرفا وهذا تحكم لا يحل . وأيضا : فنسألهم عن شيء من هذه المعادن مزج بفضة ، أو ذهب ، فكان الممزوج منها أكثر من الذهب ، ومن الفضة . ثم لا نزال نزيدهم إلى أن نسألهم عن مائتي درهم في كل درهم فلس فضة فقط وسائرها نحاس . فإن جعلوا فيها الزكاة أفحشوا جدا ، وإن أسقطوها سألناهم عن الحد الذي يوجبون فيه الزكاة والذي يسقطونها فيه . فإن حدوا في ذلك حدا زادوا في التحكم بالباطل ، وإن لم يحدوا حدا كانوا قد خلطوا ما يحرمون بما يحلون ؛ ولم يبينوا لأنفسهم ولا لمن اتبعهم الحرام فيجتنبوه ، من الحلال فيأتوه . قال أبو محمد : والحق من هذا ، هو أن الأسماء في اللغة والديانة واقعة على المسميات بصفات محمولة فيها ؛ فللفضة صفاتها التي إذا وجدت في شيء سمي ذلك الشيء فضة ؛ وكذلك القول في اسم الذهب واسم النحاس واسم كل مسمى في العالم . وأحكام الديانة إنما جاءت على الأسماء ؛ فللفضة حكمها ، وللذهب حكمه ، وكذلك كل اسم في العالم . فإذا سقط الاسم الذي عليه جاء النص بالحكم سقط ذلك الحكم ، وانتقل المسمى إلى الحكم الذي جاء في النص على الاسم الذي وقع عليه ؛ كالعصير والخمر ، والخل ، والماء ، والدم ، واللبن ، واللحم ، والآنية ، والدنانير ، وكل ما في العالم . فإن كان المزج في الفضة أو الذهب لا يغير صفاتهما التي ما دامت فيها سميا فضة ؛ وذهبا فهي فضة وذهب ؛ فالزكاة فيهما . وإن كان المزج في الفضة ، أو الذهب قد غير صفاتهما - وسقط عن الدنانير والدراهم اسم فضة واسم ذهب لظهور المزج فيهما - فهو حينئذ : فضة مع ذهب ؛ أو فضة مع نحاس ، فالواجب أن في مقدار الفضة التي في تلك الدراهم تجب الزكاة فيها خاصة ، ولا زكاة في النحاس الظاهر فيها أثره - وكذلك القول في الذهب مع ما مزج به . فإن كان في الدنانير ذهب تجب في مقداره الزكاة ، وفضة لا تجب فيها الزكاة ؛ فالزكاة فيما فيها من الذهب دون ما فيها من الفضة . وإن كان ما فيها من الفضة تجب فيه الزكاة ، وما فيها من الذهب لا تجب فيه الزكاة ؛ فالزكاة فيما فيها من الفضة دون ما فيها من الذهب . وإن كان فيها من الفضة ومن الذهب ما تجب في كل واحد منهما الزكاة ، زكي كل واحد منهما كحكمه ولو كان منفردا . وإن كان ما فيهما من الذهب ومن الفضة لا تجب فيه الزكاة لو انفرد ، فلا زكاة هناك أصلا . فإن زاد المزج حتى لا يكون للفضة ولا للذهب هناك صفة فليس في تلك الأعيان فضة أصلا ولا ذهب ؛ فلا زكاة فيها أصلا ، اتباعا للنص - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والأربعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 754 - 757)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام (مسألة 758 - 761)
كتاب الصيام
754 - مسألة : قال علي : اختلف الناس في المجنون ، والمغمى عليه ؟ فقال أبو حنيفة : من جن شهر رمضان كله فلا قضاء عليه ، فإن أفاق في شيء منه - قضى الشهر كله . قال : ومن أغمي عليه الشهر كله فعليه قضاؤه كله ، فإن أغمي عليه بعد ليلة من الشهر - قضى الشهر كله إلا يوم تلك الليلة التي أغمي عليه فيها ؛ لأنه قد نوى صيامه من الليل . وقال مالك : من بلغ وهو مجنون مطبق فأقام وهو كذلك سنين ثم أفاق - : فإنه يقضي كل رمضان كان في تلك السنين ، ولا يقضي شيئا من الصلوات . قال : فإن أغمي عليه أكثر النهار فعليه قضاؤه ، فإن أغمي عليه أقل النهار فليس عليه قضاؤه . وقد روي عنه إيجاب القضاء عليه جملة دون تقسيم . وقال عبيد الله بن الحسن : لا قضاء على المجنون إلا على الذي يجن ويفيق ، ولا قضاء على المغمى عليه . وقال الشافعي : لا يقضي المجنون ، ويقضي المغمى عليه . وقال أبو سليمان : لا قضاء عليهم . قال أبو محمد : كنا نذهب إلى أن المجنون ، والمغمى عليه يبطل صومهما ولا قضاء عليهما ، وكذلك الصلاة . ونقول : إن الحجة في ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب هو ابن خالد - عن خالد هو الحذاء - عن أبي الضحى عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل } وكنا نقول : إذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة . ثم تأملنا هذا الخبر - بتوفيق الله تعالى - فوجدناه ليس فيه إلا ما ذكرنا من أنه غير مخاطب في حال جنونه حتى يعقل ، وليس في ذلك بطلان صومه الذي لزمه قبل جنونه ، ولا عودته عليه بعد إفاقته ، وكذلك المغمى ، فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه ؛ لكنه فيه غير مخاطب ، وقد كان مخاطبا به ؛ فإن أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فإنه ينوي الصوم من حينه ويكون صائما ؛ لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه . وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال ، أو من علم بأنه يوم نذره أو فرضه على ما قدمنا قبل ، وكذلك من أغمي عليه كما ذكرنا ، وكذلك من جن أو أغمي عليه قبل غروب الشمس ، أو من نام ، أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا إلا من الغد وقد مضى أكثر النهار ، أو أقله . ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه إيمانه ، ولا أيمانه ولا نكاحه ولا طلاقه ، ولا ظهاره ولا إيلاءه ، ولا حجه ، ولا إحرامه ولا بيعه ، ولا هبته ، ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه ، ولا خلافته إن كان خليفة ، ولا إمارته إن كان أميرا ولا ولايته ولا وكالته ، ولا توكيله ، ولا كفره ، ولا فسقه ، ولا عدالته ، ولا وصاياه ، ولا اعتكافه ، ولا سفره ، ولا إقامته ، ولا ملكه ، ولا نذره ، ولا حنثه ، ولا حكم العام في الزكاة عليه . ووجدنا ذهوله عن كل ذلك لا يوجب بطلان شيء من ذلك ، فقد يذهل الإنسان عن الصوم ، والصلاة ، حتى يظن أنه ليس مصليا ولا صائما ؛ فيأكل ، ويشرب ، ولا يبطل بذلك صومه ولا صلاته ، بهذا جاءت السنن على ما ذكرنا في الصلاة وغيرها ، وكذلك المغمى عليه ولا فرق في كل ذلك ، ولا يبطل الجنون والإغماء إلا ما يبطل النوم من الطهارة بالوضوء وحده فقط . وأيضا : فإن المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ، والمجنون ، والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر غالب من عند الله تعالى ما أصابهما ، فلا يبطل ذلك صومهما . وأيضا : فإن من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن ؛ أو أغمي عليه فقد صح صومه بيقين من نص وإجماع ؛ فلا يجوز بطلانه بعد صحته إلا بنص أو إجماع ؛ ولا إجماع في ذلك أصلا - وبالله تعالى التوفيق . وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن - قط - مخاطبا ، ولا لزمته الشرائع ، ولا الأحكام ولم يزل مرفوعا عنه القلم ؛ فلا يجب عليه قضاء صوم - أصلا ؛ بخلاف قول مالك : فإذا عقل فحينئذ ابتدأ الخطاب بلزومه إياه ، لا قبل ذلك . وأما من شرب حتى سكر في ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار أقله أو أكثره - أو بعد غروب الشمس - : فصومه تام ، وليس السكر معصية ، إنما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكر ، ولا خلاف في أن من فتح فمه أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر في حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره ، لأنه لم يشرب ما يسكره باختياره ، والسكر ليس هو فعله ، إنما هو فعل الله تعالى فيه ، وإنما ينهى المرء عن فعله ، لا عن فعل الله تعالى فيه الذي لا اختيار له فيه . وكذلك من نام ولم يستيقظ إلا في النهار ولا فرق ؛ أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس ، فصومه تام . وبقي حكم من جن ، أو أغمي عليه أو سكر ، أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا انتبه ليلته كلها والغد كله إلى بعد غروب الشمس - : أيقضيه أم لا ؟ . فوجدنا القضاء إيجاب شرع ؛ والشرع لا يجب إلا بنص ، فلا نجد إيجاب القضاء في النص إلا على أربعة : المسافر ، والمريض - بالقرآن - والحائض ، والنفساء ، والمتعمد للقيء - بالسنة - ولا مزيد . ووجدنا النائم ، والسكران ، والمجنون المطبق عليه ليسوا مسافرين ولا متعمدين للقيء ، ولا حيضا ، ولا من ذوات النفاس ، ولا مرضى ؛ فلم يجب عليهم القضاء أصلا ، ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم في تلك الأحوال ؛ بل القلم مرفوع عنهم - بالسنة . ووجدنا المصروع ، والمغمى عليه مريضين بلا شك ، لأن المرض هي حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها ، وهذه صفة المصروع والمغمى عليه بلا شك ، ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الإفاقة مدة ؛ فإذ هما مريضان فالقضاء عليهما بنص القرآن - وبالله تعالى التوفيق . وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه إلا ما أفاق في وقته منها وبقضاء النائم للصلاة - : مخالفا لقولنا هاهنا ؛ بل هو موافق ، لأن ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن مخاطبا بالصلاة فيه ، ولا كان أيضا مخاطبا بالصوم ؛ ولكن الله تعالى أوجب على المريض عدة من أيام أخر ، ولم يوجب تعالى - على المريض : قضاء صلاة ، وأوجب قضاء الصلاة : على النائم ، والناسي ، ولم يوجب قضاء صيام على النائم ، والناسي بل أسقطه تعالى عن الناسي ، والنائم ؛ إذ لم يوجبه عليه . فصح قولنا - والحمد لله رب العالمين . وأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد ؛ لأنه دعوى بلا برهان ، ولم يتبع نصا ، ولا قياسا ؛ لأنه رأى على من أفاق في شيء من رمضان من جنونه : قضاء الشهر كله ، وهو لا يراه على من بلغ ، أو - أسلم حينئذ . وقال بعض المالكيين : المجنون بمنزلة الحائض وهذا كلام يغني ذكره عن تكلف إبطاله ، وما ندري فيما يشبه المجنون الحائض
755 - مسألة : ومن جهده الجوع ، أو العطش حتى غلبه الأمر ففرض عليه أن يفطر ؛ لقول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } . ولقول الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وقول الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فإن كان خرج بذلك إلى حد المرض فعليه القضاء ، وإن كان لم يخرج إلى حد المرض فصومه صحيح ولا قضاء عليه ؛ لأنه مغلوب مكره مضطر قال الله عز وجل : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . ولم يأت القرآن ولا السنة بإيجاب قضاء على مكره ، أو مغلوب ؛ بل قد أسقط الله تعالى القضاء عمن ذرعه القيء وأوجبه على من تعمده
756 - مسألة : ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره إلا بتبين طلوع الفجر الثاني ، وأما ما لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح كل ذلك ، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع . فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام أو شراب ، وليصم ، ولا قضاء عليه ؛ ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته ، وليصم ، ولا قضاء عليه ؛ وسواء في كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة ، فلو توقف باهتا فلا شيء عليه ، وصومه تام ؛ ولو أقام عامدا فعليه الكفارة . ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص له تعالى ، مفسد لصومه ، ولا يقدر على - القضاء ؛ فإن جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة - : برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } وهذا نص ما قلنا ، لأن الله تعالى أباح الوطء والأكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر ، ولم يقل تعالى : حتى يطلع الفجر ، ولا قال : حتى تشكوا في الفجر ؛ فلا يحل لأحد أن يقوله ، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء ، ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم إلى الليل - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، قال القاسم : عن عائشة ، وقال نافع : عن ابن عمر ، قالت عائشة ، وابن عمر : { كان بلال يؤذن بليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر } . وبه إلى البخاري : ثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي - عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قال : وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت } - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ [ ثنا عبد الوارث ] عن عبد الله بن سوادة بن حنظلة القشيري حدثني أبي أنه سمع سمرة بن جندب يقول : [ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ] : { لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور ، ولا هذا البياض حتى يستطير } . وكذلك حديث عدي بن حاتم ، وسهل بن سعد في الخيطين الأسود ، والأبيض فقال عليه السلام { إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار } . قال أبو محمد : فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يطلع الفجر ، وأباح الأكل إلى أذانه ، فقد صح أن الأكل مباح بعد طلوع الفجر ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه . وقد ادعى قوم أن قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { حتى يطلع الفجر و حتى يقال له : أصبحت أصبحت } أن ذلك على المقاربة ، مثل قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } إنما معناه فإذا قاربن بلوغ أجلهن ، قال أبو محمد : وقائل هذا مستسهل للكذب على القرآن وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . أول ذلك أنه دعوى بلا برهان ، وإحالة لكلام الله تعالى عن مواضعه ، ولكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقول عليه بما لم يقل ؛ ولو كان ما قالوا لكان بلال ، وابن أم مكتوم معا لا يؤذنان إلا قبل الفجر ، وهذا باطل لا يقوله أحد ، لا هم ولا غيرهم . وأما قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } فإقحامهم فيه : أنه تعالى أراد فإذا قاربن بلوغ أجلهن - : باطل وكذب ، ودعوى بلا برهان ، ولو كان ما قالوه لكان يجوز له الرجعة إلا عند مقاربة انتهاء العدة ؛ ولا يقول هذا أحد ، لا هم ولا غيرهم ، وهو تحريف للكلم عن مواضعه ؛ بل الآية على ظاهرها ، وبلوغ أجلهن هو بلوغهن أجل العدة ، ليس هو انقضاءها ، وهذا هو الحق ؛ لأنهن إذا كن في أجل العدة كله فللزوج الرجعة ، وله الطلاق ؛ فبطل ما قالوه بيقين لا إشكال فيه . وقال بعضهم : { قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبلال : اكلأ لنا الفجر } موجب لصحة قولهم . قال أبو محمد : وهذا باطل لوجهين - : أحدهما : أنه عليه السلام لم يأمره بذلك إلا للصلاة ، لا للصوم . والثاني : أنه حتى لو أمره بذلك للصوم لكان حجة لنا لا لهم ؛ لأن الأكل ، والجماع : مباحان إلى أن ينذرهم بلال بطلوع الفجر ، وإنذاره إياهم بطلوع الفجر لا يكون إلا بعد طلوع الفجر بلا شك ؛ فالأكل ، والشرب ، والجماع : مباح كل ذلك ، ولو طلع الفجر ، وإنما يحرم كل ذلك بإنذار بلال بعد طلوع الفجر ؛ هذا ما لا حيلة لهم فيه ، وقولهم هنا خلاف للقرآن ولجميع السنن - : حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب بن خلف البخاري ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن { زر بن حبيش قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد ، فدخلت على حذيفة ، فأمر بلقحة فحلبت ، ثم أمر بقدر فسخنت ، ثم قال : كل . قلت : إني أريد الصوم ، قال : وأنا أريد الصوم ، فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فقال حذيفة : هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : بعد الصبح ؟ قال : بعد الصبح ؛ إلا أن الشمس لم تطلع } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود { عن زر بن حبيش قلت لحذيفة : أي وقت تسحرتم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : هو النهار ، إلا أن الشمس لم تطلع } . ومن طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه } قال عمار : وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر . قال حماد عن هشام بن عروة : كان أبي يفتي بهذا ؟ وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة { عن أنس : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تسحر هو وزيد بن ثابت ، وهو عليه السلام يريد الصوم ، ثم صلى الركعتين ، ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة } . قال أبو محمد : هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد ؛ فبهذا تتفق السنن مع القرآن ؟ وروينا من طريق معمر عن أبان عن أنس عن أبي بكر الصديق أنه قال : إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما . ومن طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد قال : كان أبو بكر الصديق يقول لي : قم بيني وبين الفجر حتى تسحر ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد الأشجعي قال : قم فاسترني من الفجر ، ثم أكل . سالم بن عبيد هذا أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أصح طريق يمكن أن تكون ؟ وقد روينا من طريق وكيع وعبد الرزاق ، قال وكيع : عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر ، وقال عبد الرزاق : عن معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة ، قالا جميعا : كان أبو بكر الصديق يقول : أجيفوا الباب حتى نتسحر الإيجاف : الغلق ومن طريق الحسن : أن عمر بن الخطاب كان يقول : إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا . ومن طريق حماد بن سلمة : ثنا حميد عن أبي رافع أو غيره عن أبي هريرة : أنه سمع النداء والإناء على يده فقال : أحرزتها ورب الكعبة ؟ ومن طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : أحل الله الشراب ما شككت ؛ يعني في الفجر . وعن عكرمة قال : قال ابن عباس : اسقني يا غلام ، قال له : أصبحت ، فقلت : كلا ، فقال ابن عباس : شك لعمر الله ، اسقني ؟ فشرب . وعن وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول الأزدي قال : رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين : أطلع الفجر ؟ قال أحدهما : قد طلع ، وقال الآخر : لا ؛ فشرب ابن عمر . وعن سعد بن أبي وقاص : أنه تسحر في رمضان بالكوفة ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة . وعن سفيان بن عيينة عن شعيب بن غرقدة عن حبان بن الحارث : أنه تسحر مع علي بن أبي طالب وهما يريدان الصيام ، فلما فرغ قال للمؤذن : أقم الصلاة ومن طريق ابن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور بن المعتمر عن شبيب بن غرقدة عن أبي عقيل قال : تسحرت مع علي بن أبي طالب ثم أمر المؤذن أن يقيم الصلاة . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن الشيباني هو أبو إسحاق - عن جبلة بن سحيم عن عامر بن مطر قال : أتيت عبد الله بن مسعود في داره ، فأخرج لنا فضل سحور ، فتسحرنا معه ، فأقيمت الصلاة ؛ فخرجنا فصلينا معه . ومن طريق حذيفة نحو هذا . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا عفان بن مسلم ثنا شعبة { عن خبيب بن عبد الرحمن قال : سمعت عمتي - وكانت قد حجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن ابن أم مكتوم ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال ، وإن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قالت : وكان يصعد هذا وينزل هذا قالت : فكنا نتعلق به فنقول : كما أنت حتى نتسحر } . فحصل لنا من هذا الخبر أنهما كانا مؤذنين : أحدهما قبل الفجر بيسير ، أيهما كانا - : حينا هذا وحينا هذا - والآخر ولا بد بعد الفجر . وعن محمد بن علي بن الحسين : كل حتى يتبين لك الفجر . وعن الحسن : كل ما امتريت . وعن أبي مجلز : الساطع : ذلك الصبح الكاذب ، ولكن إذا انفضح الصبح في الأفق . وعن إبراهيم النخعي : المعترض الأحمر يحل الصلاة ويحرم الطعام . وعن ابن جريج : قلت لعطاء : أتكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي قد أصبحت ؟ قال : لا بأس بذلك ، هو شك ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم ، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق . وعن أبي وائل : أنه تسحر وخرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة وعن معمر : أنه كان يؤخر السحور جدا ، حتى يقول الجاهل : لا صوم له ؟ قال علي : وقد ذكرنا في باب " من تسحر فإذا به نهار وهو يظن أنه ليل " من لم ير في ذلك قضاء . فهؤلاء : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وعمه خبيب ، وزيد بن ثابت ، وسعد بن أبي وقاص ، فهم أحد عشر من الصحابة ، لا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم . إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبي سعيد الخدري ولم يدركه ؛ ومن طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود ولم يدركه . ومن التابعين : محمد بن علي ، وأبو مجلز ، وإبراهيم ، ومسلم ، وأصحاب ابن مسعود ، وعطاء ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وجابر بن زيد . ومن الفقهاء : معمر ، والأعمش . فإن ذكروا رواية سعيد بن قطن عن أبيه عن معاوية فيمن أفطر وهو يرى أنه ليل فطلعت الشمس : أن عليه القضاء ، وبالرواية عن عمر بمثل ذلك - : فإنما هذا في الإفطار عند الليل ، لا في الأكل شاكا في الفجر ، وبين الأمرين فرق ، ولا يحل الأكل إلا بعد يقين غروب الشمس ، لأن الله تعالى قال : { إلى الليل } فمن أكل شاكا في مجيء الليل فقد عصى الله تعالى ، وصيامه باطل ، فإن جامع فعليه الكفارة ، لأنه في فرض الصيام ، ما لم يوقن الليل ، بخلاف قوله : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض } لأن هذا في فرض الإفطار حتى يوقن بالنهار - وبالله تعالى التوفيق .
757 - مسألة : ومن صح عنده بخبر من يصدقه - من رجل واحد ، أو امرأة واحدة : عبد ، أو حر ، أو أمة ، أو حرة ، فصاعدا - أن الهلال قد رئي البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم ، صام الناس أو لم يصوموا ، وكذلك لو رآه هو وحده ، ولو صح عنده بخبر واحد أيضا - كما ذكرنا - فصاعدا : أن هلال شوال قد رئي فليفطر ، أفطر الناس أو صاموا ؛ وكذلك لو رآه هو وحده ؛ فإن خشي في ذلك أذى فليستتر بذلك - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى : قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له } . وبه إلى مسلم : ثنا ابن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا البختري عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : فإن غم عليكم فأكملوا العدة } . واختلف الناس في قبول خبر الواحد في ذلك - : فقال أبو حنيفة ، والشافعي بمثل قولنا في هلال رمضان ، ولم يجيزوا في هلال شوال إلا رجلين عدلين . قال أبو محمد : وهذا تناقض ظاهر . وقال مالك : لا أقبل في كليهما إلا رجلين عدلين . قال أبو محمد : أما من فرق بين الهلالين فما نعلم لهم حجة . وأما قول مالك فإنهم قاسوه على سائر الأحكام . قال أبو محمد : والقياس كله باطل ؛ ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ؛ لأن الحقوق تختلف - : فمنها عند المالكيين ما يقبل فيها شاهد ويمين ، ومنها ما لا يقبل فيه إلا رجلان ، أو رجل وامرأتان . ومنها ما لا يقبل فيه إلا رجلان فقط . ومنها ما لا يقبل فيه إلا أربعة . ومنها ما يسمح فيه حتى يجيزوا فيه النصراني والفاسق ، كالعيوب في الطب ، فمن أين لهم أن يخصوا بعض هذه الحقوق دون بعض بقياس الشهادة في الهلال عليه . ونسألهم عن قرية ليس فيها إلا فساق ، أو نصارى ، أو نساء وفيهم عدل يضعف بصره عن رؤية الهلال ؟ قال أبو محمد : فأما نحن فخبر الكافة مقبول في ذلك ، وإن كانوا كفارا أو فساقا ؛ لأنه يوجب العلم ضرورة . فإن قالوا : قد أجمع الناس على قبول عدلين في ذلك ؟ قلنا : لا ، بل أبو يوسف القاضي يقول : إن كان الجو صافيا لم أقبل في رؤية الهلال أقل من خمسين . فإن قالوا : كلامه ساقط ؟ قلنا : نعم ، وقياسكم أسقط . فإن قالوا : فمن أين أجزتم فيهما خبر الواحد ؟ قلنا : لأنه من الدين ؛ وقد صح في الدين قبول خبر الواحد ؛ فهو مقبول في كل مكان ، إلا حيث أمر الله تعالى بأن لا يقبل إلا عدد سماه لنا . وأيضا : فقد ذكرنا قبل هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أذان بلال { كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم } فأمر عليه السلام بالتزام الصيام بأذان ابن أم مكتوم بالصبح ، وهو خبر واحد بأن الفجر قد تبين . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ثنا مروان بن محمد عن عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر { عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه } . وهذا خبر صحيح . وقد روينا من طريق أبي داود : ثنا الحسن بن علي ثنا حسين هو الجعفي - عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : { جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ؛ إني رأيت الهلال - يعني رمضان فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال ؛ أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا } . قال أبو محمد : رواية سماك لا نحتج بها ولا نقبلها منهم ، وهم قد احتجوا بها في أخذ الدنانير من الدراهم ، فيلزمهم أن يأخذوها هاهنا ، وإلا فهم متلاعبون في الدين ؟ فإن تعلق من فرق بين هلال رمضان وهلال شوال بهذين الخبرين ، وقال : لم يرد إلا في هلال رمضان ؟ قلنا : ولا جاء نص قط بالمنع من ذلك في هلال رمضان ، وأنتم أصحاب قياس ، فهلا قستم هلال شوال على هلال رمضان ؟ فإن قالوا : إن الشاهد في هلال رمضان لا يجر إلى نفسه ، والشاهد في هلال شوال يجر إلى نفسه ؟ قلنا : فردوا بهذا الظن بعينه شهادة الشاهدين في شوال أيضا ؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما ، كما تفعلون في سائر الحقوق . وأيضا : فإن من يكذب في مثل هذا لا يبالي قبل أو رد ؟ ونقول لهم : إذا صمتم بشهادة واحد ؛ فغم الهلال بعد الثلاثين ، أتصومون أحدا وثلاثين ؟ فهذه طامة ، وشريعة ليست من دين الله تعالى أم تفطرون عند تمام الثلاثين وإن لم تروا الهلال ؟ فقد أفطرتم بشهادة واحد وتناقضتم وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : فإن شغبوا بما روينا من طريق عباد بن العوام : ثنا أبو مالك الأشجعي ثنا حسين بن الحارث الجدلي - جديلة قيس { : أن أمير مكة وهو الحارث بن حاطب خطب فقال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننسك لرؤيته ، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما } . وبما روينا من طريق أبي عثمان النهدي قال : { قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعرابيان فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسلمان أنتما ؟ قالا : نعم فأمر الناس فأفطروا أو صاموا } . وعن الحارث عن علي : إذا شهد رجلان على رؤية الهلال أفطروا . وعن عمرو بن دينار قال : أبي عثمان أن يجيز شهادة هاشم بن عتبة أو غيره على رؤية الهلال . وعن عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال : كتب إلينا عمر - ونحن بخانقين : إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان : لرأياه بالأمس . ؟ قلنا : أما حديث الحارث بن حاطب فإن راويه حسين بن الحارث وهو مجهول ؛ ثم لو صح لم يكن فيه حجة ، لأنه ليس فيه إلا قبوله اثنين ، ونحن لا ننكر هذا ، وليس فيه أن لا يقبل واحد ؟ وكذلك حديث أبي عثمان ، على أنه مرسل . وكذا القول في فعل علي سواء سواء . وقد يمكن أن يكون عثمان رضي الله عنه إنما رد شهادة هاشم بن عتبة لأنه لم يرضه ؛ لا لأنه واحد ؛ ولقد كان هاشم أحد المجلبين على عثمان رضي الله عنه . وأما خبر عمر : فقد صح عن عمر في هذا خلاف ذلك ، كما روينا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي عبد الأعلى الثعلبي عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب : أن عمر بن الخطاب كان ينظر إلى الهلال ، فرآه رجل ، فقال عمر : يكفي المسلمين أحدهم ؛ فأمرهم فأفطروا أو صاموا - فهذا عمر بحضرة الصحابة ؟ وقد روينا أيضا : - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل هذا ؛ وبه يقول أبو ثور . وأما قولنا : أنه يبنى على رؤيته فقد روينا عن عمر خلاف ذلك ؛ وهو أن من رآه وحده في استهلال رمضان فلا يصم ، ومن رآه وحده في استهلال شوال فلا يفطر - وبه يقول الحسن - : روينا ذلك من طريق معمر عن أبي قلابة : أن رجلين رأيا الهلال في سفر ؛ فقدما المدينة ضحى الغد ، فأخبرا عمر ، فقال لأحدهما : أصائم أنت ؟ قال : نعم ، كرهت أن يكون الناس صياما وأنا مفطر ، كرهت الخلاف عليهم ، وقال للآخر : فأنت ؟ قال : أصبحت مفطرا ؛ لأني رأيت الهلال ، فقال له عمر : لولا هذا - يعني الذي صام - لأوجعنا رأسك ، ورددنا شهادتك ؛ ثم أمر الناس فأفطروا . ومن طريق ابن جريج : أخبرت عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي : أن رجلا قال لعمر : إني رأيت هلال رمضان ، قال : أرآه معك أحد ؟ قال : لا قال : فكيف صنعت ؟ قال : صمت بصيام الناس ، فقال عمر : يا لك فيها . وهو قول عطاء : قال أبو محمد : ينبغي لمن قلد عمر فيما يدعونه من مخالفة { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } وتحريم المنكوحة في العدة - : أن يقلده هاهنا . قال أبو حنيفة ، ومالك : يصوم إن رآه وحده ، ولا يفطر إن رآه وحده وهذا تناقض وقال الشافعي كما قلنا ؟ وخصومنا لا يقولون بهذا ولا نقول به ؛ لأن الله تعالى قال : { لا تكلف إلا نفسك } . وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } . وقال تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فمن رآه فقد شهده . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته } .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 704) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720)
كتاب الزكاة
705 - مسألة : ويؤديها المسلم عن رقيقه ، مؤمنهم وكافرهم ، من كان منهم لتجارة أو لغير تجارة كما ذكرنا . وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان الثوري في الكفار ؟ وقال مالك ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا تؤدى إلا عن المسلمين منهم وقال أبو حنيفة : لا تؤدى زكاة الفطر عن رقيق التجارة . وقال مالك والشافعي ، وأبو سليمان : تؤدى عنهم زكاة الفطر . وقالوا كلهم - حاشا أبا سليمان - : يخرجها السيد عنهم ، وبه نقول وقال أبو سليمان : يخرجها الرقيق عن أنفسهم . واحتج من لم ير إخراجها عن الرقيق الكفار بما روي عن رسول الله ﷺ { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر على حر ، أو عبد ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير من المسلمين } . قال أبو محمد : وهذا صحيح ، وبه نأخذ ، إلا أنه ليس فيه إسقاطها عن المسلم في الكفار من رقيقه ولا إيجابها ، فلو لم يكن إلا هذا الخبر وحده لما وجبت علينا زكاة الفطر إلا عن المسلمين من رقيقنا فقط . ولكن وجدنا حدثناه يوسف بن عبد الله النمري قال ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف ثنا محمد بن مكي الخولاني ، وإبراهيم بن إسماعيل الغافقي قالا جميعا : ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني نافع بن يزيد عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة ، إلا صدقة الفطر في الرقيق } وقد رويناه من غير هذه الطريق . قال أبو محمد : فأوجب عليه الصلاة والسلام صدقة الفطر على المسلم في رقيقه عموما ، فكان هذا زائدا على حديث أبي سعيد الخدري ، وكان باقي حديث أبي سعيد بعض ما في هذا الحديث ، لا معارضا له أصلا ، فلم يجز خلاف هذا الخبر . وبهذا الخبر تأدية زكاة الفطر على السيد عن رقيقه ، لا على الرقيق ؟ وبه أيضا يسقط ما ادعوه من زكاة التجارة في الرقيق ، لأنه عليه السلام أبطل كل زكاة في الرقيق إلا زكاة الفطر ؟ والعجب كل العجب من أن أبا حنيفة وأصحابه أتوا إلى زكاتين مفروضتين ، إحداهما في المواشي ، والأخرى زكاة الفطر في الرقيق - : فأسقطوا بإحداهما زكاة التجارة في المواشي المتخذة للتجارة ، وأسقطوا الأخرى بزكاة التجارة في الرقيق وحسبك بهذا تلاعبا ؟ والعجب أنهم غلبوا ما روي في بعض الأخبار { في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة } ولم يغلبوا ما جاء في بعض الأخبار في أن { صدقة الفطر على كل حر أو عبد صغير أو كبير أو أنثى من المسلمين } على ما جاء في سائر الأخبار { إلا صدقة الفطر في الرقيق } وهذا تحكم فاسد وتناقض ولا بد من تغليب الأعم على الأخص في كل موضع ، إلا أن يأتي بيان نص في الأخص بنفي ذلك الحكم في الأعم - وبالله تعالى التوفيق .
706 - مسألة : فإن كان عبد أو أمة بين اثنين فصاعدا فعلى سيديهما إخراج زكاة الفطر ، يخرج عن كل واحد من مالكيه بقدر حصته ، وكذلك إن كان الرقيق كثيرا بين سيدين فصاعدا ؟ وقال أبو حنيفة ، والحسن بن حي ، وسفيان الثوري : ليس على سيديه ولا عليه أداء زكاة الفطر ، وكذلك لو كثر الرقيق المشترك ؟ وقال مالك ، والشافعي : يخرج عنه سيداه بقدر ما يملك كل واحد منهما ، وكذلك لو كثر الرقيق ؟ قال أبو محمد : ما نعلم لمن أسقط عنه صدقة الفطر وعن سيده حجة أصلا ، إلا أنهم قالوا : ليس أحد من سيديه يملك عبدا ، ولا أمة - وقال بعضهم : من ملك بعض الصاع لم يكن عليه أداؤه ، فكذلك من ملك بعض عبد ، أو بعض كل عبد ، أو أمة من رقيق كثير ؟ قال أبو محمد : أما قولهم : لا يملك عبدا ، ولا أمة فصدقوا ، ولا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل : يخرجها كل أحد عن عبده وأمته ، وإنما قال { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } فهؤلاء رقيق ، والعبد المشترك رقيق ، فالصدقة فيه واجبة بنص الخبر المذكور على المسلم ، وهذا اسم يعم النوع كله وبعضه ، ويقع على الواحد والجميع ، وبهذا النص لم يجز في الرقبة الواجبة نصفا رقبتين ، لأنه لا يقع عليهما اسم " رقبة " والنص جاء بعتق رقبة ؟ وقال الحنفيون : من أعطى نصفي شاتين في الزكاة أجزأته ، ولو أعتق نصفي رقبتين في رقبة واحدة لم يجزه ؟ وقال محمد بن الحسن : من كان من مملوك بين اثنين فصاعدا فعلى ساداته فيه زكاة الفطر ؛ فإن كان عبدان فصاعدا عن اثنين فلا صدقة فطر على الرقيق ولا على من يملكهم ؟ وأما قولهم : إنه قياس على من لم يجد إلا بعض الصاع فالقياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه قياس للخطأ على الخطأ ، بل من قدر على بعض صاع لزمه أداؤه ، على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى . وقد روينا من طريق وكيع عن سفيان عن أبي الحويرث عن محمد بن عمار عن أبي هريرة قال : ليس زكاة الفطر إلا عن مملوك تملكه ، قال وكيع : يعني في المملوك بين الرجلين ، وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وهذا مما خالف فيه الحنفيون حكم رسول الله ﷺ في إيجابه صدقة الفطر على كل حر ، وعبد ، صغير ، وكبير ذكر أو أنثى ، وخالفوا فيه القياس ؛ لأنهم أوجبوا الزكاة في الغنم المشتركة وأسقطوا زكاة الفطر عن الرقيق المشترك .
707 مسألة : وأما المكاتب الذي لم يؤد شيئا من كتابته فهو عبد ، يؤدي سيده عنه زكاة الفطر . فإن أدى من كتابته ما قل أو كثر ، أو كان عبد بعضه حر وبعضه رقيق ، أو أمة كذلك - : فإن الشافعي قال فيمن بعضه حر وبعضه مملوك : على مالك بعضه إخراج صدقة الفطر عنه بمقدار ما يملك منه ؛ وعليه أن يخرج عن نفسه بمقدار ما فيه من الحرية ، ولم يرد على سيد المكاتب أن يعطي زكاة الفطر عن مكاتبه . وقال مالك : يؤدي السيد زكاة الفطر عن مكاتبه وعن مقدار ما يملك عن الذي بعضه حر وبعضه رقيق وليس على الذي بعضه رقيق وبعضه حر أن يخرج باقي الصاع عن بعضه الحر . وقال أبو حنيفة : لا تجب زكاة الفطر في شيء من ذلك ، لا على المكاتب ولا على سيده . واحتج من لم ير على السيد أداء الزكاة عن مكاتبه برواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن رقيقه ورقيق امرأته ، وكان له مكاتب فكان لا يؤدي عنه ، وكان لا يرى على المكاتب زكاة . قالوا : وهذا صاحب لا مخالف له يعرف من الصحابة . قال أبو محمد : لا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ والعجب كل العجب أن الحنفيين المحتجين بهذا الأثر أول مخالف له فلم يوجبوا على المرء إخراج صدقة الفطر عن رقيق امرأته ومن العجب أن يكون فعل ابن عمر بعضه حجة وبعضه ليس بحجة فإن قالوا : لعله كان يتطوع بإخراجها عن رقيق المرأة ؟ قيل : ولعل ذلك المكاتب كلفه إخراجها من كسبه ، كما للمرء أن يكلف ذلك عبده ، كما يكلفه الضريبة ؛ ولعله كان يرى أن يخرجها المكاتب عن نفسه ؛ ولعله قد رجع عن قوله في ذلك ، فكل هذا يدخل فيه " لعل " . وأما قول مالك فظاهر الخطأ ؛ لأنه جعل زكاة الفطر نصف صاع ؛ أو عشر صاع ، أو تسعة أعشار صاع فقط ، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها ، وأوجبها على بعض إنسان دون سائره ، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها ؟ وأما قول الشافعي فخطأ ؛ لأنه أوجب الزكاة في الفطر فيمن لا يقع عليه اسم رقيق ممن بعضه حر وبعضه عبد ، وهذا ما لم يأت به نص ولا إجماع . قال أبو محمد : والحق من هذا أن رسول الله ﷺ أوجبها على الحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والصغير ، والكبير من المسلمين ، فمن بعضه حر وبعضه عبد فليس حرا ، ولا هو أيضا عبد ، ولا هو رقيق ، فسقط بذلك عن أن يجب على مالك بعضه عنه شيء ، ولكنه ذكر ، أو أنثى ، صغير ، أو كبير فوجبت عليه صدقة الفطر عن نفسه ولا بد بهذا النص . وهو قول أبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا في المكاتب يؤدي بعض كتابته إنه يؤديها عن نفسه - : فهو لأن بعضه حر وبعضه مملوك كما ذكرنا ؛ فإذ هو كذلك كما ذكرنا فعليه إخراجها عن نفسه لما ذكرنا ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي ثنا يزيد هو ابن هارون - أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وقتادة ، قال قتادة : عن خلاس عن علي بن أبي طالب ، وقال أيوب : عن عكرمة عن ابن عباس ، ثم اتفق علي ، وابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال : { المكاتب يعتق منه بمقدار ما أدى ويقام عليه الحد بمقدار ما عتق منه } وهذا إسناد في غاية الصحة ؟ وهو قول علي بن أبي طالب وغيره . وروينا عن الحسن : أن على المكاتب صدقة الفطر . وعن ميمون بن مهران ، وعطاء : يؤديها عنه سيده .
708 - مسألة : ولا يجزئ إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا ، ولا تجزئ قيمة أصلا ؛ لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله ﷺ والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراض منهما ، وليس للزكاة مالك بعينه فيجوز رضاه ، أو إبراؤه .
709 - مسألة : وليس على الإنسان أن يخرجها عن أبيه ، ولا عن أمه ، ولا عن زوجته ، ولا عن ولده ، ولا أحد ممن تلزمه نفقته ، ولا تلزمه إلا عن نفسه ، ورقيقه فقط . ويدخل في : الرقيق أمهات الأولاد ، والمدبرون ، غائبهم وحاضرهم . وهو قول أبي حنيفة ، وأبي سليمان ، وسفيان الثوري ، وغيرهم . وقال مالك ، والشافعي : يخرجها عن زوجته ، وعن خادمها التي لا بد لها منها ولا يخرجها عن أجيره . وقال الليث : يخرجها عن زوجته ، وعن أجيره الذي ليست أجرته معلومة ، فإن كانت أجرته معلومة فلا يلزمه إخراجها عنه ، ولا عن رقيق امرأته . قال أبو محمد : ما نعلم لمن أوجبها على الزوج عن زوجته وخادمها إلا خبرا رواه إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه { أن رسول الله ﷺ فرض صدقة الفطر على كل حر ، أو عبد ، ذكر ، أو أنثى ، ممن تمونون } . قال أبو محمد : وفي هذا المكان عجب عجيب وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل ، ثم أخذ هاهنا بأنتن مرسل في العالم ، من رواية ابن أبي يحيى . وحسبنا الله ونعم الوكيل . وأبو حنيفة وأصحابه يقولون : المرسل كالمسند ، ويحتجون برواية كل كذاب ، وساقط ؛ ثم تركوا هذا الخبر وعابوه بالإرسال وبضعف راويه وتناقضوا فقالوا : لا يزكي زكاة الفطر عن زوجته ، وعليه - فرض - أن يضحي عنها فحسبكم بهذا تخليطا . وأما تقسيم الليث فظاهر الخطأ . وأما المالكيون فاحتجوا بهذا الخبر ثم خالفوه ؛ فلم يروا أن يؤدي زكاة الفطر عن الأجير ، وهو ممن يمون ؟ قال أبو محمد : إيجاب رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الصغير ، والكبير ، والحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى : هو إيجاب لها عليهم ، فلا تجب على غيرهم فيه إلا من أوجبه النص ، وهو الرقيق فقط ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . قال أبو محمد : وواجب على ذات الزوج إخراج زكاة الفطر عن نفسها وعن رقيقها ، بالنص الذي أوردنا - وبالله تعالى التوفيق ؟
710 - مسألة : ومن كان من العبيد له رقيق فعليه إخراجها عنهم لا على سيده ، لما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { ليس على المسلم في فرسه ، ولا عبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } . فالعبد مسلم وهو رقيق لغيره ، وله رقيق ، فعلى من هو له رقيق أن يخرجها عنه ؛ وعليه أن يخرجها عن رقيقه بالنص المذكور - وبالله تعالى التوفيق . فإن قيل : كيف لا يلزمه عن نفسه وتلزمه عن غيره ؟ قلنا : كما حكم في ذلك رب العالمين على لسان نبيه ﷺ . ثم نقول للمالكيين ، والشافعيين : أنتم تقولون بهذا حيث تخطئون ، فتقولون : إن الزوجة لا تخرجها عن نفسها ، وعليها أن تخرجها عن رقيقها حاشا من لا بد لها منه لخدمتها ؟ ولوددنا أن نعرف ما يقول الحنفيون في نصراني أسلمت أم ولده أو عبده فحبس ليباع فجاء الفطر ، على من صدقة الفطر عنهما ؟ وهاتان المسألتان لا تقعان في قولنا أبدا ؛ لأنه ساعة تسلم أم ولده أو عبده : عتقا في الوقت .
711 - مسألة : ومن له عبدان فأكثر فله أن يخرج عن أحدهما تمرا وعن الآخر شعيرا ، صاعا صاعا . وإن شاء التمر عن الجميع ، وإن شاء الشعير عن الجميع ؛ لأنه نص الخبر المذكور ؟
712 - مسألة : وأما الصغار فعليهم أن يخرجها الأب ، والولي عنهم من مال إن كان لهم ، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ، ولا بعد ذلك ؟ وقال أبو حنيفة : يؤديها الأب عن ولده الصغار الذين لا مال لهم ؛ فإن كان لهم مال ، فإن أداها من مالهم كرهت له ذلك وأجزأه ؟ قال : ويؤديها عن اليتيم وصيه من مال اليتيم ، وعن رقيق اليتيم أيضا ؟ وقال زفر ، ومحمد بن الحسن : ليس على اليتيم زكاة الفطر ، كان له مال ، أو لم يكن ؛ فإن أداها وصيه ضمنها ؟ وقال مالك : على الأب أن يؤدي زكاة الفطر عن ولده الصغار إن لم يكن لهم مال ، فإن كان لهم مال فهي في أموالهم ؛ وهي على اليتيم في ماله . وهو قول الشافعي . ولم يختلفوا في أن الأب لا يؤديها عن ولده الكبار ، كان لهم مال ، أو لم يكن . قال أبو محمد : ما نعلم لهم حجة أصلا ، إلا الدعوى : في أن القصد بذكر الصغار إنما هو إلى آبائهم لا إليهم ؟ قال أبو محمد : وهذه دعوى في غاية الفساد ، لأنه إذا لم يقصد بالخطاب إليهم في إيجاب زكاة الفطر ، وإنما قصد إلى غيرهم - : فمن جعل الآباء مخصوصين بذلك دون سائر الأولياء ، والأقارب ، والجيران ، والسلطان ؟ فإن قالوا : لأن الأب ينفق عليهم رجع الحنيفيون إلى ما أنكروا من ذلك ؟ ويلزم المالكيين ، والشافعيين في هذا أن يؤديها الأب - أحب أم كره - عنهم ، كان لهم مال ، أو لم يكن ؛ لأنه هو المخاطب بذلك دونهم . فوضح فساد هذا القول بيقين . والحق في هذا أن الله تعالى فرضها على لسان نبيه ﷺ على : الكبير ، والصغير ، فمن فرق بين حكميهما فقد قال الباطل ، وادعى على رسول الله ﷺ ما لم يقله ، ولا دل عليه ؟ ثم وجدنا الله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فوجدنا من لا مال له - من كبير أو صغير - ليس في وسعه أداء زكاة الفطر ؛ فقد صح أنه لم يكلفها قط ، ولما كان لا يستطيعها لم يكن مأمورا بها ، بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وهي لازمة لليتيم إذا كان له مال ، وإنما قلنا : إنها لا تلزمه بعد ذلك فلأن زكاة الفطر محدودة بوقت محدود الطرفين ، بخلاف سائر الزكوات ، فلما خرج وقتها لم يجز أن تجب بعد خروج وقتها وفي غير وقتها ؛ لأنه لم يأت بإيجابها بعد ذلك نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .
713 - مسألة : والذي لا يجد من أين يؤدي زكاة الفطر فليست عليه ؛ لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذه ، ولا تلزمه وإن أيسر بعد ذلك ؛ لما ذكر أيضا ؟ فمن قدر على التمر ولم يقدر على الشعير لغلائه ، أو قدر على الشعير ولم يقدر على التمر لغلائه - : أخرج صاعا ولا بد من الذي يقدر عليه ، لما ذكرنا أيضا . فإن لم يقدر إلا على بعض صاع أداه ولا بد ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وهو واسع لبعض الصاع ، فهو مكلف إياه ، وليس واسعا لبعضه ، فلم يكلفه . وهذا مثل الصلاة ، يعجز عن بعضها ويقدر على بعضها ، ومثل الدين ، يقدر على بعضه ولا يقدر على سائره ؟ وليس هذا مثل الصوم ، يعجز فيه عن تمام اليوم ، أو تمام الشهرين المتتابعين ؛ ولا مثل الرقبة الواجبة ، والإطعام الواجب في الكفارات ، والهدي الواجب ، يقدر على البعض من كل ذلك ولا يقدر على سائره ؛ فلا يجزئه شيء منه . لأن من افترض عليه صاع في زكاة الفطر فلا خلاف في أنه جائز له أن يخرج بعضه ثم بعضه ثم بعضه . ولا يجوز تفريق اليوم ، ولا يسمى من لم يتم صوم اليوم صائم يوم ، إلا حيث جاء به النص فيجزئه حينئذ ؟ وأما بعض الرقبة فإن الله تعالى نص بتعويض الصيام من الرقبة إذا لم توجد فلم يجز تعدي النص ، وكان معتق بعض رقبة مخالفا لما أمر به وافترض عليه من الرقبة التامة ، أو من الإطعام المعوض منها ، أو الصيام المعوض منها . وأما بعض الشهرين فمن بعضها ، أو فرقهما فلم يأت بما أمر به متتابعا ، فهو عليه أو عوضه حيث جاء النص بالتعويض منه . وأما الهدي فإن بعض الهدي مع بعض هدي آخر لا يسمى هديا ، فلم يأت بما أمر به ؛ فهو دين عليه حتى يقدر عليه ؟ وأما الإطعام فيجزئه ما وجد منه حتى يجد باقيه ؛ لأنه لم يأت مرتبطا بوقت محدود الآخر - وبالله تعالى التوفيق .
714 - مسألة : وتجب زكاة الفطر على السيد عن عبده المرهون ، والآبق ، والغائب ، والمغصوب ، لأنهم رقيقه ، ولم يأت نص بتخصيص هؤلاء . وللسيد إن كان للعبد مال أو كسب أن يكلفه إخراج زكاة الفطر من كسبه أو ماله ، لأن له انتزاع مال متى شاء ، وله أن يكلفه الخراج بالنص والإجماع ، فإذا كان له ذلك فله أن يأمره بأن يصرف ما كلفه من ذلك فيما شاء .
715 - مسألة : والزكاة للفطر واجبة على المجنون إن كان له مال ؛ لأنه ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، صغير أو كبير .
716 - مسألة : ومن كان فقيرا فأخذ من زكاة الفطر أو غيرها مقدار ما يقوم بقوت يومه وفضل له منه ما يعطي في زكاة الفطر - : لزمه أن يعطيه . وهو قول عطاء ، وأبي سليمان ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : من له أقل من مائتي درهم فليس عليه زكاة الفطر ، وله أخذها ، ومن كان له مائتا درهم فعليه أن يؤديها . وقال سفيان : من له خمسون درهما فهو غني ، ومن لم يكن له خمسون درهما فهو فقير . وقال غيرهما : من له أربعون درهما فهو غني ، فإن كان له أقل فهو فقير ؟ وقال آخرون : من له قوت يومه فهو غني ؟ قال أبو محمد : سنتكلم بعد هذا - إن شاء تعالى - في هذه الأقوال ، وأما هاهنا فإن تخصيص الفقير بإسقاط صدقة الفطر عنه - إذا كان واجدا لمقدارها أو لبعضه - قول لا يجوز ؛ لأنه لم يأت به نص ، نعني بإسقاطها عن الفقير ، وإنما جاء النص بإسقاط تكليف ما ليس في الوسع فقط ؛ فإذا كانت في وسع الفقير فهو مكلف إياها بعموم قوله عليه السلام : { على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير } . وقد روينا عن عطاء في الفقير : أنه يأخذ الزكاة ويعطيها ؟
717 - مسألة : ومن أراد إخراج زكاة الفطر عن ولده الصغار أو الكبار أو عن غيرهم - : لم يجز له ذلك إلا بأن يهبها لهم ، ثم يخرجها عن الصغير ، والمجنون ، ولا يخرجها عمن يعقل من البالغين إلا بتوكيل منهم له على ذلك . برهان ذلك - : ما قدمنا من أن الله تعالى إنما فرضها عليه فيما يجد مما هو قادر على إخراجها منه ، أو يكون وليه قادرا على إخراجها منه ، ولا يكون مال غيره مكانا لأداء الفرض عنه ؛ إذ لم يأت بذلك نص ولا إجماع ؛ فإذا وهبها له فقد صار مالكا لمقدارها ، فعليه إخراجها ، فأما من لم يبلغ ؛ ولا يعقل ؛ فلقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } . وأما البالغ فلقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وبالله تعالى التوفيق .
718 - مسألة : ووقت زكاة الفطر - الذي لا تجب قبله ، إنما تجب بدخوله ، ثم لا تجب بخروجه - : فهو إثر طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر ، ممتدا إلى أن تبيض الشمس وتحل الصلاة من ذلك اليوم نفسه ؛ فمن مات قبل طلوع الفجر من اليوم المذكور فليس عليه زكاة الفطر ، ومن ولد حين ابيضاض الشمس من يوم الفطر فما بعد ذلك ، أو أسلم كذلك - : فليس عليه زكاة الفطر ، ومن مات بين هذين الوقتين أو ولد أو أسلم أو تمادت حياته وهو مسلم - : فعليه زكاة الفطر ، فإن لم يؤدها وله من ابن يؤديها فهي دين عليه أبدا حتى يؤديها متى أداها . وقال الشافعي : وقتها مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان ، فمن ولد ليلة الفطر أو أسلم فلا زكاة فطر عليه ، ومن مات فيها فهي عليه . وقال أبو حنيفة : وقتها انشقاق الفجر من يوم الفطر ، فمن مات قبل ذلك ، أو ولد بعد ذلك ، أو أسلم بعد ذلك فلا زكاة فطر عليه . وقال مالك مرة كقول الشافعي في رواية أشهب عنه ، ومرة قال : إن من ولد يوم الفطر فعليه زكاة الفطر . قال أبو محمد أما من رأى وقتها غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنه قال : هي زكاة الفطر ، وذلك هو الفطر من صوم رمضان والخروج عنه جملة . وقال الآخرون الذين رأوا وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر : إن هذا هو وقت الفطر ، لا ما قبله ؛ لأنه في كل ليلة كان يفطر كذلك ثم يصبح صائما فإنما أفطر من صومه صبيحة يوم الفطر ، لا قبله ، وحينئذ دخل وقتها باتفاق منا ومنكم . قال أبو محمد : قال الله عز وجل : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال { أمر رسول الله ﷺ بإخراج زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى } . قال أبو محمد : فهذا وقت أدائها بالنص ، وخروجهم إليها إنما هو لإدراكها ، ووقت صلاة الفطر هو جواز الصلاة بابيضاض الشمس يومئذ فإذا تم الخروج إلى صلاة الفطر بدخولهم في الصلاة فقد خرج وقتها ؟ وبقي القول في أول وقتها : فوجدنا الفطر المتيقن إنما هو بطلوع الفجر من يوم الفطر ؛ وبطل قول من جعل وقتها غروب الشمس من أول ليلة الفطر ؛ لأنه خلاف الوقت الذي أمر عليه السلام بأدائها فيه . قال أبو محمد : فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له ، فهي دين لهم ، وحق من حقوقهم ، وقد وجب إخراجها من مال وحرم عليه إمساكها في ماله ، فوجب عليه أداؤها أبدا ، وبالله تعالى التوفيق ، ويسقط بذلك حقهم ، ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت ، لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة - وبالله تعالى نتأيد . ولا يجوز تقديمها قبل وقتها أصلا . فإن ذكروا خبر { أبي هريرة إذ أمره رسول الله ﷺ بالمبيت على صدقة الفطر فأتاه الشيطان ليلة ، وثانية ، وثالثة } - : فلا حجة لهم فيه ، لأنه لا تخلو تلك الليالي أن تكون من رمضان أو من شوال ، ولا يجوز أن تكون من رمضان ، لأنه ليس ذلك في الخبر ، ولا يظن برسول الله ﷺ أنه حبس صدقة وجب أداؤها عن أهلها ، وإن كانت من شوال فلا يمنع من ذلك ؛ إذ لم يكمل وحبس وجود أهلها ؛ وفي تأخيره عليه الصلاة والسلام إعطاءها برهان على أن وقت إخراجها لم يحن بعد ، فإن كان ذلك في ليالي رمضان فلم يخرجها عليه السلام . فصح أنه لم يجز تقديمها قبل وقتها ولا يجزئ ؛ وإن كانت من ليالي شوال فبلا شك أن أهلها لم يوجدوا ، فتربص عليه الصلاة والسلام وجودهم . فبطل تعلقهم بهذا الخبر ؟
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والثمانون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والثمانون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 902 - 912) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 913 - 918)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 919)
كتاب الحج
913 - مسألة : فمن استطاع كما ذكرنا ، ثم بطلت استطاعته أو لم تبطل فالحج والعمرة عليه ويلزم أداؤهما عنه من رأس ماله قبل ديون الناس على ما ذكرنا في أول كتاب الحج الذي نحن فيه . فإن لم يوجد من يحج عنه إلا بأجرة استؤجر عنه لقول النبي عليه السلام " دين الله أحق بالقضاء " من يحج عنه ويعتمر من ميقات من المواقيت لا يلزم غير هذا ، إلا أن يوصي بأن يحج عنه من بلده ، فتكون الإجارة الزائدة على الحج من ميقات ما من الثلث ؛ لأنه عمل لا يلزم . ولو خرج المرء من منزله لحاجة نفسه لا ينوي حجا ، ولا عمرة فأتى الميقات فحينئذ لزمه الإحرام والدخول في عمل الحج لا قبل ذلك . وجائز أن تحج المرأة عن الرجل والمرأة ، والرجل عن المرأة والرجل ، لأمر النبي عليه السلام الخثعمية أن تحج عن أبيها ، وأمره عليه السلام الرجل أن يحج عن أمه ؛ والرجل أن يحج عن أبيه ، ولم يأت نص ينهى عن شيء من ذلك ، وقال - تعالى - : { وافعلوا الخير } وهذا خير ، فجائز أن يفعله كل أحد عن كل أحد . وقولنا هو قول أبي سليمان ، والشافعي ، وغيرهما . وقال أبو حنيفة : لا تجوز الإجارة على الحج ، وإنما يجوز أن يعطي مالا ليحج عن المحجوج عنه به فقط ، واحتج في منع الإجارة في ذلك بأن قال قائلهم : لا تجوز الإجارة على الطاعة ولا على المعصية . قال أبو محمد : أما الإجارة على المعصية فنعم ، وأما على الطاعة فقولهم فيه باطل ، بل الإجارة جائزة على الطاعة ، وقد أمر عليه السلام بالمؤاجرة وأباحها وحض على إعطاء الأجير أجره ، فكان هذا جائزا على كل شيء إلا ما منع منه نص فقط ، وهم مجمعون معنا على جواز الإجارة في بنيان المساجد ، وعلى جواز الإجارة للإبل للحج عليها ، وعلى جلاء سلاح المجاهدين ، وكل ذلك طاعة لله - تعالى - ، فظهر تناقضهم . وتعقد الإجارة في كل ذلك بأن تعطى دراهم في هدي المتعة ، أو في هدي يسوقه قبل الإحرام ليكون قارنا ، ثم يوصف له عمل الحج الذي استؤجر عليه كله من تحديد الميقات وعدد التلبية ، ووقت الميقات بعرفة ، وصفة الركعتين عند المقام والتعجيل في يومين أو التأخير ، فإن حج العام فحسن ، فإن لم يحج فيه لم يكن له من الإجارة شيء وبطل العقد ، وإن لم يحج العام فحسن ، وعليه أن يحج في أول أوقات إمكان الحج له ويجزي متى حج عنه كسائر الأعمال الموصوفة من الخياطة وغيرها . وكل ما أصاب الأجير من فدية الأذى فهو عليه لا على المحجوج عنه فإن تعمد إبطال الحج ، أو عمرته فلا شيء له من الأجرة ؛ لأنه لم يعمل شيئا مما أمر به . فلو عمل بعض عمل الحج ، أو العمرة ، ثم مرض أو مات ، أو صد كان له بمقدار ما عمل ، ولا يكون له الباقي ؛ لأنه قد عمل بعض ما أمر به كما أمر ولم يتعمد ترك الباقي ، ويكون هدي الإحصار في مال المحصر ؛ لأنه ليس مما يعمل عن الميت فيستأجر عنه من يرمي الجمار ، أو يطوف عنه ، ويسعى ممن قد رمى عن نفسه ، وطاف عن نفسه ، وممن يحرم عنه ويقف بعرفة والمزدلفة ، ويوفي عنه باقي عمل الحج إن كان لم يعمل من ذلك شيئا . ولا يجوز إعطاء مال ليحج به عن الميت بغير أجرة ؛ لأن المال قد يضيع فلا يلزم المدفوع إليه ضمان مال ولا عمل حج ، فهو تضييع لمال الميت وهذا لا يجوز . فلو أعطاه حي ليحج به عنه كان عقدا غير لازم حتى يتم الحج ، فإذا تم حينئذ استحق ما أعطي وأجزأ عن المعطي - وبالله - تعالى - التوفيق . ولا يجزئ أن يستأجر من لم يحج ولا اعتمر إلا أن يكون غير مستطيع حين استؤجر فيجوز حينئذ ؛ لأنه غير مستطيع للحج عن نفسه فلا يلزمه وهو مستطيع للحج عن غيره مما يأخذ من الأجرة فاستئجاره لما يستطيع عليه جائز - وبالله - تعالى - التوفيق .
914 - مسألة : والأيام المعدودات والمعلومات واحدة ، وهي يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده لقول الله - تعالى - : { واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } والتعجيل المذكور والتأخير المذكور إنما هو بلا خوف من أحد في أيام رمي الجمار . وأيام رمي الجمار بلا خلاف هو يوم النحر وثلاثة أيام بعده . وقال - تعالى - { : ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فهذه بلا شك أيام النحر التي تنحر فيها بهيمة الأنعام ، وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده . روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبيد الله بن موسى نا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده : أيام التشريق . ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في وقوله تعالى : { في أيام معدودات } قال : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده : أيام التشريق - وهذا قولنا . وقد روي غير هذا ، وقبل وبعد ، فذكر الله - تعالى - واجب في كل يوم فلا يجوز تخصيص ذلك إلا بنص ، وأما بالدعوى وقول قائل قد خولف فلا . صح عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري أن الأيام المعلومات عشر ذي الحجة ، آخرها يوم النحر ، وأن المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر . روينا ذلك من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشيم نا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وعن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ، وعن يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم ، وعن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وعن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء ، وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان . وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله نا عبيد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن زر ، ونافع ، قال زر : عن علي بن أبي طالب ، وقال نافع : عن ابن عمر ، ثم اتفق علي ، وابن عمر ، قالا جميعا : الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده ، اذبح في أيها شئت ، وأفضلها أولها وروينا من طريق محمد بن المثنى نا حماد بن عيسى الجهني نا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال في أيام معدودات : أيام التشريق . وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا ابن عجلان نا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : الأيام المعلومات : يوم النحر ويومان بعده ، والمعدودات : ثلاثة أيام بعد النحر ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه - وبه يقول مالك . قال أبو محمد : ما نعلم له حجة إلا تعلقه بابن عمر ، وقد روينا عن ابن عمر خلاف هذا ، وخالفه ابن عباس ، وعلي ، فليس التعلق ببعضهم أولى من بعض . واحتج الآخرون بأن قالوا : قد فرق الله - تعالى - بين اسميهما ؟ قلنا : نعم وجمع بين حكميهما في أنه أمر بذكره - عز وجل - فقط وذكر الله - تعالى - لا يجوز أن يخص به يوم دون يوم ، وكذلك لا يجوز أن يخص بالنحر لله - تعالى - يوم دون يوم ؛ لأنه فعل خير وبر إلا بنص ، ولا نص في تخصيص ذلك - وبالله - تعالى - التوفيق .
915 - مسألة : ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيرا جدا أو كبيرا وله حج وأجر ، وهو تطوع ، وللذي يحج به أجر ، ويجتنب ما يجتنب المحرم ، ولا شيء عليه إن واقع من ذلك ما لا يحل له ، ويطاف به ، ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك . ويجزي الطائف به طوافه ذلك عن نفسه . وكذلك ينبغي أن يدربوا ويعلموا الشرائع من الصلاة ، والصوم إذا أطاقوا ذلك ويجنبوا الحرام كله ، والله - تعالى - يتفضل بأن يأجرهم ، ولا يكتب عليهم إثما حتى يبلغوا . روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس { أن امرأة رفعت إلى رسول الله ﷺ صبيا فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر } . قال أبو محمد : والحج عمل حسن ، وقال الله - تعالى - : { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } . فإن قيل : لا نية للصبي ؟ قلنا : نعم ، ولا تلزمه إنما تلزم النية المخاطب المأمور المكلف ، والصبي ليس مخاطبا ولا مكلفا ولا مأمورا وإنما أجره تفضل من الله - تعالى - مجرد عليه كما يتفضل على الميت بعد موته ولا نية له ولا عمل بأن يأجره بدعاء ابنه له بعده وبما يعمله غيره عنه من حج ، أو صيام ، أو صدقة ، ولا فرق ، ويفعل الله ما يشاء . وإذا الصبي قد رفع عنه القلم فلا جزاء عليه في صيد إن قتله في الحرم أو في إحرامه ، ولا في حلق رأسه لأذى به ، ولا عن تمتعه ، ولا لإحصاره ؛ لأنه غير مخاطب بشيء من ذلك ، ولو لزمه هدي للزمه أن يعوض منه الصيام وهو في المتعة ، وحلق الرأس ، وجزاء الصيد ، وهم لا يقولون هذا ولا يفسد حجه بشيء مما ذكرنا ، إنما هو ما عمل ، أو عمل به أجر ، وما لم يعمل فلا إثم عليه . وقد كان الصبيان يحضرون الصلاة مع رسول الله عليه السلام ، صحت بذلك آثار كثيرة : كصلاته بأمامة بنت أبي وقاص ، وحضور ابن عباس معه الصلاة ، وسماعه بكاء الصبي في الصلاة وغير ذلك ، ويجزي الطائف به طوافه عن نفسه ؛ لأنه طائف وحامل ، فهما عملان متغايران لكل واحد منهما حكم ، كما هو طائف وراكب ، ولا فرق .
916 - مسألة : فإن بلغ الصبي في حال إحرامه لزمه أن يجدد إحراما ويشرع في عمل الحج ، فإن فاتته عرفة ، أو مزدلفة ، فقد فاته الحج ولا هدي عليه ولا شيء . أما تجديده الإحرام فلأنه قد صار مأمورا بالحج وهو قادر عليه فلزمه أن يبتدئه ؛ لأن إحرامه الأول كان تطوعا والفرض أولى من التطوع .
917 - مسألة : من حج واعتمر ، ثم ارتد ، ثم هداه الله - تعالى - واستنقذه من النار فأسلم فليس عليه أن يعيد الحج ولا العمرة - وهو قول الشافعي ، وأحد قولي الليث . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأبو سليمان : يعيد الحج والعمرة ، واحتجوا بقول الله - تعالى - : { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } ما نعلم لهم حجة غيرها ، ولا حجة لهم فيها ؛ لأن الله - تعالى - لم يقل فيها : لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك ، وهذه زيادة على الله - تعالى - لا تجوز ، وإنما أخبر - تعالى - أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك . ولو حج مشرك أو اعتمر ، أو صلى ، أو صام ، أو زكى ، لم يجزه شيء من ذلك عن الواجب ، وأيضا فإن - قوله تعالى - فيها : { ولتكونن من الخاسرين } بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل في إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة ؛ لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة - لا هم ولا نحن - في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين ، بل من المربحين المفلحين الفائزين . فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد ، وهذا هو من الخاسرين بلا شك ، لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته ، وقال - تعالى - { : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } فصح نص قولنا : من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر . ووجدنا الله - تعالى - يقول { : أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } . وقال - تعالى - { : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } . وهذا عموم لا يجوز تخصيصه . فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما ولا يضيعان له . وروينا من طرق كالشمس عن صالح بن كيسان ، ويونس ، ومعمر كلهم عن الزهري . وروينا أيضا عن هشام بن عروة المعنى ، ثم اتفق الزهري ، وهشام كلاهما عن عروة واللفظ للزهري ، قال : نا عروة بن الزبير { أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام : أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة ، أو عتاقة ، أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال رسول الله عليه السلام : أسلمت على ما أسلفت من خير } ، قال أبو محمد : فصح أن المرتد إذا أسلم ، والكافر الذي لم يكن أسلم قط ، إذا أسلما فقد أسلما على ما أسلفا من الخير ، وقد كان المرتد إذا حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به ، وما كلف كما أمر به فقد أسلم الآن عليه ، فهو له كما كان . وأما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة في دينهم ، فإن أسلم بعد ذلك لم يجزه ؛ لأنه لم يؤده كما أمر الله - تعالى - به ؛ لأن من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله عليه السلام في الدين الذي جاء به ، الذي لا يقبل الله - تعالى - دينا غيره ، وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . والصابئ إنما حج كما أمره يوراسف ، أو هرمس فلا يجزئه - وبالله - تعالى - التوفيق . ويلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه ، وطلاقه الثلاث ، وبيعه ، وابتياعه ، وعطاياه التي كانت في الإسلام ، وهم لا يقولون بهذا ؛ فظهر فساد قولهم - وبالله - تعالى - نتأيد .
918 - مسألة : ولا تحل لقطة في حرم مكة ، ولا لقطة من أحرم بحج ، أو عمرة ، مذ يحرم إلى أن يتم جميع عمل حجه . إلا لمن ينشدها أبدا لا يحد تعريفها بعام ولا بأكثر ولا بأقل ، فإن يئس من معرفة صاحبها قطعا متيقنا حلت حينئذ لواجدها ، بخلاف سائر اللقطات التي تحل له بعد العام . روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثني أبو هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : { إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد } وذكر باقي الحديث . قال أبو محمد : ليست هذه إلا صفة الحرم لا الحل . ومن طريق البخاري نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس { أن رسول الله عليه السلام قال يوم فتح مكة : هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة } ثم ذكر كلاما وفيه { فلا يلتقط لقطته إلا من عرفها } وذكر الحديث ، فأحلها عليه السلام للمنشد وأوجب تعريفها بغير تحديد . وقال عليه السلام : " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " . واللقطة هي غير مال الملتقط فهي عليه حرام . والتعريف إنما هو ليوجد من يعرفها أو صاحبها فهذا الحكم لازم ، فإذا يئس بيقين عن معرفة صاحبها سقط التعريف ، إذ من الباطل تعريف ما يوقن أنه لا يعرف ، وإذا سقط التعريف حلت حينئذ بالنص لمنشدها . ومن طريق أبي داود نا أحمد بن صالح نا ابن وهب نا عمرو بن الحارث عن بكير هو ابن عبد الله بن الأشج - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي " أن رسول الله عليه السلام { نهى عن لقطة الحاج } قال أبو محمد : الحاج هو من هو في عمل الحج ، وأما قبل أن يشرع في العمل فهو مريد للحج وليس حاجا بعد ، وأما بعد إتمامه عمل الحج فقد حج وليس حاجا الآن ، وإنما سمي حاجا مجازا ، كما أن الصائم ، أو المصلي ، أو المجاهد ، إنما هو صائم ، ومصل ، ومجاهد ، ما دام في عمل ذلك ، وكذلك كل ذلك . ونهيه عليه السلام عن لقطة لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما ، إما أن يكون نهى عليه السلام عن أخذها ، أو نهى عن تملكها ، فأما أخذها فقد قال - تعالى - : { وتعاونوا على البر والتقوى } ونهى عليه السلام عن إضاعة المال ، وتركها إضاعة لها بلا شك ، وحفظها تعاون على البر والتقوى . فصح أنه إنما نهى عليه السلام عن تملكها وأيضا فإنه عليه السلام لم ينه عن حفظها ولا عن تعريفها ، وإنما نهى عنها بعينها ، هذا نص الحديث . فصح أنه إنما نهى عن تملكها فإذا يئس عن معرفة صاحبها بيقين فكل مال لا يعرف صاحبه فهو لله - تعالى - ، ثم في مصالح عباده ، والملتقط أحدهم وهي في يده فهو أحق بها ، ولا يتعدى به إلى غيره إلا ببرهان ، وحكم المعتمر كحكم الحاج لقوله عليه السلام { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } وبالله - تعالى - التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والخمسون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 811 - 812)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 813 - 814)
كتاب الحج
811 - مسألة : [ قال أبو محمد ] : الحج إلى مكة ، والعمرة [ إليها ] فرضان على كل مؤمن ، عاقل ، بالغ ، ذكر ، أو أنثى ، بكر ، أو ذات زوج . الحر والعبد ، والحرة والأمة ، في كل ذلك سواء ، مرة في العمر إذا وجد من ذكرنا إليها سبيلا ، وهما أيضا على أهل الكفر إلا أنه لا يقبل منهم إلا بعد - الإسلام ، ولا يتركون ودخول الحرم حتى يؤمنوا . أما قولنا بوجوب الحج - على المؤمن العاقل البالغ الحر ، والحرة التي لها زوج أو ذو محرم يحج معها مرة في العمر - فإجماع متيقن ، واختلفوا في المرأة ، لا زوج لها ولا ذا محرم ، وفي الأمة والعبد ، وفي العمرة - : برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فعم تعالى ولم يخص . وقال عز وجل : { وأتموا الحج والعمرة لله } . وقال قوم : العمرة ليست فرضا واحتجوا بما رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن ابن المنكدر عن جابر { سئل رسول الله ﷺ عن العمرة أفريضة هي ؟ قال : لا ، وأن تعتمر خير لك } . وبما رويناه عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح ماهان الحنفي عن النبي ﷺ : { الحج جهاد والعمرة تطوع } . ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر { قلت : يا رسول الله العمرة فريضة كالحج ؟ قال : لا ، وأن تعتمر خير لك } . ومن طريق حفص بن غيلان عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي عن النبي ﷺ : { من مشى إلى صلاة مكتوبة فهي كحجة ، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة تامة } . ومن طريق يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي ﷺ : { من مشى إلى مكتوبة فأجره كأجر الحاج ، ومن مشى إلى تسبيح الضحى فأجره كأجر المعتمر } . ومن طريق محاضر بن المورع عن الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن حكيم عن عبد الله بن عابر الألهاني عن عتبة بن عبد السلمي ، وعن أبي أمامة الباهلي كلاهما عن رسول الله ﷺ : { من صلى في مسجد جماعة ثم ثبت فيه سبحة الضحى كان كأجر حاج ومعتمر } . ومن طريق عبد الباقي بن قانع حديثا فيه عمر بن قيس عن طلحة بن موسى ، عن عمه إسحاق بن طلحة عن أبيه أنه سمع النبي ﷺ يقول : { الحج جهاد والعمرة تطوع } . ومن طريق ابن قانع عن أحمد بن محمد بن بحير العطار عن محمد بن بكار عن محمد بن الفضل ابن علية عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ : { الحج جهاد والعمرة تطوع } . ومن طريق عبد الباقي بن قانع نا بشر بن موسى نا ابن الأصبهاني نا جرير وأبو الأحوص عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ : { الحج جهاد والعمرة تطوع } . وقالوا : قد صح عن النبي ﷺ أنه قال : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } . وروى أبو داود نا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا : نا زيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس قال { : يا رسول الله الحج في كل عام أم مرة واحدة ؟ قال : بل مرة واحدة فما زاد فتطوع } قالوا : فقد صح أنه لا يلزم إلا حجة واحدة ، فالعمرة تطوع لدخولها في الحج ، وقالوا : قول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة } لا يوجب كونها فرضا ، وإنما يوجب إتمامها على من دخل فيها لا ابتداءها ؛ لكن كما تقول : أتم الصلاة التطوع ، والصوم التطوع . وقالوا : لما كانت العمرة غير مرتبطة بوقت وجب أن لا تكون فرضا - : وروينا عن إبراهيم النخعي ، والشعبي : أنها تطوع ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به وكله باطل ، أما الأحاديث التي ذكروا فمكذوبة كلها ؛ أما حديث جابر فالحجاج بن أرطاة ساقط لا يحتج به . والطريق الأخرى أسقط وأوهن ؛ لأنها من طريق يحيى بن أيوب - وهو ضعيف عن العمري الصغير - وهو ضعيف . وأما حديث أبي صالح ماهان الحنفي فهو مرسل - وماهان هذا ضعيف كوفي . وأما حديث أبي أمامة فأحد طرقه عن حفص بن غيلان - وهو مجهول عن مكحول عن أبي أمامة ولم يسمع مكحول من أبي أمامة شيئا . والأخرى من طريق القاسم أبي عبد الرحمن - وهو ضعيف . والثالثة - من طريق ابن المورع وهو ضعيف عن الأحوص بن حكيم وهو ساقط عن عبد الله بن عابر ، وهو مجهول ؛ وهو حديث منكر ظاهر الكذب ؛ لأنه لو كان أجر العمرة كأجر من مشى إلى صلاة تطوع لما كان - لما تكلفه النبي ﷺ من القصد إلى العمرة إلى مكة من المدينة - معنى ، ولكان فارغا - ونعوذ بالله من هذا . وأما حديث طلحة فمن طريق عبد الباقي بن قانع ، وقد أصفق أصحاب الحديث على تركه ، وهو راوي كل بلية وكذبة ؛ ثم فيه عمر بن قيس سندل وهو ضعيف . وأما حديث ابن عباس فمن طريق عبد الباقي بن قانع ويكفي ؛ ثم هو عن ثلاثة مجهولين في نسق لا يدرى من هم . وأما حديث أبي هريرة فكذب بحت من بلايا عبد الباقي بن قانع التي انفرد بها والناس رووه مرسلا من طريق أبي صالح ماهان كما أوردنا قبل فزاد فيه أبا هريرة ، وأوهم أنه صالح السمان - فسقطت كلها ولله الحمد . ولو شئنا لعارضناهم بما رويناه من طريق ابن لهيعة عن عطاء عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال : { الحج والعمرة : فريضتان واجبتان } ولكن يعيذنا الله عز وجل ، ومعاذ الله والشهر الحرام من أن نحتج بما ليس حجة ؛ ولكن ابن لهيعة إذا روى ما يوافقهم صار ثقة وإذا روى ما يخالفهم صار ضعيفا ؛ والله ما هذا فعل من يوقن أنه محاسب بكلامه في دين الله تعالى ؟ قال أبو محمد : وعهدنا بهم يقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا وتركه كان ذلك دليلا على ضعف ذلك الخبر . وقد حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال { : الحج والعمرة واجبتان } . وبه نصا إلى سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال في الحج والعمرة : إنها لقرينتها في كتاب الله وهذا عن ابن عباس من طرق في غاية الصحة أنها واجبة كوجوب الحج . ونا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو قلابة نا الأنصاري هو محمد بن عبد الله القاضي - أنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : ليس مسلم إلا عليه حجة وعمرة { من استطاع إليه سبيلا } . قال أبو محمد : فلو صح ما رووا من الكذب الملفق لوجب على أصولهم الخبيثة المفتراة إسقاط كل ذلك إذا كان ابن عباس وجابر رويا تلك الأخبار بزعمهم قد صح عنهما خلافها ، ولكن القوم متلاعبون كما ترون ، ونعوذ بالله من الخذلان . قال أبو محمد : ثم لو صحت كلها - ومعاذ الله من أن يصح الباطل والكذب - لما كانت لهم في شيء منها حجة - . لما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني نا خالد هو ابن الحارث - نا شعبة قال : سمعت النعمان بن سالم قال : سمعت عمرو بن أوس يحدث عن { أبي رزين العقيلي أنه قال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال : فحج عن أبيك واعتمر } . فهذا أمر رسول الله ﷺ بأداء فرض الحج والعمرة عمن لا يطيقهما ؛ فهذا حكم زائد وشرع وارد ؛ وكانت تكون تلك الأحاديث موافقة لمعهود الأصل فإن الحج والعمرة قد كانا بلا شك تطوعا لا فرضا فإذا أمر بهما الله تعالى ورسوله ﷺ فقد بطل كونهما تطوعا بلا شك وصارا فرضين ، فمن ادعى بطلان هذا الحكم وعودة المنسوخ فقد كذب وأفك وافترى ؛ وقفا ما ليس له به علم ؛ فبطل كل خبر مكذوب موهوا به لو صح فكيف وكلها باطل ؟ وأما قول من قال : إن إخبار النبي ﷺ بدخول العمرة في الحج ، وبأنه ليس على المرء إلا حجة واحدة دليل على أنها ليست فرضا فهذيان لا يعقل ؛ بل هذا برهان واضح في كون العمرة فرضا ؛ لأنه عليه السلام أخبر بأنها دخلت في الحج ؛ ولا يشك ذو عقل في أنها لم تصر حجة ؛ فوجب أن دخولها في الحج إنما هو من وجهين فقط - : أحدهما : أنه يجزى لهما عمل واحد في القران . والثاني : دخولها في أنها فرض كالحج . فإن قالوا : قد جاء أنها الحج الأصغر ؟ قلنا لو صح هذا لكان حجة لنا ؛ لأن القران [ قد ] جاء بإيجاب الحج فكانت حينئذ تكون فرضا بنص قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } لكنا لا نستحل التمويه بما لا يصح ، مع أن الخبر الذي ذكروا عن ابن عباس لا حجة لهم فيه ؛ لأن راويه أبو سنان الدؤلي وقد قال فيه عقيل : سنان هو مجهول غير معروف ، وأيضا : فإنهم كذبوا فيه وحرفوه وأوهموا أن فيه من لفظ النبي ﷺ أنه { ليس على المرء إلا حجة واحدة } ليس هذا في ذلك الخبر أصلا وإنما فيه أن الحج مرة واحدة وهذا لا يمنع من وجوب العمرة : إما مع الحج مقرونة ، وإما معه في عام واحد ؛ فصار حجة لنا عليهم . وأما قولهم : إن الله تعالى إنما أمر بإتمامها من دخل فيها لا بابتدائها ، وأن بعض الناس قرأ : { والعمرة لله } بالرفع فقول كله باطل ؛ لأنها دعوى بلا برهان وقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } لا يقتضي ما قالوا وإنما يقتضي وجوب المجيء بهما تامين وحتى لو صح ما قالوه لكان حجة عليهم ؛ لأنه إذا كان الداخل فيها مأمورا بإتمامها فقد صارت فرضا مأمورا به ؛ وهذا قولنا لا قولهم الفاسد المتخاذل - وابن عباس حجة في اللغة . وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال : سمعت ابن عباس يقول : والله إنها لقرينتها في كتاب الله عز وجل : { وأتموا الحج والعمرة لله } فابن عباس يرى هذا النص موجبا لكونها فرضا كالحج بخلاف كيس هؤلاء الحذاق باللغة بالضد ، وبهذا احتج مسروق ، وسعيد بن المسيب ، وعلي بن الحسين ، ونافع في إيجابها ؛ ومسروق ؛ وسعيد حجة في اللغة . فإن قالوا : أنتم تقولون : بهذا في الحج التطوع ، والعمرة التطوع ؟ قلنا : لا بل هما تطوع غير لازم جملة إن تمادى فيهما أجر ، وإلا فلا حرج ولو كان غير هذا لكان الحج يتكرر فرضه مرات ، وهذا خلاف حكم الله تعالى في أنه لا يلزم إلا مرة واحدة في الدهر . فإن قالوا : فإنكم تقولون : بإتمام النذر ، وإتمام قضاء صوم التطوع على من أفطر فيه ؟ قلنا : نعم ؛ لأن كل ذلك صار فرضا زائدا بأمر الله تعالى بذلك وأمر رسوله ﷺ فإنما الحج فرض مرة واحدة على من لم ينذره لا على من نذره ؛ بل هو على من نذره فرض آخر لا نضرب أوامر الله تعالى بعضها ببعض بل نضم بعضها إلى بعض ونأخذ بجميعها . وأما القراءة { والعمرة لله } بالرفع فقراءة منكرة لا يحل لأحد أن يقرأ بها ، وسبحان من جعلهم يلجئون إلى تبديل القرآن فيحتجون به ؟ وأما قولهم : لو كانت فرضا لكانت مرتبطة بوقت ؟ فكلام سخيف لم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا قول صاحب ولا إجماع ولا قياس يعقل ، وهم موافقون لنا على أن الصلاة على رسول الله ﷺ فرض ولو مرة في الدهر وليست مرتبطة بوقت ، وأن النذر فرض وليس مرتبطا بوقت ، وأن قضاء رمضان فرض وليس مرتبطا بوقت ، والإحرام للحج عندهم فرض وليس عندهم مرتبطا بوقت ، فظهر هوس ما يأتون به ؟ قال أبو محمد : روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي - عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن ثابت قال فيمن يعتمر قبل أن يحج : نسكان لله عليك لا يضرك بأيهما بدأت . ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني نافع مولى ابن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا ومن زاد بعدهما شيئا فهو خير وتطوع . ومن طريق أبي إسحاق عن مسروق عن ابن مسعود قال : أمرتم بإقامة الصلاة ، والعمرة إلى البيت ؛ وقد ذكرناه آنفا عن جابر ، وابن عباس . ومن طريق قتادة قال عمر بن الخطاب : يا أيها الناس كتبت عليكم العمرة . وعن أشعث عن ابن سيرين قال : كانوا لا يختلفون أن العمرة فريضة ، وابن سيرين أدرك الصحابة وأكابر التابعين . وعن معمر عن قتادة قال : العمرة واجبة . ومن طريق سفيان الثوري ، ومعمر عن داود بن أبي هند قلت لعطاء : العمرة علينا فريضة كالحج ؟ قال : نعم . وعن يونس بن عبيد عن الحسن ، وابن سيرين جميعا العمرة واجبة - وعن طاوس العمرة واجبة . وعن سعيد بن جبير العمرة واجبة ؛ فقيل له : إن فلانا يقول : ليست واجبة ، فقال : كذب إن الله تعالى يقول : { وأتموا الحج والعمرة لله } . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت مسروقا يقول أمرتم في القرآن بإقامة أربع : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والعمرة - قال أبو إسحاق : وسمعت عبد الله بن شداد يقول : العمرة الحج الأصغر . وعن سعيد بن المسيب إنما كتبت علي عمرة ، وحجة . وعن مجاهد : الحج والعمرة فريضتان ؛ وعن منصور عن مجاهد العمرة الحجة الصغرى ، وعن علي بن الحسين أنه سئل عن العمرة ؟ فقال : ما نعلمها إلا واجبة { وأتموا الحج والعمرة لله } . وعن حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن السراج قال : سألت هشام بن عروة ، ونافعا مولى ابن عمر عن العمرة أواجبة هي ؟ - فقرأ جميعا : { وأتموا الحج والعمرة لله } . ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا مغيرة هو ابن مقسم - عن الشعبي أنه قال في العمرة : هي واجبة - وعن شعبة عن الحكم قال : العمرة واجبة . قال أبو محمد : وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، وجميع أصحابهم . وقال أبو حنيفة ، ومالك : ليست فرضا ، والقوم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف ، وهم قد خالفوا هاهنا عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، ولا يصح عن أحد من الصحابة خلاف لهم في هذا إلا رواية ساقطة من طريق أبي معشر عن إبراهيم أن عبد الله قال : العمرة تطوع ، والصحيح عنه خلاف هذا كما ذكرنا . وعهدنا بهم يعظمون خلاف الجمهور ، وقد خالفوا [ هاهنا ] عطاء ، وطاوسا ، ومجاهدا ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن سيرين ، ومسروقا ، وعلي بن الحسين ، ونافعا مولى ابن عمر ، وهشام بن عروة ، والحكم بن عتيبة ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، وقتادة وما نعلم لمن قال : ليست واجبة سلفا ، من التابعين إلا إبراهيم النخعي وحده ؛ ورواية عن الشعبي قد صح عنه خلافها كما ذكرنا - وتوقف في ذلك حماد بن أبي سليمان . قال أبو محمد : وموه بعضهم بحديثين هما من أعظم الحجة عليهم - : أحدهما : الخبر الثابت في الذي سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام ؟ فأخبره بالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ؛ فقال : هل علي غيرها يا رسول الله ؟ قال : لا إلا أن تطوع . والثاني : خبر ابن عمر { بني الإسلام على خمس } فذكر شهادة التوحيد ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج . قال أبو محمد : وهما - أقوى ، حججنا عليهم لصحة قول رسول الله ﷺ : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } فصح أنها واجبة بوجوب الحج ، وأن فرضها دخل في فرض الحج . وأيضا : فحتى لو لم يأت هذا الخبر لكان أمر النبي ﷺ وورود القرآن بها شرعا زائدا وفرضا واردا مضافا إلى سائر الشرائع المذكورة ؛ وكلهم يرى النذر فرضا ، والجهاد إذا نزل بالمسلمين فرضا ؛ وغسل الجنابة فرضا ، والوضوء فرضا ، وليس ذلك مذكورا في الحديثين المذكورين ولم يروا الحديثين المذكورين حجة في سقوط فرض كل ما ذكرنا ، فوضح تناقضهم وفساد مذهبهم في ذلك - والحمد لله رب العالمين .
812 - مسألة : وأما حج العبد ، والأمة ، فإن أبا حنيفة ، ومالكا ، والشافعي قالوا : لا حج عليه فإن حج لم يجزه ذلك من حجة الإسلام . وقال أحمد بن حنبل : إذا عتق بعرفة أجزأته تلك الحجة ؛ وقال بعض أصحابنا : عليه الحج كالحر ، وقد ذكرنا آنفا عن جابر ، وابن عمر قال أحدهما : ما من مسلم ، وقال الآخر : ما من أحد من خلق الله إلا عليه عمرة وحجة ؛ فقطعا وعما ولم يخصا إنسيا من جني ، ولا حرا من عبد ، ولا حرة من أمة ، ومن ادعى عليهما تخصيص الحر ، والحرة ؛ فقد كذب عليهما ؛ ولا أقل حياء ممن يجعل قول ابن عمر { بني الإسلام على خمس } حجة في إسقاط فرض العمرة - وهو حجة في وجوب فرضها كما ذكرنا - ولا يجعل قوله : ما من أحد من خلق الله إلا عليه : حجة ، وعمرة - : حجة في وجوب الحج على العبد . فإن قيل : لعلهما أرادا إلا العبد ؟ قيل : هذا هو الكذب بعينه أن يريدا إلا العبد ثم لا يبينانه ؛ وأيضا : فلعلهما أرادا إلا المقعد ، وإلا الأعمى ، وإلا الأعور ، وإلا بني تميم ، وإلا أهل إفريقية ، وهذا حق لا خفاء به ؛ ولا يصح مع هذه الدعوى قولة لأحد أبدا . ولعل كل ما أخذوا به من قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، ليس على عمومه ؛ ولكنهم أرادوا تخصيصا لم يبينوه وهذه طريق السوفسطائية نفسها ؛ ولا يجوز أن يقول أحد ما لم يقل إلا ببيان وارد متيقن ينبئ بأنه أراد غير مقتضى قوله . وقد ذكروا هاهنا قول الله تعالى : { تدمر كل شيء بأمر ربها } . { وأوتيت من كل شيء } . و { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } . وكل هذا لا حجة لهم فيه ؛ لأنها إنما دمرت بنص الآية كل شيء بأمر ربها فدمرت ما أمرها ربها بتدميره لا ما لم يأمرها . وما تذر من شيء أتت عليه ؛ فإنما جعلت كالرميم ما أتت عليه لا ما لم تأت عليه بنص الآية . وأوتيت من كل شيء : لا يقتضي إلا بعض الأشياء ؛ لأن " من " للتبعيض ، فمن آتاه الله شيئا ما قل أو كثر فقد آتاه من كل شيء ؛ لأن كل شيء هو العالم كله ؛ فمن أوتي شيئا فقد أوتي من العالم كله - وهذا بين وبالله تعالى التوفيق . وكتب إلي أبو المرجي الحسين بن عبد الله بن زر المصري قال : نا أبو الحسن الرحبي - : نا أبو مسلم الكاتب نا أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المغلس نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا زيد بن الحباب العكلي نا ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال : سألت القاسم بن محمد ، وسليمان بن يسار عن العبد إذا حج بإذن سيده ؟ فقالا جميعا : تجزئ عنه من حجة الإسلام فإذا حج بغير إذن سيده لم تجزه ؛ وبه إلى زيد بن الحباب أنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : إذا حج العبد وهو مخلى فقد أجزأت عنه حجة الإسلام . قال أبو محمد : واحتج من لم ير للعبد حجا بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق قال : سمعت شيخا يحدث أبا إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن رسول الله ﷺ : { أيما صبي حج به أهله ثم مات أجزأ عنه وإن أدرك فعليه الحج ، وأيما مملوك حج به أهله ثم مات أجزأ عنه وإن عتق فعليه الحج } . قال أبو محمد : هذا مرسل ، وعن شيخ لا يدرى اسمه ولا من هو . واحتجوا أيضا بخبر رويناه من طريق عثمان بن خرزاد الأنطاكي نا محمد بن المنهال الضرير نا يزيد بن زريع نا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : { أيما صبي حج لم يبلغ الحنث فعليه حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى } . قال علي : وهذا خبر رواه من هو أوثق من عثمان بن خرزاذ عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة ، ومن هو إن لم يكن فوق يزيد بن زريع لم يكن دونه عن شعبة فأوقفه أحدهما على ابن عباس ، وأسنده الآخر بزيادة : نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن أبي عدي ومحمد بن المنهال ، قال ابن المنهال : نا يزيد بن زريع نا شعبة ، وقال ابن أبي عدي : نا شعبة ، ثم اتفقا عن شعبة عن الأعمش عن أم ظبيان عن ابن عباس قال يزيد بن زريع : عن رسول الله ﷺ قال : { إذا حج الصبي له فهي حجة صبي حتى يعقل ، فإذا عقل فعليه حجة أخرى ، وإذا حج الأعرابي فهي له حجة أعرابي ، فإذا هاجر فعليه حجة أخرى } . وأوقفه ابن أبي عدي على ابن عباس من قوله - وأوقفه أيضا : سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس من قوله . وأوقفه أيضا : أبو السفر ، وعبيد صاحب الحلى ، وقتادة على ابن عباس . وقال أبو محمد : إن كان هذا الخبر حجة في أن لا يجزئ العبد حجه فهو حجة في أن لا يجزئ الأعرابي حجه ولا فرق ؛ وهو قول ابن عباس الثابت عنه كما أوردنا . وكذلك أيضا رويناه من طريق أبي معاوية ، وسفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس من قوله في إعادة الحج على الصبي إذا احتلم ، وعلى العبد إذا عتق ، وعلى الأعرابي إذا هاجر - وهو قول الحسن . كما روينا عن ابن أبي شيبة عن علي بن هاشم عن إسماعيل عن الحسن البصري قال : الصبي إن حج ، والمملوك إن حج ، والأعرابي إن حج ، ثم هاجر الأعرابي ، واحتلم الصبي ، وعتق العبد فعليهم الحج . وقال عطاء : أما الأعرابي فيجزئه حجه ، وأما الصبي ، والمملوك فعليهما الحج . وقال إبراهيم النخعي : لا يجزئ العبد حجه إذا أعتق ، وعليه حجة أخرى ، وأما الأعرابي فيجزئه حجه . وقد روينا أيضا مثل هذا عن الحسن ، وعن الزهري ، وطاوس ، وما نعلم أحدا من التابعين روي عنه في هذا الباب شيء غير ما ذكرناه ، ولا عن الصحابة غير ما أوردنا . قال أبو محمد : فمن أعجب شأنا ممن يدعي الإجماع في هذا وليس معه فيه إلا خمسة من التابعين ، أحدهم مختلف عنه في ذلك ، وقد روينا مثل قولنا عن ثلاثة من التابعين ، وعن اثنين من الصحابة رضي الله عنهم وهم قد خالفوا في هذه المسألة كل قول جاء في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم فلم يجعلوا ما روي عن ستة من الصحابة وأربعة عشر من التابعين في أن العمرة فرض ؛ ولا يصح عن أحد من الصحابة في ذلك خلاف ولا عن أحد من التابعين إلا عن واحد باختلاف فلم يجعلوه إجماعا . قال أبو محمد : لا تخلو رواية عثمان بن خرزاذ ، ومحمد بن بشار عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع من أن تكون صحيحة أو غير صحيحة فإن كانت غير صحيحة فقد كفينا المؤنة فيها ، وإن كانت صحيحة وهو الأظهر فيها - ؛ لأن رواتها ثقات - فإنه خبر منسوخ بلا . شك . برهان ذلك - : أن هذا الخبر بلا شك كان قبل فتح مكة ؛ لأن فيه إعادة الحج على من حج من الأعراب قبل هجرته ، وقد حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبي نا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين قالت { سئل رسول الله ﷺ عن الهجرة فقال : لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا استنفرتم فانفروا } . وبه إلى مسلم نا يحيى وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - قالا جميعا أنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال : { قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية إذا استنفرتم فانفروا } . ورويناه أيضا من طريق ثابتة عن مجاشع ، ومجالد : ابني مسعود السلميين عن رسول الله ﷺ فإذ قد صح بلا شك أن هذا الخبر كان قبل الفتح فقد نسخه ما روينا بالسند المذكور إلى مسلم - : نا زهير بن حرب نا يزيد بن هارون نا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال { خطبنا رسول الله ﷺ فقال : أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال عليه السلام : لو قلت : نعم ، لوجبت ولما استطعتم ، ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه } . قال أبو محمد : كان هذا في حجة الوداع فصار عموما لكل حر ، وعبد ، وأعرابي ، وعجمي [ وبلا شك ولا مرية ] أن العبد قد كان غير مخاطب بالحج في صدر الإسلام ولا الحر أيضا ؛ فكان خبر يزيد بن زريع في أن عليه وعلى الأعرابي حجة الإسلام إذا عتق العبد ، وهاجر الأعرابي ، موافقا للحالة الأولى وبقيا على أنهما غير مخاطبين كما كانا ، وجاء هذا الخبر فدخل في نصه في الخطاب بالحج : العبد ، والأعرابي ؛ لأنهما من الناس فكان بلا شك ناسخا للحالة الأولى ومدخلا لهما في الخطاب بالحج ضرورة ولا بد . ورأيت بعضهم قد احتج فقال : حج النبي ﷺ بأزواجه ، ولم يحج بأم ولده ؟ قال علي : وهذه كذبة شنيعة لا نجدها في شيء من الآثار أبدا وإن التسهل في مثل هذا لعظيم جدا - : قال أبو محمد : عهدنا بهم يقولون في النفي في الزنا ، وفي كثير من السنن مثل : لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ، وفي خبر اليمين مع الشاهد ، هذا زيادة على ما في القرآن ، وهذا تخصيص للقرآن ، وهذا خلاف ما في القرآن ، وكذبوا في كل ذلك ، ثم لم يقولوا في هذا الخبر : هذا تخصيص للقرآن ، وهذا زيادة على ما في القرآن ، وهذا خلاف لما في القرآن . وعهدنا بهم يردون السنن الثابتة بدعوى الاضطراب : كخبر القطع في ربع دينار ، وخبر ابن عمر في الزكاة وغير ذلك ، وكذبوا في ذلك ؛ ثم احتجوا ( في ذلك ) بهذا الخبر الذي لا نعلم خبرا أشد اضطرابا منه . وهم يتركون السنن للقياس : كخبر المصراة ، وخبر القرعة في الستة الأعبد ، وهم هاهنا قد تركوا القياس ؛ لأنهم لا يختلفون أن العبد مخاطب بالإسلام وبالصلاة ، والصيام ، فما الذي منع ( من ) أن يخاطب بالحج ، والعمرة ؛ ثم يقولون : العبد ليس هو من أهل الجمعة فإذا حضرها صار من أهلها وأجزأته ، فهم قالوا هاهنا : إن العبد وإن لم يكن من أهل الحج فإنه إذا حضره صار من أهله وأجزأه وأكثرهم يقول : من نوى تطوعا بحجه أجزأه عن الفرض ، وأقل حال حج العبد : أن يكون تطوعا فهلا أجزأه عندهم ؟ فإن قالوا : هو غير مخاطب ؟ قلنا : قد جمعتم في هذا القول الكذب وخلاف القرآن إذ لم يخص الله تعالى عبدا من حر ، والتناقض ؛ لأنه إن لم يكن مخاطبا به فلا يحل له أن يتكلف ولا يلزمه إحرام ولا شيء من جزاء صيد ولا فدية أذى ولا غير ذلك كما لا يلزم الحائض شيء من أحكام الصلاة والصيام ، إذ ليست مخاطبة به ، وكالصبي الذي لا يلزمه شيء من أمور الحج فإن فعلهما أو فعل به كان له أجر وكان له حج للأثر في ذلك لا لغيره . فهذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة وقول طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف والقياس : نعم ، والخبر الذي به احتجوا ؛ لأنهم خالفوا ما فيه من حكم الأعرابي في الحج وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والسبعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 851 - 861) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 862 - 872)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 873 - 875)
كتاب الحج
862 - مسألة : ومن أدرك مع الإمام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال فلما سلم الإمام ذكر هذا الإنسان أنه على غير طهارة فقد بطل حجه ، لأنه لم يدرك الصلاة مع الإمام ، وقد تقدم ذكرنا لقول رسول الله ﷺ في ذلك وبالله تعالى التوفيق .
863 - مسألة : ومن قتل صيدا متصيدا له ذاكرا لإحرامه عامدا لقتله فقد بطل حجه أو عمرته لبطلان إحرامه وعليه الجزاء مع ذلك لقول الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } الآية ، فحرم الله تعالى عليه أن يقتل الصيد متعمدا في إحرامه فإذا فعل فلم يحرم كما أمر ؛ لأن الله تعالى إنما أمره بإحرام ليس فيه تعمد قتل صيد ، وهذا الإحرام هو بلا شك غير الإحرام الذي فيه تعمد قتل الصيد فلم يأت بالإحرام الذي أمره الله تعالى به . وأيضا فإن الله تعالى قال : { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ولا خلاف في أن تعمد قتل الصيد في الإحرام فسوق ، ومن فسق في حجه فلم يحج كما أمر ، ومن لم يحج كما أمر فلم يحج - : روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا إبراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث بن سعيد التنوري عن الليث عن مجاهد قال : من قتل صيدا متعمدا فقد بطل حجه وعليه الهدي - واعترض بعضهم بأن قال : إن الله تعالى يقول : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } فسماهم : حرما ؟ قال أبو محمد : وهذا إقدام منهم عظيم على تقويل الله تعالى ما لم يقله قط ، وإنما سماهم الله تعالى : حرما ، قبل قتل الصيد ، ونهاهم إذا كانوا حرما عن قتل الصيد ، وما سماهم تعالى قط بعد قتل الصيد : حرما فأف لكل عصبية لمذهب تحدو إلى الكذب على الله تعالى جهارا . وقد قال تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } فأثبت الحج ونهى فيه عن الرفث فيلزمهم على هذا أن لا يبطلوا الحج بالجماع الذي هو الرفث ، وهذه كالتي قبلها ولا فرق : وإنما جعلهم تعالى في الحج ما لم يرفثوا ولا فسقوا . وقال بعضهم : قد أوجب عليه السلام في الضبع كبشا ولم يخبر بأن إحرامه بطل ؟ قلنا لهم : قلتم الباطل ، بل قد أخبر عليه السلام بأن إحرامه قد بطل بقوله عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . وأيضا : فلم يقل عليه السلام قط : إن إحرامه لم يبطل ؛ ولا دل دليل على ذلك أصلا - وبالله تعالى التوفيق .
864 - مسألة : قال أبو محمد : وكل فسوق تعمده المحرم ذاكرا لإحرامه فقد بطل إحرامه ، وحجه ، وعمرته ، لقول الله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } فصح أن من تعمد الفسوق ذاكرا لحجه ، أو عمرته ، فلم يحج كما أمر ، وقد أخبر عليه السلام : { أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة } . وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . ومن عجائب الدنيا : أن الآية وردت كما تلونا فأبطلوا الحج بالرفث ولم يبطلوه بالفسوق ؛ وأعجب من هذا : أن أبا حنيفة قال : من وطئ في إحرامه - ناسيا غير عامد ولا ذاكر لأنه محرم - امرأته التي أباح الله تعالى له وطأها قبل الإحرام أو بعده فقد بطل حجه ؛ فلو تعمد اللياطة بذكر ، أو أن يلاط به ذاكرا لإحرامه فحجه تام وإحرامه مبرور - فأف لهذا القول عدد الرمل ، والحصى ، والتراب ؟ فإن قالوا : إنما يبطل إحرامه بأن يأتي ما حرم في حال الإحرام فقط ، لا بما هو حرام قبل الإحرام ، وفي الإحرام وبعد الإحرام ؟ قلنا : وعن هذا التقسيم الفاسد سألناكم ؟ ولا حجة لكم فيه ، وأنتم تبطلون الصلاة بكل عمل محرم ، قبلها ، وفيها ، وبعدها ، كما تبطلونها بما حرم فيها فقط . وقد نقضتم هذا الأصل الفاسد فلم تبطلوا الإحرام بتعمد لباس ما حرم فيه مما هو حلال قبله وبعده ، فقد أبطلتم هذا التقسيم الفاسد فأين القياس الذي تنتسبون إليه بزعمكم ؟ والله تعالى قد أكد الحج وخصه بتحريم الفسوق فيه ، كما خصه بتحريم الرفث فيه ولا فرق ؟ أخبرنا محمد بن الحسن بن عبد الوارث الرازي نا عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس بمصر نا أبو سعيد بن الأعرابي نا عبيد بن غنام بن حفص بن غياث النخعي نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أحمد بن بشر عن عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي عن أبيه عن زينب بنت جابر الأحمسية { أن رسول الله ﷺ قال لها في امرأة حجت معها مصمتة : قولي لها : تتكلم فإنه لا حج لمن لم يتكلم } . وقد ذكرنا رواية أحمد بن شعيب عن نوح بن حبيب القومسي { أن رسول الله ﷺ . أمر الذي أحرم في جبة أن يجدد إحراما } . قال أبو محمد : ولا سبيل لهم إلى أن يوجدوا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أن الفسوق لا يبطل الإحرام ؛ وأما من فسق غير ذاكر لإحرامه فإنه لا يبطل بذلك إحرامه ؛ لأنه لم يقصد إبطاله ولا أتى بإحرامه بخلاف ما أمر به عامدا - وبالله تعالى التوفيق .
865 - مسألة : والجدال قسمان : قسم في واجب وحق ، وقسم في باطل ؛ فالذي في الحق واجب في الإحرام وغير الإحرام قال تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } . ومن جادل في طلب حق له فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى ، وسعى في إظهار الحق والمنع من الباطل ، وهكذا كل من جادل في حق لغيره أو لله تعالى . والجدل بالباطل وفي الباطل عمدا ذاكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج لقوله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } وبالله تعالى التوفيق .
866 - مسألة : ومن لم يلب في شيء من حجه أو عمرته بطل حجه وعمرته فإن لبى ولو مرة واحدة أجزأه ، والاستكثار أفضل ؛ فلو لبى ولم يرفع صوته فلا حج له ولا عمرة لأمر جبريل رسول الله ﷺ عن الله عز وجل بأن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ، فمن لم يلب أصلا أو لبى ولم يرفع صوته وهو قادر على ذلك فلم يحج ولا اعتمر كما أمره الله تعالى ، وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } ولو أنهم رضي الله عنهم إذ أمرهم عليه السلام برفع أصواتهم بالتلبية أبوا لكانوا عصاة بلا شك ، والمعصية فسوق بلا خلاف ، وقد أعاذهم الله عز وجل من ذلك قال تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } وقد بينا أن الفسوق يبطل الحج - وبالله تعالى التوفيق . ومن لبى مرة واحدة رافعا صوته فقد لبى كما أمره الله تعالى ووقع عليه اسم : ملب وعلى فعله اسم : التلبية ، فقد أدى ما عليه ، ومن أدى ما عليه لم يلزمه فرضا أن يؤدي ما ليس عليه ، والفرائض لا تكون إلا محدودة ليعلم الناس ما يلزمهم منها ، وما لا حد له فليس فرضا عليه - وبالله تعالى التوفيق ؛ لأن في إلزامه تكليف ما لا يطاق - وقد أمننا الله تعالى من ذلك .
867 - مسألة : وجائز للمحرمين من الرجال والنساء أن يتظللوا في المحامل وإذا نزلوا - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابنا . وقال مالك : يتظللون إذا نزلوا ولا يتظللون في المحامل ولا ركابا ، وهذا تقسيم لا دليل على صحته فهو خطأ . فإن قيل : قد نهى عن ذلك ابن عمر ؟ قلنا : نعم ، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وقد صح عن عمر من قدم ثقله من منى فلا حج له ، فما الذي جعل قول ابن عمر في النهي عن التظلل حجة ولم يجعل قول أبيه في النهي عن تقدم الثقل من منى وتشدده في ذلك حجة ؟ وقد صح عن ابن عمر فيمن أفطر في نهار رمضان ناسيا أن صيامه تام ولا قضاء عليه . وصح عنه إباحة تقريد البعير للمحرم . وصح عن ابن عمر من وطئ قبل أن يطوف طواف الإفاضة بطل حجه ولا مخالف له من الصحابة في شيء مما ذكرنا إلا ابن عباس فإنه رأى حج من وطئ بعد الوقوف بعرفة تاما فخالفوه ؛ فما الذي جعل قول ابن عمر في بعض المواضع حجة ، وفي بعضها ليس حجة ؟ روينا من طريق مسلم نا سلمة بن شبيب نا الحسن بن أعين نا معقل عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين قال : سمعت جدتي أم الحصين تقول { حججت مع رسول الله ﷺ حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة انصرف وهو على راحلته ، ومعه بلال ، وأسامة ، أحدهما يقود راحلته ، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله ﷺ من الشمس } . ومن طريق مسلم حدثني أحمد بن حنبل نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته قالت { حججت مع رسول الله ﷺ حجة الوداع فرأيت أسامة ، وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله ﷺ والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة } . فهذا هو الحجة لا ما سواه ، وقد خالف ابن عمر في هذا القول بلالا وأسامة - وهو قول عطاء ، والأسود ، وغيرهما .
868 - مسألة : والكلام مع الناس في الطواف جائز ، وذكر الله أفضل ؛ لأن النص لم يأت بمنع من ذلك ، وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } فما لم يفصل تحريمه فهو حلال - وبالله تعالى التوفيق .
869 - مسألة : ولا يحل لرجل ، ولا لامرأة ، أن يتزوج أو تتزوج ، ولا أن يزوج الرجل غيره من وليته ، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر ويدخل وقت - رمي جمرة العقبة ، ويفسخ النكاح قبل الوقت المذكور ، كان فيه دخول وطول مدة وولادة ، أو لم يكن ؛ فإذا دخل الوقت المذكور حل لهما النكاح والإنكاح ؛ وله أن يراجع زوجته المطلقة ما دامت في العدة فقط ، ولها أن يراجعها زوجها كذلك أيضا ما دامت في العدة ؛ وله أن يبتاع الجواري للوطء ولا يطأ - : روينا من طريق مالك عن نافع عن نبيه بن وهب : أن أبان بن عثمان بن عفان قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله ﷺ : { لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب } وهذا لفظ يقتضي كل ما قلناه . والمحرم اسم يقع على الجنس ويعم الرجال والنساء ، ومراجعة المرأة [ المطلقة ] في عدتها لا يسمى نكاحا ؛ لأنها امرأته ، كما كانت ترثه ويرثها وتلزمه نفقتها وإسكانها ، ولا صداق في ذلك ، ولا يراعى إذنها ، ولا حكم للولي في ذلك ، وأما بعد انقضاء العدة فهو نكاح لا مراجعة ، ولا يكون إلا برضاهما وبصداق وولي . وابتياع الجواري للوطء لا يسمى نكاحا ، وإنما حرم الله تعالى ما ذكرنا من النكاح والإنكاح والخطبة على المحرم . والمحرم هو الذي يحرم عليه لباس القمص ، والعمائم ، والبرانس ، وحلق رأسه إلا لضرورة بالنص والإجماع ؛ فإذا صار في حال يجوز له كل ذلك فليس محرما بلا شك ، فقد تم إحرامه ، وإذا لم يكن محرما حل له النكاح والإنكاح والخطبة . وبدخول وقت رمي الجمرة يحل له كل ما ذكرنا ، رمى أو لم يرم ، على ما ذكرنا قبل من إباحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقديم الحلق على - الرمي . فإن نكح المحرم أو المحرمة فسخ ، لقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وكذلك إن أنكح من لا نكاح لها إلا بإنكاحه فهو نكاح مفسوخ لما ذكرنا ؛ ولفساد الإنكاح الذي لا يصح النكاح إلا به ، ولا صحة لما لا يصح إلا بما يصح . وأما الخطبة فإن خطب فهو عاص ولا يفسد النكاح ؛ لأن الخطبة لا متعلق لها بالنكاح ، وقد يخطب ولا يتم النكاح إذا رد الخاطب ، وقد يتم نكاح بلا خطبة أصلا ، لكن بأن يقول لها : انكحيني نفسك ؟ فتقول : نعم قد فعلت ، ويقول هو : قد رضيت ويأذن الولي في ذلك وبالله تعالى التوفيق . واختلف السلف في هذا فأجاز نكاح المحرم طائفة صح ذلك عن ابن عباس ، وروي عن ابن مسعود ، ومعاذ - وقال به عطاء ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي . وبه يقول أبو حنيفة ، وسفيان ، وصح عن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح . وصح عن ابن عمر من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عنه قال : المحرم لا ينكح ولا ينكح لا يخطب على نفسه ولا على من سواه . وروينا عن علي بن أبي طالب لا يجوز نكاح المحرم إن نكح نزعنا منه امرأته ؛ وهو قول سعيد بن المسيب - وبه يقول مالك ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهم . واحتج من رأى نكاحه جائزا بما رويناه من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس قال { تزوج رسول الله ﷺ وهو محرم } . وبما رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن مجاهد عن ابن عباس قال { إن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهما محرمان } وكذلك رويناه أيضا من طريق جابر بن زيد ، وعكرمة عن ابن عباس . قال علي : فعارضهم الآخرون بأن ذكروا ما رويناه من طريق حماد بن سلمة نا حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن زيد بن الأصم ابن أخت ميمونة أم المؤمنين { عن ميمونة أم المؤمنين قالت : تزوجني رسول الله ﷺ ونحن حلالان بسرف } . قال أبو محمد : فقال من أجاز نكاح المحرم : لا يعدل يزيد بن الأصم أعرابي بوال على عقبيه بعبد الله بن عباس - وقالوا : قد يخفى على ميمونة كون رسول الله ﷺ محرما ، فالمخبر عن كونه عليه السلام محرما زائد علما ؛ وقالوا : خبر ابن عباس وارد بحكم زائد فهو أولى ؛ وقالوا في خبر عثمان { لا ينكح المحرم ولا ينكح } : إنما معناه لا يوطئ غيره ولا يطأ ؛ ثم اعترضوا بوساوس من القياس عورضوا بمثلها لا فائدة في ذكرها ؛ لأنها حماقات ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما شغبوا به وكله ليس بشيء ؛ أما تأويلهم في خبر عثمان رضي الله عنه أن معناه لا يطأ ولا يوطئ : فباطل وتخصيص للخبر بالدعوى الكاذبة على رسول الله ﷺ إذ صرفوا كلامه عليه السلام إلى بعض ما يقتضيه دون بعض وهذا لا يجوز ، قال تعالى : { يحرفون الكلم عن مواضعه } . ويبين ضلال هذا التأويل قوله عليه السلام { ولا يخطب } فصح أنه عليه السلام أراد النكاح الذي هو العقد ؛ ولا يجوز أن يخص هذا اللفظ بلا نص بين . وأما ترجيحهم خبر ابن عباس على خبر ميمونة بقولهم : لا يقرن يزيد إلى ابن عباس فنعم والله لا نقرنه إليه ولا كرامة ، وهذا تمويه منهم إنما روى يزيد عن ميمونة ، وروى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس ، فليسمعوا الآن إلى الحق - : نحن نقول : لا نقرن ابن عباس صبيا من صبيان أصحاب رسول الله ﷺ إلى ميمونة المتكئة مع رسول الله ﷺ على فراش واحد في الرفيق الأعلى ، القديمة الإسلام والصحبة ، ولكن نقرن يزيد بن الأصم إلى أصحاب ابن عباس ، ولا يقطع بفضلهم عليه . وأما قولهم : قد يخفى على ميمونة إحرام رسول الله ﷺ إذ تزوجها فكلام سخيف ، ويعارضون بأن يقال لهم : قد يخفى على ابن عباس إحلال رسول الله ﷺ من إحرامه ، فالمخبرة عن كونه قد أحل زائدة علما ؛ فحصلنا على : قد يخفى وقد لا يخفى ؟ وأما قولهم : خبر ابن عباس وارد بحكم زائد فليس كذلك ، بل خبر عثمان هو الوارد بالحكم الزائد على ما نبين إن شاء الله تعالى ؛ فبطل كل ما شغبوا به ، فبقي أن نرجح خبر عثمان ، وخبر ميمونة على خبر ابن عباس رضي الله عنهم جميعهم . فنقول وبالله تعالى التوفيق - : خبر يزيد عن ميمونة هو الحق ، وقول ابن عباس وهم منه بلا شك لوجوه بينة - : أولها : أنها رضي الله عنها أعلم بنفسها من ابن عباس لاختصاصها بتلك القصة دونه ؛ هذا ما لا يشك فيه أحد . وثانيها : أنها رضي الله عنها كانت حينئذ امرأة كاملة وكان ابن عباس رضي الله عنه يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر فبين الضبطين فرق لا يخفى . والثالث : أنه عليه السلام إنما تزوجها في عمرة القضاء ، هذا ما لا يختلف فيه اثنان ومكة يومئذ دار حرب ، وإنما هادنهم عليه السلام على أن يدخلها معتمرا ويبقى بها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج ، فأتى من المدينة محرما بعمرة ولم يقدم شيئا ، إذ دخل على الطواف والسعي وتم إحرامه في الوقت ، ولم يختلف أحد في أنه إنما تزوجها بمكة حاضرا بها لا بالمدينة . فصح أنه بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه لا في حال طوافه وسعيه فارتفع الإشكال جملة ، وبقي خبر ميمونة ، وخبر عثمان ، لا معارض لهما والحمد لله رب العالمين . ثم لو صح خبر ابن عباس بيقين ولم يصح خبر ميمونة لكان خبر عثمان هو الزائد الوارد بحكم لا يحل خلافه ، لأن النكاح مذ أباحه الله تعالى حلال في كل حال للصائم ، والمحرم ، والمجاهد ، والمعتكف ، وغيرهم ، هذا ما لا شك فيه . ثم لما أمر عليه السلام بأن لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب كان ذلك بلا شك ناسخا للحال المتقدمة من الإباحة ، لا يمكن غير هذا أصلا ، وكان يكون خبر ابن عباس منسوخا بلا شك لموافقته للحالة المنسوخة بيقين . ومن ادعى في حكم قد صح نسخه وبطلانه أنه قد عاد حكمه وبطل نسخه فقد كذب أو قطع بالظن إن لم يحقق ذلك ، وكلاهما لا يحل القول به ، ولا يجوز ترك اليقين للظنون . قال أبو محمد : وقالوا : لما حل له شراء جارية للوطء ولا يطأ : حل له نكاح زوجة للوطء ولا يطأ ؟ فقلنا لهم : لو استعملتم هذا في قولكم : لا يكون صداق يستباح به الفرج أقل من عشرة دراهم ، فهلا قلتم : كما حل له استباحة فرج جارية محرمة بأن يبتاعها بدرهم حل له فرج زوجة محرمة بأن يصدقها درهما ؟ والقياسات لا يعارض بها الحق ؛ لأن القياس كله باطل . وقالوا : كما جاز له أن يراجع المطلقة في عدتها جاز له ابتداء النكاح ؟ فقلنا : هذا باطل ؛ لأنه لو كان قياس النكاح على المراجعة حقا لوجب أن يقولوا : كما جازت المراجعة بغير إذنها ولا إذن وليها ، وبغير صداق : وجب أن يجوز النكاح بغير إذنها ولا إذن وليها وبغير صداق ، وهم لا يقولونه ، وهذه صفة قياساتهم السخيفة ؟ وأما المالكيون فإنهم أجازوا نكاح الموهوبة إذا ذكر فيه صداق ، ومنعوا من نكاح المحرم ، وهم لا يزالون يقولون في الأوامر : هذا ندب . كقولهم في قوله عليه السلام { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه } إنما هو ندب . فهلا قالوا : هاهنا في قوله عليه السلام : { لا ينكح المحرم ولا ينكح } : هذا ندب ؟ ولكنهم إنما يجرون على ما سنح - وبالله تعالى التوفيق .
870 - مسألة : ويستحب الإكثار من شرب ماء زمزم ، وأن يستقي بيده منها ، وأن يشرب من نبيذ السقاية - : لما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن راهويه عن حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله فذكر حديث حجة النبي ﷺ قال : { ثم ركب رسول الله ﷺ فأفاض بالبيت فصلى بمكة الظهر وأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه } . ومن طريق مسلم نا محمد بن المنهال الضرير نا يزيد بن زريع عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني أنه سمع ابن عباس يقول : { قدم النبي ﷺ على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال : أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا ، قال ابن عباس : فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله ﷺ } . ومن طريق عبد الرزاق نا معمر وسفيان بن عيينة { عن عبد الله بن طاوس عن أبيه فذكر أمر شرب النبي ﷺ من ماء زمزم ومن شراب سقاية العباس النبيذ المذكور فقال طاوس : هو من تمام الحج } . قال أبو محمد : قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
871 - مسألة : ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو مزدلفة في المغرب والعشاء ففرض عليه أن يجمع بينهما كما لو صلاهما مع الإمام بعرفة . فلو أدرك الإمام في العصر لزمه أن يدخل معه وينوي بها الظهر ولا بد ، لا يجزيه غير ذلك . فإذا سلم الإمام أتم صلاته إن كان بقي عليه منها شيء ، ثم صلى العصر إن أمكنه في جماعة وإلا فوحده . وكذلك لو وجد الإمام بمزدلفة في العشاء الآخرة فليدخل معه ولينو بها المغرب ولا بد ، لا يجزئه غير ذلك . أما الجمع فإنه حكم هذه الصلوات هنالك في ذلك اليوم ، وتلك الليلة بالنص ، والإجماع فلا يجوز له خلاف ذلك . وأما تقديم الظهر والمغرب فلأنهما قبل العصر والعتمة ولا يحل تقديم مؤخرة منهما ولا تأخير مقدمة ، وقد ذكرنا في كتاب الصلاة جواز اختلاف نية الإمام والمأموم . فإن أدركها من أولها فليقعد في الثالثة ولا يقم حتى يقع الإمام ، فإذا سلم الإمام سلم معه ، وإن أدرك معه ثلاث ركعات فليقم في الثانية بقيام الإمام ولا بد ، وليقعد في الأولى بقعوده وليسلم بسلامه . أما قعوده في الثالثة ، فلأنه لو قام لصلى المغرب أربعا عامدا ، وهذا حرام وفساد للصلاة وكفر ممن دان به . وأما إن أدرك ثلاثا فقط فقعوده في الأولى لقول النبي ﷺ { إنما جعل الإمام ليؤتم به } ولا خلاف في نص ولا بين الأمة في أن المأموم إن وجد الإمام جالسا جلس معه ، وكذلك من أدرك ركعة من أي الصلوات كانت فإنه يجلس ولو كان منفردا أو إماما لقام . وأما قيامه من الثانية ، فللنص الوارد والإجماع في أن الإمام إن قام من اثنتين ساهيا ففرض على المأمومين اتباعه في ذلك . هذا كله إن أتم الإمام أو كان المأموم ممن يتم وإلا فلا . فإذا أتم صلاة المغرب صلى العتمة في جماعة أو وحده إن لم يجد جماعة وبالله تعالى التوفيق .
872 - مسألة : ومن كان في طواف فرض أو تطوع فأقيمت الصلاة أو عرضت له صلاة جنازة ، أو عرض له بول ، أو حاجة ، فليصل وليخرج لحاجته ، ثم ليبن على طوافه ويتمه . وكذلك من عرض له شيء مما ذكرنا في سعيه بين الصفا والمروة ولا فرق - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي . وقال مالك : أما في الطواف الواجب فيبتدئ ولا بد إلا في الصلاة المكتوبة فقط ، فإنه يصليها ثم يبني ؛ وأما في طواف التطوع فيبني في كل ذلك . قال أبو محمد : هذا تقسيم لا برهان على صحته أصلا ، ولم يأت نص ولا إجماع على وجوب ابتداء الطواف والسعي إن قطع لحاجة ، ولا بإبطال ما طاف من أشواطه وسعى ، وقد قال الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } وإنما افترض الطواف والسعي سبعا ، ولم يأت نص بوجوب اتصاله وإنما هو عمل من النبي ﷺ فقط ، وأما من فعل ذلك عبثا فلا عمل لعابث ولا يجزئه - : نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل الحميري نا سفيان الثوري نا جميل بن زيد قال : رأيت ابن عمر طاف في يوم حار ثلاثة أطواف ، ثم أصابه حر فدخل الحجر فجلس ، ثم خرج فبنى على ما كان طاف . وعن عطاء : لا بأس بأن يجلس الإنسان في الطواف ليستريح وفيمن عرضت له حاجة في طوافه ليذهب وليقض حاجته ، ثم يبني على ما كان طاف - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والستون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 834 - 835) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835)
كتاب الحج
وأما قولنا : من دفع من عرفة قبل غروب الشمس فحجه تام ولا شيء عليه ، ووجوب فرض الوقوف بعرفة كما ذكرنا - : فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم أنا وكيع نا سفيان هو الثوري - عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال { شهدت رسول الله ﷺ بعرفة - وسئل عن الحج - ؟ فقال : الحج عرفة فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد أدرك } . وبه إلى أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود الجحدري نا خالد هو ابن الحارث - عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني { عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال : أتيت رسول الله ﷺ بجمع فقلت له : هل لي من حج ؟ فقال : من صلى هذه الصلاة معنا ووقف هذا الموقف حتى يفيض ، وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه } . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن أفاض منها نهارا فحجه تام وعليه دم . وقال مالك : إن لم يقف بها ليلا فلا حج له ، واحتج له من قلده بأن رسول الله ﷺ وقف بها في أول الليل ؟ فقلنا : ووقف نهارا ، فأبطلوا حج من لم يقف بها نهارا . فقالوا : قد قال عليه السلام ، { من أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك } ؟ فقلنا : وقد قال عليه السلام : { وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد أدرك } فبلحوا . فأتوا بنادرة ، وهي أنهم قالوا : معنى قوله " ليلا أو نهارا " إنما هو ليلا ونهارا كما قال - تعالى - : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } ؟ فقلنا : هذا الكذب على الله - تعالى - وعلى رسوله ﷺ صراحا ؛ ولو كان كما تأولتموه لما كان عليه السلام منهيا عن أن يطيع منهم آثما إلا حتى يكون كفورا ؛ وهذا لا يقوله مسلم ، بل هو عليه السلام منهي عن أن يطيع منهم الآثم ، والكفور ، وإن لم يكن الآثم كفورا . ثم لو صح لكم في الخبر تأويلكم الفاسد لكان لا يصح لأحد حج حتى يقف بها نهارا وليلا معا ، وهذا خلاف قولكم مع أن النبي ﷺ لم يقف بها إلا نهارا ودفع منها إثر تمام غروب القرص في أول الليل ، والدفع لا يسمى وقوفا ، بل هو زوال عنها . وذكروا خبرا فاسدا رويناه من طريق إبراهيم بن حماد عن أبي عون محمد بن عمرو بن عون عن داود بن جبير عن أبي هاشم رحمة بن مصعب الفراء الواسطي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله ﷺ { من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج } . قال أبو محمد : هذا عورة لأن أبا عون بن عمرو ، ورحمة بن مصعب ، وداود بن جبير مجهولون لا يدرى من هم وابن أبي ليلى سيئ الحفظ ؛ وعلى هذا الخبر يبطل حج النبي ﷺ لأنه لم يقف بعرفة بليل إنما دفع منها في أول أوقات الليل . ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا ابن أبي ليلى نا عطاء يرفع الحديث قال { من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج } وهذا مرسل ، ومع ذلك فليس فيه بيان جلي بأنه عن رسول الله ﷺ وابن أبي ليلى سيئ الحفظ ، وهذا مما ترك فيه الحنفيون المرسل . وخبر من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي ، نا ابن أبي نافع عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال : { لا تدفعوا من عرفة ومزدلفة حتى يدفع الإمام } . وهذا لا شيء ؛ لوجوه - : أحدها : أنه مرسل ؛ والثاني : أن فيه ثلاثة ضعفاء في نسق وثالثها : أنه ليس فيه إيجاب الوقوف بعرفة ليلا أصلا ؛ والرابع : أنه مخالف لقولهم ؛ لأنهم لا يبطلون حج من دفع قبل الإمام من عرفة ، ولا من مزدلفة . ومنها : خبر من طريق عبد الملك بن حبيب عن أبي معاوية المدني عن يزيد بن عياض هو ابن جعدبة - عن عمرو بن شعيب أن رسول الله ﷺ قال : { من أجاز بطن عرنة قبل أن تغيب الشمس فلا حج له } ؟ وهذه بلية ، لأن عبد الملك ساقط وأبا معاوية مجهول ؛ ويزيد كذاب ثم هو مرسل ؛ ثم إنه مخالف لقولهم ؛ لأن بطن عرنة من الحرم - وهو غير عرفة - فليس فيه وجوب الوقوف ليلا بعرفة أصلا . وخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن سعيد بن جبير قال : قال رسول الله ﷺ : { إنا لا ندفع حتى تغرب الشمس - يعني من عرفات - وإن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ، وإنا ندفع قبل ذلك ، هدينا مخالف لهديهم } ؟ قال أبو محمد : وهذا لا شيء ؛ لأنه مرسل ، ثم هو عن رجل لم يسم ، ثم هم مخالفون له ؛ لأنهم لا يبطلون حج من دفع من جمع بعد طلوع الشمس أو من لم يقف بها أصلا . قال أبو محمد : وما ندري من أين وقع إيجاب الوقوف بعرفة ليلا ، وإبطال الحج بتركه ؟ وهم لا يبطلون الحج بمخالفة عمل النبي ﷺ كله في عرفة ، وفي الدفع منها ، وفي مزدلفة - : فإن ذكروا ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر قال : من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك عرفات بليل فقد فاته الحج ؟ قلنا : قد صح عن ابن عمر أنه لا يكون هديا إلا ما قلد وأشعر فخالفتموه ، وصح عن عمر : من قدم ثقله من منى بطل حجه فخالفتموه ؛ فمن أين صار ابن عمر هاهنا حجة ، ولم يصر حجة هو ولا أبوه فيما ذكرنا عنهما مما استسهلتم خلافهما فيه ؛ وما نعلم لمالك في هذا القول حجة أصلا ؟ وأما إيجاب الدم في ذلك فخطأ ؛ لأنه لا يخلو أن يكون من دفع من عرفة قبل غروب الشمس فعل ما أبيح له أو ما لم يبح له ؛ فإن كان فعل ما أبيح له فلا شيء عليه ؛ وإن كان فعل ما لم يبح له فحجه باطل ولا مزيد . قال أبو محمد : روينا من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال : ملاك الحج الذي يصير إليه ليلة عرفة من أدركها قبل الفجر ليلا أو نهارا فقد أدرك الحج .
وأما استحبابنا للمتمتع أن يهل بالحج يوم التروية في أخذه في النهوض إلى منى فلما ذكرنا من فعل أصحاب النبي ﷺ بحضرته ؛ واختار مالك أن يهل المتمتع ، وأهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة ، واحتجوا برواية عن عمر أنه قال : يا أهل مكة يقدم الناس شعثا وأنتم مدهنون فإذا رأيتم الهلال فأهلوا ؛ فإن هذه رواية لا نعلمها تتصل إلى عمر ؛ إنما نذكرها من طريق القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي عن عمر ؛ وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر بأعوام ؛ ثم لو صح عنه لكان الثابت المتصل من فعل الصحابة بحضرة النبي ﷺ أولى من رأي رآه عمر ؟ وقد روينا عن سعيد بن منصور نا هشيم نا ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت ابن عمر في المسجد الحرام وقد أهل بالحج إذ رأى هلال ذي الحجة عاما ثم عاما آخر ؛ فلما كان في العام الثالث قيل له : قد رئي هلال ذي الحجة ؟ فقال : ما أنا إلا كرجل من أصحابي ، وما أراني أفعل إلا كما فعلوا ، فأمسك إلى يوم التروية ، ثم أحرم من البطحاء حين استوت به راحلته بالحج . ومن طريق سعيد بن منصور عن عتاب بن أبي بشر عن خصيف عن مجاهد عن ابن عمر : أنه أحرم عاما من المسجد حين أهل هلال ذي الحجة ثم عاما آخر كذلك ، فلما كان العام الثالث لم يحرم حتى كان يوم التروية قال مجاهد : فسألته عن ذلك ؟ فقال : إني كنت امرأ من أهل المدينة فأحببت أن أهل بإهلالهم ثم ذهبت أنظر فإذا أنا أدخل على أهلي وأنا محرم وأخرج وأنا محرم ، فإذا ذلك لا يصلح ؛ لأن المحرم إذا أحرم خرج لوجهه . قال مجاهد : فقلت لابن عمر : فأي ذلك ترى ؟ قال : يوم التروية . فهذا ابن عمر قد أخبر أن فعل الصحابة أن يهل المتمتع وأهل مكة يوم التروية ، ورغب عن رأي أبيه لو ثبت أيضا عنه . فإن قالوا : إنما اخترنا له ذلك ليكون أشعث ؟ قلنا : ما علمنا الله - تعالى - ولا رسوله ﷺ اختيار الشعث للمحرم ؟ فإن اخترتموه فأمروهم بالإهلال من أول شوال فهو أتم للشعث ؟
وأما قولنا : أن يؤذن المؤذن إذا أتم الإمام الخطبة بعرفة ، ثم يقيم لصلاة الظهر ، ثم يقيم للعصر ولا يؤذن لها ؛ فلما ذكرناه في الخبر عن رسول الله ﷺ آنفا وهو قول أبي سليمان ، وأحد قولي مالك ؛ وقال مالك مرة أخرى : إن شاء أذن ، والإمام في الخطبة ، وإن شاء إذا أتم . وقال أبو حنيفة ، وأبو ثور : يؤذن إذا قعد الإمام على المنبر قبل أن يأخذ في الخطبة - وقال أبو يوسف : يؤذن قبل خروج الإمام ؛ ثم رجع فقال : يؤذن بعد صدر من الخطبة ، وذكر ذلك عن مؤذن من أهل مكة . وقال الشافعي : يأخذ في الأذان إذا أتم الإمام الخطبة الأولى . قال أبو محمد : وهذه أقوال لا حجة لصحة شيء منها ؟ فإن قالوا : قسنا ذلك على الجمعة ؟ قلنا : القياس باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه ليس قياس الأذان بعرفة على الأذان بالجمعة بأولى من القياس للجمعة على ما روي في عرفة لا سيما وأنتم تقولون : لا جمعة بعرفة ؟ فإن قيل : فأنتم تقولون : إن الجمعة بعرفة كما هي في غيرها من البلاد ؟ قلنا : نعم ، وليس ذلك بمبيح مخالفة ما صح عن النبي ﷺ في صفة الأذان فيها بخلافه في سائر البلاد كما كان بعرفة حكم الصلاة في الجمع بين الظهر ، والعصر ، بخلاف ذلك في سائر البلاد ، ولو قلنا : إن هذه الأقوال خلاف لإجماع الصحابة رضي الله عنهم كلهم في القول بذلك لصدقنا .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والعشرون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677)
كتاب الزكاة
واختلفوا فيما زاد على العشرين ومائة ؟ فقالت طائفة : حقتان إلى أن تصير ثلاثين ومائة ؟ وقالت طائفة : ثلاث بنات لبون ولا بد إلى أن تصير ثلاثين ومائة فيجب فيها حقة وبنتا لبون ثم كلما زادت عشرة كان في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وابن القاسم صاحب مالك ؟ وقالت طائفة : أي الصفتين أدى أجزأه ، وهو قول مالك إلى أن تبلغ مائة وثلاثين ، فيجب فيها حقة وبنتا لبون ، وهكذا كلما زادت عشرا ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ؟ وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : ليس فيما بعد العشرين ومائة إلا حقتان فقط ؛ حتى تتم خمسا وعشرين ومائة فيجب فيها حقتان وشاة إلى ثلاثين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وشاتان ، إلى خمس وثلاثين ومائة ، ففيها حقتان وثلاث شياه ؛ إلى أربعين ومائة ، ففيها حقتان وأربع شياه ؛ إلى خمس وأربعين ومائة ؛ فإذا بلغتها ففيها حقتان وبنت مخاض ، إلى خمسين ومائة ، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق ، وهكذا أبدا ، إذا زادت على الخمسين ومائة خمسا ففيها ثلاث حقاق وشاة ، ثم كما ذكرنا ؛ في كل خمس شاة مع الثلاث حقاق ، إلى أن تصير خمسا وسبعين ومائة ، فيجب فيها بنت مخاض وثلاث حقاق ؛ إلى ست وثمانين ومائة ؛ فإذا بلغتها كانت فيها ثلاث حقاق وبنت لبون ، إلى ست وتسعين ومائة ؛ فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق ، وكذلك إلى أن تكون مائتين وخمسا ؛ فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق وشاة ؛ وهكذا أبدا كلما تكون الزيادة خمسين زاد حقة ، ثم استأنف تزكيتها بالغنم ، ثم ببنت المخاض ثم ببنت اللبون ثم الحقة ؟ قال أبو محمد : فأما من رأى الحقتين فيما زاد على العشرين والمائة إلى أن تصير ثلاثين ومائة فإنهم احتجوا بأن ذكروا ما رويناه من طريق أبي عبيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن " إن في كتاب النبي ﷺ وفي كتاب عمر في الصدقة : أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشر شيء حتى تبلغ ثلاثين ومائة " . قال علي : وهذا مرسل ، ولا حجة فيه ، ومحمد بن عبد الرحمن مجهول ونحن نأتيهم بما هو خير من هذا ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب - ثنا عبد الله بن المبارك ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال . هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، قال : أقرأني إياها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر وذكر الحديث . وفيه { في الإبل إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى ثلاثين ومائة ، فإذا بلغتها بنتا لبون وحقة } وذكر باقي الحديث . وهذا خير مما أتونا به ، وهذا هو كتاب عمر حقا ؛ لا تلك المكذوبة . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتب في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب حين أمر على المدينة ، وأمر عماله بالعمل بها ، ثم ذكر نحو هذا الخبر الذي أوردنا ؟ وقالوا أيضا : قد جاء في أحاديث " في كل خمسين حقة " ؟ قلنا : نعم ، وهي أحاديث مرسلة من طريق الشعبي وغيره ، وقد أوردنا عن أبي بكر عن رسول الله ﷺ { في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون } . وكذلك صح أيضا من طريق ابن عمر ، كما روينا بالسند المذكور إلى أبي داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة ، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، وقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه : في خمس من الإبل شاة } وذكر الحديث . وفيه { ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة ، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } . وهذا هو الذي لا يصح غيره ، ولو صحت تلك الأخبار التي ليس فيها إلا { في كل خمسين حقة } لكان هذان الخبران الصحيحان زائدين عليها حكما في أن في كل أربعين بنت لبون ؛ فتلك غير مخالفة لهذين الخبرين ، وهذان الخبران زائدان على تلك ؛ فلا يحل خلافهما ، والحجة الثانية أنهم قالوا : لما وجب في العشرين ومائة حقتان ، ثم وجدنا الزيادة عليها لا حكم لها في نفسها ، إذ كل أربعين قبلها ففيها بنت لبون على قولكم ؛ إذ تجعلون فيما زاد على عشرين ومائة ثلاث بنات لبون - : فإذا لا حكم لها في نفسها فأحرى أن لا يكون لها - حكم في غيرها ، فكل زيادة قبلها تنقل الفرض فلها حصة من تلك الزيادة وهذه بخلاف ذلك ؟ قال أبو محمد : هذا بكلام الممرورين ، أو بكلام المستخفين بالدين أشبه منه بكلام من يعقل ويتكلم في العلم لأنه كلام لم يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ، ولا رواية فاسدة ، ولا أثر عن صاحب ولا تابع ، ولا قياس على شيء من ذلك ، ولا رأي له وجه يفهم ثم يقال : قد كذبت في وسواسك هذا أيضا ؛ لأن كل أربعين في المائة والعشرين لا تجب فيها بنت لبون أصلا ، ولا تجب فيها مجتمعة ثلاث بنات لبون ، وإنما فيها حقتان فقط ، حتى إذا زادت على العشرين ومائة واحدة فصاعدا إلى أن تتم ثلاثين ومائة فحينئذ وجب في كل أربعين في المائة والعشرين مع الزيادة التي زادت ثلاث بنات لبون فتلك الزيادة غيرت فرض ما قبلها ، وصار لها أيضا في نفسها حصة من تلك الزيادة الحادثة ، وهذا ظاهر لا خفاء به ؟ وقد صح قوله عليه السلام : { في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } فيما زاد على العشرين ومائة ، فوجب في المائة حينئذ حقتان ولم يجز تعطيل النيف والعشرين الزائدة فلا تزكى ، وحكمها في الزكاة منصوص عليه ، وممكن إخراجها فيه ، فوجبت الثلاث بنات لبون ، وبطل ما موهوا به وأما قول مالك في التخيير بين إخراج حقتين أو ثلاث بنات ، لبون فخطأ ؛ لأنه تضييع للنيف والعشرين الزائدة على المائة ؛ فلا تخرج زكاتها وهذا لا يجوز ؟ . وأيضا : فإن رسول الله ﷺ فرق بين حكم العشرين ومائة فجعل فيها حقتين . بنص كلامه في حديث أنس عن أبي بكر الذي أوردناه في أول كلامنا في زكاة الإبل وبين حكم ما زاد على ذلك ، فلم يجز أن يسوى بين حكمين فرق رسول الله ﷺ بينهما ولا نعلم أحدا قبل مالك قال بهذا التخيير ؟ . وقولنا في هذا هو قول الزهري وآل عمر بن الخطاب ، وغيرهم ، وهو قول عمر بن عبد العزيز كما أوردنا قبل ؟ وأما قول أبي حنيفة : فإنه احتج أصحابه له بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة : أنه أخذ من قيس بن سعد كتابا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله ﷺ كتب لجده عمرو بن حزم ذكر ما يخرج من فرائض الإبل : { إذا كانت خمسة وعشرين ففيها ابنة مخاض ، إلى أن تبلغ خمسة وثلاثين ، فإن لم توجد فابن لبون ذكر فإن كانت أكثر من ذلك ففيها بنت لبون ، إلى أن تبلغ خمسة وأربعين ، فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقة ، إلى أن تبلغ ستين ؛ فإن كانت أكثر منها ففيها جذعة ، إلى أن تبلغ خمسة وسبعين ، فإذا كانت أكثر من ذلك ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين ؛ فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقتان ، إلى عشرين ومائة ، فإن كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة ؛ فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل وما كان أقل من خمسة وعشرين ففيها في كل خمس ذود شاة ليس فيها ذكر ولا هرمة ولا ذات عوار من الغنم } ثم خرج إلى ذكر زكاة الغنم ؟ وبما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : { أن النبي ﷺ كتب لهم كتابا فيه وفي الإبل إذا كانت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض في الإبل فابن لبون ذكر إلى أن ذكر التسعين فإذا كانت أكثر من ذلك إلى عشرين ومائة ففيها حقتان ، فإذا كانت أكثر من ذلك فاعدد في كل خمسين حقة ، وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة } . وذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب في الإبل قال : فإذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الأول ، وتستأنف لها الفرائض ؟ قال أبو محمد : وبقولهم يقول إبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ؟ قالوا : وحديث علي هذا مسند ؟ واحتجوا بما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا [ الدبري ] ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة أخبرني محمد بن سوقة قال أخبرني أبو يعلى هو منذر الثوري - عن محمد بن الحنفية قال : جاء ناس إلى أبي فشكوا : سعاة عثمان بن عفان ؛ فقال أبي : أي بني خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان وقل له : إن ناسا من الناس شكوا سعاتك ، وهذا أمر رسول الله ﷺ في الفرائض : فأمرهم فليأخذوا به ؟ قال : فانطلقت بالكتاب حتى دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقلت : إن أبي أرسلني إليك ، وذكر أن ناسا من الناس شكوا سعاتك ، وهذا أمر رسول الله ﷺ في الفرائض ، فمرهم فليأخذوا به ؟ فقال : لا حاجة لنا في كتابك ؛ فرجعت إلى أبي فأخبرته ؟ فقال : أي بني ، لا عليك ، أردد الكتاب من حيث أخذته ، قال : فلو كان ذاكرا عثمان بشيء لذكره بسوء ؛ وإنما كان في الكتاب ما كان في حديث علي . قالوا : فمن الباطل أن يظن بعلي رضي الله عنه أن يخبر الناس بغير ما في كتابه عن النبي ﷺ . وادعوا أنه قد روي عن ابن مسعود ؛ وابن عمر مثل قولهم ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به ، مما يمكن أن يموه به من لا علم له ، أو من لا تقوى له ، وأما الهذر والتخليط فلا نهاية له في القوة ؟ قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا أما حديث معمر ، وحماد بن سلمة : فمرسلان لا تقوم بهما حجة ، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما متعلق أصلا أما طريق معمر فإن الذي في آخره من قوله : " وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة " فإنما هو حكم ابتداء فرائض الإبل . ولم يستحي عميد من عمدهم من أن يكذب في هذا الحديث مرتين جهارا - : إحداهما : أنه ادعى أن في أوله ذكر تزكية الإبل بالغنم فلا يجوز أن يظن أنه كرره قال أبو محمد : وقد كذب في هذا علانية وأعماه الهوى وأصمه ولم يستحي وما ذكر معمر في أول كلامه في فرائض الإبل إلا كما أوردناه من حكم الخمسة والعشرين فصاعدا وذكر في آخر حديثه حكم تزكيتها بالغنم إذ لم يذكره أولا ؟ والموضوع الثاني : أنه جاهر بالكذب ، فقال : " معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " وهذا كذب ، ما رواه ذلك معمر إلا عن عبد الله بن أبي بكر فقط ؛ ثم لو صح له هذا لما أخرجه عن الإرسال ؛ لأن محمد بن عمرو لم يدرك النبي ﷺ . ثم عجب آخر وهو احتجاجه بهذين الخبرين فيما ليس فيهما منه شيء ، وهو يخالفهما فيما فيهما من أنه إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر أفلا يعوق المرء مسكة من الحياء عن مثل هذا ؟ والعجب أنهم زادوا كذبا وجرأة وفحشا فقالوا : معنى قوله عليه السلام : { إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر } إنما أراد بقيمة بنت مخاض ؟ وهذا كذب بارد سمج ولا فرق بينهم في هذا وبين من قال : ما أراد إلا ابن لبون أصهب ، أو في أرض نجد خاصة ومن الباطل الممتنع الذي لا يمكن أصلا أن يريد النبي ﷺ أن يعوض مما عدم بالقيمة ويقتصر على ذكر ابن لبون ذكر أيضا خاصة والعجب من هؤلاء القوم في تقويلهم النبي ﷺ ما لم يقل وإحالة كلامه إلى الهوس والغثاثة والتلبيس ولا يستجيزون إحالة لفظة من كلام أبي حنيفة عن مقتضاها والله لا فعل هذا موثوق بعقده ولقد صدق الأئمة القائلون : إنهم يكيدون الإسلام ويقال لهم : هلا حملتم ما أخذتم به مما لا يجوز الأخذ به مما روي عن بعض السلف من أن جعل الآبق أربعون درهما - : على أنه إنما أراد قيمة تعب ذلك الذي رد ذلك الآبق فقط ؟ على أن هذا كان أولى وأصح من حمله على إيجاب شريعة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ﷺ . كما لم يتعدوا قول أبي حنيفة فيمن تزوج على بيت وخادم أن البيت خمسون دينارا والعبد أربعون دينارا ؛ فتوقوا مخالفة خطأ أبي حنيفة في التقويم ، ولم يبالوا بمخالفة أمر رسول الله ﷺ والكذب عليه وحملهم حده على التقويم وأيضا - فإننا قد أوجدناهم ما حدثناه حمام قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أبو عبد الله الكابلي ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبي عن عبد الله ، ومحمد ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله ﷺ أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره اليمن ، وفيه الزكاة ، فذكره ، { فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم حين تبلغ أربعين دينارا } . فمن المحال أن تكون صحيفة ابن حزم بعضها حجة وبعضها ليس بحجة ، وهذه صفة الذين أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا : { نؤمن ببعض ونكفر ببعض } .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 704)
كتاب الزكاة
696 - مسألة : ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالا أو مؤجلا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر ، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ، ولا زكاة فيه على صاحبه ، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه فإذا قبضه استأنف حولا كسائر الفوائد ولا فرق . فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه ، لا حينئذ ولا بعد ذلك - الماشية ، والذهب ، والفضة في ذلك سواء - وأما النخل ، والزرع فلا زكاة فيه أصلا ؛ لأنه لم يخرج من زرعه ولا من ثماره . وقالت طائفة : يزكيه - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن الحكم بن عتيبة قال : سئل علي عن الرجل يكون له الدين على آخر ؟ فقال : يزكيه صاحب المال ، فإن خشي أن لا يقضيه فإنه يمهل ، فإذا خرج الدين زكاه لما مضى ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا يزيد بن هارون أنا هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني : سئل علي عن الدين الظنون : أيزكيه ؟ قال : إن كان صادقا فليزكه لما مضى وهذا في غاية الصحة ، والظنون : هو الذي لا يرجى . ومن طريق طاوس : إذا كانت لك دين فزكه . ومن طريق أشعث عن الزبير عن جابر قال : يزكيه - يعني : ماله من الدين على غيره ، ومن طريق عمر بن الخطاب كما ذكرنا قبل - احسب دينك وما عليك وزك ذلك أجمع ومن طريق ابن جريج قال : كان سعيد بن المسيب يقول : إذا كان الدين على مليء فعلى صاحبه أداء زكاته ، فإن كان على معدم فلا زكاة فيه حتى يخرج ؛ فيكون عليه زكاة السنين التي مضت ، ومن طريق معمر عن الزهري مثل قول سعيد بن المسيب سواء سواء . وعن مجاهد : إذا كان لك الدين فعليك زكاته ؛ وإذا كان عليك فلا زكاة عليك فيه ؟ وهو قول سفيان الثوري ، والحسن بن حي وقالت طائفة : لا زكاة فيه حتى يقبضه ، فإذا قبضه أو قبض منه مقدار ما فيه الزكاة زكاه لسنة واحدة ، وإن بقي سنين - وهو قول مالك . وقالت طائفة : إن كان على ثقة زكاه ؛ وإن كان على غير ثقة فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه - وهو قول الشافعي ، وروينا من طريق عبد الله بن عمر أنه قال : زكوا أموالكم من حول إلى حول ، فما كان في دين في ثقة فاجعلوه بمنزلة ما كان في أيديكم ، وما كان من دين ظنون فلا زكاة فيه حتى يقبضه صاحبه . وعن طاوس من طريق ثابتة : إذا كان لك دين تعلم أنه يخرج فزكه ، وعن إبراهيم من طريق صحيحة : زك ما في يديك ومالك على المليء ، ولا تزك ما للناس عليك . ثم رجع عن هذا . وعن ميمون بن مهران : ما كان من دين في مليء ترجوه فاحسبه ، ثم أخرج ما عليك وزك ما بقي ؟ وعن مجاهد : إن كنت تعلم أنه خارج فزكه . وعن محمد بن علي بن الحسن ليس في الدين زكاة حتى يقبضه ، وأما قولنا فقد روينا قبل عن عائشة أم المؤمنين مثله ، وعن عطاء ، وروينا أيضا عن ابن عمر : ليس في الدين زكاة . قال أبو محمد : أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ ؛ لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له ، وعلى الذي هو عليه . فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد ، فحصل في العين نصف العشر ، وفي خمس من الإبل شاتان ، وكذلك ما زاد . وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد إلا عن عمر بن عبد العزيز ، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا . وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد ، وهي : أنه جعل كل دين ليس عن بدل ، أو كان عن بدل ما لا يملك ، كالميراث ، والمهر ، والجعل ، ودية الخطأ ، والعمد إذا صالح عليها ، والخلع : أنه لا زكاة على مالكه أصلا حتى يقبضه ، فإذا قبضه استأنف به حولا ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في ملكه لوجبت فيه الزكاة كقرض الدراهم وفيما وجب في ذمة الغاصب والمتعدي ، وثمن عبد التجارة - : فإنه لا زكاة فيه - كان على ثقة أو غير ثقة - حتى يقبض أربعين درهما فإذا قبضها زكاها لعام خال ، ثم يزكي كل أربعين يقبض ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في يده لم تجب فيه الزكاة كالعروض لغير التجارة يبيعها - : قسما آخر ، فاضطرب فيه قوله ، فمرة جعل ذلك بمنزلة قوله في الميراث ، والمهر ، ومرة قال : لا زكاة عليه حتى يقبض مائتي درهم ، فإذا قبضها زكاها لعام خال ، وسواء عنده ما كان عند عديم أو مليء إذا كانا مقرين . وأما قول أبي حنيفة فتخليط لا خفاء به . قال أبو محمد : إنما لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط ، وليس له عنده عين مال أصلا ، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد ، والفضة تراب بعد ، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد ، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته ؟ فصح أنه لا زكاة عليه في ذلك - وبالله تعالى التوفيق . واعلم أن تقسيم أبي حنيفة ، ومالك : لا يعرف عن أحد قبلهما ، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين وبالله تعالى التوفيق .
697 - مسألة : وأما المهور والخلع ، والديات ، فبمنزلة ما قلنا ؛ ما لم يتعين المهر ؛ لأن كل ذلك دين ، فإن كان المهر فضة معينة - دراهم أو غير ذلك - أو ذهبا بعينه - دنانير أو غير ذلك - أو ماشية بعينها ، أو نخلا بعينها ، أو كان كل ذلك ميراثا - : فالزكاة واجبة على من كل ذلك له ؛ لأنها أموال صحيحة ظاهرة موجودة ، فالزكاة فيها ، ولا معنى للقبض في ذلك ما لم يمنع صاحبه شيء من ذلك ، فإن منع صار مغصوبا وسقطت الزكاة كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق .
698 - مسألة : ومن كان له دين على بعض أهل الصدقات - وكان ذلك الدين برا ، أو شعيرا ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو ماشية - فتصدق عليه بدينه قبله ، ونوى بذلك أنه من زكاته أجزأه ذلك ، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه وأحاله به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة فإنه يجزئه ؟ برهان ذلك - : أنه مأمور بالصدقة الواجبة ، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها ، فإذا كان إبراؤه من الدين يسمى صدقة فقد أجزأه . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث - هو ابن سعد - عن بكير - هو ابن الأشج - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال : { أصيب رجل على عهد رسول الله ﷺ في ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال رسول الله ﷺ تصدقوا عليه } وذكر الحديث . وهو قول عطاء بن أبي رباح وغيره .
699 - مسألة : ومن أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها ، أو دفعها إلى المصدق المأمور بقبضها فباعها من قبض حقه فيها أو من له قبضها نظرا لأنها لأهلها - : فجائز للذي أعطاها أن يشتريها ، وكذلك لو رجعت إليه بهبة ، أو هدية ، أو ميراث ، أو صداق أو إجارة أو سائر الوجوه المباحة ، ولا يجوز له شيء من ذلك ألبتة قبل أن يدفعها ؛ لأنه ابتاع شيئا غير معين ؛ وهذا لا يجوز ؛ لأنه لا يدري ما الذي ابتاع ، ولم يعط الزكاة التي افترض الله تعالى عليه أن يؤديها إلى أهلها ، وبهذا نفسه يحرم عليه أن يعطي غير ما لزمه القيمة ، وأما بعد أن يؤديها إلى أهلها فإن الله تعالى قال : { وأحل الله البيع } فهو قد أدى صدقة ماله كما أمر ، وباعها الآخذ كما أبيح له ، ولم يجز ذلك أبو حنيفة ؛ وكرهه مالك ؛ وأجازه الليث بن سعد ، واحتج من منع من ذلك بالحديث الذي رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت { عمر يقول : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه ، وظننت أنه بائعه برخص فقال له رسول الله ﷺ لا تشتره ، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي " أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله تعالى ، فوجد فرسا من ضئضئها يعني من نسلها - فأراد أن يشتريه ، فنهي " ونحو هذا أيضا عن أسامة بن زيد ، ولا يصح ، قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه ؛ لأن فرس عمر - كان بنص الحديث - حمل عليه في سبيل الله ، فصار حبسا في هذا الوجه ، فبيعه إخراج له عما سبل فيه ، ولا يحل هذا أصلا ؛ فابتياعه حرام على كل أحد ، وكذلك القول في الخبرين الآخرين ، لو صحا ، لا سيما ، وفي حديث أبي عثمان النهدي أنه نهى نتاجها ، وهذه صفة الحبس . وأما ما لم يحرم بيعه وكان صدقة مطلقة يملكها المتصدق بها عليه ويبيعها إن شاء - فليس ابتياع المتصدق بها عودا في صدقته ، لا في اللغة ، ولا في الديانة ؛ لأن العود في الصدقة هو انتزاعها وردها إلى نفسه بغير حق ، وإبطال صدقته بها فقط ، والحاضرون من المخالفين يجيزون أن يملكها المتصدق بها بالميراث ، وقد عادت إلى ملكه كما عادت بالشراء ولا فرق ؛ فصح أن العود هو ما ذكرنا فقط . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود { عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : أتي رسول الله ﷺ بلحم ، فقلت : هذا مما تصدق به على بريرة . فقال : هو لها صدقة ولنا هدية } حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أنه سمع عبيد الله السباق أنه سمع { جويرية أم المؤمنين تقول : دخل علي رسول الله ﷺ فقال : هل من طعام ؟ فقلت : لا ، إلا عظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة فقال : قربيه فقد بلغت محلها } . ولا خلاف في أن الصدقة حرام عليه ﷺ فقد استباحها بعد بلوغها محلها ، إذ رجعت إليه بالهدية . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين ، فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني . } فهذا نص من النبي ﷺ بجواز ابتياع الصدقة ، ولم يخص المتصدق بها من غيره . وروينا عن أبي هريرة قال : لا تشتر الصدقة حتى تعقل - : يعني حتى تؤديها - : وهذا نص قولنا ، وعن ابن عباس في الصدقة قال : إن اشتريتها أو ردت عليك ، أو ورثتها حلت لك ، وعن عمر بن الخطاب قال : من تصدق بصدقة فلا يبتاعها حتى تصير إلى غير الذي تصدق بها عليه قال أبو محمد : فهذا عمر يجيز للمتصدق بالصدقة ابتياعها إذا انتقلت عن الذي تصدق بها عليه إلى غيره ؛ ولا فرق عندنا بين الأمرين ، وقولنا هذا هو قول عكرمة ، ومكحول وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وأجازه الشافعي ولم يستحبه ، ومنع منه مالك ، وأجاز رجوعها إليه بالميراث . وروينا عن ابن عمر : أنه كان إذا تصدق بشيء فرجع إليه بالميراث تصدق به ، ويفتي بذلك ، فخرج قول مالك عن أن يكون له من الصحابة رضي الله تعالى عنهم موافق .
700 - مسألة : قال أبو محمد : ولا شيء في المعادن ، وهي فائدة ، لا خمس فيها ولا زكاة معجلة ، فإن بقي الذهب ، والفضة عند مستخرجها حولا قمريا ، وكان ذلك مقدار ما تجب فيه الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا . وقال أبو حنيفة : عليه في معادن الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، والقزدير ، والحديد - : الخمس ، سواء كان في أرض عشر أو في أرض خراج ، سواء أصابه مسلم ، أو كافر ، عبد ، أو حر . قال : فإن كان في داره فلا خمس فيه ، ولا زكاة ، ولا شيء فيما عدا ذلك من المعادن - واختلف قوله في الزئبق ، فمرة رأى فيه الخمس ، ومرة لم ير فيه شيئا ، وقال مالك : في معادن الذهب ، والفضة : الزكاة معجلة في الوقت إن كان مقدار ما فيه الزكاة ولا شيء في غيرها ، ولا يسقط الزكاة في ذلك دين يكون عليه ؛ فإن كان الذي أصاب في معدن الذهب ، أو الفضة ندرة بغير كبير عمل ففي ذلك الخمس . قال أبو محمد : احتج من رأى فيه الخمس بالحديث الثابت : { وفي الركاز الخمس } وذكروا حديثا من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ سئل عن الركاز . فقال : هو الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلق السماوات والأرض } . قال أبو محمد : هذا حديث ساقط ؛ لأن عبد الله بن سعيد متفق على إطراح روايته ثم لو صح لكان في الذهب خاصة . فإن قالوا : قسنا سائر المعادن المذكورة على الذهب . قلنا لهم : فقيسوا عليه أيضا معادن الكبريت ، والكحل ، والزرنيخ ، وغير ذلك ؟ فإن قالوا : هذه حجارة . قلنا : فكان ماذا ؟ ومعدن الفضة ، والنحاس أيضا حجارة ولا فرق وأما الركاز فهو دفن الجاهلية فقط ؛ لا المعادن ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك . والعجب كله احتجاج بعضهم في هذا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { عن النبي ﷺ في اللقطة ما كان منها في الخراب والأرض الميتاء ففيه وفي الركاز الخمس } وهم لا يقولون بهذا ، وهذا كما ترى ، ولو كان المعدن ركازا لكان الخمس في كل شيء من المعادن ، كما أن الخمس في كل دفن للجاهلية ، أي شيء كان ؛ فظهر فساد قولهم وتناقضهم ؟ لا سيما في إسقاطهم الزكاة المفروضة بالخراج ، ولم يسقطوا الخمس في المعادن بالخراج وأوجبوا فيها خمسا في أرض العشر ، وعلى الكافر ، والعبد وفرقوا بين المعدن في الدار وبينه خارج الدار ، ولا يعرف كل هذا عن أحد قبلهم وهم يقولون : برد الأخبار الصحاح إذا خالفت الأصول وحكمهم هاهنا مخالف للأصول . فإن قالوا : قد روي عن علي : أن فيه الخمس . قلنا : أنتم أول مخالف لهذا الحكم إن كان حجة ؛ لأن الخبر إنما هو في رجل استخرج معدنا فباعه بمائة شاة ، وأخرج المشتري منه ثمن ألف شاة فرأى علي الخمس على المشتري ؛ لا على المستخرج له . وأما من رأى فيه الزكاة فاحتجوا - بحديث مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع لبلال بن الحارث معادن القبلية - وهي في ناحية الفرع } . قال : فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم . قال أبو محمد : وليس هذا بشيء لأنه مرسل ، وليس فيه مع إرساله إلا إقطاعه عليه السلام تلك المعادن فقط ، وليس فيه أنه عليه السلام أخذ منها الزكاة ، ثم لو صح لكان المالكيون أول مخالف له ؛ لأنهم رأوا في الندرة تصاب فيه بغير كبير عمل : الخمس ؛ وهذا خلاف ما في هذا الخبر . ويسألون أيضا عن مقدار ذلك العمل الكبير وحد الندرة ؟ ولا سبيل إليه إلا بدعوى لا يجوز الاشتغال بها - فظهر أيضا فساد هذا القول وتناقضه . وقالوا أيضا : المعدن كالزرع يخرج شيء بعد شيء . قال علي : قياس المعدن على الزرع كقياسه على الزكاة ، وكل ذلك باطل ولو كان القياس حقا لتعارض هذان القياسان ؛ وكلاهما فاسد ، أما قياسه على الركاز فيلزمهم ذلك في كل معدن ؛ وإلا فقد تناقضوا ، وأما قياسه على الزرع فيلزمهم أن يراعوا فيه خمسة أوسق وإلا فقد تناقضوا ، ويلزمهم أيضا أن يقيسوا كل معدن - من حديد أو نحاس - على الزرع ، واحتج كلتا الطائفتين بالخبر الثابت من طريق مسلم عن قتيبة ؛ ثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع ثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : { بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله ﷺ بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، فقسمها بين أربعة نفر : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، وزيد الخير ، وذكر رابعا ، وهو علقمة بن علاثة } . فقال من رأى في المعدن الزكاة : هؤلاء من المؤلفة قلوبهم ، وحقهم في الزكاة لا في الخمس ؛ وقال الآخرون : علي من بني هاشم ، ولا يحل له النظر في الصدقة ، وإنما النظر في الأخماس . قال علي : كلا القولين دعوى فاسدة ، ولو كانت تلك الذهب من خمس واجب ، أو من زكاة لما جاز ألبتة أخذها إلا بوزن وتحقيق ، لا يظلم معه المعطي ولا أهل الأربعة الأخماس ؛ فلما كانت لم تحصل من ترابها صح يقينا أنها ليست من شيء من ذلك ، وإنما كانت هدية من الذي أصابها ، أو من وجه غير هذين الوجهين ، فأعطاها عليه السلام من شاء ، وقد قدمنا أنه لا زكاة في مال غير الزرع إلا بعد الحول ، والمعدن من جملة الذهب والفضة ؛ فلا شيء فيها إلا بعد الحول ، وهذا قول الليث بن سعد ، وأحد أقوال الشافعي ، وقول أبي سليمان ، ورأى مالك أن من ظهر في أرضه معدن فإنه يسقط ملكه عنه ، ويصير للسلطان ، وهذا قول في غاية الفساد ؛ بلا برهان من قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ؛ ولا قول صاحب ، ولا رأي له وجه ، وعلى هذا إن ظهر في مسجد أن يصير ملكه للسلطان ويبطل حكمه ولو أنه الكعبة وهذا في غاية الفساد . وقال رسول الله ﷺ { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام . } ، فصح أن من ظهر في أرضه معدن فهو له ، يورث عنه ويعمل فيه ما شاء .
701 - مسألة : ولا تؤخذ زكاة من كافر لا مضاعفة ولا غير مضاعفة ، لا من بني تغلب ولا من غيرهم - وهو قول مالك ؟ وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، كذلك إلا في بني تغلب خاصة ؛ فإنهم قالوا : تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة ، واحتجوا بخبر واه مضطرب في غاية الاضطراب ، رويناه من طريق أبي إسحاق الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس التغلبي قال : صالحت عمر بن الخطاب عن بني تغلب - بعد أن قطعوا الفرات وأرادوا اللحوق بالروم - على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوا على غير دينهم على أن عليهم العشر مضاعفا في كل عشرين درهما درهم قال داود بن كردوس : ليس لبني تغلب ذمة ، قد صبغوا في دينهم ؟ ومن طريق هشيم عن المغيرة بن مقسم عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة : أنه كلم عمر في بني تغلب وقال له : إنهم عرب يأنفون من الجزية ، فلا تعن عدوك بهم ؛ فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة ، فاشترط عليهم : أن لا ينصروا أولادهم . قال مغيرة فحدثت أن علي بن أبي طالب قال : لئن تفرغت لبني تغلب لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم ؛ فقد نقضوا ، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم . وروي أيضا من طريق عبد السلام بن حرب فقال : فيه عن داود بن كردوس عن عمارة بن النعمان ، وذكر مثله سواء سواء ، وذكر أنهم لا ذمة لهم اليوم . وروينا أيضا من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن يونس بن يزيد عن الزهري : لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا الجزية غير أن نصارى بني تغلب - الذين جل أموالهم المواشي - تضعف عليهم حتى تكون مثلي الصدقة . هذا كل ما موهوا به ، ولو كان هذا الخبر عن رسول الله ﷺ لما حل الأخذ به لانقطاعه وضعف رواته ، فكيف وليس هو عن رسول الله ﷺ . فكيف وقد خالفوا هذا الخبر نفسه وهدموا به أكثر أصولهم لأنهم يقولون : لا يقبل خبر الآحاد الثقات التي لم يجمع عليها فيما إذا كثرت به البلوى ، وهذا أمر تكثر به البلوى ، ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم ، فقبلوا فيه خبرا لا خير فيه ، وهم قد ردوا بأقل من هذا خبر الوضوء من مس الذكر ، ويقولون : لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا كان زائدا على ما في القرآن أو مخالفا له ، وردوا بهذا حديث اليمين مع الشاهد ، وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن ، ولا خلاف للقرآن أكثر من قول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فقالوا هم : إلا بني تغلب فلا يؤدون الجزية ( ولا صغار عليهم ؛ بل يؤدون الصدقة مضاعفة ؛ فخالفوا القرآن ، والسنن المنقولة نقل الكافة ) بخبر لا خير فيه ، وقالوا : لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا خالف الأصول ، وردوا بذلك خبر القرعة في الأعبد الستة ، وخبر المصراة ، وكذبوا ما هما مخالفين للأصول بل هما أصلان من كبار الأصول ، وخالفوا هاهنا جميع الأصول في الصدقات ، وفي الجزية بخبر لا يساوي بعرة ، وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات ، وردوا خبر { لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان } وخبر { لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا } وأخذوا هاهنا بأسقط خبر وأشده اضطرابا ، لأنه يقول رواية مرة : عن السفاح بن مطر ، ومرة : عن السفاح بن المثنى ، ومرة عن داود بن كردوس أنه صالح عمر عن بني تغلب ومرة : عن داود بن كردوس عن عبادة بن النعمان ، أو زرعة بن النعمان ، أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر ؟ ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فإن جميع هؤلاء لا يدري أحد من هم من خلق الله تعالى ؟ وكم من قضية خالفوا فيها عمر ، ككلامه مع عثمان في الخطبة ، ونفيه في الزنى وإغرامه في السرقة قبل القطع ، وغير ذلك ، وقد صح عن عمر - بأصح طريق - من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن زياد بن حدير قال : أمرني عمر بن الخطاب أن آخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر . قال أبو محمد : فكما لم يسقط أخذ نصف العشر من أهل الكتاب الجزية عنهم فكذلك لا يسقط أخذ العشر من بني تغلب أيضا الجزية عنهم ، وهذا أصح قياس ، لو كان شيء من القياس صحيحا ، فقد خالفوا القياس أيضا ، ثم لو صح وثبت لكانوا قد خالفوه ؛ لأن جميع من رووه عنه - أولهم عن آخرهم - يقولون كلهم : إن بني تغلب قد نقضوا تلك الذمة ؛ فبطل ذلك الحكم ، ورووا ذلك أيضا - عن علي ، فخالفوا : عمر وعليا ، والخبر الذي به احتجوا والقرآن والسنن - في أخذ الجزية من كل كتابي في أرض العرب وغيرها ، كهجر ، واليمن ، وغيرهما - وفعل الصحابة رضي الله عنهم ، والقياس ، ونعوذ بالله من الخذلان .
702 - مسألة : ولا يجوز أخذ زكاة ولا تعشير مما يتجر به تجار المسلمين ، ولا من كافر أصلا - تجر في بلاده أو في غير بلاده - إلا أن يكونوا صولحوا على ذلك مع الجزية في أصل عقدهم ، فتؤخذ حينئذ منهم وإلا فلا ، أما المسلمون فقد ذكرنا قبل أنه لا زكاة عليهم في العروض - لتجارة كانت أو لغير تجارة - وأما الكفار فإنما أوجب الله تعالى عليهم الجزية فقط ؛ فإن كان ذلك صلحا مع الجزية فهو حق وعهد صحيح ، وإلا فلا يحل أخذ شيء من أموالهم بعد صحة عقد الذمة بالجزية والصغار ، ما لم ينقضوا العهد - وبالله تعالى التوفيق ، وقال أبو حنيفة : يؤخذ من أهل الذمة إذا سافروا نصف العشر في الحول مرة فقط ولا يؤخذ منهم من أقل من مائتي درهم شيء ، وكذلك يؤخذ من الحربي العشر إذا بلغ مائتي درهم ، وإلا فلا ؛ إلا إن كانوا لا يأخذون من تجارنا شيئا فلا نأخذ من تجارهم شيئا ؟ قال مالك : يؤخذ من أهل الذمة العشر إذا تجروا إلى غير بلادهم - مما قل أو كثر - إذا باعوا ، ويؤخذ منهم في كل سفرة كذلك ، ولو مررا في السنة ، فإن تجروا في بلادهم لم يؤخذ منهم شيء ، ويؤخذ من الحربيين كذلك إلا فيما حملوا إلى المدينة خاصة من الحنطة ، والزبيب خاصة ، فإنه لا يؤخذ منهم إلا نصف العشر فقط . قال أبو محمد : احتجوا في ذلك بما روي من طريق معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد : كنت أعشر مع عبد الله بن عتبة زمن عمر بن الخطاب ، فكان يأخذ من أهل الذمة أنصاف عشر أموالهم فيما تجروا به ؟ وبحديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب : خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما ، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما . ومن طريق زياد بن حدير : أمرني عمر بأن آخذ من بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر . ومن طريق مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد قال : كنت غلاما مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة زمان عمر بن الخطاب ، فكان يأخذ من النبط العشر ؟ قال أبو محمد : هذا كله لا حجة فيه ، لأنه ليس عن رسول الله ﷺ . وأيضا - فرب قضية خالفوا فيها عمر قد ذكرناها آنفا ، وليس يجوز أن يكون بعض حكم عمر حجة وبعضه ليس بحجة ، وأيضا - فإن هذه الآثار مختلفة عن عمر ، في بعضها العشر من أهل الكتاب ، وفي بعضها نصف العشر ، فما الذي جعل بعضها أولى من بعض ، وقد خالف المالكيون هذه الآثار في تفريقهم بين تجارتهم في أقطار بلادهم أو غيرها ، وخالفها الحنفيون في وضعهم ذلك مرة في العام فقط ، وذلك في هذه الآثار ، وذكروا في ذلك خبرا فاسدا من طريق ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران : أن عمر كتب إلى أيوب بن شرحبيل : خذ من المسلمين من كل أربعين دينارا دينارا ، ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارا دينارا ، إذا كانوا يديرونها ، ثم لا تأخذ منهم شيئا حتى رأس الحول ، فإني سمعت ذلك ممن سمعه ممن سمع النبي ﷺ ( قال أبو محمد : وهذا عن مجهولين ، وليس أيضا فيه بيان أنه سمع من النبي ﷺ ) قال أبو محمد : فكيف وقد روينا عن عمر رضي الله عنه بيان هذا كله ، كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا الأنصاري هو القاضي محمد بن عبد الله بن المثنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز قال : بعث عمر : عمارا ، وابن مسعود ، وعثمان بن حنيف إلى الكوفة - فذكر الحديث وفيه - : أن عثمان بن حنيف مسح الأرض فوضع عليها كذا وكذا ، وجعل في أموال أهل الذمة الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما وجعل على رءوسهم - وعطل من ذلك النساء والصبيان - : أربعة وعشرين ثم كتب بذلك إلى عمر فأجازه . فصح أن هذا كان في أصل العهد والعقد وذمتهم ، وبه إلى أبي عبيد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن خالد العبسي قال : سألت زياد بن حدير : من كنتم تعشرون ؟ قال ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا ، كنا نعشر تجار أهل الحرب كما يعشروننا إذا أتيناهم . فصح أنه لم يكن يؤخذ ذلك ممن لم يعاقد على ذلك . وبه إلى أبي عبيد : ثنا معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال : والله ما عملت عملا أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا ، وما بي أن أكون ظلمت فيه مسلما أو معاهدا دينارا ولا درهما ، ولكن لا أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ، ولا عمر ؟ قالوا : فما حملك على أن دخلت فيه ؟ قال : لم يدعني زياد ، ولا شريح ، ولا الشيطان ، حتى دخلت فيه . قال أبو محمد : فصح أنه عمل محدث ولا يجوز أن يظن بعمر رضي الله عنه أنه تعدى ما كان في عقدهم ؛ كما لا يظن به في أمره أن يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم أنه فيما هو أقل من مائتي درهم - وبالله تعالى التوفيق .
703 - مسألة : وليس في شيء مما أصيب من العنبر والجواهر والياقوت والزمرد - بحريه وبريه - : شيء أصلا ، وهو كله لمن وجده . وقد روي من طريق الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب : أن في العنبر ، وفي كل ما استخرج من حلية البحر : الخمس وبه يقول أبو يوسف . قال أبو محمد : الحسن بن عمارة مطرح . وقد صح عن ابن عباس أنه قال في العنبر : إن كان فيه شيء ففيه الخمس ، من طريق سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس لا شيء فيه . قال أبو محمد : قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فصح أنه لا يحل إغرام مسلم شيئا بغير نص صحيح ، وكان - بلا خلاف - كل ما لا رب له فهو لمن وجده - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثمانون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثمانون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 891 - 894) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 895 - 901)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 902 - 912)
كتاب الحج
895 - مسألة : ومن تطيب ناسيا ، أو تداوى بطيب ، أو مسه طيب الكعبة ، أو مس طيبا لبيع ، أو شراء ، أو لبس ما يحرم على المحرم لباسه ناسيا ، أو لضرورة طال كل ذلك منه ، أو قصر فلا شيء عليه ، ولا يكدح ذلك في حجه ، وعليه أن يزيل عن نفسه كل ذلك ساعة يذكره أو ساعة يستغني عنه ، وكذلك من حلق رأسه ناسيا فلا شيء عليه ، وله أن يحتجم ويحلق مواضع المحاجم ، ولا شيء عليه ، وله أن يدهن بما شاء ، فلو تعمد لباس ما حرم عليه أو فعل ما حرم لغير ضرورة : بطل حجه وإحرامه . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وقال رسول الله ﷺ : { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } فالمستكره على كل ما ذكرنا والمرأة المكرهة على الجماع لا شيء عليها ، ولا على من أكره على ما ذكرنا ، وحجهم تام ، وإحرامهم تام . وقال أبو حنيفة : من غطى رأسه ، أو وجهه ، أو لبس ما نهي عامدا ، أو ناسيا ، أو مكرها يوما إلى الليل فعليه دم ، فإن فعل ذلك أقل من يوم فعليه صدقة ، فإن حلق قفاه للحجامة فعليه دم ، فإن حلق بعض عضو فعليه صدقة . وقال مالك : من فعل شيئا من ذلك فأماط به عن نفسه أذى فعليه الفدية التي على من حلق رأسه ، ولا يحتجم إلا من ضرورة ، فإن حلق مواضع المحاجم فعليه الفدية . وقال الشافعي : لا شيء في النسيان في كل ذلك إلا في حلق الرأس فقط ففيه الفدية - قال : ولا يحلق موضع المحاجم ، ولم يذكر في ذلك فدية . قال أبو محمد : أما أقوال أبي حنيفة فظاهرة الفساد والتناقض ولا نعلمها عن أحد قبله ، ولا دليل على صحة شيء منها لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ؛ لأن تفريقه بين ذلك يوما أو أقل من يوم : دعوى فاسدة . وقال بعضهم : هذا هو المعهود من لباس الناس . قال علي : كذب في ذلك بل قد قال الله تعالى : { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء } فأخبر تعالى أن اللباس لا يقل في النهار بل قد يوضع للقائلة ، وأخبر أن اللباس يقل إلى بعد صلاة العشاء وقد يكون إلى نصف الليل . فإن ذكروا ما روي عن ابن عباس ، والنخعي ، أن من ترك من نسكه شيئا فليرق دما ؟ قلنا : أنتم أول من خالف ذلك لأنكم تجعلون في أكثر ذلك صدقة لا دما ؛ ولا عجب أعجب ممن يحتج بشيء يراه حقا ، ثم هو أول مخالف له . وأما قول مالك فإنه قياس والقياس كله باطل ، ولو كانت إماطته الأذى بغير حلق الرأس توجب الفدية لأوجب الفدية : البول ، والغائط ، والأكل ، والشرب ، والغسل للحر والتروح ، والتدفؤ للبرد ، وقلع الضرس للوجع ، فكل هذا إماطة أذى . فإن قالوا : قد أجمع الناس على إسقاطه الفدية في أكثر من ذلك ؟ قلنا : حسبنا وإياكم إقراركم بصحة الإجماع على إبطال علتكم ، وعلى أنه ليس كل إماطة أذى تجب فيه فدية ، وإلزام الصيام والصدقة والهدي شرع لا يجوز إلزامه أحد حيث لم يلزمه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام . فإن ادعوا إجماعا كذبوا ؛ لأنهم لا يقدرون على أن يوردوا في ذلك قول عشرة من صاحب ، وتابع في ذلك مع اختلافهم في أقوالهم . وأما الشافعي فإنه احتج له مقلده بأن كل من ذكرنا يقدر الناس على إزالته عن نفسه إلا حلق الشعر فلا يقدر على إنباته ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ وأي شيء في هذا مما يوجب الفدية ؟ وهل زدتم إلا دعوى لا برهان لها ؟ وروينا من طريق نافع أن ابن عمر كان يأكل الخبيص الأصفر وهو محرم - يعني المزعفر . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : يكتحل المحرم بأي كحل شاء ما لم يكن فيه طيب . ومن طريق شعبة عن شميسة الأزدية أن عائشة أم المؤمنين قالت لها : اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد أما إنه ليس بحرام ولكنه زينة ، ونحن نكرهه . ومن الخلاف في ذلك - : ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي نا يزيد بن إبراهيم عن قتادة : أن عبد الرحمن بن أبي بكر أمر امرأة محرمة اكتحلت بإثمد أن تهرق دما . ومن طريق سعيد بن منصور نا مروان هو ابن معاوية الفزاري - نا صالح بن حي قال : رأيت أنس بن مالك أصاب ثوبه خلوق الكعبة فلم يغسله - وكان محرما - وعن عطاء ، وسعيد بن جبير مثله سواء سواء . ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر : إن شم المحرم ريحانا ، أو مس طيبا : أهرق دما . وقد روينا من طريق عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ احتجم وهو محرم } . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء ، وطاوس عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام احتجم وهو محرم } . ومن طريق مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة نا المعلى بن منصور نا سليمان بن بلال عن علقمة بن أبي علقمة عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة قال { احتجم رسول الله عليه السلام بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه } . قال أبو محمد : لم يخبر عليه السلام أن في ذلك غرامة ولا فدية ولو وجبت لما أغفل ذلك ، { وكان عليه السلام كثير الشعر أفرع وإنما نهينا عن حلق الرأس في الإحرام } والقفا ليس رأسا ولا هو من الرأس . فإن ذكروا ما روينا عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أمر محرما احتجم أن يفتدي بصيام ، أو صدقة ، أو نسك ؛ فإن اضطر إلى ذلك فلا شيء عليه ؛ فهذا عليهم ؛ لأنهم خالفوه في موضعين - : أحدهما : أنه أوجب الدم ولم يشترط إن حلق لها شعرا . والثاني : أنه لم يوجب شيئا على من اضطر إليها - وهم لا يقولون بهذا . وروينا عن مسروق أنه قال : يحتجم المحرم ، ولا يحتجم الصائم ، ولم يشترط ترك حلق القفا . وعن طاوس يحتجم المحرم إذا كان وجعا وما نعلم من أوجب في ذلك حكما من التابعين إلا الحسن فإنه قال : من احتجم وهو محرم أراق دما . وعن إبراهيم ، وعطاء : إن حلق مواضع المحاجم فعليه كفارة . وأما الادهان - : فروينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أشعث بن سليم وهو ابن أبي الشعثاء - عن مرة بن خالد قال : رآنا أبو ذر ونحن محرمون فقال : ادهنوا أيديكم . وصح عن ابن عمر أنه كره أن يعالج المحرم يديه بالدسم ، وأن يدهن بالسمن رأسه لصداع أصابه ولم يجعل في ذلك شيئا . وروينا عن عطاء : من تداوى بدواء فيه طيب فعليه الكفارة ولا بأس بالأدهان الفارسية . وعن إبراهيم : في الطيب الفدية . وعن مجاهد : إذا تداوى المحرم بالسمن ، أو الزيت ، أو البنفسج فعليه الكفارة . وعن الحجاج بن أرطاة : كان الحكم ، وأصحابنا يقولون في المحرم يداوي قروحا برأسه وجسده : إن عليه كفارتين . وأما اللباس ناسيا - : فعن عطاء في المحرم يغطي رأسه ناسيا لا شيء عليه فإن لبس قميصا ناسيا فلا شيء عليه وليستغفر الله تعالى ؛ فإن تعمد ذلك فالكفارة . وعن حماد بن أبي سليمان بمثله لا شيء في ذلك على الناسي . وعن مجاهد ، وسعيد بن جبير : أنهما أجازا للمحرم أكل الطعام ، وفيه الزعفران - وكرهه عطاء ، وأخبر أنه لا يأثر قوله عن أحد . وعن طاوس ، وعطاء : إباحة الخبيص المزعفر للمحرم . ومثله عن الحسن ، وإبراهيم النخعي ، وجابر بن زيد ، ومحمد بن علي . وعن إبراهيم ، وعطاء ، والحسن ، في لباس القميص ، والقلنسوة ، والخفين للمحرم أنه يهرق دما - : وهذه كلها أقوال مخالفة لأقوال أبي حنيفة ، ومالك . قال أبو محمد : وأما من تعمد ما حرم عليه فقد فسق ، والفسوق يبطل الحج كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق .
896 - مسألة : وللمحرم أن يشد المنطقة على إزاره إن شاء أو على جلده ويحتزم بما شاء ، ويحمل خرجه على رأسه ، ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء ، ويحمل ما شاء من الحمولة على رأسه ، ويعصب على رأسه لصداع ، أو لجرح ، ويجبر كسر ذراعه ، أو ساقه ، ويعصب على جراحه ، وخراجه ، وقرحه ، ولا شيء عليه في كل شيء من ذلك ، ويحرم في أي لون شاء حاشا ما صبغ بورس ، أو زعفران لأنه لم ينهه عن شيء مما ذكرنا قرآن ، ولا سنة { وما كان ربك نسيا } إلا أننا روينا من طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن صالح عن أبي حسان { أن رسول الله ﷺ رأى محرما محتزما بحبل فقال : يا صاحب الحبل ألقه } . وبه إلى ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب : سمعت ابن عمر يقول : لا تعقد عليك شيئا وأنت محرم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أنه كره الهميان للمحرم - فأما الأثر فمرسل لا حجة فيه . وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن الأسلمي عمن سمع صالحا مولى التوأمة أنه سمع ابن عباس يقول : { رخص رسول الله عليه السلام في الهميان للمحرم } . قال أبو محمد : كلاهما وتمرة - وأما ابن عمر فقد روي عنه وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم خلاف هذا . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن فضيل عن ليث عن عطاء ، وطاوس قالا جميعا : رأينا ابن عمر قد شد حقويه بعمامة وهو محرم . ومن طريق سعيد بن منصور عن هشيم : أنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين : أنها كانت ترخص في الهميان يشده المحرم على حقويه ، وفي المنطقة أيضا . ومن طريق وكيع عن سفيان عن حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس قال في الهميان للمحرم : لا بأس به . ومن طريق شعبة عن منصور عن مجاهد قال : رأيت ابن الزبير جاء حاجا فرمل حتى رأيت منطقته قد انقطعت على بطنه . قال أبو محمد : لا شك أن ابن الزبير لم يكن مضطرا إلى إحراز نفقته ، وابن عمر لم يجعل في ذلك شيئا - ورأى مالك على من عصب رأسه فدية . ومن طريق ابن عمر : لا يعصب المحرم رأسه بسير ولا بخرقة . ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن أبي معشر عن عبد الرحمن بن يسار قال : رأيت ابن عباس قد شد شعره بسير وهو محرم وكلاهما لم يجعل فيه شيئا . ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار قلت لجابر بن زيد أبي الشعثاء : ينحل إزاري يوم عرفة ؟ قال : اعقده . ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن العلاء بن المسيب عن الحكم بن عتيبة : أنه كان لا يرى بأسا أن يتوشح المحرم بثوبه ويعقده على قفاه . ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن يونس عن الحسن البصري أنه لم ير بأسا أن يعقد المحرم ثوبه على نفسه . وأباح لباس الهميان للمحرم : محمد بن كعب ، وعطاء ، وطاوس ، ومحمد بن علي ، وإبراهيم ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والقاسم بن محمد - وكرهه آخرون . وعن سعيد بن جبير أنه أباح للمحرم ينكسر ظفره : أن يجعل عليه مرارة ولم يأمر في ذلك بشيء . ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص نا منصور عن إبراهيم ومجاهد قالا جميعا : يجبر المحرم عظمه إذا انكسر ، قالا : وليس عليه في ذلك كفارة . ومن طريق سعيد بن منصور ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال : إذا انكسرت يد المحرم ، أو شج عصب على الشج والكسر وعقد عليه ، ولم يجعل في ذلك شيئا . وعن محمد بن علي ، وسعيد بن المسيب : لا بأس أن يعقد المحرم - : قال محمد : على القرحة . وقال ابن المسيب : على الجرح . وأباح أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان للمحرم : الهميان والمنطقة ، وأن يحمل الخرج على رأسه ، ونحو ذلك ، ولم يروا فيه بأسا . وأباح مالك لباس المنطقة للمحرم إذا كانت فيها نفقته ، ومنعه لباسها إذا كانت فيها نفقة غيره . وجعل ابن القاسم صاحبه في ذلك الفدية . ومنع مالك من شد المنطقة على العضد للمحرم ، وأباح شدها على جلده ، ومنع من شدها فوق الإزار . وجعل ابن القاسم صاحبه في ذلك فدية - فأقوال متناقضة لا دليل على صحة شيء منها ، ولا نعلم أحدا قال بها قبلهما . ومنع مالك المحرم من حمل خرج لغيره على رأسه ، ورأى عليه في ذلك فدية ، وأباح له حمله على رأسه إذا كان له - وهذا فرق فاسد لا نعلمه أيضا عن أحد قبله . وقد روي عن عطاء إباحة حمل المحرم المكتل على رأسه . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحسين قال : رأى عمر على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال : ما هذا ؟ فقال علي بن أبي طالب : ما أخال أحدا يعلمنا السنة ؟ فسكت عمر . وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه لبس ثوبا موردا وهو محرم . فإن قيل : قد روي عن عمر أنه أنكر على طلحة لباس ثوب مصبوغ للمحرم ؟ قلنا : أنتم أول من خالف عمر في ذلك فلم تنكروه ؟ ولا رأيتم فيه شيئا - وهذا مما تركوا فيه القياس فأباحوا المصبغات ولم يقيسوها على الورس والمعصفر ، كما قاسوا كل من أماط به أذى على حالق رأسه ، وكما قاسوا جارح الصيد على قاتله ؛ وكما أوجبوها على من لبس قميصا أو عمامة .
897 - مسألة : ولا يحل لأحد قطع شيء من شجر الحرم بمكة ، والمدينة ولا شوكة فما فوقها ، ولا من حشيشه حاشا الإذخر فإن جمعه مباح في الحرم - ومباح له أن يرعى إبله أو بعيره أو مواشيه في الحرم - فإن وجد غصنا قد قطعه غيره أو وقع ففارق جذمه فله أخذه حينئذ . فإن احتطب في حرم المدينة خاصة فإن سلبه حلال لمن وجده . روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة : { إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها قال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : إلا الإذخر } . ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث هو ابن سعد - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح العدوي " أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول : { إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله عليه السلام فيها فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ؟ وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، وليبلغ الشاهد الغائب } . قال أبو محمد : هذا ما نهى الله تعالى عنه على لسان رسوله عليه السلام ولم ينه عن إرعاء المواشي : { وما كان ربك نسيا } . قال أبو حنيفة : بكراهية الرعي في حرم مكة - وهذا تعد لحدود الله تعالى - وأباح مالك أخذ السنى وسائر حشيش الحرم - وهذا أيضا خلاف أمر رسول الله عليه السلام ، ولا فرق بين السنى وبين سائر حشيش الحرم . وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وسفيان : بإيجاب الجزاء على قاطع شجر الحرم - قال أبو حنيفة في الغصن فما فوقه إلى الدوحة : قيمة ذلك ، فإن بلغ هديا أهداه ، فإن لم يبلغ هديا فقيمته طعاما يتصدق به لكل مسكين نصف صاع حنطة ، أو صاع تمر ، أو شعير ، ولا يجزئ في ذلك صيام . وقال زفر : يتصدق بالقيمة ولا يجزئ في ذلك هدي ولا صيام . قال أبو محمد : روينا عن بعض السلف في الدوحة بدنة . وعن عطاء فيها بقرة ، وفي الوتد مد . وعن عبد الله بن عامر في الدوحة : بقرة . وعن ابن أبي نجيح في الدوحة ستة دنانير ، أو خمسة ، أو سبعة يتصدق بها بمكة - وما نعلم لأبي حنيفة وزفر في قولهما سلفا . وقال مالك ، وأبو سليمان : لا شيء في ذلك - وهو الحق لأنه لو كان في ذلك شيء لبينه رسول الله ﷺ ولا يجوز شرع هدي ، ولا إيجاب صيام ، ولا إلزام غرامة إطعام ، ولا صدقة ، إلا بقرآن ، أو سنة ؛ وهذا مما تركت فيه الطوائف المذكورة القياس . فإن أبا حنيفة ، والشافعي قاسا إيجاب الجزاء في شجر الحرم على إيجاب الجزاء في صيده ولم يقيسا إيجاب الجزاء في حرم المدينة على إيجابه في حرم مكة وكلاهما حرم محرم صيده . وقاس مالك إيجاب الفدية على اللابس والمتطيب على وجوبها على حالق رأسه ، ولم يقس إيجاب الجزاء في شجر حرم مكة ، وفي صيد حرم المدينة على وجوبه في صيد حرم مكة . وكل ذلك تناقض لا وجه له - وبالله تعالى التوفيق .
898 - مسألة : ولا يحل أن يسفك في حرم مكة دم بقصاص أصلا ، ولا أن يقام فيها حد ، ولا يسجن فيها أحد ، فمن وجب عليه شيء من ذلك أخرج عن الحرم وأقيم عليه الحد لما ذكرنا من نهي رسول الله عليه السلام أن يسفك بها دم ، ولقول الله تعالى : { مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا } وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شيء . وأما إخراج العاصي منه فلقول الله تعالى : { أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } فتطهيره من العصاة واجب ، وليس هذا في حرم المدينة ، لأنه لم يأت بذلك نص ولا يسمى ذبح الحيوان المتملك ولا الحجامة ، ولا فتح العرق : سفك دم . روينا من طريق ابن عيينة أنا إبراهيم بن ميسرة - وكان ثقة مأمونا - قال : سمعت طاوسا يقول : سمعت ابن عباس يقول : من أصاب حدا ، ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع - وذكر كلاما - وفيه : فإذا خرج أقيم عليه الحد - وهو قول سعيد بن جبير ، والحكم بن عتيبة - وهو قول عمر بن الخطاب . ومن طريق ابن جريج قال أبو الزبير : قال ابن عمر : لو وجدت فيه قاتل عمر ما ندهته يعني حرم مكة . وقال ابن عباس : لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما عرضت له . قال أبو محمد : فلم يخصوا من أصاب حدا في الحرم ممن أصابه خارج الحرم ؛ ثم لجأ إلى الحرم - وفرق عطاء ، ومجاهد بينهما . وروينا من طريق ابن الزبير أنه خرج قوما من الحرم إلى الحل فصلبهم . ومن طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان فيمن قتل ، ثم لجأ إلى الحرم ؟ قال : يخرج منه فيقتل . وقال أبو حنيفة : تقام الحدود في الحرم إلا القتل وحده فإنه لا يقام فيه حد قتل ولا قود حتى يخرج باختياره . وقال أبو يوسف : يخرج فيقام عليه حد القتل . قال علي : تقسيم أبي حنيفة فاسد وما نعلم لمن أباح القتل في الحرم حجة أصلا ، ولا سلفا ، إلا الحصين بن نمير ، ومن بعثه ، والحجاج ، ومن بعثه . قال أبو محمد : وأما من تعدي عليه في الحرم فليدفع عن نفسه قال تعالى : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } وبالله تعالى التوفيق .
899 - مسألة : ولا يخرج شيء من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا حجاج عن عطاء قال : يكره أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل ، أو يدخل تراب الحل إلى الحرم - وهو قول ابن أبي ليلى وغيره . ولا بأس بإخراج ماء زمزم لأن حرمة الحرم إنما هي للأرض وترابها وحجارتها ، فلا يجوز له إزالة حرمتها ولم يأت في الماء تحريم .
900 - مسألة : وملك دور مكة وبيعها وإجارتها جائز . وقد روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لا يحل بيع دورها ولا إجارتها . ومنع عمر بن عبد العزيز من كرائها . وروينا عن عمر المنع من التبويب على دورها ؛ وروينا في ذلك خبرين مرسلين لا يصحان - وهو قول إسحاق بن راهويه . قال علي : قد ملك الصحابة بها دورهم بعلم رسول الله عليه السلام فلم يمنع من ذلك ، وكل من ملك ربعا فقد قال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } وأمر بالمؤاجرة رسوله عليه السلام فكل ذلك مباح فيها .
901 - مسألة : وأما من احتطب في حرم المدينة فحلال سلبه كل ما معه في حاله تلك وتجريده إلا ما يستر عورته فقط ؛ فلما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - عن أبي عامر العقدي نا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد قال : إن سعدا أباه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فسألوه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال : معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله عليه السلام وأبى أن يرد عليهم . وعن عمر بن الخطاب أنه قال لمولى لعثمان بن مظعون : إني استعملتك على ما هاهنا فمن رأيته يخبط شجرا أو يعضده : فخذ حبله وفأسه ؟ قلت : آخذ رداءه ؟ قال : لا - وعن ابن عمر نحو هذا . قال أبو محمد : ولا مخالف لهم من الصحابة يعرف وليس هذا في الحشيش لأن الأثر إنما جاء في الاحتطاب - وستر العورة فرض بكل حال .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية عشر
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 641)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641)
كتاب الزكاة
641 - مسألة : ولا زكاة في شيء من الثمار ، ولا من الزرع ، ولا في شيء من المعادن غير ما ذكرنا ؟ ولا في الخيل ، ولا في الرقيق ، ولا في العسل ، ولا في عروض التجارة ، لا على مدير ولا غيره ؟ قال أبو محمد : اختلف السلف في كثير مما ذكرنا ؛ فأوجب بعضهم الزكاة فيها ، ولم يوجبها بعضهم واتفقوا في أصناف سوى هذه أنه لا زكاة فيها . فمما اتفقوا على أنه لا زكاة فيه كل ما اكتسب للقنية لا للتجارة ، من جوهر ، وياقوت ، ووطاء ، وغطاء ، وثياب ، وآنية نحاس ؛ أو حديد ، أو رصاص ، أو قزدير ، وسلاح ، وخشب ، ودروع وضياع ، وبغال ، وصوف ، وحرير ؛ وغير ذلك كله لا تحاش شيئا . وقالت طائفة : كل ما عمل منه خبز أو عصيدة : ففيه الزكاة ؛ وما لم يؤكل إلا تفكها فلا زكاة فيه - وهو قول الشافعي . وقال مالك : الزكاة واجبة في القمح ، والشعير ، والسلت وهي كلها صنف واحد . قال : وفي العلس وهو صنف منفرد . وقال مرة أخرى : إنه يضم إلى القمح ، والشعير ، والسلت . قال : وفي الدخن ؛ وهو صنف منفرد ، وفي السمسم والأرز ، والذرة ، وكل صنف منها منفرد لا يضم إلى غيره . وفي الفول والحمص واللوبيا ، والعدس والجلبان والبسيل والترمس ؛ وسائر القطنية . وكل ما ذكرنا فهو صنف واحد يضم بعضه إلى بعض في الزكاة . قال : وأما في البيوع فكل صنف منها على حياله ، إلا الحمص ، واللوبيا ؛ فإنهما صنف واحد ؟ ومرة رأى الزكاة في حب العصفر ، ومرة لم يرها فيه ؟ وأوجب الزكاة في زيت الفجل . ولم ير الزكاة في زريعة الكتان ولا في زيتها ولا في الكتان ، ولا في الكرسنة . ولا في الخضر كلها ولا في اللفت . ورأى الزكاة في زيت الزيتون لا في حبه . ولم يرها في شيء من الثمار ، لا في تين ولا بلوط ، ولا قسطل ، ولا رمان ، ولا جوز الهند ، ولا جوز ، ولا لوز . ولا غير غير ذلك أصلا . وقال أبو حنيفة : الزكاة في كل ما أنبتت الأرض من حبوب أو ثمار أو نوار لا تحاش شيئا حتى الورد والسوسن وغير ذلك حاشا ثلاثة أشياء فقط ، وهي : الحطب ، والقصب ، والحشيش فلا زكاة فيها ؟ واختلف قوله في قصب الذريرة فمرة رأى فيها الزكاة ، ومرة لم يرها فيها . وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : لا زكاة في الخضر كلها ، ولا في الفواكه ؟ وأوجبا الزكاة في الجوز ، واللوز ، والتين ، وحب الزيتون ، والجلوز والصنوبر ، والفستق ، والكمون ، والكرويا والخردل ، والعناب ، وحب البسباس . وفي الكتان ، وفي زريعته أيضا ، وفي حب العصفر ، وفي نواره ، وفي حب القنب لا في كتانه ، وفي الفوه إذا بلغ كل صنف مما ذكرنا خمسة أوسق ، وإلا فلا ؟ وأوجبا الزكاة في الزعفران ، وفي القطن ، والورس ؟ ثم اختلفا - : فقال أبو يوسف : إذا بلغ ما يصاب من أحد هذه الثلاثة ما يساوي خمسة أوسق من قمح ، أو شعير ، أو من ذرة ، أو من تمر ، أو من زبيب - أحد هذه الخمسة فقط ، لا من شيء غيرها - : ففيه الزكاة وإن نقص عن قيمة خمسة أوسق من أحد ما ذكرنا فلا زكاة فيه . وقال محمد بن الحسن : إن بلغ ما يرفع من الزعفران : خمسة أمنان وهي عشرة أرطال ففيه الزكاة ، وإلا فلا ، وكذلك الورس . وإن بلغ القطن خمسة أحمال وهي ثلاثة آلاف رطل فلفلية ففيه الزكاة ، وإلا فلا . واتفقا على أن حب العصفر إن بلغ خمسة أوسق زكي هو ونواره ، وإن نقص عن ذلك لم يزك لا حبه ولا نواره . واختلفا في الإجاص والبصل والثوم والحناء ، فمرة أوجبا فيها الزكاة ومرة أسقطاها ؟ وأسقطا الزكاة عن خيوط القنب ، وعن حب القطن ، وعن البلوط ، والقسطل ، والنبق والتفاح ، والكمثرى ، والمشمش ، والهليلج والقثاء ، واللفت ، والتوت ، والخروب ، والحرف والحلبة ، والشونيز والكراث . وقال أبو سليمان داود بن علي ، وجمهور أصحابنا : الزكاة في كل ما أنبتت الأرض ، وفي كل ثمرة ، وفي الحشيش وغير ذلك ، لا تحاش شيئا . قالوا : فما كان من ذلك يحتمل الكيل لم تجب فيه زكاة حتى يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق فصاعدا ، وما كان لا يحتمل ففي قليله وكثيره الزكاة . وروينا أيضا عن السلف الأول أقوالا ؟ - : فروي عن ابن عباس : أنه كان يأخذ الزكاة من الكراث . وعن ابن عمر : أنه رأى الزكاة في السلت ؟ وعن مجاهد ، وحماد بن أبي سليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي إيجاب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض ، قل أو كثر ، وهو عن عمر بن عبد العزيز عن معمر عن سماك بن الفضل عنه . ورواه عن إبراهيم وكيع عن سفيان الثوري عن منصور عنه ، وأنه قال : في عشر دستجات بقل دستجة . ورواه عن حماد بن أبي سليمان شعبة وروينا عن الزهري وعمر بن عبد العزيز إيجاب الزكاة في الثمار عموما ، دون تخصيص بعضها من بعض . وعن الزهري إيجاب الزكاة في التوابل والزعفران : عشر ما يصاب منها . وعن أبي بردة بن أبي موسى إيجاب الزكاة في البقول . قال أبو محمد : أما ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه من إيجاب الزكاة في السلت فإنه قدر أنه نوع من القمح ، وليس كذلك ، وإن كان القمح يستحيل في بعض الأرضين سلتا ؛ فإن اسمهما عند العرب مختلف ، وحدهما في المشاهدة مختلف ، فهما صنفان بلا شك وقد يستحيل العصير خمرا ، ويستحيل الخمر خلا ، وهي أصناف مختلفة بلا خلاف ؛ ولم يأت قط برهان من نص ولا من إجماع ولا من معقول على أن ما استحال إلى شيء آخر ؛ فهما نوع واحد ؛ ولكن إذا اختلفت الأسماء لم يجز أن يوقع حكم ورد في اسم صنف ما على ما لا يقع عليه ذلك الاسم ، لقول الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . ولو كان ذلك لوجب أن يوقع على غير السارق حكم السارق ، وعلى غير الغنم حكم الغنم . وهكذا في كل شيء وروينا في ذلك أثرا لا يصح ، من طريق ابن لهيعة ، وهو ساقط ، عن عمارة بن غزية وهو ضعيف عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم { إن هذا كتاب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم : في النخل والزرع قمحه وسلته وشعيره فيما سقي من ذلك بالرشاء نصف العشر } . وذكر الحديث . وهذه صحيفة لا تسند ، وقد خالف خصومنا أكثر ما في هذه الصحيفة . وأما قول الشافعي ، فإنه حد حدا فاسدا لا برهان على صحته ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس وما نعلم أحدا قاله قبله ؛ وما كان هكذا فهو ساقط لا يحل القول به . والعجب أنه قاس على البر ، والشعير كل ما يعمل منه خبز أو عصيدة ، ولم يقس على التمر والزبيب كل ما يتقوت من الثمار ، فإن البلوط والتين والقسطل وجوز الهند أقوى وأشهر في التقوت من الزبيب بلا شك ؛ فما علمنا بلدا يكون قوت أهله الزبيب صرفا ، ونعلم بلادا ليس قوتها إلا القسطل ، وجوز الهند والتين صرفا ؛ وكذلك البلوط ، وقد يعمل منه الخبز والعصيدة ؛ فظهر فساد هذا القول . وأما قول مالك فأشد وأبين في الفساد ؛ لأنه إن كانت علته التقوت فإن القسطل ، والبلوط ، والتين ، وجوز الهند ، واللفت ، بلا شك أقوى في التقوت من الزيت ومن الزيتون ومن الحمص ومن العدس ومن اللوبياء . والعجب كله إيجابه الزكاة في زيت الفجل . وهو لا يؤكل ، وإنما هو للوقيد خاصة ؛ ولا يعرف إلا بأرض مصر فقط . وأخبرني ثقة في نقله وتمييزه أن المسمى بمصر فجلا يعمل منه الزيت الذي رأى مالك فيه الزكاة ، هو النبات المسمى عندنا بالأندلس " اللبشتر " وهو نبات صحراوي لا يغترس أصلا . ولم ير الزكاة في زيت زريعة الكتان ، ولا في زيت السمسم ، وزيت الجوز ، وزيت الهركان ، وزيت الزنبوج وزيت الضرو وهذه تؤكل ويوقد بها ، وهي زيوت خراسان ، والعراق ، وأرض المصامدة ، وصقلية ؟ ولا متعلق لقوله في قرآن ، ولا في سنة صحيحة ولا في رواية سقيمة ، ولا من دليل إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من عمل أهل المدينة ، لأن أكثر ما رأى فيه الزكاة ليس يعرف بالمدينة ؟ وما نعرف هذا القول عن أحد قبله : فظهر فساد هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق . والعجب كل العجب أن مالكا والشافعي قالا نصا عنهما : إن قول الله تعالى : { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } إنما أراد به الزكاة الواجبة . قال أبو محمد : فكيف تكون هذه الآية أنزلها الله تعالى في الزكاة عندهما ، ثم يسقطان الزكاة عن أكثر ما ذكر الله تعالى فيها باسمه من الرمان ، وسائر ما يكون في الجنات ، وهذا عجب لا نظير له . واحتج بعضهم بأنه إنما أوجب الله تعالى الزكاة فيها فيما يحصد . فقيل للمالكيين : فمن أين أوجبتم الزكاة في الزيتون ، وهو عندكم لا يحصد . ويقال للشافعيين : من لكم بأن الحصاد لا يطلق على غير الزرع . والله تعالى ذكر منازل الكفار فقال : { منها قائم وحصيد } . { قال رسول الله ﷺ يوم الفتح : احصدوهم حصدا } . وأما قول أبي يوسف ، ومحمد : فأسقط هذه الأقوال كلها وأشدها تناقضا ؛ لأنهما لم يلتزما التحديد بما يتقوت ، ولا بما يكال ، ولا بما يؤكل ولا بما ييبس ، ولا بما يدخر ، وأتيا بأقوال في غاية الفساد . فأوجبا الزكاة في الجوز واللوز ، والجلوز ، والصنوبر . وأسقطاها عن البلوط ، والقسطل ، واللفت . وأوجباها في البسباس ، وأسقطاها عن الشونيز ، وهما أخوان . وأوجباها - في بعض الأقوال - في الثوم والبصل ، وأسقطاها عن الكراث . وأوجباها في خيوط الكتان وحبه . وأوجباها في حب العصفر ونواره . وأوجباها في خيوط القطن دون حبه . وأوجباها في خيوط القنب ، وأسقطاها عن خيوطه . وأوجباها في الخردل ، وأسقطاها عن الحرف . وأوجباها في العناب ، وأسقطاها عن النبق وهما أخوان . وأوجباها في الرمان ، وأسقطاها عن التفاح والسفرجل وهي سواء . فإن قيل : الرمان مذكور في الآية . قيل : والزرع مذكور في الآية . وقد أسقطا الزكاة عن أكثر ما يزرع . وهذه وساوس تشبه ما يأتي به الممرور . وما لهما متعلق لا من قرآن ولا من سنة ، ولا من رواية ضعيفة ، ولا من قول صاحب ، ولا قياس ولا رأي سديد ، وما نعلم أحدا قال بذلك قبلهما ، فسقط هذا القول الفاسد أيضا جملة . وأما قول أبي حنيفة : فلا متعلق له بالقرآن ، ولا بقول رسول الله ﷺ { فيما سقت السماء العشر } لأنه قد أخرج من جملة ذلك القصب ، والحشيش وورق الثمار كلها ، وهذا تخصيص لما احتج به ، بلا برهان من نص ولا من إجماع ، ولا من قياس ولا من رأي له وجه يعقل ، مع خلافه للسنة . فخرج أيضا هذا القول عن الجواز وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : فلم يبق إلا قول أصحابنا وقولنا ، فنظرنا في ذلك ، فوجدنا أصحابنا يحتجون بالآية المذكورة وبالثابت عن رسول الله ﷺ من قوله { فيما سقت السماء العشر } لا حجة لهم غير هذين النصين . فوجدنا الآية لا متعلق لهم بها لوجوه - : أحدها : أن السورة مكية ، والزكاة مدنية ، بلا خلاف من أحد من العلماء ؛ فبطل أن تكون أنزلت في الزكاة . وقال بعض المخالفين : نعم هي مكية ؛ إلا هذه الآية وحدها ، فإنها مدنية . قال أبو محمد : هذه دعوى بلا برهان على صحتها ، وتخصيص بلا دليل ، ثم لو صح لما كانت لهم في ذلك حجة . لأن قائل هذا القول زعم أنها أنزلت في شأن ثابت بن قيس بن الشماس رضي الله عنه ؛ إذ جذ ثمرته فتصدق منها حتى لم يبق له منها شيء . فبطل أن يكون أريد بها الزكاة . والثاني : قوله تعالى فيها : { وآتوا حقه يوم حصاده } . ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن الزكاة لا يجوز إيتاؤها يوم الحصاد ؛ لكن في الزرع بعد الحصاد ، والدرس والذرو والكيل ، وفي الثمار بعد اليبس والتصفية والكيل . فبطل أن يكون ذلك الحق المأمور به هو الزكاة التي لا تجب إلا بعدما ذكرنا . والثالث : قوله تعالى في الآية نفسها : { ولا تسرفوا } ولا سرف في الزكاة لأنها محدودة ، ولا يحل أن ينقص منها حبة ولا تزاد أخرى . فإن قيل : فما هذا الحق المفترض في الآية . قلنا : نعم ، هو حق غير الزكاة ، وهو أن يعطي الحاصد حين الحصد ما طابت به نفسه ولا بد ، لا حد في ذلك ، هذا ظاهر الآية . وهو قول طائفة من السلف ، كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث هو ابن عبد الملك - عن محمد بن سيرين ، وعن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : كانوا يعطون من اعتر بهم شيئا سوى الصدقة . وبه إلى إسماعيل بن إسحاق قال : ثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي . ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : يعطي نحوا من الضغث . ومن طريق جرير عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : إذا حصدت وحضرك المساكين : طرحت لهم منه . وإذا طيبت : طرحت لهم منه . وإذا نقيته وأخذت في كيله : حثوت لهم منه . وإذا علمت كيله : عزلت زكاته . وإذا أخذت في جداد النخل طرحت لهم من التفاريق والتمر وإذا أخذت في كيله : حثوت لهم منه . وإذا علمت كيله : عزلت زكاته . وعن مجاهد أيضا : هذا واجب حين يصرم . وعن أبي العالية في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } وقال : كانوا يعطون شيئا غير الصدقة . وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : يمر به الضعيف والمسكين فيعطيه حتى يعلم ما يكون . وعن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده { وآتوا حقه يوم حصاده } . قال : بعد الذي يجب عليه من الصدقة ، يعطي الضغث والشيء . وعن الربيع بن أنس : { وآتوا حقه يوم حصاده } . قال : لقاط السنبل . وعن عطاء في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : شيء يسير سوى الزكاة المفروضة . ولا يصح عن ابن عباس أنها نزلت في الزكاة ؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة ، وهو ساقط ؛ ومن طريق مقسم ، وهو ضعيف . ومن ادعى أنه نسخ لم يصدق إلا بنص متصل إلى رسول الله ﷺ وإلا فما يعجز أحد عن أن يدعي في أي آية شاء ، وفي أي حديث شاء : أنه منسوخ . ودعوى النسخ إسقاط لطاعة الله تعالى فيما أمر به من ذلك النص ؛ وهذا لا يجوز إلا بنص مسند صحيح .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والأربعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753)
المؤلف: ابن حزم كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757)
كتاب الصيام
وأما من نسي أنه صائم في رمضان ، أو في صوم فرض ، أو تطوع : فأكل ، وشرب ، ووطئ ، وعصى ؛ ومن ظن أنه ليل ففعل شيئا من ذلك فإذا به قد أصبح ؛ أو ظن أنه غابت الشمس ففعل شيئا من ذلك فإذا بها لم تغرب - : فإن صوم كل من ذكرنا تام لقول الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ولقول رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . حدثنا بذلك أحمد بن عمر بن أنس العذري قال ثنا الحسين بن عبد الله الجرجاني قال ثنا عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن الريان المخزومي وراق أبي بكر بن قتيبة ثنا الربيع بن سليمان المؤذن المرادي ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : { إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبدان أنا يزيد بن زريع ثنا هشام هو ابن حسان - ثنا ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا نسي أحدكم فأكل ، أو شرب فليتم صومه ؛ فإنما أطعمه الله وسقاه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا أيوب هو السختياني - وحبيب بن الشهيد كلاهما عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال { : جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم ؟ فقال : الله أطعمك وسقاك } . ورويناه أيضا عن أبي رافع ، وخلاس عن أبي هريرة عن النبي ﷺ . قال أبو محمد : فسماه رسول الله ﷺ صائما ، وأمره بإتمام صومه ذلك فصح أنه صحيح الصوم - وبه يقول جمهور السلف ؟ روينا من طريق وكيع عن شعبة عن عبد الله بن دينار قال : استسقى ابن عمر وهو صائم ، فقلت : ألست صائما ؟ فقال : أراد الله أن يسقيني فمنعتني ؟ . ومن طريق أبي هريرة : من شرب ناسيا أو أكل ناسيا فليس عليه بأس ، إن الله أطعمه وسقاه ؟ وعن علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت مثل هذا . ورويناه أيضا عن عطاء ، وقتادة ، ومجاهد والحسن ، وسويا في ذلك بين المجامع ، والآكل ، وعن الحكم بن عتيبة مثله ، وعن أبي الأحوص ، وعلقمة ، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهم ؛ إلا أن بعض من ذكرنا رأى الجماع بخلاف الأكل والشرب ، ورأى فيه القضاء . وهو قول عطاء ، وسفيان : قال أبو محمد : وقال مالك : القضاء واجب على الناسي ؟ قال علي : وما نعلم لهم حجة أصلا ، إلا أنهم قالوا : الأكل ، والجماع ، والشرب ينافي الصوم ؟ فقيل لهم : وعلى هذا فالأكل والشرب ينافي الصلاة وأنتم تقولون : إن ذلك لا يبطل الصلاة إذا كان بنسيان فظهر تناقضهم فكيف وقولهم هذا خطأ ؟ وإنما الصواب أن تعمد الأكل والشرب والجماع والقيء ينافي الصوم لا الأكل كيف كان ، ولا الشرب كيف كان ، ولا الجماع كيف كان ، ولا القيء كيف كان ، فهذا هو الحق المتفق عليه ، والذي جاءت به النصوص من القرآن والسنن . وأما دعواهم فباطل ، عارية من الدليل جملة ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية فاسدة ، ولا من قياس ، ولا من قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، بل هذا مما نقضوا فيه وتناقضوا فيه ، لأنهم يعظمون خلاف قول الصاحب إذا وافقهم . وخالفوا هاهنا طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ، وقالوا : الكلام ، أو الأكل ، أو الشرب في الصلاة بنسيان لا يبطلها ، وأبطلوا الصوم بكل ذلك بالنسيان وهذا تناقض لا خفاء به ؟ وأما أبو حنيفة فتناقض أيضا ، لأنه رأى أن الكلام ، أو الأكل ناسيا ، أو الشرب ناسيا تبطل الصلاة بكل ذلك ويبتدئها ، وخالف السنة الواردة في ذلك ، ورأى الجماع يبطل الحج ناسيا كان أو عامدا ورأى أن كل ذلك لا يبطل الصوم ، واتبع الخبر في ذلك ، ورأى الجماع ناسيا لا يبطل الصوم ، قياسا على الأكل ، ولم يقس الآكل نائما على الآكل ناسيا ؛ بل رأى الأكل نائما يبطل الصوم ، وهو ناس بلا شك ، وهذا تخليط لا نظير له ؟ وادعى مقلدوه الإجماع على أن الجماع والأكل ناسيا سواء ؛ وكذبوا في ذلك ؛ لأننا روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : رجل أصاب امرأته ناسيا في رمضان ؟ فقال عطاء : لا ينسى هذا كله عليه القضاء ؛ لم يجعل الله له عذرا ، وإن طعم ناسيا فليتم صومه ولا يقضيه ، الله أطعمه وسقاه وبه يقول سفيان الثوري . ورأى ابن الماجشون على من أكل ناسيا أو شرب ناسيا القضاء وعلى من جامع ناسيا القضاء والكفارة وهذه أقوال فاسدة وتفاريق لا تصح - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : ومن أكل وهو يظن أنه ليل أو جامع كذلك أو شرب كذلك فإذا به نهار إما بطلوع الفجر وإما بأن الشمس لم تغرب - : كلاهما لم يتعمد إبطال صومه ، وكلاهما ظن أنه في غير صيام ، والناسي ظن أنه في غير صيام ولا فرق ، فهما والناسي سواء ولا فرق . وليس هذا قياسا - ومعاذ الله من ذلك - وإنما يكون قياسا لو جعلنا الناسي أصلا ثم شبهنا به من أكل وشرب وجامع وهو يظن أنه في ليل فإذا به في نهار ، ولم نفعل هذا بل كلهم سواء في قول الله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وفي قول رسول الله ﷺ : { إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . وهذا قول جمهور السلف - : روينا من طريق عبد الرزاق : ثنا معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : أفطر الناس في زمن عمر بن الخطاب فرأيت عساسا أخرجت من بيت حفصة فشربوا ، ثم طلعت الشمس من سحاب ، فكأن ذلك شق على الناس ، فقالوا : نقضي هذا اليوم فقال عمر : لم ؟ والله ما تجانفنا لإثم وروينا أيضا من طريق الأعمش عن المسيب عن زيد بن وهب . ومن طريق ابن أسلم عن أخيه عن أبيه ولم يذكر قضاء ؟ وقد روي عن عمر أيضا القضاء ، وهذا تخالف من قوله ، فوجب الرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه عند التنازع ، من القرآن والسنة ، فوجدنا ما ذكرنا قبل ، مع أن هذه الرواية عن عمر أولى لأن زيد بن وهب له صحبة ، وإنما روي عنه القضاء من طريق علي بن حنظلة عن أبيه . وروينا من طريق شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة عمن تسحر نهارا وهو يرى أن عليه ليلا ؟ فقال : يتم صومه . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال : من أكل بعد طلوع الفجر وهو يظن أنه لم يطلع فليس عليه القضاء ؛ لأن الله تعالى يقول : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن البصري فيمن تسحر وهو يرى أنه ليل ، قال : يتم صومه . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو داود - هو الطيالسي - عن حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد فيمن أكل يرى أنه ليل فإذا به نهار ، قال : يتم صومه . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ، ومعمر ، قال ابن جريج : عن عطاء ، وقال معمر : عن هشام بن عروة عن أبيه ، ثم اتفق عروة وعطاء فيمن أكل في الصبح وهو يرى أنه ليل : لم يقضه ؛ فهؤلاء : عمر بن الخطاب ، والحكم بن عتيبة ، ومجاهد ؛ والحسن ، وجابر بن زيد أبو الشعثاء ، وعطاء بن أبي رباح ، وعروة بن الزبير - وهو قول أبي سليمان . وروينا عن معاوية ، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين ، وهشام بن عروة ، وعطاء ، وزياد بن النضر ، وإنما قال هؤلاء : بالقضاء في الذي يفطر وهو يرى أنه ليل ثم تطلع الشمس وأما في الفجر فلا ، مثل قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وما نعلم لهم حجة أصلا . فإن ذكروا ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت : { أفطر الناس على عهد رسول الله ﷺ ثم طلعت الشمس } . قال أبو أسامة : قلت لهشام : فأمروا بالقضاء ؟ فقال : ومن ذلك بد ؟ فإن هذا ليس إلا من كلام هشام ، وليس من الحديث ، فلا حجة فيه . وقد قال معمر : سمعت هشام بن عروة في هذا الخبر نفسه يقول : لا أدري أقضوا أم لا ؟ فصح ما قلنا . وأما من أكره على الفطر ، أو وطئت امرأة نائمة ، أو مكرهة أو مجنونة أو مغمى عليها ، أو صب في حلقه ماء وهو نائم - : فصوم النائم ، والنائمة ، والمكره ، والمكرهة : تام صحيح لا داخلة فيه ، ولا شيء عليهم ، ولا شيء على المجنونة . والمغمى عليها ، ولا على المجنون والمغمى عليه ؛ لما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { إن الله تجاوز لأمته عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . والنائم والنائمة مكرهان بلا شك غير مختارين لما فعل بهما ؟ وقال زفر : لا شيء على النائم ، والنائمة ولا قضاء كما قلنا ، سواء سواء ، وصومهما تام - وهو قول الحسن بن زياد . وقد روي أيضا عن أبي حنيفة في النائم مثل قول زفر . وقال سفيان الثوري : إذا جومعت المرأة مكرهة في نهار رمضان فصومها تام ولا قضاء عليها وهو قول عبيد الله بن الحسن . وبه يقول أبو سليمان ، وجميع أصحابنا . والمجنون ، والمغمى عليه غير مخاطبين ، قال رسول الله ﷺ : { رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ ، والصبي حتى يحتلم } . والمشهور عن أبي حنيفة أن القضاء على النائم والنائمة ، والمكره والمكرهة ، والمجنون والمجنونة ، والمغمى عليهما وهو قول مالك . قال أبو محمد : وهو قول ظاهر الفساد ، وما نعلم لهم حجة من قرآن ، ولا سنة صحيحة ولا رواية فاسدة ولا قول صاحب ، ولا قياس ، إلا أن بعضهم قاس ذلك على المكره على الحدث أنه تنتقض طهارته . قال علي : وهذا قياس في غاية الفساد - لو كان القياس حقا - فكيف والقياس كله باطل ؟ لأن الطهارة تنتقض من الأحداث بقسمين : أحدهما بنقضها كيف ما كان ، بنسيان أو عمد أو إكراه : والآخر لا ينقضها إلا بالعمد على حسب النصوص الواردة في ذلك ، وهم متفقون على أن - الريح ، والبول ، والغائط ينقض الطهارة - : أن يقيسوا الناسي في الصوم على الناسي في الطهارة ، والمغلوب بالقيء على المغلوب بالحدث ، وكلهم لا يقولون بهذا أصلا ، فبطل قياسهم الفاسد وكان أدخل في القياس لو قاسوا المكره ، والمغلوب في الصوم على المكره ، والمغلوب في الصلاة على ترك القيام ، أو ترك السجود ، أو الركوع ، فهؤلاء صلاتهم تامة بإجماع منهم ؛ فكذلك يجب أن يكون صوم المكره والمغلوب ولا فرق ؛ ولكنهم لا يحسنون القياس ولا يتبعون النصوص ولا يطردون أصولهم ، وبالله تعالى التوفيق
وأما دخول الحمام ، والتغطيس في الماء ، ودهن الشارب ، فقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا يدخل الصائم الحمام . وعن إبراهيم النخعي الإفطار بدهن الشارب ، وعن بعض السلف مثل ذلك في التغطيس في الماء ، ولا حجة إلا فيما صح عن رسول الله ﷺ ولم يأت عنه نهي للصائم عن شيء من ذلك ؛ فكل ذلك مباح لا يكدح في الصوم - وبالله تعالى التوفيق .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والثلاثون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 704)
المؤلف: ابن حزم كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718)
كتاب الزكاة
704 - مسألة : زكاة الفطر من رمضان فرض واجب على كل مسلم ، كبير أو صغير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، وإن كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه عن كل واحد صاع من تمر أو صاع من شعير ، وقد قدمنا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي ﷺ وقد فسرناه قبل ، ولا يجزئ شيء غير ما ذكرنا ، لا قمح ، ولا دقيق قمح أو شعير ، ولا خبز ولا قيمة ؛ ولا شيء غير ما ذكرنا ، حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال : { فرض رسول الله ﷺ على كل نفس من المسلمين - حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير - : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال { أمر رسول الله ﷺ بزكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . } وقال مالك : ليست فرضا ، واحتج له من قلده بأن قال : معنى " فرض رسول الله ﷺ " أي قدر مقدارها . قال أبو محمد : وهذا خطأ ، لأنه دعوى بلا برهان وإحالة اللفظ عن موضوعه بلا دليل . وقد أوردنا أن رسول الله ﷺ أمر بها وأمره فرض ، قال تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وذكروا خبرا رويناه من طريق قيس بن سعد { أمرنا رسول الله ﷺ بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ، ونحن نفعله } وعنه أيضا { كنا نصوم عاشوراء ونعطي الفطر ما لم ينزل علينا صوم رمضان والزكاة ، فلما نزلا لم نؤمر ولم ننه عنه ، ونحن نفعله } وقال أبو محمد وهذا الخبر حجة لنا عليهم لأن فيه أمر رسول الله ﷺ بزكاة الفطر ، فصار أمرا مفترضا ثم لم ينه عنه فبقي فرضا كما كان ، وأما يوم عاشوراء فلولا أنه عليه السلام صح أنه قال بعد ذلك : { من شاء صامه ومن شاء تركه } لكان فرضه باقيا ، ولم يأت مثل هذا القول في زكاة الفطر ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ، وقد قال تعالى : { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقد سمى رسول الله ﷺ زكاة الفطر : زكاة ، فهي داخلة في أمر الله تعالى بها ، والدلائل على هذا تكثر جدا ؟ وروينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن سليمان الأحول عن محمد بن محمد بن سيرين ، وأبي قلابة قالا جميعا : زكاة الفطر فريضة ، وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهما . وأجاز قوم أشياء غير ما أمر به رسول الله ﷺ فقال قوم : يجزئ فيها القمح وقال آخرون : والزبيب ، والأقط . واحتجوا بأشياء منها - : أنهم قالوا : إنما يخرج كل أحد مما يأكل ومن قوت أهل بلده ، فقلنا : هذه دعوى باطل بلا برهان ، ثم قد نقضتموها لأنه إنما يأكل الخبز لا الحب : فأوجبوا أن يعطي خبزا لأنه هو أكله ، وهو قوت أهل بلده ، فإن قالوا : هو غير ما جاء به الخبر . قلنا : صدقتم ، وكذلك ما عدا التمر ، والشعير ، وقالوا : إنما خص عليه السلام - بالذكر - التمر ، والشعير ؛ لأنهما كانا قوت أهل المدينة . قال أبو محمد : وهذا قول فاحش جدا ؛ أول ذلك أنه كذب على رسول الله ﷺ مكشوف ، لأن هذا القائل قوله عليه السلام ما لم يقل ؛ وهذا عظيم جدا ، ويقال له : من أين لك أن رسول الله ﷺ أراد أن يذكر القمح ، والزبيب ؛ فسكت عنهما وقصد إلى التمر ، والشعير ؛ أنهما قوت أهل المدينة ، وهذا لا يعلمنه إلا من أخبره عليه السلام بذلك عن نفسه ، أو من نزل عليه وحي بذلك ، وأيضا : فلو صح لهم ذلك لكان الفرض في ذلك لا يلزم إلا أهل المدينة فقط ، وأيضا : فإن الله تعالى قد علم وأنذر بذلك رسوله ﷺ أن الله تعالى سيفتح لهم الشام ، والعراق ، ومصر ، وما وراء البحار ، فكيف يجوز أن يلبس على أهل هذه البلاد دينهم ؟ فيريد منهم أمرا ولا يذكره لهم ويلزمهم بكلامه ما لا يلزمهم من التمر ، والشعير ؟ ونعوذ بالله من مثل هذا الظن الفاسد المختلط ، واحتجوا بأخبار فاسدة لا تصح - : منها خبر رويناه من طريق إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري : { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر : صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط } والحارث ضعيف ، ثم لو صح لما كان فيه إلا الأقط لا سائر ما يجيزون ؟ ومن طريق ابن وهب كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ فذكر { صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير . } وكثير بن عبد الله ساقط ، لا تجوز الرواية عنه ، ثم لو صح لم يكن فيه إلا الأقط ، والزبيب . ومن طريق نصر بن حماد عن أبي معشر المدني عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ فذكر { صاعا من تمر ، أو من شعير ، أو من قمح ، ويقول أغنوهم عن تطواف هذا اليوم } . وأبو معشر المدني هذا نجيح مطرح يحدث بالموضوعات عن نافع وغيره . ومن طريق يعلى عن حماد بن زيد عن النعمان بن رشاد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه عن النبي ﷺ { صاعا من بر عن كل ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، غني أو فقير ، حر أو مملوك } والنعمان بن راشد ضعيف كثير الغلط ؛ ثم لو صح لكان أبو حنيفة قد خالفه ؛ لأنه لا يوجب إلا نصف صاع من بر . ومن طريق همام بن يحيى : ثنا بكر بن وائل بن داود ثنا الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله { عن النبي ﷺ أنه أمر في صدقة الفطر : صاع تمر ، أو صاع شعير على كل واحد ، أو صاع قمح بين اثنين . } وعن ابن جريج عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي ﷺ وهذان مرسلان : ومن طريق مسدد عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه { عن النبي ﷺ في صدقة الفطر : صاع من قمح على كل اثنين . } ومن طريق سليمان بن داود العتكي عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه { عن النبي ﷺ في صدقة الفطر : صاع من بر على كل اثنين } . فحصل هذا الحديث راجعا إلى رجل مجهول الحال ، مضطرب عنه ، مختلف في اسمه ، مرة : عبد الله بن ثعلبة ، ومرة : ثعلبة بن عبد الله ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صعير ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة . وأحسن حديث في هذا الباب ما حدثناه همام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا همام بن يحيى عن بكر بن وائل ، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه : { أن النبي ﷺ قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر ، صاع تمر ، أو صاع شعير عن كل واحد } ولم يذكر : " البر " ولا شيئا غير التمر والشعير : ولكنا لا نحتج به ؛ لأن عبد الله بن ثعلبة مجهول - ثم هذا كله مخالف لقول مالك ، والشافعي ، ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي يزيد المدني { أعطى رسول الله ﷺ لمظاهر شعيرا وقال : أطعم هذا ، فإن مدين من شعير يقضيان مدا من قمح } وهذا مرسل . ومن طريق ابن جرير عن عمرو بن شعيب { أن رسول الله ﷺ لما حج بعث صارخا في بطن مكة : ألا إن زكاة الفطر حق واجب على كل مسلم مدان من حنطة ، أو صاع مما سوى ذلك من الطعام } وهذا مرسل . وعن جابر الجعفي عن الشعبي { كانوا يخرجون على عهد رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر . } وهذا مرسل . ومن طريق الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، وعقيل بن خالد ، وعمرو بن الحارث قال عبد الرحمن ، وعقيل : عن الزهري ، وقال عمرو : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ثم اتفق يزيد ، والزهري عن سعيد بن المسيب { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر : مدين حنطة } وهذا مرسل .
ومثله أيضا - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كلهم عن رسول الله ﷺ وهي مراسيل . ومن طريق حميد عن الحسن عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ فرضها - يعني زكاة الفطر - صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر } ولا يصح للحسن سماع من ابن عباس . وروي أيضا - من طريق أبي هريرة ، وأوس بن الحارث وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وكل ذلك لا يصح ، ولا يشتغل به ، ولا يعمل به إلا جاهل . قال أبو محمد : وهذا مما نقضت كل طائفة منهم فيه أصلها - : فأما الشافعيون فإنهم يقولون عن الشافعي : بأن مرسل سعيد بن المسيب حجة ، وقد تركوا هاهنا مرسل سعيد بن المسيب : وقال الشافعي : في أشهر قوليه لا تجزئ زكاة الفطر إلا من حب تخرج منه الزكاة ، وتوقف في الأقط ، وأجازه مرة أخرى - : وأما المالكيون ، فأجازوا المرسل وجعلوه كالمسند ، وخالفوا هاهنا من المراسيل ما لو جاز قبول شيء منها لجاز هاهنا ، لكثرتها وشهرتها ومجيئها من طريق فقهاء المدينة . وأما الحنفيون فإنهم - في أشهر رواياتهم عنه - جعل الزبيب كالبر في أنه يجزئ منه نصف صاع ، ولم يجز الأقط إلا بالقيمة ، ولا أجاز غير البر ، والشعير ودقيقهما وسويقهما ، والتمر ، والزبيب فقط إلا بالقيمة ، وهذا خلاف لبعض هذه الآثار وخلاف لجميعها في إجازة القيمة ، والعجب كله من إطباقهم على أن راوي الخبر إذا تركه كان ذلك دليلا على سقوط الخبر ، كما فعلوا في خبر { غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا } . وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن ميمون الرقي عن مخلد هو ابن الحسين - عن هشام هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن ابن عباس قال : ذكر في صدقة الفطر فقال " صاع من بر ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو صاع من سلت " . فهذا ابن عباس قد خالف ما روي بأصح إسناد يكون عنه فواجب عليهم رد تلك الرواية ، وإلا فقد نقضوا أصلهم . وذكروا في ذلك حديثا صحيحا رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : " كنا نخرج زكاة الفطر ، صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط ؛ أو صاعا من زبيب " قال أبو محمد : وهذا غير مسند ، وهو أيضا مضطرب فيه على أبي سعيد . فرويناه من طريق البخاري : ثنا معاذ بن فضالة [ حدثنا أبو عمر ] عن زيد هو ابن أسلم - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نخرج على عهد رسول الله ﷺ يوم الفطر صاعا من طعام ، وكان طعامنا : الشعير ، والزبيب ، والأقط والتمر . } ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبرني عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : { كنا نخرج زكاة الفطر - ورسول الله ﷺ فينا عن كل صغير وكبير ، حر ومملوك - : من ثلاثة أصناف : صاعا من تمر ، صاعا من أقط ، صاعا من شعير . } قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك . ومن طريق سفيان بن عيينة : ثنا ابن عجلان سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري قال : { لم نخرج على عهد رسول الله ﷺ إلا صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من دقيق ، أو صاعا من سلت ثم شك سفيان فقال : دقيق أو سلت } . ومن طريق الليث عن يزيد هو ابن أبي حبيب - عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان أن عياض بن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد الخدري قال { كنا نخرج في عهد رسول الله ﷺ صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من أقط ، لا نخرج غيره } يعني في زكاة الفطر ، قال أبو محمد : ففي بعض هذه الأخبار إبطال إخراج " البر " جملة ، وفي بعضها إثبات الزبيب ، وفي بعضها نفيه ، وإثبات الأقط جملة ، وليس فيها شيء غير ذلك ، وهم يعيبون الأخبار المسندة - التي لا مغمز فيها - بأقل من هذا الاضطراب ، كحديث إبطال تحريم الرضعة والرضعتين وغير ذلك . ثم إنه ليس من هذا كله خبر مسند ؛ لأنه ليس في شيء منه أن رسول الله ﷺ علم بذلك فأقره ، ولا عجب أكثر ممن يقول في خبر جابر الثابت : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله ﷺ } وحديث أسماء بنت أبي بكر الثابت { ذبحنا على عهد رسول الله ﷺ فرسا فأكلناه } أن هذان ليسا مسندين " لأنه ليس فيهما أن رسول الله ﷺ علم بذلك فأقره ، ثم يجعل حديث أبي سعيد هذا مسندا على اضطرابه وتعارض رواته فيه فليقل كل ذي عقل : أيما أولى أن يكون لا يخفى على رسول الله ﷺ بيع رجل من أصحابه أم ولده ، أو ذبح فرس في بيت أبي بكر الصديق أو بيت الزبير ، وبيتاهما مطنبان ببيت رسول الله ﷺ وابنته عنده ، على عزة الخيل عندهم وقلتها وحاجتهم إليها ، أم صدقة رجل من المسلمين في بني خدرة في عوالي المدينة بصاع أقط ، أو صاع زبيب ، ولو ذبح فرس للأكل في جانب من جوانب بغداد ما كان يمكن أن يخفى في الجانب الآخر ، ولو تصدقت امرأة أحدنا أو جاره الملاصق بصاع أقط ؛ أو صاع زبيب وصاع قمح ، ما كاد هو يعلمه في الأغلب ؛ فاعجبوا لعكس هؤلاء القوم الحقائق ، ثم إن هذه الطوائف الثلاثة مخالفة لما في هذا الخبر . أما أبو حنيفة فأشهر أقواله أن نصف صاع زبيب يجزئ وأن الأقط لا يجزئ إلا بالقيمة . وأما الشافعي فأشهر أقواله أن الأقط لا يجزئ ، وأجاز إخراج ما منعت هذه الأخبار من إخراجه ، مما لم يذكر فيها من الذرة وغير ذلك . وأما المالكيون ، والشافعيون فخالفوها جملة ؛ لأنهم لا يجيزون إخراج شيء من هذه المذكورات في هذا الخبر إلا لمن كانت قوته ، وخبر أبي سعيد لا يختلف فيه أنه على التخيير ، وكلهم يجيز إخراج ما منعت هذه الأخبار من إخراجه ، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له ما هذا من التقوى ، ولا من البر ، ولا من النصح لمن أغتر بهم من المسلمين . وأما نحن فوالله لو انسند صحيحا شيء من كل ما ذكرنا من الأخبار لبادرنا إلى الأخذ به ، وما توقفنا عند ذلك ، لكنه ليس منها مسند صحيح ولا واحد ، فلا يحل الأخذ بها في دين الله تعالى ، وقال بعضهم : إنما قلنا بجواز القمح لكثرة القائلين به ، وجمح فرس بعضهم فادعى الإجماع في ذلك جرأة وجهلا ، فذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر { فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . قال ابن عمر : فعدله الناس بعد : مدين من قمح } . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر { فعدل الناس بعد نصف صاع من بر } وكان ابن عمر يعطي التمر ، فأعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير " . قال أبو محمد : لو كان فعل الناس حجة عند ابن عمر ما استجاز خلافه ، وقد قال الله تعالى : { إن الناس قد جمعوا لكم } . ولا حجة على رسول الله ﷺ بالناس ، لكنه حجة على الناس وعلى الجن معهم ، ونحن نتقرب إلى الله تعالى بخلاف الناس الذين تقرب ابن عمر إليه بخلافهم ، وذكروا ما رويناه من طريق حسين عن زائدة ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر { كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله ﷺ صاعا من شعير ، أو تمر ، أو زبيب ، أو سلت } قال أبو محمد : هذا لا ينسند ، لأنه ليس فيه أن رسول الله ﷺ علم ذلك وأقره ، ثم خلافهم له - لو أسند وصح - كخلافهم لسعيد الذي ذكرنا ، وإبطال تهويلهم بما فيه من " كان الناس يخرجون " بخلاف ابن عمر المخبر عنهم كما في خبر أبي سعيد سواء سواء ، وأيضا - فإن راوي هذا الخبر عبد العزيز بن أبي رواد ، وهو ضعيف منكر الحديث . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : إن الله قد أوسع ، والبر أفضل من التمر - يعني في صدقة الفطر - فقال ابن عمر : إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه . قال أبو محمد : فهذا ابن عمر قد ذكرنا أنه كان لا يخرج إلا التمر ، أو الشعير ، ولا يخرج البر ، وقيل له في ذلك ، فأخبر أنه في عمله ذلك على طريق أصحابه ؛ فهؤلاء هم الناس الذين يستوحش من خلافهم وهم الصحابة رضي الله عنهم ، بأصح طريق ، وإنهم ليدعون الإجماع بأقل من هذا إذا وجدوه . وعن أفلح بن حميد : كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يخرج زكاة الفطر صاعا من تمر . ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه : أنه كان إذا كان يوم الفطر أرسل صدقة كل إنسان من أهله صاعا من تمر ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا حماد بن مسعدة عن خالد بن أبي بكر قال : كان سالم بن عبد الله لا يخرج إلا تمرا " يعني في صدقة الفطر . فهؤلاء : ابن عمر ، والقاسم ، وسالم ، وعروة : لا يخرجون في صدقة الفطر إلا التمر ، وهم يقتاتون البر بلا خلاف ، وإن أموالهم لتسع إلى إخراج صاع دراهم عن أنفسهم ، ولا يؤثر ذلك في أموالهم . رضي الله عنهم فإن قيل : هم من أهل المدينة ؟ قلنا : ما خص رسول الله ﷺ بحكم صدقة الفطر أهل المدينة من أهل الصين ، ولا بعث إلى أهل المدينة دون غيرهم . والعجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة ، والدخن ، والأرز لمن كان ذلك قوته ، وليس شيء من ذلك مذكورا في شيء من الأخبار أصلا ، ومنع من إخراج الدقيق لأنه لم يذكر في الأخبار ؛ ومنع من إخراج القطاني وإن كانت قوت المخرج ، ومنع من التين ، والزيتون ، وإن كانا قوت المخرج ، وهذا تناقض ، وخلاف للأخبار ، وتخاذل في القياس ، وإبطالهم لتعليلهم بأن البر أفضل من الشعير ، ولا شك في أن الدقيق والخبز من البر والسكر أفضل من البر وأقل مؤنة وأعجل نفعا ، فمرة يجيزون ما ليس في الخبر ، ومرة يمنعون مما ليس في الخبر ؛ وبالله تعالى التوفيق . وهكذا القول في الشافعيين ولا فرق . قال أبو محمد : وشغب الحنفيون بأخبار نذكر منها طرفا إن شاء الله تعالى - : منها خبر - رويناه من طريق سفيان ، وشعبة ، كلاهما عن عاصم بن سليمان الأحول سمع أبا قلابة قال : حدثني من أدى إلى أبي بكر الصديق نصف صاع بر في صدقة الفطر . ومن طريق الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : { كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله ﷺ صاعا من شعير ، أو تمر ، أو سلت ، أو زبيب . قال ابن عمر : فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء } . ومن طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب ، فقال : في صدقة الفطر : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو نصف صاع من بر . ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو نصف صاع من بر . ومن طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت " كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع ، فأما إذ أوسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع " . ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر : كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تعطي زكاة الفطر - عمن تمون - صاعا من تمر ، صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر ، ومن طريق ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : صدقة الفطر على كل مسلم مدان من قمح ، أو صاع من تمر أو شعير . ومن طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : زكاة الفطر على كل فقير وغني صاع من تمر ، أو نصف صاع من قمح . وعن ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر : زكاة الفطر مدان من قمح ، أو صاع من شعير ، أو تمر . قال عمرو بن دينار : وبلغني هذا أيضا عن ابن عباس . ومن طريق عبد الكريم أبي أمية عن إبراهيم النخعي عن علقمة . والأسود عن عبد الله بن مسعود قال : مدان من قمح ، أو صاع من تمر ، أو شعير - يعني في صدقة الفطر . ومن طريق مسلم بن الحجاج : ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا داود يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نخرج - إذ كان فينا رسول الله ﷺ - زكاة الفطر صاعا من أقط ، أو صاعا من طعام ، أو صاعا من زبيب ، فلم نزل نخرج ذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا ؛ فكلم الناس على المنبر فقال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر ، فأخذ الناس بذلك . قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أخرجه أبدا ما عشت كما كنت أخرجه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن : أن مروان بعث إلى أبي سعيد : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك ، فقال أبو سعيد : إن مروان لا يعلم ، إنما علينا أن نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر ، أو نصف صاع بر . وروينا من طريق محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن سعد قال : " ذكرت لأبي سعيد الخدري صدقة الفطر ؟ فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله ﷺ صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاع زبيب أو صاع أقط ، فقيل له : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا ، تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ، ولا أعمل بها " . فهذا أبو سعيد يمنع من " البر " جملة ؛ ومما عدا ما ذكر ، وصح عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الإنسان في صدقة الفطر ، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم . من طريق وكيع عن قرة بن خالد قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلينا بذلك ، وصح أيضا عن طاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير . وهو قول الأوزاعي ، والليث ، وسفيان الثوري قال أبو محمد : تناقض هاهنا المالكيون المهولون بعمل أهل المدينة فخالفوا أبا بكر ، وعمر ، ( وعثمان ) وعلي بن أبي طالب ، وعائشة ، وأسماء بنت أبي بكر ، وأبا هريرة ، وجابر بن عبد الله وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأبا سعيد الخدري ، وهو عنهم كلهم صحيح إلا عن أبي بكر ، وابن مسعود ، إلا أن المالكيين يحتجون بأضعف من هذه الطرق إذا وافقتهم . ثم فقهاء المدينة : ابن المسيب ، وعروة ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم أفلا يتقي الله من يزيد في الشرائع ما لم يصح قط ، من جلد الشارب للخمر ثمانين ، برواية لم تصح قط عن عمر ، ثم قد صح خلافها عنه ، وعن أبي بكر قبله ، وعن عثمان ، وعلي بعده ، والحسن ، وعبد الله بن جعفر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يخالفهم منهم أحد ، ومعهم السنة الثابتة - : ثم لا يلتفت هاهنا إلى هؤلاء كلهم . وأما الحنفيون - المتزينون في هذا المكان باتباعهم - فقد خالفوا أبا بكر ، وعمر ، وعلي بن أبي طالب ؛ وابن مسعود ، وابن عباس ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك ، وأم سلمة أم المؤمنين في المسح على العمامة ، وخالفوا علي بن أبي طالب ، وأبا مسعود ، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب ، وبلالا وأبا أمامة الباهلي وأنس بن مالك وابن عمر ، وسهل بن سعد في جواز المسح على الجوربين ، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة من كل من يجيز المسح على الخفين ، ومثل هذا لهم كثير جدا وبالله تعالى نتأيد ، ولا حجة إلا فيما صح عن النبي ﷺ وقد ذكرناه . قال أبو محمد : وروينا عن عطاء ليس على الأعراب ، أهل البادية زكاة الفطر - وعن الحسن : أنها عليهم ، وأنهم يخرجون في ذلك اللبن . قال أبو محمد : لم يخص رسول الله ﷺ أعرابيا ولا بدويا من غيرهم ، فلم يجز تخصيص أحد من المسلمين ، ولا يجزئ لبن ولا غيره ، إلا الشعير ، أو التمر فقط . وأما الحمل فإن رسول الله ﷺ أوجبها على كل صغير أو كبير ، والجنين يقع عليه اسم : صغير ، فإذا أكمل مائة وعشرين يوما في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر النمري ، ومحمد بن كثير ، قال حفص : ثنا شعبة ، وقال ابن كثير : ثنا سفيان الثوري ، ثم اتفق سفيان ، وشعبة كلاهما عن الأعمش : ثنا زيد بن وهب ثنا عبد الله بن مسعود ثنا رسول الله ﷺ { إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات ، رزقه ، وعمله ، وأجله ، ثم يكتب : شقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح } قال أبو محمد : هو قبل ما ذكرنا موات ، فلا حكم على ميت ، فأما إذا كان حيا كما أخبر رسول الله ﷺ فكل حكم وجب على الصغير فهو واجب عليه . روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل : ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وقتادة : أن عثمان بن عفان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير ، والكبير ، والحمل . وعن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال : كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير ، والكبير ، حتى عن الحمل في بطن أمه ، وأبو قلابة أدرك الصحابة وصحبهم وروى عنهم ، ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن رجل عن سليمان بن يسار : أنه سئل عن الحمل أيزكى عنه ؟ قال : نعم . ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (مسألة 637 - 640) | كتاب الزكاة (مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 641) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 641) | كتاب الزكاة (مسألة 642) | كتاب الزكاة (مسألة 643 - 655) | كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | كتاب الزكاة (مسألة 673) | كتاب الزكاة (مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) | كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) | كتاب الزكاة ( مسألة 678 - 681) | كتاب الزكاة (مسألة 682) | كتاب الزكاة (مسألة 683) | كتاب الزكاة (مسألة 684) | كتاب الزكاة (مسألة 685 - 689) | كتاب الزكاة (مسألة 690 - 695) | كتاب الزكاة (مسألة 696 - 703) | كتاب الزكاة (مسألة 704) | كتاب الزكاة (مسألة 705 - 718) | كتاب الزكاة (مسألة 719 - 720) | كتاب الزكاة (مسألة 721 - 725)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والثمانون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والثمانون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 895 - 901) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 902 - 912)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 913 - 918)
كتاب الحج
902 - مسألة : ومن نذر أن يمشي إلى مكة أو إلى عرفة أو إلى منى أو إلى مكان ذكره من الحرم على سبيل التقرب إلى الله - عز وجل - أو الشكر له - تعالى - لا على سبيل اليمين ففرض عليه المشي إلى حيث نذر للصلاة هنالك ، أو الطواف بالبيت فقط - ولا يلزمه أن يحج ، ولا أن يعتمر إلا أن ينذر ذلك وإلا فلا . فإن شق عليه المشي إلى حيث نذر من ذلك فليركب ولا شيء عليه ؛ فإن ركب الطريق كله لغير مشقة في طريق فعليه هدي ولا يعوض منه صياما ولا إطعاما . فإن نذر أن يحج ماشيا فليمش من الميقات حتى يتم حجه . ومن نذر أن يركب في ذلك فعليه أن يركب ولا بد لقول الله - تعالى - : { يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } فالمشي والركوب إلى كل ما ذكرنا طاعة لله - عز وجل - . روينا من طريق مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين قالت : قال رسول الله عليه السلام { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . وقال - تعالى - { : يوفون بالنذر } وقال - تعالى - { : أوفوا بالعقود } فإنما أمر - تعالى - بالوفاء بعقود الطاعة لا بعقود المعاصي . وقال قوم : لا يمشي إلا في حج ، أو عمرة . قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ لأنه إلزام ما لم ينذره على نفسه بغير قرآن ، ولا سنة . وقال مالك : إن نذر المشي إلى المسجد ، أو إلى الكعبة ، أو إلى الحرم لزمه ، فإن نذر إلى عرفة ، أو إلى مزدلفة ، أو منى ، أو الصفا والمروة لم يلزمه - وهذا تقسيم بلا برهان . روينا من طريق البخاري نا محمد بن سلام نا الفزاري عن حميد الطويل أخبرني ثابت هو البناني - عن أنس { عن النبي عليه السلام : أنه رأى شيخا يهادي بين بنيه فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : نذر أن يمشي قال : إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ، وأمره أن يركب } فلم يوجب عليه النبي عليه السلام شيئا لركوبه . وقال - تعالى - { : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فمن ليس المشي في وسعه فلم يكلفه الله - تعالى - المشي ، وكان نذره لما ليس في وسعه معصية لا يجوز له الوفاء بها . قال علي : الفزاري هذا هو أبو إسحاق - أو مروان بن معاوية ، وكلاهما ثقة إمام . ومن طريق البخاري نا إبراهيم بن موسى نا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني سعيد بن أبي أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير حدثه { عن عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله - تعالى - وأمرتني أن أستفتي لها النبي ﷺ فاستفتيت النبي عليه السلام ؟ فقال : لتمش ولتركب فأمرها بكلا الأمرين ولم يوجب عليها في ذلك شيئا } . وقد علمنا ضرورة أن رسول الله عليه السلام لم يأمرها بالمشي إلا وهي قادرة عليه لقول الله - تعالى - : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ومن طريق أبي داود نا محمد بن المثنى نا أبو الوليد هو الطيالسي - نا هشام هو الدستوائي - نا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس { أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى البيت فأمرها النبي عليه السلام أن تركب وتهدي هديا } . فهذان أمران من رسول الله عليه السلام ، أحدهما : أن تركب وتمشي دون إلزام شيء في ذلك ، والآخر : أن تركب وتهدي هديا دون مشي في ذلك - وهذا هو قولنا . قال أبو محمد : وروينا من طريق فيها عبيد الله بن زحر - وهو ضعيف - عن أبي سعيد الرعيني وهو مجهول " أنه عليه السلام أمرها أن تصوم ثلاثة أيام " . وروي أيضا مثل هذا من طريق فيها حي بن عبد الله - وهو مجهول - ومثله من طريق فيها شريك - وهو ضعيف - نبهنا عليها لئلا يغتر بها . وقد اعترض قوم في الحديثين اللذين أوردنا بأن قالوا : قد رواه مطر الوراق عن عكرمة عن عقبة ، وعكرمة لم يلق عقبة ؛ وأوقفه بعض الناس على ابن عباس - وقد روي عن ابن عباس خلافه . قال علي : وهذا مما يمقت الله - تعالى - عليه ؛ لأن المفترض بهذا من قوله : إن المرسل والمنقطع كالمسند ثم يعيب هنا مسندا صحيحا برواية من رواه منقطعا أو موقوفا إن خالف تقليده ، وهذا فعل من لا ورع له ولا صدق ولا يعترض على المسند الذي تقوم به الحجة بمثل هذا إلا جاهل ؛ لأنه اعتراض لا دليل على صحته ودعوى فاسدة ؛ لأن المسند تقوم به الحجة ، والمرسل مطرح ، وأي نقيصة على الحق من رواية آخر مما لا حجة فيه . وأما قولهم : إنه قد روي عن ابن عباس خلاف ما روي من ذلك ، فإن الرواية عن ابن عباس اختلفت - : فروينا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال : امش ما استطعت واركب واذبح ، أو تصدق - وهذا موافق لما روي إلا ذكر الصدقة فقط . وروينا عنه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر هو ابن عبد الله المزني - أن ابن عباس أمر امرأة نذرت أن تحج ماشية بأن تشتري رقبة ولتمش فإذا عجزت فلتركب ولتمش الرقبة فإذا أعيت الرقبة فلتركب ولتمش الناذرة فإذا قضت حجها فلتعتقها . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن أم محبة أنها نذرت أن تمشي إلى الكعبة فمشت حتى أعيت فركبت ، ثم أتت ابن عباس فسألته ؟ فقال : أتستطيعين أن تحجي قابلا وتركبي حتى تنتهي إلى المكان الذي ركبت فيه فتمشي ما ركبت ؟ قالت : لا ، قال : ألك ابنة تمشي عنك ؟ قالت : لي ابنتان هما في أنفسهما أعظم من ذلك ؛ قال : فاستغفري الله وتوبي إليه . قال أبو محمد : هذه أم محبة التي عولوا على روايتها في بيع العبد من زيد بن أرقم إلى أجل بثمانمائة وابتياعها إياه منه بستمائة درهم ، فمرة يقلدون روايتها حيث اشتهوا ، ومرة يطرحونها ؛ والحجة إنما هي في رواية ابن عباس لا في رأيه وقد يهم وينسى ، وقد ذكرنا ما أخذوا به مما رواه الصاحب وخالفه كرواية عائشة تحريم الرضاع بلبن الفحل ، ثم كانت لا تدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها . وروينا عن علي : من نذر أن يمشي إلى بيت الله فليركب وليهد هديا - . وروينا عنه أيضا يهدي بدنة . وعن ابن الزبير ، وابن عمر : يمشي فإذا أعيا يركب ويعود من قابل فيركب ما مشى ويمشي ما ركب . وقال أبو حنيفة : يمشي فإن ركب فليهد شاة فما فوقها . وقال مالك في رواية ابن وهب عنه : يمشي ، فإن عجز ركب وأهدى شاة فما فوقها - وروى عنه ابن القاسم أنه يمشي فإذا أعيا ركب ويعرف الموضع الذي ركب منه فإذا كان من قابل رجع فمشى ما ركب وركب ما مشى فإن كان ركوبه يوما فأقل لم يرجع لذلك ولكن عليه الهدي ، فإن ركب من مكة إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى إلى مكة رجع من قابل فمشى كل ذلك بخلاف الركوب يوما في الطريق وعليه مع ذلك هدي - فإن كان شيخا كبيرا مشى ولو نصف ميل ؛ ثم ركب ويهدي ولا يرجع ثانية . وقال الشافعي : يمشي فإن أعيا ركب وعليه هدي غير واجب ، ولكن احتياطا . وقال ابن شبرمة كقولنا : إن عجز ركب ولا شيء عليه . فأما قول مالك فتقسيم لا يعرف عن أحد من المتقدمين قبله ، وخلاف لكل ما روي في ذلك عن الصحابة ، وقول لا دليل على صحته . وروينا عن حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء فيمن جعل على نفسه المشي إلى البيت قال : يمشي من حيث نوى فإن لم ينو شيئا فليركب فإذا دخل الحرم مشى إلى البيت
903 - مسألة : فإن نذر أن يحج ماشيا ، أو يعتمر ماشيا فكما ذكرنا ولا يلزمه المشي إلا مذ يحرم إلى أن يتم مناسك عمله ؛ لأن هذا هو الحج ، فإن نذر المشي إلى مكة فكما قال عطاء : من حيث نوى ، فإن لم ينو فليمش ما يقع عليه اسم مشي وليركب غير ذلك ولا شيء عليه ؛ لأنه قد أوفى بما نذر - وبالله - تعالى - التوفيق .
904 - مسألة : ودخول مكة بلا إحرام جائز ؛ لأن النبي عليه السلام إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجا ، أو عمرة ، ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة ، فلم يأمر الله - تعالى - قط ، ولا رسوله عليه السلام بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه . وروينا عن ابن عباس : لا يدخل أحد مكة إلا محرما . وعن ابن عمر أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم . وعن ابن شهاب : لا بأس بدخول مكة بغير إحرام . وقال أبو حنيفة : أما من كان منزله بحيث يكون الميقات بينه وبينها فلا يدخلها إلا بإحرام بعمرة أو حجة ، وأما من كان منزله بين الميقات ومكة أو كان من أهل الميقات فله دخول مكة ولا إحرام . وقال مالك : لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام إلا من اختلف من الطائف وعسفان ، بالحطب ، والفاكهة : فله دخولها بلا إحرام ، وإلا العبيد فلهم دخولها بلا إحرام ، وإلا من خرج منها ، ثم رجع من قرب فله دخولها بلا إحرام . وقال الشافعي : لا يدخلها أحد إلا بإحرام . فأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد ؛ لأنه تقسيم لا يعقل ولا له وجه ، وفيه إيجاب حج وعمرة لم يوجبها الله - تعالى - ولا رسوله عليه السلام ؛ وإنما يجب في الدين مرة في الدهر إلا من نذر ذلك فيجب أن يفي بنذره بالنص ، وقول مالك أيضا : كذلك سواء سواء - وما نعرف لهما في هذين القولين سلفا أصلا . والعجب من احتجاج من احتج في ذلك { بقول رسول الله ﷺ في مكة إنها حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، ثم عادت كحرمتها بالأمس } . فليت شعري بأي شيء استحلوا أن يوهموا في هذا الخبر ما ليس فيه أثر ولا دليل ؟ وإنما أخبر عليه السلام أن سفك الدماء والقتال حرام لم يحل لأحد قبله كما ذكرنا قبل هذا وليس في هذا الحديث للإحرام معنى . وقد صح أنه عليه السلام دخلها وعلى رأسه المغفر أو عمامة سوداء ، وهو غير محرم - وحتى لو لم يأت هذا لكان في أنه لم يأت بإيجاب الإحرام على من قصدها لغير حج ، أو عمرة كفاية . وبالله - تعالى - التوفيق .
905 - مسألة : ومن نذر أن يحج ، أو يعتمر ، ولم يكن حج ولا اعتمر قط فليبدأ بحجة الإسلام وعمرته ، ولا يجزيه إلا ذلك ، ولا يجزيه أن يحج ناويا للفرض ولنذره ، ولا لحجة فرض وعمرة نذر ، ولا لحجة نذر وعمرة فرض ؛ لأن عقد الله ثابت عليه قبل نذره ، فإن أخر ما قدمه الله - تعالى - فهو عاص والمعصية لا تنوب عن الطاعة ولا يجزي عمل واحد عن عملين مفترضين إلا حيث أجازه النص وقد قدمنا أن من ساق الهدي ففرض عليه أن يقرن فالعمرة الموجبة عليه لسوق الهدي هي غير التي نذر ؛ فلا يجزئه غير ما أمر به ولا يجزئه عمل عن عملين إلا حيث أجازه النص ، والقياس باطل . وقد أجمعوا أنه لا تجزئ صلاة عن صلاتين ، ووافقونا - نعني الحاضرين من خصومنا - على أنه لا يجزئ صوم يوم عن يومين ، ولا رقبة عن رقبتين ولا زكاة عن زكاتين ، فتناقضوا ، وبالله - تعالى - التوفيق . وروينا عن ابن عمر أنه سألته امرأة عمن نذر أن يحج ولم يكن حج بعد ؟ فقال : هذه حجة الإسلام وفي بنذرك . وعن أنس قال : يبدأ بالفريضة فيمن نذر ولم يكن حج بعد . وفي هذا خلاف . روينا عن مجاهد ، وسعيد بن جبير فيمن نذر أن يحج ولم يكن حج حجة الإسلام ، قالا جميعا : تجزئه حجة الإسلام عنهما جميعا . وقال محمد بن الحسن ، وأبو يوسف : من حج حجة الإسلام فنوى بعمله فرضه ، والتطوع معا : أنه يجزئه عن حجة الإسلام ، وتبطل نية التطوع . فلو نذر أن يحج فحج ينوي نذره والتطوع معا ؟ قال أبو يوسف : يجزئه عن نذره فقط . وقال محمد : هي تطوع ولا تجزي عن النذر . قال أبو محمد : العمل كله باطل ؛ لأنه لم يخلص النية لما لزمه كما أمر .
906 - مسألة : من أهدى هدي تطوع فعطب في الطريق قبل بلوغه مكة ، أو منى فلينحره ، وليلق قلائده في دمه وليخل بين الناس وبينه ؛ وإن قسمه بين الناس ضمن مثل ما قسم . فلو قال : شأنكم به أو نحو هذا فلا بأس ؛ ولا يحل له أن يأكل هو ولا رفقاؤه منه شيئا ، فمن أكل منهم منه أدى إلى المساكين لحما مثل ما أكل فقط - الغنم ، والبقر ، والإبل في كل ذلك سواء . فإن بلغ محله ففرض عليه أن يأكل منه ولا بد ، ويتصدق منه ولا بد - وهكذا روينا عن طائفة من السلف . روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان ، ومعمر ، كليهما عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هدي التطوع يعطب : لينحره ، ثم ليغمس نعله في دمه ، ثم ليضرب بالنعل صفحته فإن أكل منه ، أو أمر بأكله غرم . فإن كان واجبا فعطب فلينحره ، ثم ليغمس نعله في دمه ، ثم ليضرب بالنعل صفحته فإن شاء أكل ، وإن شاء أهدى ؛ وإن شاء تقوى به في ثمن أخرى - وعن عطاء مثل هذا كله - وعن ابن المسيب في التطوع مثله . وروينا خلاف هذا من طريق حماد بن سلمة : أخبرني حماد هو ابن أبي سليمان - عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد أن عائشة أم المؤمنين قالت في الهدي يعطب في الطريق : كلوه ولا تدعوه للكلاب ، والسباع ، فإن كان واجبا فأهدوا مكانه هديا ، وإن كان تطوعا فإن شئتم فلا تهدوا وإن شئتم فأهدوا . ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه عطبت له بدنة تطوع فنحرها ابن عمر وأكلها ولم يهد مكانها . ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال : إذا أهديت هديا - وهو تطوع - فعطب فانحره ، ثم اغمس النعل في دمه ، ثم اضرب به صفحته ، ثم كله إن شئت ، واهده إن شئت وتقو به في هدي آخر . وعن ابن مسعود إذا ساق الهدي تطوعا فعطب : كل وأطعم وليس عليك البدل - وهو قول نافع أيضا . وعن سعيد بن جبير إذا عطب الهدي قبل محله فكل من التطوع ، ولا تأكل من الواجب . وروينا قولا آخر عن سعيد بن المسيب قال : يدعها تموت فرجعنا إلى السنة فوجدنا ما روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا حماد عن أبي التياح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس قال { بعث رسول الله ﷺ مع فلان الأسلمي ثمان عشرة بدنة فقال : أرأيت إن أزحف علي منها شيء ؟ فقال رسول الله عليه السلام : تنحرها ثم تصبغ نعلها في دمها ثم اضرب بها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك } ومن طريق أبي داود نا محمد بن كثير نا سفيان هو الثوري - عن هشام بن عروة عن أبيه { عن ناجية الأسلمي أن رسول الله عليه السلام بعث معه بهدي فقال : إن عطب منها شيء فانحره ، ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس } فهذا عموم لكل هدي . قال أبو محمد : قال أبو حنيفة : له أن يتصدق بها - وهذا خلاف أمر رسول الله عليه السلام ؛ لأنه إذا تولى توزيعها - : فلم يخل بين الناس وبينها . وقال مالك : إن أكل منها شيئا ضمن الهدي كله . وهذا خطأ ؛ لأن الله - تعالى - قال : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ومن الباطل المحال أن يأكل لقمة فيغرم عنها ناقة من أصلها ، وهذا عدوان لا شك فيه . وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يغرم إلا مثل ما أكل . وهذا مما يتناقض فيه أبو حنيفة ، ومالك ، فأخذا فيه برواية ابن عباس وتركا رأيه الذي خالف فيه ما روي - وبالله - تعالى - التوفيق .
907 - مسألة : فإن كان الهدي عن واجب - وهي ستة أهداء فقط لا سابع لها - : إما جزاء صيد ، وإما هدي المتمتع ، وإما هدي الإحصار ، وإما نسك فدية الأذى ، وإما هدي من نذر مشيا إلى الكعبة فركب ، وإما نذر هدي . وهذا الهدي ينقسم قسمين - : قسم بغير عينه ، وقسم منذور بعينه - فإن عطب الواجب قبل بلوغه محله فعل به صاحبه ما شاء من بيع أو أكل أو هدية أو صدقة ويهدي ما وجب عليه ولا بد حاشا المنذور بعينه فإنه ينحره ويتركه ولا يبدله ؛ لأنه إنما عليه في كل ما ذكرنا هدي واجب في ماله وذمته فعليه أن يأتي به أبدا وما لم يؤده عما عليه فهو مال من ماله يفعل فيه ما شاء عطب أو لم يعطب . وأما المنذور بعينه فهو خارج عن ماله لا حق له فيه وليس عليه أن يبدله إلا أن يتعدى عليه فيهلكه فيضمنه بالوجه الذي نذره له ؛ لأنه اعتدى على حق غيره فعليه مثله . وأما من منع من تحكم المرء في هديه ما لم يبلغه محله فمبطل بلا دليل ، وإنما خرج من ذلك التطوع يعطب قبل محله بالنص الذي أوردنا . والتطوع ثلاثة أهداء لا رابع لها - : من ساق هديا في قران أو في عمرة وهو لا يريد أن يحج من عامه ، أو أهدى وهو لا يريد حجا ولا عمرة .
908 - مسألة : ويأكل من هدي التطوع إذا بلغ محله ولا بد كما قلنا ولا يحل له أن يأكل من شيء من الأهداء الواجبة إذا بلغت محلها فإن أكل ضمن مثل ما أكل فقط ، ولا يعطى في جزارة الهدي شيء منه أصلا ويتصدق بجلاله وجلوده ولا بد . أما التطوع فلقول الله - تعالى - : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } ، وأمر الله - تعالى - فرض . ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه { عن جابر بن عبد الله فذكر حجة رسول الله ﷺ قال جابر ثم انصرف رسول الله عليه السلام إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ، ثم أمر في كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها } فهذا أمر منه عليه السلام بأخذ البضعة وطبخها ولم يقتصر على الأكل من بعض الهدي دون بعض . ومن طريق محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمران بن يزيد نا شعيب بن إسحاق نا ابن جريج نا الحسن بن مسلم أن مجاهدا أخبره أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبره { أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله ﷺ أمره أن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين ولا يعطي في جزارتها منها شيئا } . قال أبو محمد : من جعل بعض أوامره عليه السلام في كل ما ذكرنا فرضا وبعضها ندبا فقد تحكم في دين الله - تعالى - بالباطل وبما لا يحل من القول . وروينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أنه بعث بهدي وقال : كل أنت وأصحابك ثلثا وتصدق بثلث وابعث إلى آل عتبة ثلثا . ومن طريق وكيع عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : الضحايا والهدايا : ثلث لأهلك ، وثلث لك ، وثلث للمساكين . وعن معمر عن عاصم عن أبي مجلز : أن ابن عمر أمر أن يدفع له من أضحيته بضعة ويتصدق بسائرها . واختلف الناس فيما يؤكل من الهدي - : فروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : يؤكل من كل شيء إلا من جزاء صيد ونذر . وعن علي : لا يؤكل من جزاء الصيد ولا من النذر ولا مما جعل للمساكين . وعن معمر عن قتادة عن الحسن : يؤكل من الهدي كله إلا من جزاء الصيد - وقال الأوزاعي يؤكل من الهدي خمسة : النذر ، والمتعة ، والتطوع ، والوصية ، والمحصر ، إلا الكفارات كلها . وقال أبو حنيفة : لا يؤكل من شيء من الهدي إلا المتعة ، والقران ، والتطوع إذا بلغ محله - وقال مالك : يؤكل من كل شيء من الهدي إلا التطوع إذا لم يبلغ محله ، وجزاء الصيد ، وفدية الأذى ، ونذر المساكين . قال أبو محمد : هذه آراء مجردة لا دليل على شيء منها . واحتج بعضهم بأن يؤكل من كل هدي إلا ما جعل للمساكين . فقلنا : وأين وجدتم أن جزاء الصيد للمساكين ، وأن هدي المتعة والإحصار ليس للمساكين ؟ وقال بعضهم : قسنا هدي المتعة على هدي القران . فقلنا : أين وجدتم أن على القارن هديا يلزمه بعد قرانه ؟ وقد مضى الكلام في هذا - وبالله - تعالى - التوفيق . قال علي : كل هدي أوجبه الله - تعالى - فرضا فقد ألزم صاحبه إخراجه من ماله وقطعه منه ؛ فإذ هو كذلك فلا يحل له ما قد سقط ملكه عنه إلا بنص ؛ لكن يأكل منه أهله وولده إن شاءوا ؛ لأنهم غيره إلا ما سمي للمساكين فلا يأكلوا منه إن لم يكونوا مساكين - وبالله - تعالى - التوفيق .
909 - مسألة : والأضحية للحاج مستحبة كما هي لغير الحاج . وقال قوم : لا يضحي الحاج . روينا من طريق مسلم نا عمرو الناقد نا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت : { خرجنا مع رسول الله ﷺ ولا نرى إلا الحج فذكرت الحديث ، وفيه فضحى رسول الله عليه السلام عن نسائه بالبقر } . ومن طريق البخاري نا مسدد نا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه { عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي عليه السلام دخل عليها وقد حاضت بسرف قبل أن تدخل مكة فأخبرته أنها حاضت ، فقال لها عليه السلام : فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت : فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر كثير فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : ضحى رسول الله عليه السلام عن نسائه بالبقر } . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة وإلا فإنما هي ضحايا . ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد حدثني عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن البصري أن الحسن أباه تمتع فذبح شاتين شاة لمتعته وشاة لأضحيته . وقد حض رسول الله عليه السلام على الأضحية فلا يجوز أن يمنع الحاج من الفضل والقربة إلى الله - تعالى - بغير نص في ذلك
910 - مسألة : وإن وافق الإمام يوم عرفة يوم جمعة : جهر ، وهي صلاة جمعة ، ويصلي الجمعة أيضا بمنى وبمكة ؛ لأن النص لم يأت بالنهي عن ذلك . وقال - تعالى - { : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } فلم يخص الله - تعالى - بذلك غير يوم عرفة ومنى من عرفة ومنى . وروينا من طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا مسلم بن إبراهيم نا بشر بن منصور عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إذا وافق يوم جمعة يوم عرفة : جهر الإمام بالقراءة . وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء مثله - وهو قول أبي سليمان . فإن ذكروا خبرا رويناه من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن عبد العزيز بن عمر عن الحسن بن مسلم قال : { وافق يوم التروية يوم الجمعة وحجة النبي عليه السلام فقال : من استطاع منكم أن يصلي الظهر بمنى فليفعل ، فصلى الظهر بمنى ولم يخطب } قال عبد العزيز : وفعل عمر بن الخطاب مثل ذلك . وبه إلى إبراهيم بن أبي يحيى عن الحجاج بن أرطاة عن وبرة قال : وافق يوم عرفة يوم جمعة فصلى ابن الزبير الظهر ولم يجهر بالقراءة - : فهذا خبر موضوع فيه كل بلية . إبراهيم بن أبي يحيى مذكور بالكذب متروك من الكل ، ثم هو مرسل ، وفيه عن ابن الزبير مع ابن أبي يحيى الحجاج بن أرطاة وهو ساقط ؛ ثم الكذب فيه ظاهر ؛ لأن يوم التروية في حجة النبي عليه السلام إنما كان يوم الخميس وكان يوم عرفة يوم الجمعة - : روينا ذلك من طريق البخاري نا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عوف نا أبو العميس نا قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب " أن هذه الآية { اليوم أكملت لكم دينكم } نزلت على رسول الله عليه السلام وهو قائم بعرفة يوم جمعة " . فإن قيل : إن الآثار كلها إنما فيها جمع رسول الله عليه السلام بعرفة بين الظهر والعصر ؟ قلنا : نعم ، وصلاة الجمعة هي صلاة الظهر نفسها وليس في شيء من الآثار أنه عليه السلام لم يجهر فيها ، والجهر أيضا ليس فرضا وإنما يفترق الحكم في أن ظهر يوم الجمعة في الحضر والسفر للجماعة ركعتان .
911 - مسألة : ولا يجوز تأخير الحج والعمرة عن أول أوقات الاستطاعة لهما ؛ فمن فعل ذلك فقد عصى وعليه أن يعتمر ويحج - وهو قول مالك ، وأبي سليمان - وقال الشافعي : هو في سعة إلى آخر عمره . برهان صحة قولنا قول الله - عز وجل - : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } وقال - تعالى - { : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولا خلاف في أن هذا متوجه إلى كل مستطيع ؛ فلا يخلو المستطيع من أن يكون مفترضا عليه الحج أو لا يكون مفترضا عليه الحج ؛ فإن كان مفترضا عليه فهو مأمور به في عامه - وهو قولنا ، وهو إن لم يحج معطل فرض وإن كان ليس مفترضا عليه الحج فهذا خلاف القرآن . وأيضا فإن كان مفسوحا له إلى آخر عمره فإنما تلحقه الملامة بعد الموت ، والملامة لا تلحق أحدا بعد الموت ، فصح أنه ملوم في حياته . فإن احتجوا بأن النبي عليه السلام أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج إلا في آخرها ؟ قلنا : لا بيان عندكم متى افترض الله - تعالى - الحج ، وممكن أن لا يكون افترض إلا عام حج عليه السلام ، وما لا نص بينا فيه فلا حجة فيه ، إلا أننا موقنون أن رسول الله ﷺ لا يدع الأفضل إلا لعذر مانع ، ولا يختلفون معنا في أن التعجيل أفضل . فإن ذكروا تأخير الصلاة إلى آخر وقتها . قلنا : هذا جاء به النص فأوجدونا نصا بينا في جواز تأخير الحج وهو قولكم حينئذ ، ولا سبيل إلى هذا - وبالله - تعالى - التوفيق .
912 - مسألة : وإنما تراعى الاستطاعة بحيث لو خرج من المكان الذي حدثت له فيه الاستطاعة فيدرك الحج في وقته والعمرة ، فإن استطاع قبل ذلك العام كله وبطلت استطاعته في الوقت المذكور لم يكن مستطيعا ولا لزمه الحج ؛ لأنه لم يكلف العمرة والحج إلا في وقت الحج فيكون قارنا ، أو متمتعا .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والخمسون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج
كتاب الصيام
809 - مسألة : ليلة القدر واحدة في العام في كل عام ، في شهر رمضان خاصة ، في العشر الأواخر خاصة ، في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا إلا أنه لا يدري أحد من الناس أي ليلة هي من العشر المذكور ؟ إلا أنها في وتر منه ولا بد . فإن كان الشهر تسعا وعشرين فأول العشر الأواخر بلا شك : ليلة عشرين منه ؛ فهي إما ليلة عشرين ، وإما ليلة اثنين وعشرين ، وإما ليلة أربع وعشرين ، وإما ليلة ست وعشرين ، وإما ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن هذه هي الأوتار من العشر ( الأواخر ) . إن كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر بلا شك : ليلة إحدى وعشرين ، فهي إما ليلة إحدى وعشرين ، وإما ليلة ثلاث وعشرين ، وإما ليلة خمس وعشرين ، وإما ليلة سبع وعشرين ، وإما ليلة تسع وعشرين ، لأن هذه هي أوتار العشر بلا شك . وقال بعض السلف : من يقم العام يدركها . وبرهان قولنا : أنها في رمضان خاصة دون سائر العام قول الله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقال عز وجل : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } فصح أنه أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان ؛ فصح ضرورة أنها في رمضان لا في غيره ؛ وإذ لو كانت في غيره لكان كلامه تعالى ينقض بعضه بعضا بالمحال ، وهذا ما لا يظنه مسلم . وروي عن ابن مسعود : أنها في ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة يوم بدر . وبرهان صحة قولنا : أنها في العشر الأواخر منه ولا بد ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا عبد الأعلى نا سعيد بن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : { اعتكف رسول الله ﷺ العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له قال فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد ثم خرج على الناس فقال : يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، والتمسوها في التاسعة ، والسابعة ، والخامسة } . ثم فسرها أبو سعيد فقال : إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنتين وعشرين فهي التاسعة ، فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة ، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة " . قال أبو محمد : هذا على ما قلنا من كون رمضان تسعا وعشرين . وبه إلى مسلم : نا زهير بن حرب نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رجالا رأوا أنها ليلة سبع وعشرين فقال رسول الله ﷺ : أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها } . قال أبو محمد : هذه الأخبار تصحح ما قلنا : إذ لو كانت تنتقل لما كان لإعلام النبي ﷺ حقيقة ، لأنها كانت لا تثبت ؛ ولوجب إذ خرج ليخبرهم بها أن يخبرهم بها عاما إلى يوم القيامة ، وهذا محال ؛ وإذا نسيها عليه السلام فمن المحال الباطل أن يعلمها أحد بعده ؛ وإذ لم يقطع عليه السلام برؤيا من رأى من أصحابه فرؤيا من بعدهم أبعد من القطع بها ؛ وقد روي عن أبي بن كعب : أنها ليلة سبع وعشرين ، وليس قوله بأولى من قول ابن مسعود . فإن قيل : قد جاء أن علامتها أن الشمس تطلع حينئذ لا شعاع لها ؟ قلنا : نعم ، ولم يقل عليه السلام : إن ذلك يظهر إلينا فنعلم من ذلك ما لم يعلمه هو عليه السلام ؛ فيكون ذلك أول طلوعها بحيث لا يتبين ذلك فيها أحد . فإن قيل : قد قال عليه السلام : { إنه أري أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين } فكان ذلك صباح ليلة إحدى وعشرين ؟ قلنا : نعم ، وقد وكف المسجد أيضا في صبيحة ليلة ثلاث وعشرين فسجد عليه السلام في ماء وطين - : روينا هذا من طريق مسلم بن الحجاج عن سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث الكندي أنا أبو ضمرة أنس بن عياض حدثني الضحاك بن عثمان عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله ﷺ قال : { أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين ، قال : 8 فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله ﷺ فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه } . ( قال ) وكان عبد الله بن أنيس يقول : ثلاث وعشرون وقد يمكن أن تكف السماء في العشر الأواخر كلها فبقي الأمر بحبسه . ومن طرائف الوسواس : احتجاج ابن بكير المالكي في أنها ليلة سبع وعشرين بقول الله تعالى : { سلام هي } قال : فلفظة " هي " هي السابعة وعشرون من السورة . قال أبو محمد : حق من قام هذا في دماغه أن يعاني بما يعاني به سكان المارستان نعوذ بالله من البلاء ، ولو لم يكن له من هذا أكثر من دعواه أنه وقف على ما غاب من ذلك عن رسول الله ﷺ ولم ينس من علم الغيب ما أنساه الله عز وجل نبيه عليه السلام ، ومن بلغ إلى هذا الحد فجزاؤه أن يخذله الله تعالى مثل هذا الخذلان العاجل ثم في الآخرة أشد تنكيلا .
810 مسألة : ويستحب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان لقول رسول الله ﷺ : { التمسوها في العشر الأواخر } وإنما تلتمس بالعمل الصالح لا بأن لها صورة وهيئة يمكن الوقوف عليها بخلاف سائر الليالي كما يظن أهل الجهل ، إنما قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم } وقال تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } فبهذا بانت عن سائر الليالي فقط والملائكة لا يراهم أحد بعد النبي ﷺ . نسأل الله تعالى التوفيق والهدى والعصمة آمين
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام
كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والسبعون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (مسألة 837 - 850) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 851 - 861)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (مسألة 862 - 872)
كتاب الحج
851 - مسألة : فإن أمكنه تجديد الإحرام فليفعل ويحج أو يعتمر وقد أدى فرضه لأن إحرامه الأول قد بطل وأفسده ، والتمادي عليه لا يجوز لقول الله - تعالى - : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } . وقال الأوزاعي : في سباب المحرم دم ؛ وهم يجعلون الدم فيما لا يكره فيه من المبيت في غير منى وغير ذلك ولا يجعلونه في السباب للمحرم في الحج .
852 - مسألة : ومن وقف بعرفة على بعير مغصوب ، أو جلال بطل حجه إذا كان عالما بذلك ، وأما من حج بمال حرام فأنفقه في الحج - ولم يتول هو حمله بنفسه - فحجه تام . أما المغصوب ، فلأنه مخالف لما أمره الله - تعالى - به ولم يحج كما أمر - وأما وقوفه على بعير جلال فلما صح عن النبي ﷺ مما حدثناه عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرني عبد الله بن الجهم نا عمرو هو ابن أبي قيس - عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : { نهى رسول الله ﷺ عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها } . وبه إلى أبي داود نا مسدد نا عبد الوارث هو التنوري - عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : { نهى رسول الله ﷺ عن ركوب الجلالة } . قال أبو محمد : والجلالة هي التي علفها الجلة وهي العذرة ؛ فمن وقف بعرفة على بعير جلال فلم يقف كما أمر ؛ لأنه عاص في وقوفه [ عليه ] والوقوف بعرفة طاعة وفرض ، ومن المحال أن تنوب المعصية عن الطاعة وقال عليه السلام : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فمن وقف بها حاملا لمال حرام ، فلم يقف كما أمر بل وقف عاصيا ، فإن لم يعلم بذلك فقد قال - تعالى - : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، ولكن ما تعمدت قلوبكم } ومن لم يتعمد للحرام عالما به فليس عاصيا ، وإذا لم يكن عاصيا فهو محسن قال - تعالى - : { ما على المحسنين من سبيل } فقد وقف كما أمر ، وعفا الله - تعالى - له عما لم يعلمه . وأما نفقة المال الحرام في الحج وطريقه - : فهو إن كان عاصيا بذلك فلم يباشر المعصية في حال إحرامه ولا في شيء من أعمال حجه فلم يخلط في عمله الواجب عملا محرما وبالله - تعالى - التوفيق . وكذلك لو ركب الجلال في شيء من إحرامه أو عمل حجه لقول الله - تعالى - : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } والمعصية : فسوق ؛ وقد وافقونا على بطلان صلاة من صلى الفرض راكبا لغير ضرورة ولا فرق بين الأمرين ؛ لأن كليهما عمل محرم .
853 - مسألة : وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ، ومزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ؛ لأن عرفة من الحل ، وبطن عرنة من الحرم فهو غير عرفة ؛ وأما مزدلفة فهي المشعر الحرام وهي من الحرم ؛ وبطن محسر من الحل فهو غير مزدلفة . نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن حسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا جعفر الصائغ نا أبو نصر النمار هو عبد الملك بن عبد العزيز - عن سليمان بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم قال رسول الله ﷺ : { كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عرنة ، والمزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر } .
854 - مسألة : ورمي الجمار بحصى قد رمي به قبل ذلك جائز ، وكذلك رميها راكبا حسن ؛ أما رميها بحصى قد رمي به فلأنه لم ينه عن ذلك قرآن ، ولا سنة ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه - : فإن قيل : قد روي عن ابن عباس أن حصى الجمار ما تقبل منه رفع ، وما لم يتقبل منه ترك ولولا ذلك لكان هضابا تسد الطريق ؟ قلنا : نعم فكان ماذا ؟ وإن لم يتقبل - رمي هذه الحصى من عمرو فيستقبل من زيد ، وقد يتصدق المرء بصدقة فلا يقبلها الله - تعالى - منه ؛ ثم يملك تلك العين آخر فيتصدق بها فتقبل منه . وأما رميها راكبا - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - نا وكيع نا أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله قال : { رأيت رسول الله ﷺ يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء ، لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك إليك } . وقال أبو يوسف قبل موته بأقل من ساعة : رمي الجمرتين الآخرتين راكبا أفضل ورمي جمرة العقبة راجلا أفضل ؛ وهذا تقسيم فاسد بلا برهان بل رميها راكبا أفضل اقتداء برسول الله ﷺ .
855 - مسألة : ويبطل الحج تعمد الوطء في الحلال من الزوجة والأمة ذاكرا لحجه أو عمرته فإن وطئها ناسيا ؛ لأنه في عمل حج أو عمرة فلا شيء عليه ، وكذلك يبطل بتعمده أيضا حج الموطوءة وعمرتها قال - تعالى - : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } والرفث الجماع ؛ فمن جامع فلم يحج ، ولا اعتمر كما أمر ، وقال رسول الله ﷺ : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } . وأما الناسي ، والمكره فلا شيء عليه لقول رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . ولقول الله - تعالى - : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وهو قول أصحابنا .
856 - مسألة : وإن وطئ وعليه بقية من طواف الإفاضة أو شيء من رمي الجمرة فقد بطل حجه كما قلنا ، قال تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } . فصح أن من رفث ولم يكمل حجه فلم يحج كما أمر ، وهو قول ابن عمر وقول أصحابنا . وقال ابن عباس : لا يبطل الحج بالوطء بعد عرفة ؛ وهو قول أبي حنيفة وقال مالك : إن وطئ يوم النحر قبل رمي الجمرة بطل حجه ، وإن وطئ يوم النحر بعد رمي الجمرة لم يبطل حجه ، وإن وطئ بعد يوم النحر قبل رمي الجمرة لم يبطل حجه . فأما قول مالك فتقسيم لا دليل على صحته أصلا . واحتج أبو حنيفة بقول رسول الله ﷺ : { الحج عرفة } . قال علي : ولا حجة لهم في هذا لأن الذي قال هذا هو الذي أخبرنا عن الله تعالى بأنه قال : { وليطوفوا بالبيت العتيق } وبأنه قال : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } . وهو الذي أمر برمي الجمرة فلا يجوز الأخذ ببعض قوله دون بعض . وقد قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فكان الطواف بالبيت هو الحج كعرفة ولا فرق . وقوله عليه السلام : { الحج عرفة } لا يمنع من أن يكون الحج غير عرفة أيضا ؛ وقد وافقنا المخالف على أن امرأ لو قصد عرفة فوقف بها فلم يحرم ولا لبى ، ولا طاف ، ولا سعى فلا حج له ؛ فبطل تعلقهم بقوله عليه السلام : { الحج عرفة } .
857 - مسألة : فمن وطئ عامدا كما قلنا فبطل حجه فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل لا يجزئ عنه لكن يحرم من موضعه ، فإن أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى ، وأمره إلى الله تعالى ، ولا هدي في ذلك ، ولا شيء ؛ إلا أن يكون لم يحج قط ، فعليه الحج والعمرة . وقد اختلف السلف في هذا - : فروينا عن عمر رضي الله عنه أن يتماديا في حجهما ، ثم يحجان من قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامع فيه وعليه هدي وعليها ، وهذا مرسل عن عمر ؛ لأنه عن مجاهد عن عمر ولم يدرك مجاهد عمر . وروينا عن علي على كل واحد منهما بدنة ويتفرقان إذا حجا من قابل وهذا مرسل عن علي ، لأنه عن الحكم عن علي ، والحكم لم يدرك عليا . وروينا عن ابن عباس أقوالا منها : أن يتماديا على حجهما ذلك وعليهما هدي وحج قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامعها فيه . وعن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر مثله قالوا : فإن لم يجد هديا صام صيام المتمتع ، وقول آخر مثل هذا سواء سواء إلا أنه لم يعوض من الدم صياما . وعن ابن عمرو ، وابن عمر مثله ، ولم يذكروا تفريقا . وروي عن ابن عباس أيضا أنه عليه بدنة ، ويتفرقان من قابل قبل الموضع الذي جامعها فيه - وعن ابن عباس على كل واحد منهما هدي . وعن جبير بن مطعم أنه قال للمجامع : أف لا أفتيك بشيء ؟ وأما من جامع بعد عرفة - : فعن ابن عمر من وطئ قبل أن يطوف بالبيت فعليه الحج والهدي - وروي عنه أيضا : عليه الحج من قابل وبدنة . وعن ابن عباس على كل واحد منهما جزور . ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : من واقع امرأته قبل أن يطوف بالبيت فعليه دم . وعن ابن عباس أيضا عليه وعليها بدنة . وروينا عن عائشة أم المؤمنين لا هدي إلا على المحصر . وقال أبو حنيفة : إن وطئ قبل عرفة تماديا على حجهما ذلك وعليهما حج ؛ قابل وهدي ويجزئ في ذلك شاة ولا يتفرقان ، فإن وطئ بعد عرفة فحجه تام وعليه بدنة . قال أبو محمد : فكان من العجب أنه إذا بطل حجه أجزأه هدي شاة وإذا تم حجه لم يجزه إلا بدنة ، وهذا تقسيم ما روي عن أحد ؛ فإن تعلق بابن عباس فقد اختلف عن ابن عباس كما ذكرنا وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وليس قول بعضهم أولى من بعض ، وهذا جبير بن مطعم لم يوجب في ذلك هديا أصلا ولا أمر بالتمادي على الحج . قال علي : قال الله تعالى : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } فمن الخطأ تماديه على عمل لا يصلحه الله عز وجل ؛ لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم ، فالله تعالى لا يصلح عمله بنص القرآن . وقد صح عن رسول الله ﷺ أن الحج إنما يجب مرة ؛ ومن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد ، ثم ألزمه حجا آخر فقد ألزمه حجتين ، وهذا خلاف أمر رسول الله ﷺ . والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهم لا يختلفون في أن من أبطل صلاته أنه لا يتمادى عليها فلم ألزموه التمادي على الحج ؟ وقد خالف أبو حنيفة ابن عباس ، وعمر ، وعليا فيما روي عنهم من التفرق فلا نكرة فيمن خالف ابن عباس في قول قد صح عنه خلافه ، وإنما هم ستة من الصحابة رضي الله عنهم مختلفون كما ذكرنا ، فالواجب الرجوع إلى القرآن ، والسنة ، وقد صح عن النبي ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يجوز أن يوجب هدي بغير قرآن ، ولا عهد من رسول الله ﷺ . وروينا من طريق مجاهد ، وطاوس فيمن وطئ امرأته وهو محرم : أن حجه يصير عمرة وعليه حج قابل وبدنة - فلم يريا عليه التمادي في عمل الحج . وروينا عن قتادة : أنهما يرجعان إلى حدهما - يعني الميقات - ويهلان بعمرة ، ويتفرقان ، ويهديان هديا هديا . وعن الحسن فيمن وطئ قبل طواف الإفاضة ؟ قال : عليه حج قابل ولم يذكر هديا أصلا . وقال مالك : إن وطئ قبل رمي الجمرة يوم النحر فعليه هدي وحج قابل ويتفرقان من حيث جامعها ؛ فإن وطئ بعد رمي الجمرة فحجه تام وعليه عمرة وهدي بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، فإن لم يجد صام صيام المتمتع ، فكان إيجاب العمرة ، هاهنا عجبا لا يدرى معناه ؟ وكذلك تقسيمه الهدي وتقسيمه وقت الوطء ولا يعرف هذا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وقال الشافعي : إن وطئ ما بين أن يحرم إلى أن يرمي جمرة العقبة فسد حجه وعليه بدنة ، فإن لم يجد بدنة فبقرة ، فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم ، فإن لم يجد قومت البدنة بمكة دراهم ، ثم قومت الدراهم طعاما فأطعم كل مسكين مدا ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، فإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة فحجه تام وعليه بدنة - فكان هذا أيضا قولا لا يؤيده قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا يوجد هذا عن أحد من الصحابة أصلا - وبالله تعالى التوفيق .
858 - مسألة : ومن أخطأ في رؤية الهلال لذي الحجة فوقف بعرفة اليوم العاشر وهو يظنه التاسع ، ووقف بمزدلفة الليلة الحادية عشرة وهو يظنها العاشرة - : فحجه تام ولا شيء عليه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إن الوقوف بعرفة لا يكون إلا في اليوم التاسع من ذي الحجة أو الليلة العاشرة منها ؛ وإنما أوجب عليه السلام الوقوف بها ليلا أو نهارا . فصح أن كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف في وقت لا يختلف اثنان في أنه لا يجزيه فيه . وقد تيقن الإجماع من الصغير ، والكبير ، والخالف ، والسالف : أن من وقف بها قبل الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة أو بعد طلوع الفجر من الليلة الحادية عشرة من ذي الحجة فلا حج له ، وكذلك إن وقف بها بعد طلوع الفجر من الليلة العاشرة وهو يدري أنها العاشرة ، وهذا قول جمهور الناس .
859 - مسألة : فإن صح عنده بعلم أو بخبر صادق : أن هذا هو اليوم التاسع إلا أن الناس لم يروه رؤية توجب أنها اليوم الثامن ففرض عليه الوقوف في اليوم الذي صح عنده أنه اليوم التاسع ، وإلا فحجه باطل لما ذكرنا . روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد قال : شهد نفر أنهم رأوا هلال ذي الحجة فذهب بهم سالم إلى ابن هشام وهو أمير الحج فلم يقبلهم فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم ، ثم دفع ، فلما كان في اليوم الثاني وقف مع الناس .
860 - مسألة : ومن أغمي عليه في إحرامه ، أو جن بعد أن أحرم في عقله فإحرامه صحيح ، وكذلك لو أغمي عليه ، أو جن بعد أن وقف بعرفة ولو طرفة عين أو بعد أن أدرك شيئا من الصلاة بمزدلفة مع الإمام فحجه تام ؛ لأن الإغماء والجنون لا يبطلان عملا تقدم أصلا ، ولا جاء بذلك نص أصلا ولا إجماع ، وليس قول رسول الله ﷺ : { رفع القلم عن ثلاث : فذكر النائم حتى ينتبه والمبتلى حتى يفيق والصبي حتى يبلغ } بموجب بطلان ما تقدم من عمله ، وإنما فيه : أنهم في هذه الحال غير مخاطبين فقط ، فإذا أفاقوا صاروا على حكمهم الذي كانوا عليه قبل - وبالله تعالى نتأيد .
861 - مسألة : ومن أغمي عليه ، أو جن ، أو نام قبل الزوال من يوم عرفة فلم يفق ، ولا استيقظ إلا بعد طلوع الفجر من ليلة يوم النحر ، فقد بطل حجه ، سواء وقف به بعرفة أو لم يقف به . وكذلك من أغمي عليه أو جن ، أو نام قبل أن يدرك شيئا من صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام فلم يفق ولا استيقظ إلا بعد سلام الإمام من صلاة الصبح ؛ فقد بطل حجه . فإن كانت امرأة فنامت ، أو جنت ، أو أغمي عليها قبل أن تقف بمزدلفة فلم تفق ، ولا انتبهت حتى طلعت الشمس من يوم النحر ، فقد بطل حجها ، وسواء وقف بها بمزدلفة ، أو لم يقف ، لأن الأعمال المذكورة فرض من فرائض الحج . وقال الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } وقال رسول الله ﷺ : { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } . فصح أنه لا يجزي عمل مأمور به إلا بنية القصد إليه مؤدى بإخلاص لله تعالى فيه كما أمر عز وجل ؛ وكل من ذكرنا فلم يعبد الله في الأعمال المذكورة مخلصا له الدين بها فلم يأت بها ، ولا حج لمن لم يأت بها ، ولا يجزي أن يقف به غيره هنالك لقول الله تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وكذلك لو أن امرأ مر بعرفة مجتازا ليلة النحر - نزل بها أو لم ينزل - وهو لا يدري أنها عرفة - فلا يجزئه ذلك ولا حج له حتى يقف بها قاصدا إلى الوقوف بها كما أمره الله تعالى . واختلف الناس في هذا ، فقال مالك : لا يجزئ أن يحرم أحد عن غيره فإذا أحرم بنية الحج أجزأ كل عمل في الحج بلا نية . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : أعمال الحج كلها تجزي بلا نية ، ولو أن من لم يحج قط حج ولا ينوي إلا التطوع أجزأه عن حجة الفرض . قال أبو محمد : وهذه أقوال في غاية الفساد والتناقض ، وقد أجمعوا لو أن امرأ عليه صلاة الصبح فصلى ركعتين تطوعا ، أو عليه الظهر فصلى أربعا تطوعا أن ذلك لا يجزئه من الفرض ، وأن من عليه زكاة خمسة دراهم فتصدق بخمسة دراهم تطوعا أنها لا تجزئه من الفرض . وأجمعوا إلا زفر : أن من صام يوما من رمضان ينوي به التطوع فقط ، أو لا ينوي به شيئا فإنه لا يجزئه من صوم الفرض - فليت شعري أي فرق بين الصوم ، والصلاة ، والزكاة ، والحج لو نصحوا أنفسهم ؟ فإن قالوا : قد روي أن رسول الله ﷺ أخبر أن للصبي حجا ، وسمع إنسانا لم يكن حج يلبي عن شبرمة فقال [ له ] { اجعل حجك هذا عن نفسك ثم حج عن شبرمة } . قلنا : أما إخباره عليه السلام أن للصبي حجا فخبر صحيح ثابت ولا متعلق لكم به ؛ لأنه لم يجعل عليه السلام ذلك الحج جازيا من حج الفريضة ، فهو حجة لنا عليكم ، ونحن نقول : إن للصبي حجا كما قال عليه السلام وهو تطوع لا يجزئ عن الفرض ، ونحن نقول : إن للصبي صلاة وصوما وكل ذلك تطوع منه وله ، وقد كان الصبيان يشهدون الصلوات مع رسول الله ﷺ كما حج بهم معه ولا فرق . وأما خبر شبرمة فلا يصح ، ولو صح لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن حجه عن شبرمة يجزي عن الذي حج عنه ، بل هو حجة عليهم ؛ لأن فيه أن يجعل الحجة على نفسه ، وفي هذا إيجاب للنية بها عن نفسه فهو حجة عليهم - وبالله تعالى التوفيق . وروينا عن الحسن فيمن عليه شهران متتابعان من كفارة ظهار ، أو نذر ، وعليه حج نذره ولم يكن حج حجة الفريضة فصام شعبان ورمضان وحج فإن ذلك يجزئه عما كان عليه ، وعن فرض رمضان ، وتلك الحجة تجزئه عن نذره وفرض الإسلام ، وهذا خطأ لما ذكرنا قبل - وهو قول أصحابنا - وبالله تعالى التوفيق . فإن قال مالكي : الحج كصوم اليوم إذا دخل فيه بنية ، ثم عزبت نيته أجزأه ؟ قلنا : ليس كذلك ؛ لأن الحج أعمال كثيرة متغايرة يحول بينها ما ليس منها كالتلبية ، والوقوف بعرفة ، ومزدلفة ، ورمي الجمار ، وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ، فلا بد لكل عمل من نية له . وأما الإحرام فهو عمل متصل لا ينفصل فيجزئه نية الدخول فيه ما لم يتعمد إحالة نيته أو إبطال إحرامه - وبالله تعالى نتأيد .
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والستون
< محلى ابن حزم - المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتاب الحج (تتمة مسألة 833) ابن حزم - المحلى كتاب الحج (مسألة 834 - 835)
المؤلف: ابن حزم كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835)
كتاب الحج
834 - مسألة : وأما جواز تقديم لفظة العمرة على الحج ، أو لفظة الحج على العمرة ؛ فلأنه قال تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فبدأ بلفظة الحج ؛ وصح { عن رسول الله ﷺ أنه قال : لبيك عمرة وحجة } وصح أنه عليه السلام قال : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } فلا نبالي أي ذلك قدم في اللفظ - وبالله تعالى التوفيق .
835 - مسألة : فإذا جاء القارن إلى مكة عمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة كما قلنا في العمرة إلا أنه يستحب له أن يرمل في الثلاث ، وليس ذلك فرضا في الحج ثم إذا أتم ذلك أقام محرما [ كما هو ] إلى يوم منى - وهو الثامن من ذي الحجة - فإذا كان اليوم المذكور أحرم بالحج من كان متمتعا ثم نهض القارن ، والمتمتع إلى منى فيبقيان بها نهارهما وليلتهما فإذا كان من الغد - وهو اليوم التاسع من ذي الحجة - نهضوا كلهم إلى عرفة فيصلي هنالك الإمام والناس الظهر بعد أن يخطب الناس ثم يؤذن المؤذن ، ويقيم ويصلي الظهر بالناس ، فإذا سلم من الظهر أقيمت الصلاة إقامة بلا أذان وصلى بهم العصر إثر سلامه من الظهر بعد زوال الشمس لا ينتظر وقت العصر كما في سائر الأيام ، ثم يقف الناس للدعاء فإذا غابت الشمس نهضوا كلهم إلى مزدلفة . ولو نهض إنسان إلى مزدلفة قبل غروب الشمس فلا حرج في ذلك ، ولا شيء عليه - لا دم ولا غيره وحجه تام . فإذا أتوا مزدلفة أذن المؤذن لصلاة المغرب ، ثم أقام وصلى الإمام بالناس صلاة المغرب ولا يجزئ أحدا أن يصليها تلك الليلة قبل مزدلفة ولا قبل مغيب الشفق ، فإذا - سلم أقيم لصلاة العتمة إقامة بلا أذان فيصليها بالناس ، وهي ليلة عيد الأضحى ويبيت الناس هنالك ، فإذا انصدع الفجر أذن المؤذن وأقيمت الصلاة فصلى بهم الصبح . ومن لم يقف بعرفة من بعد زوال الشمس من يوم عرفة إلى مقدار ما يدفع منها ويدرك بمزدلفة صلاة الصبح مع الإمام - فقد بطل حجه إن كان رجلا ، ومن لم يدرك مع الإمام بمزدلفة صلاة الصبح فقد بطل حجه إن كان رجلا . وأما النساء فإن وقفن بعرفة إلى قبل طلوع الفجر من يوم النحر أو دفعن من عرفة بعد ذكرهن الله - تعالى - فيها أجزأهن الحج ؛ ومن لم يقف منهن بعرفة لا يوم عرفة ولا ليلة يوم النحر حتى طلع الفجر ، فقد بطل حجها ، ومن لم تقف منهن بمزدلفة بعد وقوفها بعرفة وتذكر الله - تعالى - فيها حتى طلعت الشمس من يوم النحر ، فقد بطل حجها . فإذا صلى الإمام كما ذكرنا بمزدلفة صلاة الصبح بالناس وقفوا للدعاء ، فإذا أسفر قبل طلوع الشمس دفعوا كلهم إلى منى ، فإذا أتوا منى أحببنا لهم التطيب بعد أن يرموا جمرة العقبة بسبع حصيات يكبرون مع كل حصاة ، ولا يقطعون التلبية مذ يهلون بالحج من المسجد ، أو بالقران من الميقات إلا مع تمام رمي السبع حصيات ، فإذا رموها كما ذكرنا فقد تم إحرامهم ويحلقون أو يقصرون ، والحلق أفضل للرجال . وينحرون الهدي إن كان معهم ، ثم قد حل لهم كل ما كان من اللباس حراما على المحرم ، وحل لهم التصيد في الحل ، والتطيب حاشا الوطء فقط . فإن نهضوا من يومهم إلى مكة فطافوا بالبيت سبعا لا خبب في شيء منها ثم سعى بين الصفا والمروة سبعا - إن كان متمتعا ، أو إن كان لم يسع بينهما أول دخوله إن كان قارنا - فقد تم الحج كله ، أو القران كله وحل لهم الوطء . ويرجعون إلى منى فيقيمون بها ثلاثة أيام بعد يوم النحر يرمون كل يوم بعد زوال الشمس الجمرات الثلاث بسبع حصيات ، سبع حصيات ، سبع حصيات : يبدأ بالقصوى ، ثم بالتي تليها ، ثم جمرة العقبة التي رمى يوم النحر يقف عند الأوليين للدعاء ، ولا يقف عند جمرة العقبة ؛ فإذا تم ذلك ، فقد تم جميع [ عمل ] الحاج . ويأكل القارن ولا بد من الهدي الذي ساق مع نفسه ويتصدق منه ولا بد . فأما المتمتع فإن كان من غير أهل مكة والحرم ، ولم يكن أهله معه قاطنين هنالك : ففرض عليه أن يهدي هديا ، ولا بد - : إما رأس من الإبل ، أو من البقر ، وإما شاة ، وإما نصيب مشترك في رأس من الإبل ، أو في رأس من البقر بين عشرة أنفس فأقل - لا نبالي متمتعين كانوا أو غير متمتعين ، وسواء أراد بعضهم حصته للأكل ، أو للبيع ، أو لله دي ، ولا يجزئه أن يهديه إلا بعد أن يحرم بالحج ويذبحه بمكة أو بمنى ولا بد ، أو متى شاء بعد ذلك . فإن لم يقدر على هدي ففرضه أن يصوم ثلاثة أيام ما بين أن يحرم بالحج إلى أول يوم من النحر ، فإن فاته ذلك فليؤخر طواف الإفاضة - وهو الطواف الذي ذكرنا يوم النحر - إلى أن تنقضي أيام التشريق ، ثم يصوم الثلاثة الأيام ؛ ثم يطوف بعد تمام صيامهن طواف الإفاضة ؛ ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع من عمل الحج كله ولم يبق منه شيء ؛ فإن كان أهله بمكة لم يلزمه إن كان متمتعا هدي ، ولا صيام ، وهو محسن في كل ذلك .
والمتمتع هو من اعتمر ممن ليس أهله من سكان الحرم ثم حج من عامه سواء رجع إلى بلده ، أو إلى الميقات ، أو لم يرجع ، ولا يضر الهدي أن لا يوقف بعرفة ، ولا هدي على القارن - مكيا كان أو غير مكي - حاشا الهدي الذي كان معه عند إحرامه . فمن أراد ممن ذكرنا أن يخرج عن مكة فليجعل آخر عمل يعمله أن يطوف بالبيت سبعا ، ثم يخرج إثر تمامه موصولا به ولا بد ؛ فإن تردد لأمر ما أعاد الطواف إذا أراد الخروج عن مكة ، فإن خرج ولم يطف ففرض عليه الرجوع ولا بد - ولو من أقصى الدنيا - حتى يجعل آخر عمله بمكة الطواف بالبيت
ومن ترك من طواف الإفاضة - ولو بعض شوط حتى خرج - : ففرض عليه الرجوع حتى يتمه ؛ فإن خرج ذو الحجة قبل أن يتمه فقد بطل حجه .
ومن لم يرم جمرة العقبة يوم النحر أو باقي ذي الحجة فقد بطل حجه ؛ ويجزئ القارن طواف واحد لعمرته ولحجه ، كالمفرد بالحج ولا فرق . برهان ذلك : ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - جميعا عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ( . . . ) قال : قلت لجابر بن عبد الله : أخبرني عن حجة الوداع ؟ فقال جابر - فذكر حديثا - وفيه { فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة - فذكر كلاما - ثم قال فصلى رسول الله ﷺ في المسجد ، ثم ركب القصواء - فذكر كلاما - ثم قال : حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت . . . ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ؛ فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به ؛ فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده . ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ؛ ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ؛ فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ - فشبك رسول الله ﷺ أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين - لا ، بل لأبد أبد ، وقدم علي من اليمن ببدن النبي ﷺ فوجد فاطمة ممن حل ، ولبست ثيابا صبيغا فأنكر ذلك عليها فقالت : إني أمرت بهذا . . . فأخبر علي بذلك النبي ﷺ فقال : صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ﷺ قال : فإن معي الهدي فلا تحل . . . فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي ﷺ ومن كان معه هدي ؛ فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله ﷺ فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله ﷺ . . . حتى أتى عرفة . . . فنزل في القبة بنمرة حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا - ثم ذكر كلاما كثيرا - ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ؛ ثم ركب عليه السلام حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا . . . وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله ﷺ وقد شنق للقصواء الزمام ، وقال : أيها الناس السكينة السكينة ، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع عليه السلام حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ؛ ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده ؛ فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن العباس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ؛ ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ؛ ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه . ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله ﷺ فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر . ثم أتى زمزم فتناول دلوا فشرب منه } . قال أبو محمد : كل ما في هذا الخبر من دعاء ، وصفة مشي ، وغير ذلك لا تحاش شيئا ، فهو كله سنة مستحبة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
كتاب الحج (مسألة 811 - 812) | كتاب الحج (مسألة 813 - 814) | كتاب الحج (مسألة 815) | كتاب الحج (مسألة 816 - 819) | كتاب الحج (مسألة 820 - 822) | كتاب الحج (مسألة 823 - 825) | كتاب الحج (مسألة 826 - 832) | كتاب الحج (مسألة 833) | كتاب الحج (تتمة مسألة 833) | كتاب الحج (مسألة 834 - 835) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 835) | كتاب الحج (تتمة 4 مسألة 835) | كتاب الحج (مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 1 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 2 مسألة 836) | كتاب الحج (تتمة 3 مسألة 836) | كتاب الحج (مسألة 837 - 850) | كتاب الحج (مسألة 851 - 861) | كتاب الحج (مسألة 862 - 872) | كتاب الحج (مسألة 873 - 875) | كتاب الحج (مسألة 876 - 877) | كتاب الحج (مسألة 878) | كتاب الحج (مسألة 879) | كتاب الحج (مسألة 880 - 889) | كتاب الحج (مسألة 890) | كتاب الحج (مسألة 891 - 894) | كتاب الحج (مسألة 895 - 901) | كتاب الحج (مسألة 902 - 912) | كتاب الحج (مسألة 913 - 918) | كتاب الحج (مسألة 919) | كتاب الحج (تتمة مسألة 919)
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الحادية والعشرون
الي هنا توقف
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والثمانون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة عشر
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والأربعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والثلاثون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والخمسون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والسبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والعشرون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السبعون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الستون
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة العاشرة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة العشرون
ك
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الأعتكاف
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الجنائز
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الحج
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الزكاة
محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام

تصنيف المحلي لابن حزم

تصنيف:محلى ابن حزم:المجلد الثاني اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث صفحات تصنيف «محلى ابن حزم:المجلد الثاني»  الصفحات 90 التالية مصنّفة بهذا ا...